أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زينب علي - مواجهة مع رجل صالح














المزيد.....

مواجهة مع رجل صالح


زينب علي

الحوار المتمدن-العدد: 4762 - 2015 / 3 / 29 - 21:44
المحور: الادب والفن
    




اتكأ على كرسيه الايطالي الايتكا الغالي الثمن, المصنوع من الجلد الاسود المحاط بإطار من خشب الماهجوني الأمريكي المميز. ومكتبة المصنوع من نفس الخشب المغطى بالغبار والذي يخيل للزائر حينما يدخله من فخامته, انه في مكتب رئيس وزراء خليجي او رئيس إحدى الشركات المالية أو التجارية الكبرى. كانت هيئته لا تخلو من التكبر والتظاهر بمعرفة جميع ما يدور من حوله ومن الإيحاء بأنه قادر على حل أمور كثيرة بتوقيع بسيط من قلمه الباركر ذي اللون البني والنحاسي. واخذ يمسد شاربه المصبوغ وهو ينظر إليها بينما اخذ رأسه يتخيل ما سيحدث من تسلسل إحداث صورية تعيد له بعضا من أيام صباه بعد إن يحقق ما يطلبه منها. بدا وجهه القمحي المائل للسمار مع اثر سجود غامق جدا في جبهته. غامق بلون عميق يظهر عمق إيمانه الذي انعكس على جبينه كعلامة قاتمة واضحة تعطي المتلقي انطباعا عن حجم ورعع وطاعته للرب لدرجة إنه ترك اثر عبادته لربه يشوه جبينه بشكل مهيب.
إذا أنتي أرمله وتحتاجين مبلغا لرعاية أولادك؟
نعم (سيدي) وأطرقت رأسها للأرض تلف بإبهاميها وأصابعها متشابكة بارتباك.
كانت قد تعود لسانها على قول سيدي منذ ايام النظام السابق حيث كان من هو بمنصب مدير مكتب او ينتمي للحكومة ينادى ب سيدي من قبل عامة الناس ذو الخلفية القروية التي تخشى على أنفسها هفوات لسان خاطئة تؤدي بها إلى غياهب المجهول.
وكم طفل لديك؟
ثلاثة سيدي.( تكلمت وهي لازالت تلاعب إبهاميها ورأسها للأسفل), وانا وحيدة فوالدي رجل كبير السن ولا يقوى على مساعدتي وأمي امرأة كبيرة ومريضة اما إخواني الاثنين فيملكون زوجات وأطفال و مشغولين بطلب رزقهم لسد جوع أولادهم, وليس لديهم ما يساعدونني به. انت تعرف يا سيدي نحن في زمن لا يعرف الأخ أخاه وانا اعذرهم لأني اعرف أنهم لا يملكون شيئا ولا حتى وظيفة.
فحل صمت قصير بعد انتهاء كلامها قطعته برفع رأسها تجاهه وكأنها تبرر مجيئها المخجل إليه بدون اي سابق معرفة او استئذان .
الناس ذكروا اسمك لي وقالوا انك رجل صالح وتخاف ربك كثيرا وتحب مساعدة النساء الأرامل ذوات الأبناء, وانأ تعبت كثيرا, فعملي كبائعة للسجائر في الشارع لا يسد نفقات أبنائي فتجرأت واتيتك كي تساعدني بمبلغ يعينني لفترة قصيرة.
اخرج سيجارته المارلبورو ببطيء وهو يختلس نظراته الى وجهها الأبيض المرصع بهالات سمراء اثر ضربات الشمس فجعلت منه وجه متعب وساحر في ان واحد. كانت ملفوفة بالسواد بالطريقة التي عودتها عليها جدتها ومن ثم أمها وكل من حولها عند موت أزواجهن. بالطريقة التي لا يظهر سوى وجهها الجميل البريء والمتعب ويديها المسمرتان بطريقة لا تذهب نعومتهما المتخفية خلف اللون الجديد الذي وهبته إليهما حرارة الشمس.
سألها بابتسامه ماكرة تعكس ما يدور بخياله ونظرات جريئة تحمل معنى سؤاله,
أظنك صغيرة.. كم عمرك؟
24 سيدي. زوجي توفي عند ذهابه لبغداد ليجد عملا في إحدى المطاعم هناك ولكنه لم يعد. وجدنا جثته بعد البحث الطويل في إحدى المستشفيات وهي مفصولة الرأس واثار التعذيب على جسده.
ثم دمعت عيناها ورفعت رأسها باتجاه عينية الجريئتين وهو لازال مشغول بتدخين سيجارته وطرح زفير الدخان بكل اتجاهات مكتبه بلا مبالاة لوجودها.
تركني وحيدة مع أولاده ولا اعرف كيف مرت كل هذه الثلاث سنوات الطويلة وانأ أعين أطفالي بمفردي. انه لأمر صعب لامرأة مثلي لأتملك عملا او مصدر رزق تعين نفسها به لتواجه صعوبة هذه الحياة .
هز راسه موافقا كلامها وهو يدخن سيجارته مؤيدا كلامها,
و بلا زوج.. انه امر في غاية الصعوبة ان تكون المرأة بلا رجل. خصوصا لامرأة صغيرة مثلك, فحتى لو كان لديك عمل هذا لا يغنيك عن الرجل. ان وجود الرجل في حياة المرأة هو شي مهم جدا ولا يعوضه عمل او مساعدة من احدهم.
ساد صمت لأقل من دقيقة ولكنها تحمل الآلاف من الأفكار والنوايا في رأسه وآلاف التساؤلات والشكوك في رأسها. أنها دقيقة حبلى بالأفكار.
هل تؤيدين كلامي؟ قالها بابتسامة وقحة.
وهي مطرقة الرأس المملوء بالتساؤلات للأسفل: نعم سيدي, ولكن لامرأة مثلي لم يعد الرجل يهمني بقدر ما يهمني أولادي وكيف اهتم بهم. فكل ما اطمح به هو ان أراهم سعداء.
وكيف ترينهم سعداء؟ بالمساعدة المالية التي سأعطيك إياها وستنتهي عند اقرب زيارة للسوق؟ ام برجل يحميهم ويعتني بهم؟
وما لذي يجعل الرجل يهتم لأمر أولاد ليسوا بأولاده لدرجة انه يتزوج والدتهم؟ قالتها بتوتر وهي تنظر إليه بتحدي.
ظل صامتا وكأنه يبحث عن سؤال وعينيه موجهة صوب عينيها, فاكملت حديثها,
اذا كنت يا سيدي تهتم لأمري فاعمل على توظيفي كعامله تنظيف في مكتبك باجر شهري بقدر ما ستعطيني كمساعدة او اقل فهذا سينقذني من ماساتي وسيساهم في تنظيف ومسح مكتبك الملي بالأوساخ والأتربة.
قامت ناظرة لوجهه المشدوه استغرابا من إجابتها وهو يدعك سيجارته بأعصاب متوترة بمنفضته المليئة ببقايا السجائر المحترقة, و لربما بحضور أخريات. ثم أدارت وجهها نحو الباب هاربة بخطوات سريعة متوهمة ان كل من يراها يعرف ما دار بينها وبين الرجل الصالح.



#زينب_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة (بسمة)
- في يوم المرأة.. كيف نحتفل ونحن سبايا
- إسرائيل و-شرعنة- انتهاك القانون الدولي الإنساني


المزيد.....




- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زينب علي - مواجهة مع رجل صالح