المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح37 , الشخصية العراقية أنموذجا 1

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)

الحوار المتمدن-العدد: 4804 - 2015 / 5 / 12 - 02:54
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

الشخصية العراقية أنموذجا

لم تنفرد الشخصية العراقية بميزة لا تفضيلية ولا تقصيرية عن باقي صور الشخصية الأجتماعية الإنسانية لا من ناحية التكوين ولا من ناحية التكيف مع الواقع والأستجابة والتفاعل العملي معه, كأي مكون أجتماعي ولدت ونشأت وأنصاعت الشخصية العراقية للقوانين الشمولية الوجودية ةأثرت وتأثرت وعانت كما باقي الشخصيات لكنها خضعت في أجزاء منها إلى محدد أو أكثر من شكليات الأثر سواء الذاتي أو الموضوعي تبعا لظروف خاصة وإرادات خارجية وداخلية متنوعة.
في دراستنا في الفصول السابقة وخاصة في موضوع المكان والجغرافية والبيئلا حظنا الأثر المترتب على كونية المكان العراقي وما جر من ذلك من حدوث تنازع ونزاعات قادتها أطراف محلية وخارجية بدوافع عديدة من العامل الديني الأهم ثم الأقتصادي ثم عوامل التزاحم البشري على فرض مستحقات الأنا المتمثل بالمجد والسلطان وفرض الفكرة الأزلية عن البشر وهي الحق والحقيقة , كل ذلك قاد إلى إحداث تطورات مهمة في تشكيل وصياغة الشخصية العراقية بالذات.
أزمة القلق والخوف
من دراسات علم السلوك النفسي نجد أن الخوف والقلق الناشئ من فقدن أو ضعف المناعة الدفاعية ونقصان التبرير والفعل التصحيحي في أوان في غالب الأحيان يترك سلسلة من الأنفعالات التي تتراكم حول نغسها لتشكل نمط سلوكي عام لتصبح بالأخر جزء من الشخصية الإنسانية لا يمكن بسهولة تجاوزها أو القفز على وجودها .
كما بينا أن المجتمع العراقي وخاصة في المكون الثالث منه وبدرجة أقل في المكون الثاني وللتعرض الدائم للتحركات الغازية أو النزاعات المارة أصبح على درجة من الركاكة والضعف في خطه الدفاعي الأجتماعي الذي تسبب في حالة إنعكاسية سلوكية تمثلت في القلق المزمن من تجربته التأريخة ومن الأخر الغريب حتى أضحى هذا القلق هو العنوان الأساسي للشخصية العراقية.
من تجربة علمية درسها علم السلوك نجد مثلا قد تنطوي بعض ردود الفعل على تصور قلق عظيم كامن، ربما تخلِّف آثاراً كاسحة فعلى سبيل المثال، قد يصبح الأطفال الذين يتعرضون لتجربة مريعة مع كلب واحد، خائفين من جميع الكلاب وقد يُعَمَّم هذا الخوف فيشمل حيوانات أخرى، وحتى أشياء متعلقة بها كالشعر أو الفرو ويصبح التخلص من هذه المخاوف أمراً صعبًا جدا بل وأحينا لا ينجح في التخلص منه, لأن هؤلاء الناس يحاولون تجنب جميع الأوضاع الباعثة على الخوف, وينجم عن ذلك حرمان هؤلاء الناس أنفسهم من فرصة مواجهة تجارب أخرى، قد تزيل مخاوفهم كلمس كلاب غير مؤذية ومن الممكن اكتساب مثل هذه الانفعالات العاطفية بمجرد مشاهدة ردود فعل الخوف لدى الآخرين.
هل يمكننا هنا أن نطبق المعايير الأساسية للشخصية الإنسانية التي أثبتناها في الفصل السابق على ملامح الشخصية العراقية بدون تحفظ بأعتبارها ملامح عامة ومجردة ,إن الكلمة الأساس في مفهوم الشخصية هي تفرد الفرد، ودراسة الشخصية في نهاية الأمر هي دراسة الفردية مع التأكيد بشكل خاص على فهم ما يجعل الشخص نسيجاً وحده وفريداً، الشخص من بعض الوجوه مثل كل الناس ومن وجوه أخرى مثل بعض الناس بينما هو من وجوه أخيرة ليس كمثل أحد من الناس، والكلمة الأساس الثانية في هذا المفهوم هي ثبات أو ديمومة سمات الشخصية ومميزاتها عبر الزمان والأحوال دون تخصيص أو حصر.
لقد أثرنا في مباحث متقدمة من وجود الإشكالية التأريخية في الذات العراقية وأثرها في ردة الفعل النفسية السلوكية للأفراد كشخصيات مستقلة وللأفراد كمجموع يشترك بظاهرة نفسية وأجتماعية مشتركة ,هذه التأريخية التي رسخت وترسخت في الذاكرة العميقة وفي الوعين المباشر والغير مباشر نتائج تعبر عن قلق دائم ومزمن وتأصل بالثبات والأستمرارية فأصبحت بذلك الشخصية العراقية شخصية قلقة تفتقد الثبات والأستقرارية التامة .
أشار أحد الباحثين الذين درسوا مصادر الخوف والقلق المحرك والمولد الأساسي للقلق المزمن والكامن داخل الذات العراقية فيقول من باب الإستدلال والجرد التأريخي((لقد أرهق التاريخ كاهل الوطن الرافديني وارض السواد ،وأضافت الجغرافية البيئية وثورات نهري دجلة والفرات بصمات من الهموم والتحدي على جبهات الشخصية العراقية ما يؤسس في الذوات الفردية والجمعية عوامل الخوف والقلق والإقدام والتردد ،وكان لوقوع العراق في اجواء ثلاثة أنظمة جوية ومناخية متقاطعة ومتطرفة دورا في تطرف الذات الرافدينية وقلقها ،كما تحمل الاجتماع البشري في بيئة بلاد الرافدين هموم صراعات أو تحالف حضارات محلية قديمة كالبابلية والسومرية والاكدية والاشورية ومخرجات غزوات وحوارات حضارات أقوام مجاورة احتلت البلاد عنوة من فارسية وتركية ورومانية ومغولية وهندية وانكليزية وأمريكية ،فضلاً عن نزاعات أفكار أديان سماوية ولا سماوية ، وإرهاصات تمزق الذوات الاجتماعية الدينية بسبب تعدد الأرباب والآلهة في محاريب العبادة .)) .
وقد وضعت هذه النتيجة موضع الاختبار والبحث العلمي حيث اجريت ابحاث علمية عديدة لتقريرطبيعة العلاقة بين القلق في مختلف درجاته والاداء السلوكي لمهام حياتية وأجتماعية معينة, فكانت جميع حالات الدوافع لها علاقة تأثيرية بشكل مباشر مع الاداء, لنصل لقاعدة عملية تتلخص فبما اذا كان القلق منخفضاً كان الاداء لأي عمل منخفضاً ,ونقيض ذلك فإن أي زيادة في القلق تؤدي إلى زيادة مماثلة في درجة الاداء, على" ان تكون شدة القلق ضمن المستوى الطبيعي ".

#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات