أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زينب علي - حب تحت شجرة















المزيد.....

حب تحت شجرة


زينب علي

الحوار المتمدن-العدد: 4806 - 2015 / 5 / 14 - 23:36
المحور: الادب والفن
    


كانا يجتمعان في الحقل الجميل حيث العشب ونسائم الصباح والمساء الجميلة. يلعبان لعبة الاختباء بين الشجيرات ويركضان بمرح مع الآخرين. يقطفان الزهور التي تسبق ثمرها المعد للقطف والبيع. ويجمعان الفراشات الملونة. يصنعان مطرقة لطرق الجراد وضحكاتهما تسمع من مكان بعيد.
في يوم من الأيام سقط ايمن وهو يركض فانجرحت ركبته واخذ الدم يسيل منها فقامت اميرة بتضميدها بشريط ضفيرتها بعد ان غسلتها بماء من الساقية الصغيرة التي تشق الحقل.
في المدرسة التي تبعد مسافة عن بيتيهما كان أيمن ينتظرها ثم يذهبا سوية. يداهما متشابكتان ويواصلان سيرهما مرة يمشيان ومرة يقفزان وأخرى يركضان وراء بعضهما او يطاردا الفراشات في طريقهما الا ان تحيد الفراشة عن طريق مدرستهما فيتركانها ويواصلا طريقهما.
في احدى الأيام المدرسية الجميلة اشترت أميرة حلوى كان قد جلبها صاحب الحانوت المدرسي لأول مرة فاشترى الطلاب القادرون على شراءها, بينما وقف أيمن هناك ينظر إليهم. أحزنها منظر عينيه الحزينتين وهما يسترقان النظر للحلوى وأعطته حصتها قبل ان تتذوقها.
_ خذ اشتريتها لك.
لم يكن أيمن يتصنع او يضع اي حاجزا مع صديقة طفولته أميره بل كان يشعر بها صديقته الأفضل والأقرب.
أخذها مبتسما.
_شكرا و أنتي؟
_ اشتريت واحدة واكلتها وجلبت هذه لك.
لم تتذوقها ولكنها اثرته على نفسها.
لم تتركه أميرة متحيرا حينما اكتشفت انه لم يكتب واجبه وكان خائفا من المعلم. وبدا الكل يضحك ويستهزأ به عندما كان متفاجاءا بان المعلم كان قد طلب منهم كتابة القصة القصيرة الموجودة في كتاب القراءة. أخذت أميرة دفتره من غير ان يشعر به احد وكتبت الدرس ولم تخرج للعب في ساحة المدرسة إثناء الفسحة ذات الخمس دقائق كالباقين, بل استمرت تكتبها له وعندما دخلوا قاعة الدرس كانت قد وضعت دفتره على منضدته جاهزا للتصحيح. فكان أيمن مسرورا وشاكرا في قلبه ولكن براءته لا تسعفه للتعبير عن شكره سوى أظاهره لدهشته لذكائها. أنقذته ذلك اليوم أميرة من غضب المعلم وكانت واحدة من مرات عديدة ومتكررة تهرع لمساعدته بها.
وفي العودة من المدرسة, يعود الصغيران يطاردان الفراشات والحشرات الطائرة حتى يصلا البيت.
كانت أميرة تقضي الساعات معه في الحقل وهي تعلمه كيف يقوم بفك المعادلات وجمع الأرقام وغيرها. وتساعده على تعلم الكتابة التي يساعدها على تعلمها والدها المعلم. وكانت كل ما تشعر انه لا فائدة من تعليمه تحاول تغير مزاجه باللعب لساعة ثم العودة لكتبهما المبعثرة على الأدغال من جديد وبدا رحلة إدخال المعلومات لرأس ايمن العصي.
_ ان لم تستمع لي جيدا, سوف لن أكلمك ثانية.
_ أعدك بان أصغي جيدا هذه المرة.
فتحاول مرارا وتكرار الا ان يستطيع ايمن من استيعابها وحلها ثم تتحول لأخرى غيرها.

كبر أيمن وكبرت أميرة وهما الان في الأول المتوسط. افترقا في مدرستين أحداهما للذكور والأخرى للبنات. ولم تعد أميرة تخرج للعب معه كالسابق. بل أصبح شي مستحيل عليهما. كانت تنظر اليه من بعيد حين تخرج صباحا للمدرسة وهو ذاهبا لمدرسته. يبادلها النظرات. في إحدى الأيام رأته يقترب من تلك الشجرة التي طالما لعبا لعبة الاختباء حولها وانحنى ثم أشار بإصبعه تجاهها ففهمت انه وضع لها شيئا. أخذت أميرة طريقها المؤدي للمدرسة ثم انعطفت قليلا باتجاه الشجرة ووجدت سلسلة وورقة مكتوب فيها ( احبك أميرة قلبي). نبض قلبها وشعرت بمشاعر جديدة تطرق باب قلبها تجاهه. فالصديق البريء سابقا التي كانت تمطره بالحب والمودة البريئة اصب حالان ينظر اليها كحبيبة.
كل صباح يترك لها ايمن قبل ذهابه للمدرسة وريقة مكتوب فيها كلمات حب وهي تنتظر واقفة ليغادر الشجيرة فتتقدم باتجاهها قبل ان تشق طريقها لمدرستها. وتأخذ ما تجده من غذاء لحبهما. كلمات أخذت تعبث بقلبها وتجعل منه مكان امن لأيمن.
ترك لها رسالة يشتكي من ظلم أبيه. شرح لها كيف ا ن ابيه يعامله بقسوة ويوبخه لأتفه الأسباب. ويطلب منه ان يعمل ليساعده في مصروف البيت بينما يريد هو ان يهتم بدراسته كي يحصل على عمل محترم ويستطيع ان يكون بيت معها.
قرأت أميرة رسالته وشعرت بالحزن الشديد لأجله. اخبرها برسالته انه قضى الليلة في بيت صديقه لان والده طرده. أخذت أميرة تجمع من مصروفها الذي تجمعه من خياطة الفساتين لبنات القرية وتتركها له بقرب الشجرة؟ وكان أيمن يجد كل يوم رسائل أمل وحب ومساندة وفي أخر الأسبوع يجد مبلغا من المال كانت تجمعه له طوال الأسبوع وفي بعض الأحيان طوال أسبوعين.

وجد أيمن علبة مكتوب عليها (عيد ميلاد سعيد حبيبي) قرب الشجرة. فتحها فوجد ساعة جميلة ووجد صورتها ومبلغ مالي. عاد للبيت وهو يحلم بأميرة وبحبها لها وانه سيكون اسعد إنسان بصحبتها.
أيمن وأميرة لم يلتقيان منذ زمن. وكانت الشجرة هي صديقهما وحافظ سرهما. كانت تتحمل كل تلك الإمطار من المشاعر فتحتفظ بأمانتها الى ان توصلها لصاحبها.
حبيبي أيمن لقد تم قبولي في كلية الهندسة وسأنتقل للمدينة لأدرس هناك وماذا عنك؟ اكتب لي أرجوك أريد ان اعرف بأي كلية تم قبولك؟
وجد أيمن هذه الرسالة وشعر بغيمة سوداء محملة بالحزن تخيم على قلبه. كتب لها بأنه سيذهب لدراسة القانون وانه يحبها كثيرا وطلب منها بان لاتتخلى عنه كما انه سوف لا يتخلى عنها أبدا.
في صباح اليوم التالي ذهب للشجرة كالمعتاد فوجد رسالة منها.
_ حبيبي أيمن, كيف يمر في بالك بأنني سوف أنساك. سوف لن تمر في بالي ولو بحلم عابر فكرة نسيانك. نسيانك هو نسيان تاريخ وحياة وأيام ماضية مليئة بالضحكات والورود والفراشات والركضات والسقوط والنهوض والبكاء والضمادة وشريطي الأحمر وضفيرتي المهملة ودفترك المتسخ الذي كنت احشوه بقلمي الرصاص.
تبسم أيمن وهو دامع العينين وكتب لها.
_ أميرتي الحبيبة, وهل هناك أمل ان نلتقي في الأربع سنوات المقبلة؟
وكانت الشجرة تحمل أمانة مكتوب عليها.
_ سأكون في القرية كل خميس وجمعة وساترك لك الأمانة عند شجرتنا الأمينة.
بعد سنة من والحب والنظرات من بعيد و الرسائل المتبادلة التي كانت توصلها الشجرة صديقتهما الأمينة بكل إخلاص ومن غير ان تشعر بالملل او الانزعاج لكثر ما كلفاها بإيصال مشاعرهما وأشواقهما. وجد ايمن رسالة:
_ حبيبي أيمن ان الأوان لان تخطيني. فالكثيرون طرقوا بابي وانا ارفض واحد تلو الاخر حتى صاروا اهلي ضدي وبداوا يشككون في أمري. تعال لخطبتي لنكون لبعضنا ونكمل رسم ماضي طفولتنا ومراهقتنا الجميلة فتكون لوحة حياتنا مكتملة.
قراها أيمن وأحس بان قلبه يقع من مكانه. فهو يعرف بان اباه سيعانده في اختياره ككل اختياراته السابقة. عاد للبيت مثقلا بالهموم ومصفر الوجه. استغل فرصة غياب أبيه وفاتح والدته بالموضوع. فرحت أمه وقالت له انه أجمل خبر سمعته وانها ستفاتح والده الليلة.
عاد الوالد متعبا من العمل واخذ بنهال على أيمن كالعادة بأنه لا يشعر بالمسؤولية ولا يساعده ويدرس لأجل شهادة غير نافعة ولا تدر عليه كما تدر مهنة عامل عادي.
وبعد ان أنهى جدله اليومي مع أيمن وهدأ, فاتحته ام أيمن بموضوع الزواج من أميرة.وما ان سمع كلامها حتى جن جنونه وانتفض موجها كلامه لايمن.
_ كيف تريدني ان أزوجك بواحدة تاركة أهلها وتدرس في المدينة لا اعرف ماذا تفعل هناك. اسمع.. سيكون أخر يوم من عمري اذا تزوجت هذه الفتاة.
_ ولكن يا ابي أحبها منذ كنا صغار وانا واثق منها.
_ تحب فتاة لا تسكن مع اهلها ولا يعلمون عنها شيئا؟ القرية مليئة بالفتيات المؤدبات المطيعات والجميلات لماذا تصر على أميرة.
_لأنني أحبها.
_ اخرج من بيتي لإمكان لك هنا.
خرج أيمن و هولا يعرف ما سيقول لها, بل انه اثر ان لا يقول لها شيئا ويخيب أملها. ولا يستطيع ان يخطبها من غير موافقة والده فالعرف هناك يحتم عليه ان يحضر والده لخطبتها. سكن بعيدا حيث محل دراسته مع صديق له. وانقطعت أخباره عن أميرة وانقطعت إخبارها عنه, لكنها كانت تراقص ذاكرته كل الليلة. وتمر عليه كحلم جميل يلون ليله ونهاره بذكراها. يستذكر ضحكاتهما وكيف كانت تصنع أكاليل الورد وتضعها على رأسه وتقول له انت ملك وانا أميرة ثم يركضان وراء بعضهما ليحطما الأكاليل. وكيف كانت تضع له كلمات الحب والمصروف تحت الشجرة. وكيف كانت تتحمل غباءه وتصبر على عناده حين تعلمه. فيمسح دمعته التي لازال اثرها على وسادته.
عاد للقرية كي يسمع بان عائلة أميرة انتقلت للمدينة. فازداد حزنه واخذ يجلس هناك حيث الشجرة التي تشاركه ذكرياته الجميلة والمؤلمة. فهي الوحيدة التي تعرف قصته بكل تفاصيلها. بل انها كانت تقرا رسائلهما قبل ان يفتحاها. وكانت تجمعهما عندما كانا صغيرين يختبئان حولها. وكان الشجرة شعرت بماساته فيبست عروقها حزنا عليه وهو يسقيها بدموعه ويقلب الساعة التي أهدته إياها يوم عيد ميلاده.
_ أميرة أهدتني عمرا وحبا وأياما مليئة بالفرح والسعادة مرت وكأنها حلم خاطف. أهدتني انتظارا طويلا وصبرا, و وأهديتها طعما مرا وخذلانا.
بعد مرور وقت طويل وفي إحدى شوارع المدينة, رأى أميرة إمام احد المتاجر. خفق قلبه وتقدم ناحيتها.
_ أميرة!
التفتت ورأت ملامح أيمن ولكن الزمن والحزن ترك بصمته على وجهه ورسم الشيب بفرشاته البيضاء على شعره.
نادت زوجها الذي كان يقف أمام متجر للملابس لينتقي احد الفساتين لها.
_ حبيبي لنذهب لم يعجبني شيء هنا.
عاد إليها مبتسما وطوقها بذراعه وذهبا مبتعدان بخطواتهما عن أيمن...



#زينب_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بائع السجائر
- وعدتك يا امي
- ليس هو
- نداء ايزيدية مسبية( لاتحزني)
- ابن حرام
- جمعة الغضب لاتشمل اليزيديات
- انا امراة,, اذا انا قادرة
- حوار مع احداهن
- برمجة المراة
- مواجهة مع رجل صالح
- قصة قصيرة (بسمة)
- في يوم المرأة.. كيف نحتفل ونحن سبايا
- إسرائيل و-شرعنة- انتهاك القانون الدولي الإنساني


المزيد.....




- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زينب علي - حب تحت شجرة