أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد زكريا توفيق - يا عبده، أنت غبي















المزيد.....

يا عبده، أنت غبي


محمد زكريا توفيق

الحوار المتمدن-العدد: 4791 - 2015 / 4 / 29 - 16:12
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    




عبد الموجود وزميله رؤوف، مجندان في الجيش المصري في منتصف الستينات. كانا يجلسان داخل عربة، بها فنطاس كبير لنقل الماء، لزوم شرب الكتيبة، التي كانت تقوم بمناورات تدريبية بالذخيرة الحية في الصحراء الغربية، في منتصف ليلة من ليالي بداية الخريف.

الظلام دامس. والصحراء أثناء الليل تنعم بطراوة الجو. بين الفينة والفينة، مع نسيم الهواء البحري، يهب أريج زهور البرتقال واليوسفي من حدائق لابد أنها قريبة من المكان. تعبئ الجو بالكولونيا والبارفان. عطر منعش، يضخمه ويزيد من روعته اعتدال الجو في الخريف.

السماء بها قليل من الغمام، يحجب جزءا من النجوم والأبراج أثناء الليل. لا بد أنهما يتجهان غربا. لأنه، على يمين العربة، يمكن أن ترى النجم القطبي يرتفع 30 درجة عن خط الأفق. موقع نجوم الدب الأكبر في الشمال، تبين أن الوقت بعد منتصف الليل.

عبد الموجود، يقود العربة. مؤهل متوسط. متزوج، له طفلان. مسلم ملتزم، زبيبة الصلاة بارزه على جبهته. يفسر كل شئ بالقضاء والقدر والمشيئة الإلهية. لا يخطو خطوة قبل أن يقول الدعاء الخاص بها.

كل ثقافته ومعلوماته، جاءت عن طريق شيخ الجامع. يتمنى الشهادة حتى يستمتع بالحور العين، الاثنين وسبعين، وأنهار الخمر واللبن والعسل المصفى.

يطيع الأوامر ولا يتعب مخه. فغيره قد فكر له واهتدى. وما عليه سوى أخذ المعلومة جاهزة ومعلبة مثل السردين المحفوظ.

رؤوف، على النقيض، مهندس مجند. غير ملتزم دينيا. يشرب ويلعب الميسر، ولا يمانع من زيارة بائعات الهوى. لكنه أمين صادق مع نفسه وأصدقائه. لا يكذب أو يغدر أو يسرق. له ميلول اشتراكية وربما شيوعية لا يخفيها. يعتقد بمقولة كارل ماركس، "الدين أفيون الشعوب".

يؤمن بالحتمية، بمعنى أن لكل شئ سبب منطقي. ولا دخل للقدر أو المشيئة في الموضوع. يحب القراءة والاطلاع، ولا يقبل أي معلومة إلا إذا كانت معقولة، لا تتعارض أو تتصادم مع المنطق والفطرة السليمة.

العربة كانت تسير في الظلام الدامس، في مؤخرة رتل من المركبات بسرعة متوسطة. تهتدي وسط هذه العتمة، بنور لمبة صغيرة مطلية باللون الأزرق، على بعد نصف كيلومتر تقريبا، مثبتة بين العجلتين الخلفيتين للعربة أمامها. لقد كانت عربتهما آخر عربة في الرتل.

رؤوف يراقب الضوء الخافت أمامه ويسلي نفسه بالحديث مع عبد الموجود. الحديث ممل بسبب عدم التكافؤ الفكري بين الطرفين. لكن هذا لم يمنع، رؤوف من جر شكل زميله عبد الموجود من حين لآخر، ومناقشته في الدين والعقيدة. لكنه كان يتجنب الكلام في السياسة أخذا بالأحوط.

رؤوف: تقول لي عذاب القبر والثعبان الأقرع. هو البني آدم بعد ما يموت ويبدأ جسمه في التحلل بفعل الباكتيريا، يقدر يحس بأي شئ؟ وهل الروح، إن وجدت، تظل سجينة في حفرة؟ هل تصدق هذا الكلام يا عبده؟

عبد الموجود: استغفر الله العظيم. آهو أنت كفرت بالله. ألم تسمع بالحديث الشريف الذي رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم، مر على قبرين فقال: "إنهما يعذبان. وما يعذبان في كبير..." الحديث

رؤوف:
يا أخ عبده، هل أنت تصدق هذا الكلام برضه؟ الإنسان علشان يتعذب، لازم الجسد يبقى سليم والجهاز العصبي سليم والوعي كامل. لكن الإنسان بعد الموت، وبعد تحلل الجسد، لا يشعر بشئ. فكيف يتعذب؟

ثم أنك لا تحتاج إلى ثعبان أقرع أو النار لكي تعذب الإنسان. يكفي لوكان جهازه العصبي سليم أن تعيد تركيب خلايا المخ بطريقة تسبب الألم أو السعادة.

أنت لا تحتاج جنة أو نار في الحياة الأخرى. كل ما تحتاجه هو إعادة خلق جديدة تجعل المرضي عنهم سعداء، والمغضوب عليهم تعساء. وبس.

بدلا من الجلود التي تتجدد والنار التي وقودها الناس والحجارة والدود الذي لا يموت والزبانية وصقر والحور العين وأنهار الخمر والعسل، ...إلخ.

يكفي إعادة تركيب خلايا المخ، بحيث تعطيك هذه السعادة والإنشراح، أو الألم المستدام. ولو أنني لا أفهم الفائدة أو الحكمة من العقاب الأبدي أو حتى المؤقت في الحياة الأخرى. فهمت يا عبده؟

عبد الموجود:
الحديث الذي رواه البخاريُّ ومسلمٌ عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عذاب القبر ؟

قال : " نعم، عذاب القبر حق. فليس هناك أصرح ولا أوضح من ذلك ، ولكن الذين في قلوبهم مرض يتبعون ما تشابه من القرآن وينكرون صحيح الأحاديث لكي ينشروا الباطل بين المُسلمين والعياذ بالله.

رؤوف:
بص يا أخ عبد الموجود. أنا لا أقبل صحة مثل هذه الأحاديث. وأعتقد أنها موضوعة. دليلي على ذلك أنها لا تعقل ولا تتفق مع المنطق. ولو صدقناها واتبعناها، حتودينا في داهية.

عبد الموجود:
ممكن تسيبني أسوق العربية. أنت بأفكارك الشيطانية دي، سوف تتسبب في مصيبة لينا. نحن نرجو من الله وندعوه كي ننهي هذه التدريبات بسلام، وأنت تجعلنا نقترف ذنبا لا يغتفر.

ممكن تغير الموضوع وتتركني أراقب هذا الضوء الخافت أمامي؟ فأنا أخشى أن نفقده. فهو، بسبب ارتفاعات وانخفاضات الطريق، يختفي لحظات ثم يعود للظهور. أخشى أن نفقده كلية.

رؤوف: خللي بالك على النور أمامك اعمل معروف، موش ناقصين مشاكل. وأعدك أنني سأغير الموضوع. ما رأيك في الكلام عن الحب.

عبد الموجود: لا مانع بشرط أن تتجنب فاحش القول.

رؤوف: يا أخي بقولك كلام عن الحب. الحب يا بني آدم. هل تزوجت عن حب يا عبده؟

عبد الموجود: أبدا. عندما بلغت، زوجنى أبي من بنت عمي. هي فتاة طيبة غير متعلمة. تعمل كل جهدها لخدمتى وخدمة أولادنا. تحاول ارضائي بكل الطرق. كما أنها تتحمل مني الإساءة ولا تشتكي.

رؤوف: هل تشعر نحوها بالحب؟ النور أمامنا قد اختفى منذ بضعة دقائق ولم يظهر بعد.

عبد الموجود:
لا تقلق. سوف يظهر مرة أخرى. ها هو قد ظهر. سلم أمرك لله. إن شاء الله مستورة معانا. بالنسبة لموضوع الحب، الحب بتاع السيما والروايات، فلا أعرفه.

أشعر فقط أنني قد تعودت على زوجتي وهي قد تعودت علي. حتى العلاقة الحميمة أصبحت روتين ممل. هي تحاول ارضائي كل مرة، لكنني لم أشعر أبدا أنها تفعلها برغبتها. وكأنها تعد الثواني في انتظار انتهائها. فهل كل العلاقات الزوجية كذلك؟

رؤوف:
بصراحة، ليست كل النساء كذلك. لا تنس أن زوجتك نشأت في بيئة تخاف وتحتقر الجنس. هي تعتبره حق للزوج، يطلبه عندما يريد. وما دمت سعيدا بهذه الحياة وهي لا تشتكي، فما المشكلة؟

عبد الموجود: يا رؤوف أنا عاوز مشاركة. حدثني عن باقي النساء. أليست كلهن سواء، وخصوصا عندما تطفأ الأنوار ويحل الظلام؟

رؤوف:
لا يا عبده. ليس صحيحا كل النساء سواء، عندما تطفأ الأنوار. إنهن مثل الزهور في أريجهن وملمسهن. كما أنهن يدبلن بسرعة مثل الورود. في الظلام، لكل منهن شخصيتها وبصمتها الفريدة التي لا تنسى.

ناهيك عن صوتها وطريقة حديثها وذكائها وتنهداتها وسحرها ولون بشرتها وشعرها وعيناها وريحتها ودموعها. لامرؤ القيس بيت شعر يصف فيه رائحة نساءه، يقول فيه:

"إِذَا قَـامَـتَا تَـضَـوَّعَ الـمِــسْـكُ مِـنْـهُـمَا - نَـسِـيْـمَ الصَّـبَا جَـاءَتْ بِـرَيَّـا القَـرَنْفُلِ"

وفي موضع آخر، يبين لنا امرؤ القيس تأسير دموع المرأة فيه:

"وَمَـا ذَرَفَـتْ عَـيْـنَـاكِ إلاَّ لِـتَـضْـرِبِــي - بِـسَـهْـمَـيْـكِ فِـي أعْـشَـارِ قَـلْـبٍ مُـقَتَّلِ"

عبد الموجود: طيب لما هو أنت ناصح كده، لماذا خبت في حبك.

رؤوف:
مشكلتي يا عبده أنني حبيت بجد. بالطبع كان الحب الأول. بعد ما شفت فيلم الوسادة الخالية، قصة إحسان عبد القدوس، وسمعت أنه لا يعترف بالحب الأول، قلت في نفسي الراجل ده ما بيفهمش حاجة خالص.

الحب الأول يا عبده، حب موجود. وهو بصراحة الحب الأول والأخير. الباقي تقليد لا يرقى للأصل. الحب الأول شئ لا يمكن وصفه أو تفسيره. شئ كده مثل القضاء والقدر. يصيبنا بدون سابق إنذار. لكنه موجود، ولا يؤمن بوجوده إلا من وقع فيه.

عبد الموجود: الحب الأول مثل القضاء والقدر. مصيبة يعني؟

رؤوف: لا أبدا. ده مجرد تشبيه. الحب الأول شئ حقيقي. حدث لي وذقت الأمرين بسببه.

عبد الموجود: وبعدين؟ ولماذا فشلت؟

رؤوف:
كنت طالبا، وكانت هي طالبة أصغر مني بسنة. رأيتها أول مرة عندما كنت أزور عائلة تربطني بها قرابة من بعيد. فتحت لي باب الشقة برشاقة وابتسامة وقالت: أهلا.

وقعت كلمة أهلا في جسدي مثل الكهرباء. أصبح جسدي ودماغي كلها مكهربة. عندما أفكر فيها أشعر بتيار وخدر لذيذ يسري في أوصالي، لا أريده أن يتوقف.

كنت أتحين الفرص وأخلق الأعذار لكي أزور هذه العائلة. وعندما كنت أراها وأتحدث إليها، كانت سعادتي لا توصف. في مرة لم تكن موجودة بالمنزل، لمحت بلوفر من ملابسها.

وجدت نفسي ألمس البلوفر وكأنني ألمسها هي. الغريب أنني لم أكن أفكر فيها جنسيا على الإطلاق. إنما كنت فقط أريد أن أراها وأسمع صوتها. فقط لا غير، يا عبده.

صارحتها بحبي، وصارحتني بأنها تبادلني نفس الشعور. حاولت حثها على مقابلتي خارج بيت العائلة، ولكنها رفضت. عندما وجدت أنها تشغل 90% من تفكيري وتؤثر على دراستي، قررت الامتناع عن زيارة الأسرة وتأجيل الموضوع إلى حين التخرج. ربما كانت هذه غلطتي التي لا تغتفر.

بعد عامين، حاولت مقابلتها، لكنها رفضت المقابلة خارج البيت. بعد التخرج، وصلتني أخبار مهببة. لقد تمت خطبة الفتاة التي احببتها من كل قلبي من ضابط كبير بالجيش، يكبرها ب 15 سنة على الأقل.

أصبت بالجنون، وطلبت مقابلة والدها. كنت في ذلك الوقت قد تخرجت واشتغلت بوظيفتي الحالية، وهي وظيفة لها مستقبل كبير. لطعني أبوها على الناصية، في يوم شتاء شديد البرد، والريح تعصف بي من كل جانب، في الشارع ما يقرب من ساعة. قبل أن يتكرم ويأتي لكي يزف إلي خبر خطبة ابنته.

أخبرني في سياق حديثه بشروط العريس اللقطة، وهي أن لا تعمل زوجته. أي تقبع بالدار وتصبح ست بيت. عندما أخبرته بسبب طلبي مقابلته، وأنني، يا عمي، أحبها ومستعد للزواج منها اليوم قبل الغد،
أفادني بأنني فقير دقه، ولم أكوّن نفسي بعد. أي مفلس.

وهي للأسف حقيقة لا أستطيع إنكارها أو إخفاءها. أخبرني أيضا أنه لا يزال أمامي متسعا للزواج بمن هي أفضل من ابنته، أو الوقوع في زواجة سقع مثل التي وقع فيها هو وابنته. ثم ودعني في الطريق ومشى كالطاووس، يختال فخرا عائدا إلى عمله، وأنا أرقبه من بعيد حتى اختفى عن الأنظار.

حدث كل هذا ونحن على قارعة الطريق. لم يفكر حتى في دعوتي إلى قهوة بلدي، وطلب زجاجة بيبسي ساقعة تخفف من هول الصدمة في نفسي. منتهى القسوة لأب يرفض من يطلب يد ابنته بصدق وأمانة.

حاولت أن أبكي فلم أستطع. كنت أدخن، فألقيت بعلبة السجاير في سلة المهملات، وقلت هذا آخر عهدي بك، ولا أدري لماذا. ربما لأنها كانت تمثل شيئا أحببته وتعلقت به وعشت معه. مشيت إلى عملي لا أدري كيف، فقد كنت لا أرى الطريق وما به من عربات. الدنيا اسودت في وجهي يا عبده.

جلست على المكتب وطلبت من عفيفي عامل البوفيه فنجال قهوة. أخرجت ورقة وقلم من درج المكتب. كتبت فيها الآتي:
لا لن أنهار.
أنا أقوى من أي إعصار.
سأصبح إنسانا جديدا.
لن يقف شئ في سبيل مستقبلي.
لن أقع في الحب مرة ثانية.

عبد الموجود: يا حرام. لقد صعبت علي. وبعدين.

رؤوف: خلي عينك على الطريق يا عبده. أنا موش شايف النور منذ مدة. وبعدين، قبل ما أطلب في الجيش، بلغني بعد سنة أن الخطبة فشلت.

حاول أبوها ارسال المراسيل. كلم عمي وعمتي وابن خالتي. وعندما قابلني صدفة، دعاني لزيارته في المنزل بحجة مساعدتي في إيجاد عمل إضافي. وكلها تمحيكات لكي أتـقدم لخطبة ابنته من جديد، فتاتي وحبي الوحيد.

عبد الموجود: هذه فرصتك وما كنت تتمناه.

رؤوف:
أبدا يا عبده. صعبت على نفسي قوي. وتذكرت الألم واليأس والبكاء المكتوم الذي كابدته بسبب هذه الفتاة. أقسمت أن لا أعود إليها أبدا. لقد رفضتها وأنا أحبها حب عبادة.

فهل يلومني أحد على ذلك؟ تسألني هل لازلت تحبها، فأجيبك بكل صراحة، نعم. لكنني لا أستطيع أن أتزوجها. الجرح عميق وغائر. كرامتي بتنقح علي يا عبده.

كما أنني لم أتأكد من صدق حبها لي. ربما لم تكن تفكر في بالمرة. لقد تركتها لكي تتزوج من آخر، ربما ضابط أيضا. لقد فقدها رغما عني في المرة الأولى. لكن في المرة الثانية، فقدتها بمحض اختياري.

ثم بدأت مغامراتي النسائية بعد ذلك. صرت أبدلهن كما تبدل أنت ملابسك. علاقات حسية فقط، لا حياة فيها ولا روح. الكلام أخذنا يا عبده. أنا لم أر النور منذ مدة.

عبد الموجود: سوف يظهر.

رؤوف: سوف يظهر متى؟ منذ بدأت قصة حبي الفاشلة وأنا لا أرى النور أمامنا. أرجو أن لا نكون قد تهنا وسط الصحراء الغربية. هذه الصحراء، تاه فيها جيش قنبيز الفارسي من قبل، وفني عن آخره.

وتاه فيها أيضا الاسكندر ذو القرنين، الاسكندر الأكبر، هو وجيشه. ولولا أن بعث له الإله آمون سربا من الغربان لكي يهديه الطريق إلى واحة سيوة، لفني جيش الاسكندر هو الآخر مثل جيش قنبيز.

عبد الموجود: فال الله ولا فالك. سوف نرى النور إن شاء الله.

رؤوف: لا يمكن أن نسير في الظلام هكذا بدون هادي. قف أو ضع نور العربة الخافت.

عبد الموجود: التعلميات بتقول، لا تتوقف أو تضئ أنوار العربة.

رؤوف: لكننا تايهين دلوقت يا عبده، التعليمات تنطبق على عربات الرتل التي تسير على هدي النور أمامها.

عبد الموجود: ما اقدرش أوقف العربية أو أضع النور. بعد شوية سوف نرى النور أمامنا.

رؤوف: أثناء انشغالنا بالكلام، ربما تكون العربات قد غيرت اتجاهها ولم نشعر بهذا. نحن نسير الآن بدون هادي في سكة ثانية خالص. قف قبل ما تحصل لنا مصيبة.

حاول رؤوف إيقاف العربة بالقوة، أو وضع أنوارها، لكن منعه عبد الموجود.

عبد الموجود: بص، لولا أنك صديقي وأكلنا عيش وملح مع بعض، كنت رميتك بره العربية وكملت أنا. لو حاولت تاني، سوف أبلغ عنك.

رؤوف: بتهمت إيه؟ علشان بقول لك وقف العربية لأننا تهنا؟

عبد الموجود: التعليمات بتقول كده. وما اقدرش أخالف التعليمات.

رؤوف: هي التعليمات قرآن يا عالم؟ أجيب لك مين يفهمك إن حياتنا في خطر؟ وقف العربية يا عبده قبل ما تندم. لم نعد نشم أريج زهور البرتقال. يبدو أننا قد توغلنا في الصحراء بعيدا عن العمار.

بدأت العربة المحملة بفنطاس الماء ترتفع وتنخفض بشدة بسبب وعورة الأرض. أبطأ عبد الموجود السائق من سرعتها وحاول التحكم في عجلة قيادتها، لكنها ارتفعت عاليا فجأة ثم هبطت وسقطت في حفرة كبيرة وتوقفت عن السير.

رؤوف: عاجبك كده؟ أنزل يا خويا نشوف إيه المصيبة دي كمان. ولع لنا كشاف العربية نشوف الحفرة اللي وقعنا فيها.

عبد الموجود: أبدا. ممنوع إضاءة الكشافات. نحن في حالة تدريب بالذخيرة الحية وممنوع الإنارة. وأنا المسئول عن العربية وأنت مسئول عن فنطاس الماء فقط لاغير.

ظل عبد الموجود ورؤوف بجوار عربة المياه في الظلام الدامس ينتظران. وبعد ما يقرب من ساعة تقريبا، وجدا عربة جيب صغير تقترب منهما وهي تسير في ضوء كشافات ضعيفة مطلية باللون الأزرق.

توقفت العربة ونزل منها ضابط ملازم، بادرهم قائلا: "انتم هنا واحنا دايخين عليكم؟"

عبد الموجود: لقد تهنا عن الضوء الهادي في العربة أمامنا. وأنا رفضت يا حضرت الضابط إضاءة كشافات الشاحنة.

الضابط: قبل أن نربط الشاحنة بحبل في العربة الجيب لجرها، دعونا نرى عمق الحفرة التي وقعتم فيها.

أضاء الضابط كشافات العربة الجيب القوية، وإذا بهم يرون مشهدنا جعل الجميع يكادون يسقطون على الأرض من هول ما رأوا أمامهم. لقد رأوا أنهم، على سفح تل، يبعد خطوات من حافة منحدر رأسي لا يقل عمقه عن مئة متر.

لو استمرت عربة المياة في طريقها ثانية واحدة، قبل أن تقع في الحفرة الصغيرة، لسقطت من ربوة التل وانفجرت ولاقى عبد الموجود ورؤوف حتفهما بالتأكيد.

ظل رؤوف يرتعش من هول الصدمة ولا يستطيع الوقوف على قدميه. أما عبد الموجود، فقد عالج الأمر بركعتين شكر لله. لأنه أرسل لهما الحفرة الصغيرة لكي تحميهما من موت محقق. ثم خاطب رؤوف قائلا:

صدقت دلوقت إن فيه ربنا؟ آهو بعت لنا حفرة صغيرة تنجينا من كارثة كبيرة.

إذا برؤوف يفقد توازنه ويهجم على عبد الموجود، يمسك بتلابيبه وينشب أظافره في عنقه ويشبعه صفعا وركلنا، ويكيل له كل أنواع الشتائم والسباب، ويصرخ فيه قائلا:

"كنت ح تودينا في داهية بغباوتك وعنادك. ألم أقل لك توقف! أو ضع نور العربية؟"

عبد الموجود: "خليك شاهد يا حضرة الضابط. أنا كنت فقط أطيع الأوامر. هل أخطأت يا حضرة الضابط؟"

الضابط مترددا وبدون اقتناع: لا أبدا.

رؤوف: هذا الحيوان كان ح يموتني. هذا النوع من البني آدمين، ح يودينا في 60 داهية. لا يصلحون إلا لإطاعة الأوامر. عبيد بالفطرة. من غير مخ.

الضابط: معلهش يا رؤوف سامحه.

رؤوف: أسامحه؟ لا يستحق. كل اللي أقدر أقوله له، يا عبده، أنت غبي.



#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإصلاح الديني، إن شاء الله في المشمش
- الحجاب ليس فرضا يا فضيلة الشيخ
- اسلام بحيري والإصلاح الديني
- السندباد البحري والسندباد البري
- من أساطير الإغريق: الحب الخالد - ايروس وسايكي
- أساطير سفر العهد القديم
- من أساطير الإغريق: نرجس وإيكو
- كيف نحارب الفكر العفن؟
- من أساطير الإغريق: أورفيوس ويوريديسي
- من أساطير الإغريق: فايتون وعربة الشمس
- من أساطير الإغريق: صندوق باندورا
- من أساطير الإغريق: بروميثيوس
- آلهة الأوليمب: زواج أفروديت
- آلهة الأوليمب: هيرميس
- آلهة الأوليمب: غراميات أبولو
- آلهة الأوليمب: أبولو
- آلهة الأوليمب: أرتميس (ديانا)
- آلهة الأوليمب: ديميتير واختطاف بيرسيفون
- آلهة الأوليمب: هاديس (بلوتو)
- ذبح 21 برئ في القرن 21


المزيد.....




- حمم ملتهبة وصواعق برق اخترقت سحبا سوداء.. شاهد لحظة ثوران بر ...
- باريس تعلق على طرد بوركينا فاسو لـ3 دبلوماسيين فرنسيين
- أولمبياد باريس 2024: كيف غيرت مدينة الأضواء الأولمبياد بعد 1 ...
- لم يخلف خسائر بشرية.. زلزال بقوة 6.6 درجة يضرب جزيرة شيكوكو ...
- -اليونيفيل-: نقل عائلاتنا تدبير احترازي ولا انسحاب من مراكزن ...
- الأسباب الرئيسية لطنين الأذن
- السلطات الألمانية تفضح كذب نظام كييف حول الأطفال الذين زعم - ...
- بن غفير في تصريح غامض: الهجوم الإيراني دمر قاعدتين عسكريتين ...
- الجيش الروسي يعلن تقدمه على محاور رئيسية وتكبيده القوات الأو ...
- السلطة وركب غزة


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد زكريا توفيق - يا عبده، أنت غبي