أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (رحلتي الملح والماء ) ح2














المزيد.....

رواية (رحلتي الملح والماء ) ح2


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 4813 - 2015 / 5 / 21 - 12:46
المحور: الادب والفن
    


رواية (رحلتي الملح والماء ) ح2

شاهد الملح منثورا بكثرة وبعناية كأنه السور الذي يحيط البيت من كل مكان وأستغرب الحال أن تكون العجوز والصغار الثلاثة هم من أخر من بقى في القرية بعد أن هجرها الجميع ,قالت له وبكل شجاعة الموت هنا في داري أكرم من الموت في مكان أخر حيث لا تعرفك الأرض ومن عليها ثم أن الموت هو ذات الموت أينما كان بنفس الطعم والرائحة في كل مكان ... الله من فوق يحميني والصغار .... والملح يمنع رسله عنا بكل قوة .
كالأبله يستمع لها وعيناه تدور بكل الزوايا تبحث عن جواب محدد ما تقول هذه العجوز الخرفة عن الموت وعن الملح لعلها مجنونة أو تمكن الخرف منها , أينتظر عاقل أن يأت الموت لداره كي يطرق عليه الباب وكان بالإمكان أن يهرب بعيدا عن طريه, العجوز أكثر ذكاء وخبرة منه قالت يا ولدي ليس بي مس من الجنون ولا تخريف مني الجرذان هي من تحمل الموت للناس ومن هربوا من هنا كان بإمكانهم أن يحاربوا الجرذ لينتصروا لحياتهم وسلاحهم الملح وما أكثره من حولنا ...
كان الجواب حاسما واسكت الرجل الذي أنهى الرغيفين من الأربعة بسرعة وشرب الماء يستاذن العجوز للذهاب مرة أخرى لبيت الملا عسى أن يجد ما يبحث عنه تمر أو أي شيء يؤكل ........ نصحته العجوز أن لا يذهب إلى هناك فكل الجرذان المنتشرة في القرية جاءت من بيت الملا حيث المرتع المناسب لكنه أصر وأمام إصراره نصحته أن يذهب أولا للنهر ويطين رجليه بالوحل ثم يدخل بهما إلى كومة الملح حتى لا تقربه الجرذان .. خرج وركب حماره دون أن يستمع وتوجه من حيث جاء .
عادت أم كامل لتنورها الذي همدت ناره لتوقد من جديد وتخبز ما تبقى من عجين قد لا يكون أكثر من أربع أرغفة ,تجمع الصغار حول التنور ينتظرون الخبز وهم يحلمون بأشياء غير مميزة ولا موصوفة لهم ولكنهم يسمعون أن في المدينة منها الكثير ... أنهت العحوز الخبز وأخرجت جره ماء مدفونة لنصفها قرب الجدار ومغطى فمها بقطعة قماش لئلا تدخل الحشرات لها وصبت الماء البارد في الطاسة ووضعت الخبز وأحتضنت يحيى لتضمه لصدرها وتطعمه الخبز المملح مغموسا بالماء ... كان المشهد خرافيا أن ترى الحياة قائمة وتنتصر في ظلال وأطلال الموت الذي قتل كل شيء هنا بقسوة .
في الليالي المعتادة سابقا لم تشهد القرية هذا السكون والصمت القاهر حتى أصوات الكلاب أختفت ولم تعد تشهد حركة حياة ,الحيزدوانات من عادتها أن تطلق بين الحين والحين أصواتا خاصة قد تكون أشارات أو علامات لبنات جنسها كل الحيوانات بلا أستثناء فهي مثل البشر تحب التواصل ولكن عن بعد غالبا , الحمير والديكة والكلاب هي الأكثر نشاطا في التواصل بينها لأنها تملك أسباب أخرى قد نجهلها ولكنها تعيش معنا ونتقبلها من باب الأعتياد ,هذا الغياب هو الذي يسبب الصداع والوحشة لأم كامل التي ولدت هنا وقررت أن لا تغادر الأرض التي أخرجتها ولكنها تتعمق كثيرا في السؤال المهم , لماذا غادر الجميع وهم يعلمون أن الوباء في كل مكان .
كامل ولدها اكثر عنادا منها حينما قرر أن يعمل في المدينة وهو في مقتبل العمر وترك مهنة جمع ونقل الملح لأنها لا تمنحع أكثر من حياة تشبه العدم إلا قليلا لذا اصر أن يترك القرية واهلها باحثا عن مستقبل أفضل ولو بدرجة واحدة عن مستقبل قرية الحفارة والمملحة التي أكلت من أبدان الناس ومن صحتهم أكثر مما اعطتهم من خبز وامان ... تنقل في الكثير من المهن لكنه نجح سريعا في أن يجمع ما يقدم مهر لأبنة عمه وينزوجها كأصغر عريس تزوج في القرية .. وأنجب كل هؤلاء الصغار وما زال يعمل في المدينة ليعود مساءكل يوم ,في رحلة الشقاء واللقاء اليومية .
عالم أم كامل الصغير يمتد من حدود المملحة وقرية الحفارة والسيد عبد الله أبو روايات وإذا بالغت في التوسع فلا تتعدى حدود الناحية أو الذهاب للزيارة مشيا على الاقدام .. هذه كل حدود الخريطة التي تعرفها وعالمها مزيج من الماء والملح ولحاف السماء الذي يغطيها وأحلامها المؤجلة .. عائلة مستقرة وبعض مما أعتاد أهل القرى من حيازته بقرة وبضعة أغنام وقطعة أرض صعيرة تكفي لزراعة "الجت" والبرسيم لإطعام الحيوانات ... كل الأحلام هذه لا تعدو عند أم كامل جديرة بالتأمل الآن بقدر أن تنجو من الوباء ومعها الصغار أو يعود كامل وزوجته بعد إنحصار المرض والوليد الصغير القادم يرى الدنيا بخير في أول أيامه.
الرجل راكب الحمار يبحث في دار الملا عزيز وفي الغرف المحشوة من كل شيء حنطة وتمر وشعير وأيضا هناك ما هو أهم من هذا السكر والشاي ووو لكنه تحير في أن يأخذ الحنطة أو التمر وما يستطيع حماره أن ينقله أو ينوع من كل شيء يروق له , المسافة إلى قريته طويلة وقد لا يتمكن من السير فيها دون أن يركب ولو جزء من الطريق ,في وسط الظلام الذي يلف المكان كان يتلمس الأشياء بيديه ودون أن يبصر أفواج الجردان التي تفتك بالخزين وتلتهم ما تستطيع منه لكن أصوات عبثها وصرير أسنانها كان واضحا وجليا ولم يتحرز من أنفاسها كما أخبرته العجوز .
أخر من رحل من هنا كان رجلا يسكن لوحده وقريبا من بيت الملا عزيز كيال القرية ووازنها بعد أن فقد زوجته في أول أيام الوباء إصيبت بالعدوى وبقى المسكين يعاني من قطيعة الناس وخوفهم من المرض بعد أن أنتشر خبر أنه يتنقل بسرعة بين البشر نقلها على حمارته التي هلكت هي الأخرى وذهب بها للمدينة للعلاج ,كان مجرد وصولها للمستشفى إيذانا بأعلان موتها فقد أنهكها الداء سريعا ليعود خالي الوفاظ ينتظر الموت أن يعود ليصطحبه هذه المرة دون أن يسأل أحد عنه أو يسأل من أحد أن ينجده ..... لا قيمة للحياة بعد فراق من تحب أو من كان رفيقا للعمر الطويل هذا .



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية (رحلتي الملح والماء ) ح1
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح44 , الخلاصة العملية
- أفكار في دائرة التنوير
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح42 , التشخيص السليم ن ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح43 , البداية والمنهج
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح40 , الشخصية العراقية ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح41 , المصادر الفكرية ...
- زايتجايست الرؤية والأتهام الأيديولوجي.
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح38 , الشخصية العراقية ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح39 , من ملامح الشخصية ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح36 , الشخصية الأجتماع ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح37 , الشخصية العراقية ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح35 , الشخصية الأجتماع ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح34 ,5.النمط العراقي ا ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح32 , 3, البيئة والتنق ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح32 , 4. الحق والحقيقي ...
- قصيدة _ خطاب للشمس
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح31, الجغرافية البيئية ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح29 , ضياع الدليل العل ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح30 , الجغرافية البيئي ...


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (رحلتي الملح والماء ) ح2