|
الأنا الذي لا يفكر .. أو الطبيعة الصامتة و الطبيعة اللغوية
محمد بقوح
الحوار المتمدن-العدد: 4816 - 2015 / 5 / 24 - 14:23
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لقد قيل ، أن هذا الشيء الذي يفكر هو الأنا . لكن ، ما الشيء ، و ما التفكير ، و ما الأنا ؟ هل صحيح ، أنا شيء يفكر ؟ و هل كنت شيئا لا يفكر ، قبل أن أفكر حالا ؟ يعني أنا طبيعة تفكر الآن ؟ أي أنا طبيعة لها عقل يفكر . بمعنى ، أنا طبيعة لا طبيعة بالمطابقة . طبيعة تختلف عن الطبيعة الأصل بالعقل الذي يفكر . أنا إذن طبيعة ابن الطبيعة رغم أنني أختلف عنها بالتفكير ، أي باللغة . إذا افترضنا أن الطبيعة شيء صامت ، و أنا شيء يفكر باللغة ، أي طبيعة متكلمة ، إذن لا طبيعة ليس بشيء ، كما أنه لا يفكر الأنا الذي لا شيء . لكن ما التفكير في البدء ؟ و ما اللاتفكير . إنه غريزة ، إيجابا أو سلبا ، موجودة في كيان الطبيعة بالضرورة . أمر التفكير لا يخص الإنسان ، الذي هو جزء من هذه الطبيعة . و ليس غريزة تميز هذا الشيء الذي يسمى الإنسان . لو لم يفكر الشيء الطبيعي ، بطبيعته الصامتة ، لمَ استطاع الشيء البشري أن يفكر بطبيعته اللغوية . أي المتكلمة . و من تمّ ، أن يبقى في التاريخ موجودا ، و يستمر و يبتكر و لايزال . فهذا الشيء الذي هو الإنسان ، من ذاك الشيء الذي هو الطبيعة ، التي هي أصل له ، و عمقه الظاهر و الخفي . فلا فائدة في التفكير أمعد من هذا التفكير .
إن التفكير عندنا دافع و نتيجة . لعلّ تفاعل هذين الفعلين الطبيعيين ، هو ما يؤدي حتما إلى مظاهر النمو و التجديد و التغيير ، و استمرار القوة التي هي عنوان البقاء في الوجود ، في داخل الشيء الذي يفكر و في خارجه . سواء كان هذا الشيء الأنا الطبيعية الصّامتة ، أو أنا الإنسان المتكلمة . صحيح ، أن طبيعة الإنسان المتكلمة أنتجت الحضارة . لكن طبيعة الطبيعة ، أنتجت و حافظت و رعت ، و ما تزال تعمل على إنتاج و الحفاظ و الرعاية للإنسان الطبيعة . يعني أنك كطبيعة و كإنسان ، لا يمكن أن تحيا و تبقى كقوة طبيعية ، إلا إذا اجتمع فيك ، و في أناك الظاهرة و الباطنة ، ذلك الشيء الذي يفكر بقوة ، كطبيعة في الأشياء الصامتة ، و ذلك الشيء الذي يفكر بالفعالية نفسها ، كطبيعة في الإنسان . من هنا فللطبيعة نصيبها في ما وصل إليه الإنسان من تقدم و تطور حضاري ملفت . لكن وجب حماية الوجه الإنساني في الطبيعة ، و الوجه الطبيعي في الإنسان !! غير أن السؤال المطروح هنا هو : هل ما تعانيه اليوم الطبيعة من مشاكل بيئية كثيرة ، و صعوبات كبيرة شتى ، في رد الاعتبار لتوازنها الطبيعي ، الذي بات يهدد وجودها ككيان ، و كذا يهدد وجود كل الكائنات الحية ، و منها البشر ، من حولها ، يمكننا رده إلى التفكير " المتعجرف " و الأناني ، لهذا الإنسان الذي صار يفكر ، كشيء في أناه و في مصالحه الخاصة ، كطبيعة لغوية عدوانية ، مُقصيا غيره من تفكيره ، غير الطبيعي هنا ، لأن هذا الإنسان في هذه الحالة لم يفكر في مظهره الطبيعي الآخر و المكمل لطبيعته ، الذي هو الشيء الطبيعي المسالم و القوي ، الذي هو أصله الصافي ، الذي حافظ على هدوءه ، إلى حد اللحظة ، و لم يفكر مثله بمنطق العنف و الحروب ، الذي حسبنا أننا تركناه في زمن البدائية ، أو ربما قد تكون هنا الطبيعة حكيمة ، لأنها تتصرف أفضل منه في صمت ، دون أن تثير زوبعة المزيد من غبار الغبن و روائح الفضائح . أما الإنسان الطبيعة المنفعلة ، راهنا ، فيبدو أنه آخذ في إعلان كل أنواع العدوان و الحروب الشرسة ، التي لم يشهدها التاريخ من قبل ، ضد طبيعته الأصلية الطبيعية ، و التي حتما لن تبقى أبد الدهر صامتة . بل الجميع يعلم مدى العنف و التدمير ، اللذين يمكن أن يلحقهما غضبها الطبيعي إن اندلع ، و الذي ليس سوى صوتها ، و مظهرا من مظاهر صراعها الطبيعي ، ضدّ شدة العنف الممارس عليها ، و كذا صراخها المدمّر ، بعد انتهاء فترة تحملها للألم الطويل ، الذي لازمها منذ نشوء الصناعة و طغيان المال و الإعلام ، و معهما ظهرت المصلحة و هيمنت الأنانية ، لتتعطل عجلة التفكير الطبيعي البناء ، الذي هو المظهر الطبيعي الفعال للطبيعة ، كشيء يفكر بصمت . في حين ، لا نعرف متى ، و لا حتى كيف انحرف التفكير بالإنسان ، ككائن طبيعي سلبي بات عدوانيا منفعلا ، تحكمه و تستعبده غرائزه البدائية ، التي كانت سائدة في عهود الصراع مع توحّش الطبيعة . هل فعلا ، عاد البشر إلى زمن البدائية و التوحّش ، لأنه اختار أو اضطر إلى أن يختار تعطيل تفكيره العقلاني و الإيجابي الفعّال ، و يجمد حواسه الذكية و المنيرة ، و يطلق العنان ، بالمقابل لانفعالاته المريضة ، و لغرائزه العنيفة ، ضدّ نفسه ، و ضدّ غيره من مظاهر الطبيعة من حوله ؟؟ إننا هنا بلا شك .. بصدد ، أنا الذي يفكر ضدّ الأنا الذي لا يفكر . الأنا الطبيعة الفاعلة إلى حد اللحظة ، تقاوم مفكرة صامتة دون الحاجة إلى لغة ، و لا ندري إلى متى ستستمر مقاومتها هذه التي تعني هنا أنها في موقع قوة .
أما الأنا الطبيعة المنفعِلة للبشر ، فبالرغم من موقعها غير الطبيعي ، ككائن طبيعي ، في حالة هجوم قصوى ، إلا أنه ، في حقيقته ، و بتفكيره العدواني الجاري و القائم في زمننا المتردي ، يختزن شروط مصيره المأساوي الذي ينتظره ، و الذي أيضا لا محيد عنه ، إذا استمر هذا الإنسان في تعنته العدواني ، و طغيانه الأناني الظاهر و الخفي ، ضدّ طبيعته الطبيعية ، و ضدّ وسطه الحي الأصلي ، الذي هو رهان حياته ، بل حياة جميع مكوناته المختلفة عنه ، الطبيعية المجاورة له في أرضه و كونه .
#محمد_بقوح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من دفاتر نيتشه الفلسفية : مسألة الإغريق و علاقتهم بالفلسفة (
...
-
نقد مفهوم الحرية في فلسفة سبينوزا
-
من دفاتر نيتشه الفلسفية : مسألة الفلسفة و التفلسف و الفيلسوف
...
-
من دفاتر نيتشه الفلسفية : الفلسفة و الفيلسوف .. المفهوم و أي
...
-
الفلسفة .. ضد سياسة التجميع
-
محمد ابزيكا .. المثقف العضوي . أو صراع الأنساق : بين الحداثي
...
-
الفلسفة و سياسة التكرار
-
التقدم ضدّ خرافة الوصول .. في سبيل الصداقة الفلسفية
-
المرتزقة الجدد ، وجهة نظر فلسفية
-
أعشاش لاحمة
-
مفهوم الدولة في مادة الفلسفة المقررة بالبرنامج الدراسي للباك
...
-
وقفة احتجاجية شعبية ضد تواطؤ لوبي العقار مع الإدارة في أكادا
...
-
عودة إلى علاقة السلطة بالحقل التعليمي
-
مسألة المثقف في تصور بيير بورديو
-
الأصول الفلسفية لمفهوم الهابتوس عند بيير بورديو
-
عنف المؤسسة التربوية ضد التلميذ
-
السؤال الملتحي ربيعا
-
نص إبداعي : الوزير المغربي المحترم و عودة الفيلسوف نيتشه
-
حدث إبداعي شعري عالمي بصوت طفولي بمدرسة البساتين أيت ملول (
...
-
أمكنة ناطقة ( 7 ) : راس الما.. عبر الأبواب الزرقاء المعلقة -
...
المزيد.....
-
رئيس حزب -شين فين- الإيرلندي: اعتراف إيرلندا والنرويج وإسبان
...
-
اختتام مناورات -الأسد الإفريقي- بالمغرب بمشاركة صواريخ -هيما
...
-
رئيس حزب الائتلاف الجمهوري يحذر من الهيمنة الأمريكية الأوروب
...
-
بلينكن يبحث مع نظرائه السعودي والأردني والتركي صفقة بايدن لو
...
-
سيئول: كوريا الشمالية تشن هجوم تشويش على نظام تحديد المواقع
...
-
الكويت... رجل يشعل النار في نفسه
-
الكويت تسجل أعلى درجة حرارة في العالم يوم الجمعة
-
صحيفة تكشف كيف وافق بايدن على رفع الحظر عن استهداف روسيا
-
ترحيب أوروبي ألماني بخارطة الطريق لإنهاء الحرب في غزة
-
-بلومبيرغ-: مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي يعملان على فرض عق
...
المزيد.....
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
-
فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال
...
/ إدريس ولد القابلة
-
المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب
...
/ حسام الدين فياض
-
القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا
...
/ حسام الدين فياض
-
فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
يوميات على هامش الحلم
/ عماد زولي
-
نقض هيجل
/ هيبت بافي حلبجة
-
العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال
...
/ بلال عوض سلامة
-
المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس
...
/ حبطيش وعلي
-
الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل
...
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|