قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا
الحوار المتمدن-العدد: 4821 - 2015 / 5 / 29 - 11:44
المحور:
الادب والفن
ألعجوز والتيه .. قصة قصيرة
كان صوت العجوز الخافت يتردد في فضاء الغرفة برتابة ، والصمتُ يُخيم على الجميع ، لم يكسر هذا الصمت ، سوى صوت زوجته العجوز التي تتكئ على عصا ، تقول :
-أين مسجلة الصوت ، فبدون مسجلة لن تستفيدوا ، ستنسون هذا الحديث ، يجب ان تسجلوا ..!!
-أكيد ، فهذه (وأشار بإصبعه على كتلة سوداء على الطاولة ) مُسجلة وهذا ميكروفون ..
سادَ صمتٌ قصير وعاد صوت العجوز اللاهث الى التردد في أجواء الغرفة ...
-جلسَ الشابُ خلف الخيمة وأجهش بالبُكاء ..!! واستمر العجوز في رواية قصة الشاب الذي لا يملك ثمن تذكرة الباص للسفر الى مدرسته ...
على الحائط المُقابل عُلقت صورة بالاسود والأبيض ، تضم أفراد أسرة وقد تكأكأ الصغار على والدهم يُحيطون به سعداء فرحين .... كانت الصورة بعيدة ، لم يستطع تمييز وجوه الجالسين عن بُعد ، لكنه يتذكر كل تفصيل صغير فيها غيبا ، رغم مرور السنين ..
وصوت العجوز اللاهث الهامس يأتي وكأنه خارج من بئر ، يحكي ويحكي ويبكي ...
ذات صيفٍ لا يُنسى ، وقفت هناك ، وكأنها كانت هناك كل تلك المُدة ، كتمثال إلهة يونانية ، يراها لأول مرة ، لكنه يعرفها حق المعرفة ، وكأنه التقاها في مكان ما وزمان آخر غير هذا الزمان وهذا المكان ..هكذا شعر وأحس..
كانت تكنس الارضية ، كان بإمكانه أن يدخل البيت من مدخل آخر ..
توقفت عن التنظيف وما زال ظهرها منحنيا ، وهي تنظر تجاهه وكأنما كانت تترقب قدومه ، طالَ وقوفها على هذه الحال وكأنها صورةٌ تلفزيونية ، جُمدّت ..!! لم تتحرك ولم تتزحزح ، كانت تدعوه للدخول والمرور بجانبها ، دون ان تنبس ببنت شفة.. أراد التمعن في قسمات وجهها وارادتْ هي ذلك أيضا . فهي لن تستطيع رؤيته جيدا وهي تمشي .. تجمدت في مكانها لتضمن للعيون ان تلتقي ..ولسماع خفقات القلوب التي تحاول الوثوب من الصدور ،نحو آفاق جديدة .
كانت تلك اللحظة هي لحظة التّماسِّ الكهربائي ، أو لحظة الإنفجار العظيم ..
-إنها هناك في الصورة ،تبتسم ابتسامتها الغامضة تلك .. قال في سرِّه مخاطبا نفسه ..
"لقد وقفتُ أمام القاضي وحكيتُ قصتي .." ، أخرجَه صوت العجوز من خيالاته وذكرياته ، كان قد بدأ الغوص عميقا لإصطياد لحظات نادرة كانت قد توارت خلف حوادث الايام ..
والعجوز يروي ويروي وكأنما هو خائف أن يأتيه الموت على حين غرة ، وتضيع حكايته تحت التراب .
-أين انتِ الآن ؟؟ عشرات السنين مرت وانقضت ..
وفجأة أحس بشوق عارم ، لمطالعة وجهها فقط .
#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟