أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد زكريا توفيق - من أساطير الإغريق: صندوق باندورا















المزيد.....

من أساطير الإغريق: صندوق باندورا


محمد زكريا توفيق

الحوار المتمدن-العدد: 4748 - 2015 / 3 / 14 - 10:15
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



بعد إدانة زيوس ل"بروميثيوس"، بسبب سرقته النار وإهدائها للجنس البشري، أخذ يفكر في طريقة لمعاقبة الإنسان لقبوله الهدية. بعد أن قدح زناد فكره، وجد وسيلة.

طلب من الإله الأعرج، هيفاستوس، أن يعمل له تمثالا من الصلصال. نصحه أن يستخدم أفروديت زوجته كموديل، حتى يأتـي التمثال أجمل ما يمكن.

نفخ زيوس في التمثال، فتحول الصلصال إلى غادة رائعة الحسن والجمال، تدب فيها الحياة. بعد ذلك، جمع الآلهة، وطلب أن يقدم كل منهم للمخلوقة الجديدة هدية.

أبولو، علمها الغناء والموسيقى والعزف على القيثارة. أثينا، علمتها الغزل والنسج. ديميتير، الزراعة والعناية بالأشجار والزهور. أفروديت، علمتها الرقص، وكيف تعتني بمظهرها، وكيف تبدي دلالها وتظهر جمالها، وفوق ذلك، كيف ترمق الرجال بطرف عينها دون أن يلاحظها أحد.

بوسيدون، أهداها عقدا من اللؤلؤ، حباته من الحجم الكبير، ووعدها بأنها لن تغرق في الماء أبدا. هيرميس، أهداها صندوقا ذهبيا جميلا. وحذرها بألا تحاول فتحه تحت أي ظرف من الظروف، وأخذ منها وعدا بذلك. أما هيرا، فقد أعطتها غريزة حب استطلاع شديدة الوطأة.

أخذها هيرميس من يدها، ونزل بها من قمة الأوليمب. ذهب إلى إبيميثيوس، أخو بروميثيوس المغضوب عليه من الآلهة، وأخبره أن هذه الغادة، هي هدية زيوس له، نظير الغبن الذي وقع على العائلة بسبب ما فعله أخوه. هي جميلة الجميلات، ولن يجد أجمل منها زوجة. اسمها "باندورا"، ويعني "هدية الجميع".

تزوج إبيميثيوس من باندورا. باندورا زوجة صالحة. تعتني بشئون البيت، وتقوم بالغزل والخبيز والاعتناء بنباتات الحديقة. عندما يعود زوجها، تسليه بالرقص والغناء. كانت تعتقد، أنها وزوجها، هما أسعد زوجين على وجه الأرض.

لكن شئ واحد كان يعكر مزاجها ويشغل تفكيرها ليل نهار - الصندوق الذهبي. كانت تضعه على المنضدة، وتقوم بتنظيفه وتلميعه كل يوم، حتى يعجب به كل من يراه.

كان عندما تسقط أشعة الشمس على سطحه، يتوهج ويبرق بكل ألوان الطيف المختلفة، التي تزيده جمالا على جمال، وتضفي على نقوشه روعة على روعة.

أخذت باندورا تتساءل، لماذا أهداها هيرميس الصندوق مغلقا، وطلب منها عدم فتحه، وقد أصبح ملكا لها؟ لابد أنه يمزح. أنا أعرفه جيدا. وأعرف أنه يحب المزاح والفكاهة وتوضيب المقالب. كل الناس والآلهة تعرف ذلك.

نعم، إنه يمزح. عندما يعطيني هدية، ثم يقول لي لا تفتحيها تحت أي ظرف. هذا كلام غير معقول بالمرة. إذا كان الصندوق الذهبي بهذا الجمال والروعة من الخارج، فكيف يكون ما بداخله؟

لابد أن هيرميس قد جعل ما بداخل الصندوق مفاجأة لي. جواهر وحلي جميلة بالتأكيد، لم تر مثلها عين من قبل. لا شك في ذلك. إذا كان الصندوق من الذهب الخالص، غني بالنقوش ومطعم بالجواهر من الخارج، فلابد أن يكون ما بداخله شيئا رائعا أيضا. وإلا لما كان يصلح أن يقدم كهدية.

ربما يتوقع هيرميس أن أفتح الصندوق بنفسي، لكي أفاجأ بما به من روائع، فأقوم بشكره. لكن باندورا كانت تعلم أنها لا يجب أن تفتح الصندوق. فقد وعدت بذلك.

أخذت باندورا الصندوق من على المنضدة التي أمام النافذة، ورمته في غرفة الخزين المظلمة حتى يكون بعيدا عن عينيها وتفكيرها. لكن هذا لم يفعل شيئا سوى زيادة نار شعلة حب الاستطلاع الموقدة داخلها.

الرغبة في معرفة ما بداخل الصندوق تكاد تقتلها. تسيطر على عقلها وتملك لبها أينما تذهب. كانت تخلق الحجج والأعذار لكي تدخل الغرفة حتى تلمس الصندوق بيديها. لكنها كانت تلقيه وتفر هاربة وتغلق باب الغرفة على الصندوق.

بعد ذلك، أخذت الصندوق الذهبي، ووضعته في صندوق خشبي. ثم وضعته في حفرة عميقة وردمت عليه التراب.

عندما عاد زوجها أبيميثيوس تلك الليلة، كان شعرها منكوش ويداها داميتيت وسترتها ممزقة. لكنها لم تقل سوى أنها كانت تعمل بالحديقة.

أثناء الليل، أضاءت أشعة القمر الغرفة. لم تستطع باندورا النوم. جلست على السرير وظلت تتلفت حولها. كل أرجاء الغرفة كانت تستحم في ضوء القمر. كل شئ كان مختلفا. كانت هناك ظلال عميقة وبقع ضوء فضية.

خرجت باندورا من الغرفة ومشت على أطراف أصابعها. ذهبت إلى الحديقة. الزهور والأشجار كانت تتمايل. الدنيا كلها كانت ترقص في ضوء القمر.

أخذت باندورا الجاروف، وحفرت الأرض لتخرج الصندوق الخشبي. أخرجت منه الصندوق الذهبي. كان الصندوق باردا جدا. كانت باندورا ترتجف من الخوف. لكن الرغبة في معرفة ما بداخل الصندوق، كانت أقوى من خوفها. ما بداخل الصندوق، بالنسبة لها، هو سر الحياة. ستموت حتما، إن لم تعرف ما هو.

أخذت باندورا مفتاح الصندوق الذهبي من سترتها، وفتحت به الغطاء ببطء. سمعت صوت احتكاء أجساد محشورة بالصندوق، وشمت رائحة كريهة. ثم خرجت من الصندوق مخلوقات أشبه بالسحالي. لها أجنحة مثل الخفافيش، وعيون تطق شرارا.

طارت هذه المخلوقات، وحامت حول رأس باندورا وهي ترفرف بأجنحتها، وتصرخ بأصوات حادة. ثم اختفت من المشهد في جنح الليل، وهي تصدر أصوات نقنقة مثل أصوات الدجاج.

كادت باندورا تصاب بالإغماء. وهي في هذه الحالة، تمكنت على آخر لحظة من غلق الصندوق الذهبي بكل قوتها، على آخر مخلوق صغير لم يتمكن من الهرب.

صرخ وعضها في يدها وخربشها بمخالبه محاولا الهرب. لكنها تمكنت من إرجاعه للصندوق وإحكام الغطاء عليه. ثم أغمى عليها وسقط الصندوق من يدها.

المخلوقات التي كانت في الصندوق، وهربت عندما فتحته باندورا، هي الأمراض التي بلي بها الإنسان. الأمراض في أشكالها المختلفة التي تعد بالآلاف. هي الشيخوخة، والمجاعة والجنون واليأس والفشل والحرب والخيانة والغدر وكل باقي عائلة الشر.

بعد أن طارت هذه المخلوقات من الصندوق، انتشرت في كل البقاع، ودخلت كل بيت. عندما يأتـي أوانها، تطير وتلدغ وتسبب كل الآلام الممكنة، والأسف والموت.

ربما كان الأمر أسوأ من ذلك، لو هرب المخلوق الذي نجحت باندورا في ابقائه محبوسا داخل الصندوق. لو هرب هذا المخلوق، لعرف كل منا ما سوف يصيبه من شر ومتى سيموت.

هذا شئ، لا يستطيع الإنسان تحمله. لقد أطلقت باندورا كل قوى الشر من الصندوق الذهبي، لكن لحسن الحظ، لازالت تحتفظ بالمخلوق الأخير. وهو الأمل.



#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أساطير الإغريق: بروميثيوس
- آلهة الأوليمب: زواج أفروديت
- آلهة الأوليمب: هيرميس
- آلهة الأوليمب: غراميات أبولو
- آلهة الأوليمب: أبولو
- آلهة الأوليمب: أرتميس (ديانا)
- آلهة الأوليمب: ديميتير واختطاف بيرسيفون
- آلهة الأوليمب: هاديس (بلوتو)
- ذبح 21 برئ في القرن 21
- آلهة الأوليمب: بوسيدون
- آلهة الأوليمب: أثينا (منيرفا)
- آلهة الأوليمب: هيرا، أثينا
- آلهة الأوليمب
- قصص وحكايات من الأساطير القديمة - زيوس
- قصص وحكايات من زمن جميل فات - أناس عرفتهم
- فكر الأنوار الفرنسي
- عالم الخرافات
- هؤلاء هم المرشحون لقيادة الإصلاح الديني
- كيف سقطت المسيحية في ظلمات العصور الوسطى
- العلامة أوريجانوس – كتاباته وأفكاره


المزيد.....




- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة
- سيناريو هوليودي.. سرقة 60 ألف دولار ومصوغات ذهبية بسطو مسلح ...
- مصر.. تفاصيل جديدة في واقعة اتهام قاصر لرجل أعمال باستغلالها ...
- بعد نفي حصولها على جواز دبلوماسي.. القضاء العراقي يحكم بسجن ...
- قلق أمريكي من تكرار هجوم -كروكوس- الإرهابي في الولايات المتح ...
- البنتاغون: بناء ميناء عائم قبالة سواحل غزة سيبدأ قريبا جدا
- البنتاغون يؤكد عدم وجود مؤشرات على اجتياح رفح


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد زكريا توفيق - من أساطير الإغريق: صندوق باندورا