أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد بقوح - من دفاتر نيتشه الفلسفية : الفلسفة و الفيلسوف .. المفهوم و أية علاقة ؟















المزيد.....

من دفاتر نيتشه الفلسفية : الفلسفة و الفيلسوف .. المفهوم و أية علاقة ؟


محمد بقوح

الحوار المتمدن-العدد: 4772 - 2015 / 4 / 9 - 09:20
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ننطلق في هذه الدفاتر الفلسفية لنيتشه، من تصور أوّلي أساسي، مفاده أن فكر نيتشه الفلسفي، يستحسن الإنصات إليه أكثر من قراءته . و إن قرئ، ينبغي أن يقرأ به و فيه، و ليس بفكر استباقي خارجي، أو استنادا إلى منظور منهجي واضح الملامح و المعالم .
لهذا، ففكر نيتشه المعّقد فلسفيا، لا يمكن تمثل منجزه الفلسفي القصدي، إلا بالابتعاد أولا عن قراءته القراءة الاختزالية الصارمة، أو الأحادية الجانب، و ثانيا، باتخاذ مسافة معينة مع الفكر الايديولوجي الإسقاطي الموجه، و ثالثا، بالتبني الفعلي للقراءة الفلسفية المنفتحة، على لغة المعرفة الشمولية، باعتبار أن نيتشه نفسه اعترف، في أكثر من موضع، في كتاباته الفلسفية العميقة، بأنه يكتب فلسفته بلغة الدم، و ليس بالقلم . يعني أن الفلسفة هنا، غير الفلسفة بالمفهوم الأكاديمي الشائع و المألوف. و بالتالي، فالقول الفلسفي هنا بمثابة كتابة إبداعية، يعبر من خلالها الفيلسوف عن ذاته، و عن فكره، و علاقاته المختلفة، و المتوترة أحيانا بالعالم من حوله، حتى و إن كانت تعبيراته الذاتية المبدعة هنا بلغة المفاهيم الفلسفية، انسجاما كليا مع الشكل الشعري الشذري المميز للنص الفلسفي النيتشوي .

1 – الفيلسوف الموحد، و اختياره لموقع الوحدة و التوحد، كموقف انفصالي و مقاوِم، لتحرير ابداعه الفكري و الفلسفي .
يقول نيتشه في هذا الصدد : " لكي يعيش الانسان وحيدا، عليه أن يكون حيوانا، أو إلها، قال أرسطو . تبقى حالة ثالثة، عليه أن يكون الاثنين معا .. فيلسوفا " 1 .
يتجاوز نيتشه هنا أرسطو، في مسألة مفهوم الإنسان ككائن حي . فإذا كان أرسطو قد حدد معنى الانسان المتوحّد، بالتعبيرين الفلسفيين المتناقضين : الحيوان و الإله، باعتبار التعبير الأول ( الحيوان = الطبيعة ) يحيل على الاختيار الوجودي المحايِث للفرد البشري، بتعبير دولوز ( الحسّي و الغرائزي و الأرضي )، في حين يحيل التعبير الفلسفي الثاني ( الإله = الدين ) على الاختيار الوجودي المفارِق، دائما بلغة دولوز ( التجريدي و السماوي ) . في المقابل، يضيف نيتشه القيمة الفلسفية لمعنى وحدة الانسان، و هي القيمة التي تجعل مفهوم الفيلسوف، في نظر نيتشه، يتخذ شكلا مركبا من البعد الحسّي الجسدي، الذي يعتبر بعدا أساسيا لتوازن الفرد الإنساني عند نيتشه، و البعد المثالي المتعالي الخيالي و الجمالي، ثم البعد الفكري و العقلاني و التحليلي . هكذا، يتحقق المركّب المفهومي لمعنى و قيمة الفيلسوف، في سياق اختياره الفكري و الطوعي، لموقف الوحدة و التوحد، كموقف فلسفي و وجودي، من أجل التفكير و الابداع الفلسفيين . و بسبب رمزية هذا الموقف الوجودي القلق، لموقع الفيلسوف في حياة المجتمع، نعته نيتشه في نص آخر، بالموقف التراجيدي العميق، الذي لا يختلف كثيرا عن وضع حمار كاد " أن يهلك تحت ثقل لا يمكن حمله و لا الالقاء به ؟ تلك حالة الفيلسوف "2 . مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية الاستعمال الرمزي عند نيتشه للفظة " الحمار "، لأنه هنا يستعملها كإحالة على الأصل الطبيعي للكائن الحي، قبل طابعه الثقافي المتطور، الذي تلاه لاحقا. بالإضافة إلى قيمة التحمل القصوى، التي تعني في حالة الفيلسوف، وضعه التراجيدي، رفقة أسئلته القلقة الوجودية المستمرة في حياته الخاصة، التي غالبا ما يشعر بها قصيرة، مقارنة مع باقي الموجودات الحية، و الكائنات الطبيعية المحيطة به .

كما أن مفهوم الوحدة، كحالة هوية وجودية، في المجال الفلسفي، هي غير حالة العزلة، باعتبار أن الفيلسوف المتوحّد، حسب هايدغر، غالبا ما يكون دوما، في حاجة أكيدة إلى أن يتوحّد بنفسه و ذاته، بعيدا عن عالم التشويش، من أجل طرح أسئلته الفكرية و الفلسفية، و التحاور الفعلي مع جوهر الأشياء . يقول هايدغر في هذا الشأن " غالبا ما يندهش أهل المدينة، من انعزالي الطويل الرتيب، في الجبال مع الفلاحين، إلا أن هذا ليس انعزالا، و إنما هي الوحدة . ففي المدن الكبيرة، يستطيع المرء بسهولة أن يكون منعزلا، أكثر من أي مكان آخر، لكنه لا يستطيع أبدا أن يكون فيها وحيدا . ذلك أن للوحدة القدرة الأصلية على عدم عزلنا، بل إنها، على العكس من ذلك، ترمي وجودنا بأكمله في الحوار الواسع مع جوهر الأشياء كلها "3 .
إن هايدغر هنا، يتفق بلا شك مع الرؤية الفلسفية لنيتشه، فيما يخص حاجة الفيلسوف الضرورية، لعامل الوحدة، الذي يعتبر بمثابة حافز على التفكير و الابداع، و ليس العزلة، و ذلك لتحقيق القفزة النوعية و المطلوبة، في التفكير الفلسفي المثمر و الخلاق .

2 – الفيلسوف التراجيدي، و نهاية جوهر الفلسفة
لعل الفيلسوف، هو الرجل المؤهل لقيادة عربة الفلسفة، إما قوية إلى الأمام، أو يعيدها ضعيفة إلى الوراء . لهذا، فلما انتقد نيتشه فلاسفة العصر اليوناني المتأخرين، بدءا بالتجربة الفلسفية السّقراطية، التي كانت بمثابة السمّ القاتل لجوهر الفلسفة، بمعناها النيتشوي، كفلسفة عمل و حياة، لا فلسفة نظر و خيال و وهم جميل، عاتبهم بكون فلسفتهم المرتبكة، كانت تفتقر لحكمة الفلاسفة الطبيعيين المنفتحين، على كل مظاهر الحياة و الوجود من حولهم . يقول نيتشه في هذا المعنى " أما أن يرى الفيلسوف مشكلة في قيمة الحياة، فإن ذلك لمما يعد مأخذا عليه، و نقطة استفهام حول حكمته، بل انعدام حكمته أصلا . ماذا ؟ و كل هؤلاء الحكماء العظام، تراهم لم يكونوا منحطين فحسب، بل و ليسوا حتى بحكماء ؟ "4 .
لعل نيتشه هنا يطرح السؤال حول مدى صلاحية و مصداقية الفلسفة الأخلاقية، بل مشروعية الفيلسوف الميتافيزيقي الجديد، كفيلسوف مهادِن و غير حكيم، بل الخاضع طوعا لسلطة قوى التوجه الأخلاقي و الفضائل، الذي أسّسه شيخ الفلاسفة آنذاك سقراط، خروجا على التوجه الفلسفي التراجيدي الطبيعي، باصطلاح نيتشه، و سار على مذهبه الفلسفي فيما بعد، تلميذه النجيب أفلاطون .. و الفلاسفة الآخرون .

3 – الفيلسوف الجينيالوجي، و التأسيس الحقيقي المأمول لفعل التفلسف
إن معنى الفيلسوف مرتبط هنا بقيمته الفكرية، و دوره الرمزي في مجتمعه . أي أنه إنسان يفكر لصالح الناس و الانسانية، في وطنه الصغير و الكبير، بالبحث طبعا في أصل الأشياء، و ليس بتكريس سلطة المشرّع ( كانط ) . يقول جيل دولوز في هذا الصدد " إن الفيلسوف هو رجل جينيالوجي، و ليس قاضي المحكمة على طريقة كانط " 5 .
يبقى أنه، سواء كان الفيلسوف موحدا، أو تراجيديا، أو جينيالوجيا، فالفلسفة تتلون بلون هذا الفيلسوف ( المهادِن أو الثائر )، الذي من المفترض أنه يحيا فلسفته، قبل أن يكتبها على شكل أفكار و قضايا و مفاهيم فلسفية إبداعية .





1 – نيتشه، أفول الأصنام، ترجمة حسان بورقية – محمد الناجي، إفريقيا الشرق، فقرة 3، ص 7
2 – نفسه، فقرة 11، ص 8
3 – عبد السلام بنعبد العالي، الفلسفة أداة للحوار، توبقال للنشر، ص 10
4 – نيتشه، غسق الأوثان، ترجمة علي مصباح، منشورات الجمل، ص 25
5 – GILLE DELEUZE . NIETZSCHE ET LA PHILSOPHIE . P 2





#محمد_بقوح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفلسفة .. ضد سياسة التجميع
- محمد ابزيكا .. المثقف العضوي . أو صراع الأنساق : بين الحداثي ...
- الفلسفة و سياسة التكرار
- التقدم ضدّ خرافة الوصول .. في سبيل الصداقة الفلسفية
- المرتزقة الجدد ، وجهة نظر فلسفية
- أعشاش لاحمة
- مفهوم الدولة في مادة الفلسفة المقررة بالبرنامج الدراسي للباك ...
- وقفة احتجاجية شعبية ضد تواطؤ لوبي العقار مع الإدارة في أكادا ...
- عودة إلى علاقة السلطة بالحقل التعليمي
- مسألة المثقف في تصور بيير بورديو
- الأصول الفلسفية لمفهوم الهابتوس عند بيير بورديو
- عنف المؤسسة التربوية ضد التلميذ
- السؤال الملتحي ربيعا
- نص إبداعي : الوزير المغربي المحترم و عودة الفيلسوف نيتشه
- حدث إبداعي شعري عالمي بصوت طفولي بمدرسة البساتين أيت ملول ( ...
- أمكنة ناطقة ( 7 ) : راس الما.. عبر الأبواب الزرقاء المعلقة - ...
- أمكنة ناطقة ( 6 ) : مقبرة الأندلس أو شتائل -لاغلاغ- الشجرية
- قراءة في كتاب ( الفكر الجذري - أطروحة موت الواقع - ) لجان بو ...
- قراءة في كتاب : ( مواقع - حوارات ) لجاك ديريدا
- قراءة في كتاب : ( التراث و الهوية ) لعبد السلام بنعبد العالي


المزيد.....




- هكذا وصلت الملكة رانيا والأميرة رجوة إلى البندقية لحضور حفل ...
- شاهد لحظة إنقاذ طفلة علقت في مجاري الصرف الصحي في الصين لساع ...
- بخيوط من ذهب وحرير أسود.. الكعبة ترتدي كسوتها الجديدة مع بدا ...
- رافائيل غروسي يكشف معلومات مهمّة عن البرنامج النووي الإيراني ...
- يتمحور حول المعادن النادرة.. الولايات المتحدة تعلن توقيع اتف ...
- بكيين تؤكد توقيع اتفاق تجاري مع واشنطن وتكشف عن بعض تفاصيله ...
- المغرب..نانسي عجرم تثير الجدل بسبب العلم الوطني
- بريطانيا تنسحب من مشروع بقيمة 34 مليار دولار لاستيراد الطاقة ...
- عاجل | سرايا القدس: قصفنا مع كتائب القسام بقذائف الهاون تجمع ...
- محللون إسرائيليون: نتخبط في غزة ونطارد نصرا مطلقا لن يتحقق


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد بقوح - من دفاتر نيتشه الفلسفية : الفلسفة و الفيلسوف .. المفهوم و أية علاقة ؟