أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فاطمة ناعوت - النسخةُ الأجمل منك... في المرآة














المزيد.....

النسخةُ الأجمل منك... في المرآة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4808 - 2015 / 5 / 16 - 10:11
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


هل ترى نفسَك جميلا ورائعًا وكامل الأوصاف. إذن لماذا يكرهُك بعضُ الناس ويلصقون بك صفاتٍ قبيحةً مما لا تراه أنت في نفسك؟ أم ترى نفسك مليئًا بالعيوب والثغرات والمثالب؟ فلماذا إذن يُحبُّك بعض الناس ويرونك أرفع الخَلق وأسماهم؟ لا أظن أن للنسبية علاقة بها الأمر. بل بتعدد نسخنا، فكل منّا له نسخٌ عديدة، ولا أقول أقنعة.
أفكرُ في هذا الأمر منذ نما وعيي في مراحل الصبا الأولى، وقت كنّا نظنُّ (ولم ينجُ من هذا الظن أحدٌ) أن بوسعنا تغييرُ الكون إلى الأفضل، وأن الله قد خلقنا- نحن بالذات- لكي ننقلَ الوجودَ نقلةً نوعية ليتحرك من خانة التعاسة والبؤس والأنانية والبغض إلى خانة السلام والتحضر والطفولة والفرح؛ حيث أراد له اللهُ أن يكون. إذ أشكُّ كثيرًا في أن الله تعالى قد خلقنا لنقتتل ونتباغض ونقسِّم الكوكبَ فرِقًا وشيعًا وأطيافًا وأُممًا وقبائلَ متنافرة متعنصرة متشاكسة متباغضة، بل "لِتعارفوا." (الحجرات 13).
نعود إليكَ وصورك المتعددة لدى نفسك ولدى الآخر. أظنُّ أن لكلِّ منّا نسخًا ثلاثًا، لا واحدة. نسخةٌ أولى تمثل تصورك الخاص عن نفسك. ونسخة ثانية يراها الآخرُ. وبما أن هذا الآخر كثيرٌ بتعداد مَن تعرفهم ومن يتعاملون معك، فإن هذه النسخة تتشظّى إلى نسخ عديدة بتعداد معارفك. أما النسخة الثالثة فهي "أنت" الحقيقي. وهذه النسخة غالبًا غائمةٌ مضللِة تكسوها الظلال؛ لهذا لا يعرفها أحدٌ حق المعرفة، ولا حتى أنت تعرفها حق المعرفة. وهنا قال سقرط قولته، التي تبدو، لفرط عمقها، ساذجة: “اِعرفْ نفسَك"، وكأنما يطلب المستحيل. لأن المرءَ قد يقضي عمره كاملا دون أن يعرف نفسه. فمعرفة النفس ليست بالمهمة اليسرة كما يظن الناس، بل هي لغزُ الكون وسرُّ الإنسان الأعظم الذي أفنى فيه الفلاسفةُ حيواتهم ليصلوا إلى معايير تفكُّ شفرته، دون جدوى.
وثمة نسخةٌ رابعة "افتراضية"، هي محور مقالي اليوم. هي النسخة الأجمل منك. هي الصورة التي، حين تنظر إلى المرآة، ترجو أن تراها، تشْخصُ في ملامحها وتقول: ليتني هي! وربما خادعتَ نفسَك قليلا وظننتَ، أن تلك التي تراها الآن منعكسةً على صفحة المرآة المتلألئة، هي أنت ولا أحد سواك. هي الصورة التي تتمنى أن تكونَ عليها، وتفني عمرك في محاولةٍ للوصول إليها. لهذا هي افتراضية، غير واقعية. مجرد صورة في مرآة، كلما حاولت القبض عليها فرّت منك كما السراب الذي لا يُنال. لكن قليلاً من الناس يعرفون كيف يطاردونها حتى يمسكون بها؛ ثم يقبضون عليها؛ ويعضّون عليها بالنواجذ، ثم يتلبّسونها، ويلبسونها، ويتدثرون بثوبها. فإذا ما ذاب ذلك الثوبُ الافتراضيُّ فوق أجسادهم الواقعية واتحدّ بخلاياها، صاروا هي، وصارت هم. هنا فقط يقدر أولئك الأقوياء ذوو البأس أن يكونوا كما شاءوا هم، وليس كما شِيءَ لهم أن يكونوا. هم يعيدون خلق ذواتهم على النحو الذي يشتهون، وليس كما شاءت لهم الچيناتُ الوراثية والتربية الأسرية والتنشئة المدرسية والمجتمعُ والنصوص الموروثة والعادات والتقاليد. هذا ما أسميه: "الاشتغال على النفس". إعادة تربية النفس على النحو الأمثل، لنجعل من أنفسنا صورًا أرقى من البشر. هنا يرمي بنا الحديثُ حول إشكالية هل الإنسان مُصيّرٌ أم مُخيّر؟ وهذا ليس موضوعنا على كل حال. إنما إعادة بناء ذواتنا على النحو الذي ننشد. وهو مطمح الفلاسفة منذ فجر الضمير الإنساني. صورة "سوبر مان" أو "الإنسان الفائق" كما رسمه "نيتشه". الإنسان الفائق ذاك، يصنع الجمالَ، لأنه جمالٌ، ويتجنب الشرَّ، لأنه شرٌّ. لا طمعًا في مكافأة، ولا خوفًا من عذاب. بل ببساطة يسعى لأن يكون متحضّرًا راقيًا لأنه يؤمن أن الإنسان يجب أن يكون متحضّرًا راقيًا.
أعرفُ كثيرين ممن أثق أنهم قبضوا على صورتهم الأجمل، وتلبّسوها. مارتن لوثر كنج، غاندي، طه حسين، الأم تريزا، ابن رشد، جبران، روزا باركس، وسواهم الكثير.
وماذا نفعل بما لدينا من نسخ عديدة من ذواتنا؟ في تقديري يجب ألا ننشغل بالنسخ الثلاث الأولى. فالحقيقية مجهولة، لا جدوى من معرفتها. وصورتاك في عين نفسك، وفي عيون الآخرين عمياوان، زائفتان؛ تحكمهما كثير من المعاملات الدخيلة مثل الذاتية والهوى والبغض والمصالح، الخ. أما الصورة الافتراضية الأجمل التي تتمنى أن تشاهدها كلما شخصتَ في المرآة، فهي التي، في ظني، يجب أن تكون طريدتنا. هي التي لو صببنا عليها محاور اهتمامنا، ربّينا أنفسنا وقوّمناها لنصير أجمل وأفضل وأرقى وأكثر إنسانية وتحضّرًا. حاول أن تقبض على صورتك الأجمل في المرآة؛ حتى تصير إنسانًا.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المايسترو صالح سليم
- لستُ يهوديًّا ولا مسيحيًّا ولا مسلمًا
- هل جئتَ في الزمن الخطأ؟
- أصول داعش في جذور مصر
- هاني شاكر، الطائر الحزين
- غدًا تتحرر سيناء
- الراقدةُ في غفوتِه
- العروس
- هل أنت واحد أم كثير؟!
- أيام الإرهاب الوسطي الجميل
- هل تذكرون راتشيل كوري؟
- الذهبُ الزائفُ على قمم التلال
- درسُ الثراء للصغار
- نحنُ أبناءُ الحياة
- نحن العدوّ الخطأ، أيها الأشاوس
- الزبون دائما على حق
- قدِّموا الأطفالَ للمحاكمة
- آن أنْ أكتبَ عن العصفور
- علامَ يُحاكَم إسلام البحيري!
- عبثيةٌ لم يكتبها بيكيت


المزيد.....




- علماء يستخدمون الذكاء الاصطناعي لحل مشكلة اختفاء -غابات بحري ...
- خبيرة توضح لـCNN إن كانت إسرائيل قادرة على دخول حرب واسعة ال ...
- فيضانات دبي الجمعة.. كيف يبدو الأمر بعد 3 أيام على الأمطار ا ...
- السعودية ومصر والأردن تعلق على فشل مجلس الأمن و-الفيتو- الأم ...
- قبل بدء موسم الحج.. تحذير للمصريين المتجهين إلى السعودية
- قائد الجيش الإيراني: الكيان الصهيوني اختبر سابقا ردة فعلنا ع ...
- الولايات المتحدة لا تزال غير مقتنعة بالخطط الإسرائيلية بشأن ...
- مسؤول أوروبي: الاتحاد الأوروبي يحضر الحزمة الرابعة عشرة من ا ...
- إصابة 3 أشخاص في هجوم انتحاري استهدف حافلة تقل عمالًا ياباني ...
- إعلام ونشطاء: هجوم صاروخي إسرائيلي جنوبي سوريا


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فاطمة ناعوت - النسخةُ الأجمل منك... في المرآة