الوحى .. من الارض الى السماء( 1 )!ا

ابراهيم الجندى

الحوار المتمدن-العدد: 1337 - 2005 / 10 / 4 - 11:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

الوحى ( الاتصال ) بين الارض والسماء هو القضية المركزية فى الدين الاسلامى ، بمعنى أن الله فى السماء أوحى الى النبى محمد فى الارض قرآنا عبر جبريل ، أراد الله من خلال هذا الوحى توصيل رسالة الى البشر بواسطة النبى تؤكد على وجود الله وتطالب البشر بالايمان به وتنفيذ أوامره ليدخلوا الجنة يوم القيامة ، و السؤال الاساسى فى الموضوع... هل الله فى السماء أوحى بهذا القرآن (مجردا) منفصلا عن الارض أم أن الارض اشتركت مع السماء فى تشكيل القرآن ؟
بمعنى آخر..هل كان الوحى ينزل من السماء ليعبر عن أفعال وأحداث وقعت بعينها على الأرض ؟ فمسيرة النبى والمؤمنين به تم تغطيتها فعلا بسور وآيات قرآنية تالية لحدوث هذه الوقائع وبشكل تفصيلى ،وهنا يشير علم ( أسباب النزول ) الى ان هناك سببا ارضيا لكل وحى / قرآن نزل من السماء ، وذلك يؤكد بما لا شك فيه أن الأرض هى التى أوحت الى السماء ، فصاغت السماء ما أوحى اليها فى شكل نصوص وأرسلته الى الارض ، بمعنى أوضح أن الانسان اشترك مع الله فى صياغة هذا النص ، واذا كانت تلك الفرضية تعبر عن افتراء من وجهة نظر البعض ، فنحن امام فرضية أكثر اهتراء .. وهى أن الله قدّر أو أراد للنبى أن يفعل ما فعله على الارض ثم أوحى اليه بالآيات المعبرة عن هذه الافعال ، وهنا نكون أمام تمثيلية محبوكة الاخراج ..الله منزه عن فعلها !ا
اذ ما الحكمة فى أن ( يريد) الله للبشر أن يفعلوا ما يشاء ثم (يوحى) اليهم بآيات تعبر عما أراد ؟
وللتدليل على ما نقول نسوق بعض الأمثلة ، وهى جزء من آلاف الامثلة
أولا : عن ابن عباس قال ..ولما نزلت "وأنذر عشيرتك الأقربين" سورة الشعراء 214 .. خرج النبى حتى صعد الى الصفا.. فهتف .. يا صباحاه ، فاجتمعوا اليه فقال : أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل ..أكنتم مصدقىّ (هل تصدقونى ) ..الحديث ، فقال ابو لهب ..تبا لك ، انما جمعتنا لهذا ؟ ثم قام أى غادر فنزل قول الله "تبت يدا ابى لهب وتب " سورة المسد
وهنا نلاحظ ان معارضة ابى لهب النابعة من ارادته الحرة هى سبب نزول الاية ، وأعتقد ان تلك الاية لم تكن لتنزل فى حالة عدم وجود ابى لهب أو وجوده وعدم اعتراضه على ما قاله النبى .. نخلص من هذا أن الاية لم تكن مجردة بل مرتبطة بشخص هو ابى لهب ، وفعل أى اعتراضه على ما قاله النبى ، ومكان أى الذى نادى منه على قومه ليجتمعوا اليه ، وزمان أى وقت الصباح الذى نادى عليهم فيه !ا
مثال آخر :عن عبد الله قال ..انى مع النبى فى حرث بالمدينة وهو متكىء على عسيب، فمر بنا ناس من اليهود فقالوا..سلوه عن الروح ، فقال بعضهم لا تسألوه فيستقبلكم بما تكرهون ، فأتاه نفر منهم فقالوا له : يا أبا القاسم ..ما تقول فى الروح ؟ فسكت ، ثم قام فأمسك وجهه بيده على جبهته ، فعرفت انه ينزل عليه ، فأنزل الله " ويسألونك عن الروح قل الروح من امر ربى وما اوتيتم من العلم الا قليلا " الاسراء 85
نخلص من ذلك أن سؤال اليهود تم بمحض الصدفة بدليل ان بعضهم كان مترددا فى سؤال النبى فتجرأ البعض الآخر وسأله عن الروح ، فهل كانت الاية ستنزل وتصبح قرآنا اذا لم يسألوه ؟ علما بأن سؤالهم كان للتحدى واجابته السريعة التى ( أوحى ) الله له بها فى ذات اللحظة كانت أكثر تحديا ، بغض النظر عما اذا كانت اجابة شافية مرضية من عدمه !ا
هنا نؤكد أن (الافعال البشرية) الأرضية كانت السبب المباشر فى نزول وصياغة (الايات السماوية)بذات لغة وثقافة أهل الجزيرة ، من جهة ثانية فان السلف أكدوا أن اسباب النزول ليس فيها اجتهاد ولا يحل القول فيها الا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل .. قال الامام محمد بن سيرين .. سألت عبيدة عن اية فى القرآن ، فقال اتق الله وقل سدادا..ذهب "أى مات "الذين يعلمون فيما انزل القرآن ، وبغض النظر عن مصداقية اسباب النزول من عدمه الا أن هناك اسباب زمانية ومكانية وفعلية من البشر على الارض لنزول آيات السماء ، اذا اتفقنا على ذلك فانما يعنى ببساطة أن الله والانسان اشتركا فى صياغة النص ، فالانسان هو المعنى به فى الاساس ،وبعد قراءتى لما كتبه الدكتور نصر حامد ابوزيد والمرحوم خليل عبد الكريم عن الوحى أؤكد ان هناك سؤال يطرح نفسه ، ما هى الفترة الزمنية الفاصلة بين حدوث الواقعة على الارض ونزول الاية بشأنها من السماء ، أحاول منذ عشر سنوات الاجابة عن هذا السؤال من خلال كتاب متخصص الا أن الوقت لم يسعفن لآداء المهمة ، وأخشى أن يخذلنى العمر أيضا ، ان الاجابة عن السؤال قد تحل اشكاليات كبيرة تخص المقدسات ، اذ أن النبى كان يرتجف حينما بدأ نزول الوحى عليه ، و حينما طالبه الله بالقراءة .. أجاب .. ما أنا بقارىء ، مع مرورالزمن تحول النبى من متعلم لكيفية تلقى الوحى والقراءة الى معلم يتحدث عن النجوم والافلاك فى السماء ، ان علم اسباب النزول يستحق منا قراءة متأنية ، فقد آن الاوان ان نعقد مصالحة بين الله والانسان ، فاذا كان الله هو الذى خلق الانسان ، فان الانسان هو الذى أبدع فكرة الله فى الاساس ، ويؤكد عليها منذ وجوده على الارض حتى الان وان بأشكال مختلفة!ا
وحتى اختتم سلسلة المقالات عن الوحى
كل عام وانتم بخير

#ابراهيم_الجندى (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات