أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد بقوح - نقد مفهوم الحرية في فلسفة سبينوزا















المزيد.....

نقد مفهوم الحرية في فلسفة سبينوزا


محمد بقوح

الحوار المتمدن-العدد: 4802 - 2015 / 5 / 10 - 00:25
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


1 – علاقة مفهوم الحرية بالفلسفة الأخلاقية
إن الحرية كفعل طبيعي هو فهم الضرورة . و بالتالي، فالإله وحده هو الكائن الحرّ، بهذا المعنى عند سبينوزا . أما باقي الكائنات الطبيعية الأخرى فيعتبرها فيلسوفنا موجودة وجودا مطبوعا، أي غير حرّ، و ليس وجودا طابعا، كما هو الشأن بالنسبة للإله الحرّ .
من هنا، تعلقت و اشتبكت فلسفة سبينوزا بالفلسفة الأخلاقية، بسبب عجز فلسفته إثبات قوة الطبيعة بتجلياتها المختلفة، و منها قوة الانسان، أمام القوة المفترضة لما وراء الطبيعة، و بالتالي، تكون فلسفة سبينوزا هنا، هي بمثابة الابنة الشرعية للفلسفة الأفلاطونية، و قبله أستاذه شيخ الفلاسفة الأخلاقيين سقراط، الذي ضحى بالفلسفة من أجل الأخلاق، و بعدهما بكثير الفلسفة الديكارتية التي ألهت العقل، و الكانطية، التي توّجت الفيلسوف متحدثا بلسان المسيحية حسب نيتشه .
و انطلاقا من رؤيته الفلسفية الأخلاقية تلك، يصل سبينوزا مضطرا إلى أن الإنسان بمثابة ظاهرة من الظواهر الطبيعية، التي بإمكاننا البحث فيها كباقي الظواهر العلمية و الطبيعية المحيطة بهذا الإنسان . أي أننا يمكننا فهم الإنسان، كما يمكننا فهم الطبيعة، باعتبار الإنسان ما هو سوى جزء لا يتجزأ من قوانين الطبيعة . هكذا، تركز فلسفة سبينوزا على هذا التفاعل غير المشروط بين ما هو إنساني و ما هو طبيعي، وفق نوعية النسق الذي يشملهما، من حيث التوازن، في حالة وضعية الإنسان الطبيعية القوية، أو من حيث حالته المختلّة ( فقد التوازن ) السلبية، التي يصبح خلالها طرف في هذا النسق، سواء كان الأمر يتعلق بالإنسان، أو بعنصر من العناصر الأخرى للطبيعة، مختلّا و فاقدا للتوازن الطبيعي، فيختلّ تبعا لذلك التوازن الطبيعي العام الذي يشملهما، أي يختل النسق العام للحياة الطبيعية .
غير أن هذا الاختلال للتوازن الطبيعي، كما لاحظه و درسه سبينوزا، يكون بدرجات مختلفة و متدرّجة، و بالتالي يصبح معه، مع مرور الوقت، أي اصلاح أو محاولة إعادته إلى وضعيته الطبيعية القوية و السليمة، أمرا يكاد يكون مستحيلا . لهذا يستعمل هنا سبينوزا مفهومه المعروف ب " الكوناتوس " الذي يعني الجهد الفكري الداخلي للفرد الإنساني، من أجل تحقيق الحفاظ و الاستمرار الممكنين، في إحدى وضعيات حياة البقاء، وفق النظام الطبيعي القوي و السليم للأشياء الطبيعية . هكذا تكون هنا الغلبة و المصداقية للحتمية و ليس للحرية .

2 – مفهوم الانسان عند سبينوزا
و تبعا لذلك، فالمعنى الشائع للحرية، حسب سبينوزا، يرتبط بغياب واضح لفهم الموانع و الضرورة، و بالتالي فالفعل الإنساني، يتوهّم البعض، يقوم على أساس إرادة إنسانية حرّة، أي أن يفعل الإنسان ما يشاء، و وقتما يشاء و يريد .
يؤسس هذا التصور الفلسفي الزائف بالنسبة لسبينوزا، على التسليم بفرضية الوجود الضروري لثنائية : الجسد و النفس، باعتبار القيمة الرمزية و السامية للنفس، على حساب قيمة الجسد، المقصية هنا، و استقلالية الأولى على عالم المادة المحسوس الضروري .. الذي يلزم .
لعل هذا التصور الميتافيزيقي للإنسان، من منظور سبينوزا، يقوم على أساس تفكير خاطئ أو انحراف فكري، كما سبق أن قال نيتشه، لهذا وجب تصحيحه، من أجل تجاوزه، و من هنا جاء المفهوم المتداول للحرية و علاقته بالإنسان مفهوما تشوبه أيضا الكثير من التناقضات، و سوء الفهم من الناحية الفلسفية . من هنا كان النقد السبينوزي لمفهوم الحرية مختلفا و قاسيا و متجاوزا فيما بعد، لمفهومه الشائع و المستعمل في عصره، و المتوارث من فلاسفة قبله . لأن الفعل الإنساني الحرّ عند سبينوزا، ليس فعلا ناتجا عن فعل الارادة ( الفكر ، النفس ، الرغبة ) كما يتوهم ديكارت مثلا، إنما هو ناتج عن نوازع الجسد و الهوى و ميولات الذات و النفس . الفعل الحرّ البشري، كما هو متداول و شائع، ينبني على أساس التفكير العقلاني الذي يقوم بإقصاء قيمة الجسد، و أيضا إقصاء فعل رغباته الطبيعية . في حين، ينظر سبينوزا إلى نظام الأشياء، عكس ما هو سائد، كما لو كان هو نفسه نظام الأفكار . الفكرة هنا تعني الرغبة و الهوى و الميل . إن ماهية الإنسان هنا هي الرغبة . الإنسان هو كائن راغب، و ليس كائنا عارفا، كما أراد له سقراط و من يطوف حول فلكه . نظام الأفكار هو نظام النوازع الجسدية . و بالتالي، فالنفس عند سبينوزا ليست جوهرا مستقلا و مميزا، بل هي صوت الجسد ذاته، بتعبيراته الصارخة و العديدة .
هكذا، تخلص فلسفة سبينوزا الأخلاقية بنفسها الجديد، إلى صياغة أطروحة فلسفية مبدعة و قوية، بخصوص مفهوم الإنسان، باعتبار أن " الفلسفة تفكر، لكن عبر المفاهيم "1 لهذا نظر فيلسوفنا إلى الإنسان، كمفهوم فلسفي متميز، من حيث هويته المركبة من مستويين متكاملين هما : المستوى الطبيعي ( الجسد )، و المستوى السيكولوجي ( النفس )، و بذلك فالإنسان هو كلّ هذين الجزأين : كل ما هو نفسي فهو جسدي، و العكس صحيح . و بالتالي، فالجسد و النفس كلاهما يعبران عن نفس الجوهر، و لعل الذي يتغير إنما هو أنواع و زوايا تصورنا لهذا الجوهر، فنتمثله حينا كفكر مركز، و حينا آخر كما لو كان امتدادا .
إن هذا التأكيد السبينوزي على طبيعة العلاقة "التماهية"، إلى درجة "الذوبانية" بين جسد الإنسان و نفسه، في كل واحد ( المادة و الروح في التقسيم الفلسفي الميتافيزيقي الافلاطوني )، من حيث أفعالهما، و امتداداتهما الأثرية، يجعلنا نقول عن الفلسفة، مع محمد الشيخ، كما لو هي " لاهوت مقنع " 2 . فالجسد هنا ينتج الأفكار، و النفس تنتج الرغبة . أما التذكر و التخيل و التفكير .. فهي أفعال جسدية أولا و أساسا، عكس التصور الفلسفي الديكارتي، الذي ركز على الفصل و التمييز بين كل هذه الملكات و القدرات البشرية، بوضعها جميعها داخل دائرة النفس ضدا للجسد .
هكذا، نستنتج أن فلسفة سبينوزا، التي رفعت من قيمة الجسد و النفس معا، في إطار كل مركب واحد، مع إعادة اعتبارها للجسد، رغم تجاوزها للمفهوم الفلسفي التقليدي الذي كان غارقا فيما هو ديني و ميتافيزيقي سابقا، فيما يخص مسألة حرية الإنسان، إلا أنها – نعني فلسفة سبينوزا - تبدو مترددة متأرجحة بين فعل المهادنة، فيما يخص مقاربتها النقدية للمسألة الدينية و الأخلاقية، و بين فعل الاختراق و الهدم الجذري لأسس و أصول تلك المسألة، في لحظة تاريخية و حضارية حرجة، كانت فيها الهيمنة السياسية و الوصاية الأخلاقية للعقل الكنيسي، و لتفكير رجال الدين المتواطئ مع التوجه المفروض للفلسفة الميتافيزيقية .

_______________

1 – جيل دولوز و تجديد الفلسفة ، جمال نعيم ، ص 366
2 – نقد الحداثة في فكر نيتشه ، محمد الشيخ ، ص 477



#محمد_بقوح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من دفاتر نيتشه الفلسفية : مسألة الفلسفة و التفلسف و الفيلسوف ...
- من دفاتر نيتشه الفلسفية : الفلسفة و الفيلسوف .. المفهوم و أي ...
- الفلسفة .. ضد سياسة التجميع
- محمد ابزيكا .. المثقف العضوي . أو صراع الأنساق : بين الحداثي ...
- الفلسفة و سياسة التكرار
- التقدم ضدّ خرافة الوصول .. في سبيل الصداقة الفلسفية
- المرتزقة الجدد ، وجهة نظر فلسفية
- أعشاش لاحمة
- مفهوم الدولة في مادة الفلسفة المقررة بالبرنامج الدراسي للباك ...
- وقفة احتجاجية شعبية ضد تواطؤ لوبي العقار مع الإدارة في أكادا ...
- عودة إلى علاقة السلطة بالحقل التعليمي
- مسألة المثقف في تصور بيير بورديو
- الأصول الفلسفية لمفهوم الهابتوس عند بيير بورديو
- عنف المؤسسة التربوية ضد التلميذ
- السؤال الملتحي ربيعا
- نص إبداعي : الوزير المغربي المحترم و عودة الفيلسوف نيتشه
- حدث إبداعي شعري عالمي بصوت طفولي بمدرسة البساتين أيت ملول ( ...
- أمكنة ناطقة ( 7 ) : راس الما.. عبر الأبواب الزرقاء المعلقة - ...
- أمكنة ناطقة ( 6 ) : مقبرة الأندلس أو شتائل -لاغلاغ- الشجرية
- قراءة في كتاب ( الفكر الجذري - أطروحة موت الواقع - ) لجان بو ...


المزيد.....




- أضاءت عتمة الليل.. لحظة تفجير جسر لاستبداله بآخر في أمريكا
- إطلاق سراح محسن مهداوي.. كل ما قد تود معرفته عن قضية الناشط ...
- بسبب جملة -دمروا أرض المسلمين- والدعوة لـ-جحيم مستعر-.. القب ...
- من النكبة ثم الولاء للدولة إلى الاختبار -الأكبر-... ماذا نعر ...
- كلمة محمد نبيل بنعبد الله خلال اللقاء الوطني تحت عنوان: “ال ...
- سلطات تركيا تنفى صحة التقارير عن عمليات تنصت على أعضاء البرل ...
- بلدان الشرق الأوسط بحاجة إلى حلول
- تزايد معاناة عمال فلسطين بعد 7 أكتوبر
- إسرائيل تطلب مساعدة دولية جراء حرائق ضخمة قرب القدس وبن غفير ...
- المرصد السوري: 73 قتيلا غالبيتهم دروز في اشتباكات طائفية وار ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد بقوح - نقد مفهوم الحرية في فلسفة سبينوزا