أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (رحلتي الملح والماء ) ح3














المزيد.....

رواية (رحلتي الملح والماء ) ح3


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 4813 - 2015 / 5 / 21 - 23:51
المحور: الادب والفن
    





القرية التي أعتاشت وعاشت بين الملح والنهر الصغير عالم واسع جدا لساكنيها فقط يحكمها ويتحكم بمصير شعبها الملا العزيز فهو تا جرها الأكبر ومفتيها وطبيبها والعارف بكل شيء ,ورث التجارة من أبيه الراحل وقد تعلم شيئا من علوم الدين لحاجة كانت تدور في عقل الوالد الراحل ,عندما عرف طعم المال والسلطة تربع على صدر القرية يقودها بدهاء العالم وحرفية التاجر فتزوج الأربع وملك من القرية من جهاتها الأربع , الكل هنا مدين له وهو غير مدين لأحد يقول أنه لا يريد أن ينام ولأحد في ذمته درهم .... العجيب أن الشيخ عزيز تحترمه القرية أيما أحترام في وقت وتكرهه كره العمى في كل الأوقات وهو يعرف بذلك وسعيد جدا أن لا أحد يقول له ذلك علنا .
الليل بدأ مبكرا بعد ذهاب الرجل صاحب الحمار لكن العجوز أم كامل في ذهنها الكثير لتنجزه قبل أن تنام ,رائحة تفسخ الجثث تحملها النسائم الأولى الهابة على القرية من الجهة البعيدة خلف المملحة , تعرف تماما وبحسب الخبرة أن رائحة التفسخ تجلب المرض وتفسد الجو لذا قررت أن تنهض الآن وبيدها زناد النار الذي لا يفرق جيبها الجانبي المتدلي مع كيس السجائر المزبن "ظلوع الملا" فقد أدمنت التدخين من زمن ... طلبت أن تبقى أمل في الدار مع أشقائها الصغار وقد أنارت لهم اللمبة النفطية ...وحملت بعضا من السعف قاطعة طريق المملحة تبحث عن الجثث المتفسخة.
في وسط المملحة تذكرت أيامها الخلية حينما كانت فتاة "حديثة" ترسم في خيالها صورة الفارس الأسمر الطويل المعتمر العقال واليشماغ كأنه ابن الشيخ أو سركاله مارا بمجمع الحديثات وعينه تلتقط نظرتها الغارقة بالحياء فتبتسم وتضم رأسها لحجرها وضحكات الصبايا تزيد من حيائها ... لم يكن حلمها هذا لوحدها كان حلما للجميع ... فتيات عازبات وعوانس ومطلقات وأرامل جمعتهن الحاجة للعمل والستر هنا في وسط المملحة وقد سرقت من أجسادهن كل النظارة والطراوة فتحولت بشرتهن إلى ما يشبه الجلد المدبوغ اليابس .
عجيب أمر هذه القرية المهزومة من خوف وهي تحمل خوفها في داخلها لتواجهه في مكان أخر قد لا يكون أرحم من هنا ... الموت لا عترف بالجغرافية كما لا يعترف بشئ أخر خلا قوانينه وأحكامه لكنه يحترم من يتصدى له وأحينا يطأطأ له ويمضي بعيدا عن أرض تعصي عليه أو ترفض الموت ,كان الملا عزيز أكثر الناس حديثا عن نعمة الموت لأنها تخلصنا من قذارة ووسخ الحياة الدنيا , ما ان طرق الموت باب حميد الكيال وسرق منه زوجه هرب يبحث عن ظل يحميه من النعمة في هذه الدنيا الفانية الوسخة .
عبرت أم كامل حوض المملحة تتبع مصدر الرائحة المنبعثة من أجساد متفسخة تتفاجأ بكثرتها وتنوعها ما بين كلاب فاطسة واغنام وماعز وبقرة متيبسة يبدو أن ما مر عليها من أيام لا يقل عن عدد أصابع اليد ,رمت ما بيدها من سعف وأخذت تبحث عن المزيد لتوقد على جسد البقرة, جمعت ما يكفي وأشعلت النار فيه ...... ,لا يوجد ما يكفي من حطب أو سعف نخيل يكفي لحرق جميع الفطائس , لا بد من عمل ما ....إنه الملح وحده من يساعد على التقليل من الرائحة , كانت الكثير من الدلاء المتروكة هنا وسط المملحة حملت بها ما تيسر وغطت كل الجثث حتى لم تعد تشم أي رائحة غير رائحة اللحم المحترق .
في طريق العودة فكرت أن تذهب لبيت الملا عزيز للبحث عن أي كمية من النفط فهي تعرف أماكنها جيدا وتعرف أيضا أن الجرذان لا تقرب مكان النفط ولا تحب رائحته أيضا ,وأيضا تعرف أن الطين الممزوج بالملح الذي يغطي قدميها لحد الركبة يحميها من أنفاسهم المريضة ,دخلت من خلف الدار حيث يحتفظ الملا ببرميل النفط مركونا في الزاوية كأنه سلعة نادرة الوجود ,لا يوجد شيء تحمل به قليلا منه ربما أي قنينة زجاجية "بطل" أو أي شيء كان ,لا توجد غير علبة صفيح "تنكه" مرمية على جنب كان يكيل بها للناس ملئتها بما يكفي وتوجت صوب الصغار ينتظرونها .
حين يداهمك الموت ويضعك بين فكيه لا تنسى في تلك اللحظة أن الله أيضا ينظر لك كيف تتصرف وكيف تفهم الحد بين الحلال والحرام ,أم كامل وهي تحمل النفطات كانت قد أخبرت البرميل بصوت مسموع أنها تشهد الله والحاضرين أنها مدينة للملا بهذه النفطات ولا تنسى يوما أنها فعلت ذلك ليس بداع السرقة ,ببساطة تفهم أن الموت ما زال يدور حولها ليخطف منها روحها أو روح عزيز عليها ولا تريد أن تفقد كل ما عملته في الدنيا من أجل شيء لا يستحق .... وطلبت من البرميل والحاضرين أن يشهدوا لها أمام الله ورسوله بذلك إذا كان المحذور قد حصل ... إنها لحظة الأمتحان .
كان منظر الصغار وهم يحتضنون بعض وممددين على السرير المصنوع من جريد النخيل يشبه صورة الملائكة حين تتجمع مع بعض ,رق قلبها لهم وهي تعلم أن الخبر المملح المنقوع بالماء لم يسد جوعهم ولم يغنيهم شبعا ,دخلت وخرجت للكوخ أكثر من مرة تحاول أن تجد شيئا ما تعمله لتدخل الفرحة عليهم , لا خيار ولا من أمل أن تحصل على شي والليل قد أقترب من الأنتصاف وهي مشغولة بالبحث عن أشياء ربما أنساها اللأمر حاجتها للنوم لتريح جسدها المتعب .



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية (رحلتي الملح والماء ) ح2
- رواية (رحلتي الملح والماء ) ح1
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح44 , الخلاصة العملية
- أفكار في دائرة التنوير
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح42 , التشخيص السليم ن ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح43 , البداية والمنهج
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح40 , الشخصية العراقية ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح41 , المصادر الفكرية ...
- زايتجايست الرؤية والأتهام الأيديولوجي.
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح38 , الشخصية العراقية ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح39 , من ملامح الشخصية ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح36 , الشخصية الأجتماع ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح37 , الشخصية العراقية ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح35 , الشخصية الأجتماع ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح34 ,5.النمط العراقي ا ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح32 , 3, البيئة والتنق ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح32 , 4. الحق والحقيقي ...
- قصيدة _ خطاب للشمس
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح31, الجغرافية البيئية ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح29 , ضياع الدليل العل ...


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (رحلتي الملح والماء ) ح3