أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شريف مليكة - كلثوميات - قل للزمان إرجع يا زمان!















المزيد.....

كلثوميات - قل للزمان إرجع يا زمان!


شريف مليكة

الحوار المتمدن-العدد: 4783 - 2015 / 4 / 21 - 21:59
المحور: الادب والفن
    



طلبت منى زوجتي أن أختار لها كتابا تقرأه خلال سفرها المقبل لزيارة والديها في الولاية البعيدة. جلت معها فوق أرفف المكتبة نتنقي سويا كتابا لطيفا يصلح للقراءة على متن الطائرة. سرعان ما التقط كتاب "بيت القاهرة" للكاتبة "سامية سراج الدين"، المكتوب ياللغة الانجليزية، وهو عبارة عن رواية مشغولة من عدة خصلات، مابين أدب السيرة الذاتية، إلى أدب المهجر، إلى الرواية الوجودية الفلسفية، إلى الأدب التأريخى والأدب السياسى، تتداخل كلها لتصنع معاً ضفيرة جميلة متناسقة، لا تتنافر أجزاؤها بل تتعانق فى حميمية دافئة بالرغم من قسوة لطمات الحياة ببطلة العمل "جيجي".
وعلى الفور لابد وأن تختلف معى هنا، وتقف معترضاً. من منا سمع عن أن الحياة قست يوماً على بطلة تدعى "جيجي"؟ وخاصة لو عرفنا بأنها الطفلة المدللة لأخى "فؤاد باشا سراج الدين" رئيس حزب الوفد السابق وأحد رؤساء وزراء مصر قبل الثورة، كما أن "جيجي" هذه تقطن قصرا بحي جاردن سيتى المرموق بمدينة القاهرة، يقوم على رعايتها فيه جيش صغير من العاملين من بواب لسفرجى لطاه بمساعد طاه (مرمطون) وسائق وو... ومربية فرنسية عجوز تقيم بالقصر بصفة دائمة. أى مأساة! وأى لطمات تكيلها الحياة لـ "جيجي!".
وبالرغم من كل هذا فقد برعت الكاتبة "سامية سراج الدين" فى أول عمل لها، مكتوب باللغة الإنجليزية، مما يوحى هذا بحد ذاته، بشعور أصيل بالإغتراب تعانى منه الكاتبة، المقتدرة حقاً، المتمكنة من أدواتها، وكأنها كاتبة محترفة تقدم للقارئ عملها العشرين مثلاً. وتبدأ القصة بمشهد المرأة "جيجي" العائدة من الولايات المتحدة إلى القاهرة فى مهمة خاصة، فهى تبحث عن طفلين ـ كما تقول ـ طفل تركته وراءها حين هربت من زوجها إلى باريس قبل عشر سنوات، وطفلة أخرى هى الكاتبة نفسها حينما كانت بعد طفلة، اندفعت بقرار ـ ندمت عليه فيما بعد ـ أن تتزوج من شاب أرستقراطى لا تعرف عنه شيئاً سوى أن والده كان من كبار المحاميين ورجال الأعمال، ومن أصدقاء العائلة، وأمه كانت صديقة لعمتها، والتى رشحتها له ليتعرف عليها بسرعة ويتزوجها ويطير بها للندن حيث يدرس ويعمل لحين عودته لمصر، ليصبح ـ بنفوذ والده المسيطر القوى وبعلاقاته ـ من أغنى رجالات مصر فى زمن الانفتاح.
وفى حذق وبراعة قدمت لنا سراج الدين قصة متوازية تعمدت أن تتشابه أسماء بطلتها "جيهان" وابنها "تامر" مع بطلتنا "جيجي" وابنها "طارق"، وإن كانت كتابة هذه الأسماء باللغة الانجليزية أكثر تشابهاً وإيحاءاً منها بالعربية. تقول الكاتبة عن "جيهان" أنها لم تكن سعيدة مطلقاً مع زوجها بعد أن أهملها لملاحقة نجاحاته المهنية كـ"طبيب قلب" نابه صار بحذقه ونبوغه الطبيب الشخصى لـ"جمال عبد الناصر". فتركته وتزوجت من لبنانى وهاجرت معه إلى لبنان تاركة وراءها إبنها "تامر". وهنا تقول الكاتبة على لسان "جيجي" أن "جيهان" كان يجب عليها أن تراعى وجود تلك المراهقة التى كانت واقفة بركن الغرفة، حينما جاءت لتودع أبيها، الذى كان السبب فى معرفتها بعلى زوجها الأول، فتساءلت: "هل يدرك المرئ حينما يغطس فى الماء أن الدوائر المتلاحقة التى يصنعها فوق سطح الماء، سوف تصل حتماً إلى الشاطئ الآخر؟" قالتها متنبئة عن تكرار القصة ثانية مع الطفلة "جيجي" بطلتنا التى سوف تحذو ذات الحذو الذى اتخذته ابنة عمتها الكبيرة "جيهان" بعد بضعة أعوام.
وتأخذنا أيضاً سراج الدين فى رحلة جغرافية، من القاهرة الأرستقراطية أيام البشوات والقصور والتعليم الراقى وآداب وتفاصيل المعيشة العالية المستوى التى كانت عليها مصر الأرستقراطية ـ وحتى طبقتها الوسطى ـ كما لمسنا من حكايات آبائنا، وومضات لمحناها نحن بطفولاتنا وبدايات شبابنا، وكتب أخرى لسيرات ذاتية لمعاصرين لتلك الحقبة من أمثال د. لويس عوض، ود. جلال أمين، وهما ممثلين لعائلات الطبقة الوسطى المصرية خلال النصف الأول من القرن العشرين، سافر كلاهما إلى أوروبا للحصول على درجة الدكتوراه ثم عادا للحياة بمصر، التى كانت تقدر أيامها شأن مثل هؤلاء النوابغ من أبنائها. وتطوف بنا الكاتبة فى رحلة مضنية إلى لندن ثم باريس ثم نيو هامبشير بالولايات المتحدة، حيث الوحدة والاغتراب والشوق الطاغى للعودة لمصر. وبالرغم من صعوبة المقارنة ـ كما يبدو على السطح ـ بين هذه البلدان العريقة التحضر وبين القاهرة، إلا أن الأخيرة كانت دائماً ما تربح الرهان، وتدفع "جيجي" دفعاً للعودة والاستقرار بها لولا الظروف التى كانت تدفعها دفعاً للاغتراب من جديد فى كل مرة.
ويأتى عنوان الرواية "بيت القاهرة" ـ والتى ترجمت مؤخراً عن دار الشروق بإسم "بيت العائلة"ـ ليصبح حلقة الوصل ما بين ماضى "جيجي" الطفلة الأرستقراطية المملوءة حياة، التى تقرأ عن العالم وآدابه بلا انقطاع، وتبحث عن كشف كل الأسرار، وحتى ذبح خروف العيد قبل الفجر فى كشك بالحديقة الخلفية، تريد أن تشاهده وتعرف خباياه، وبين حاضرها كامرأة حزينة منهكة القوى، تبحث عن ذاتها بين كل مدن العالم فتظن أنها وجدتها أخيراً فى القصر العتيق بالقاهرة، ولكن هيهات! فيصير "بيت القاهرة" رمزاً للأرستقراطية التى كانت، والتى يشتريها بمبلغ مغر ثرى سعودى هو "الأمير بندر" الذى كان صديقاً وشريكاً لوالد "يوسف" زوجها الأول الذى أخذها ليعيشا فى لندن لفترة، ثم رحل بها لـ "جدة" لتعيش فى قصر "الأمير بندر" نفسه قبل عشرة سنوات حيث تقابل مع "الأميرة خديجة" زوجته التى تصفها الكاتبة ببراعة وكأنها تعيش فى سجن فخم مجهز بكل شيئ ما عدا الحرية، أدى بها شخصياً لطريق الطلاق المسدود، والهرب لباريس وترك ابنها "تامر" لرعاية والدتها، لإصرار يوسف أن تحيا معه بقصر الأمير فى جدة لبضعة سنوات لحين الانتهاء من مشروع كان يجمعه بالأمير.
وهنا نشير للمنحنى السياسى الذى تصفه سراج الدين طوال رحلتها الممتدة. فهى لا تخفى كراهيتها لجمال عبد الناصر الذى قلب برعونة ثورته ورجالها أحوال مصر رأساً على عقب، وقتل طبيبه الخاص "على" زوج "جيهان" قرينتها المتوازية مع شخصيتها، لأنه شخَّصه بالإصابة بمرض البارانويا! وتسبب بشكل غير مباشر فى اكتئاب والدها، ثم موته. ثم تسخر من أسلمة البلد على يد السادات ثم إغراق اقتصادها بسبب الانفتاح، ثم الإتيان بالباشا (فؤاد سراج الدين) من جديد كصورة أو كخيال مآتة، ليتزعم حزب الوفد الجديد أو "المعارضة الطيعة" كما ذكرتها على لسانه، والذى لم يلبث الباشا أن يستقيل منه. ثم تنامى التيار الإسلامى فى عهد "مبارك" حتى بدأت النساء الأرستقراطيات أو بناتهن، تتحجبن. وأخيراً ببيع القصر للأمير "بندر" الثرى السعودى الذى صار قادراً على شراء تاريخ مصر وحاضرها بأمواله الطائلة، ليصبح القصر بدوره سجناً جديداً للأميرة خديجة ـ زوجته ـ لتنام به طوال النهار وتستيقظ فى المساء، وتتسلى فى مشاهدة الأفلام المصرية المسجلة على شرائط فيديو، تعرض على شاشة سينمائية ضخمة كما كان الحال فى جدة.
إنها حقاً رواية ممتعة، على مرارتها، لم أتعرض لكثير من شخصياتها وأحداثها المتلاحقة، نشتاق خلال فصولها لذاك الزمن الجميل الذى ولَّ، وهى شاعرية وجذابة لأبعد الحدود، ذات لغة راقية وثرية. وأنا هنا أصف الرواية الأصلية المكتوبة بالانجليزية، إذ لم تتح لى الفرصة لقراءة النسخة المترجمة.
وفى نفس الوقت نغنى مع الست فى أسى:
"وعايزنا نرجع زى زمان قل للزمان إرجع يا زمان!"



#شريف_مليكة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلثوميات أعطِنى حريتى أطلِق يديَّ!
- كلثوميات - ولمَّا اشوف حد يحبك، يحلالى اجيب سيرتك وياه!
- رمضان 2012 وليبرالية مصر
- حكاية علي بابا والأربعين حرامي
- لو كنتَ تبيع الجنون!
- الساحر العجوز
- في مقاومة دعاة الدولة الدينية
- هل ماتت الثورة المصرية؟
- مصرع بن لادن شيخ دعاة السلفية
- من مصر القديمة، إلى مصر الجديدة.. إلى المطار!
- مصر الجديدة
- يجب ألا تنطفئ شعلة الثورة المصرية
- الشعب أراد تغيير النظام... فتغير!
- عار النظام المصري المحتضر
- لا للكنيسة! لا للأزهر! لا للإخوان المسلمين! ولا لمبارك!
- ثورة -حرافيش- 25 يناير 2011 المصرية
- زهور بلاستيك رواية الفصل الثاني عشر (الأخير)
- زهور بلاستيك رواية الفصل الحادي عشر
- زهور بلاستيك رواية الفصل العاشر
- زهور بلاستيك رواية الفصل التاسع


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شريف مليكة - كلثوميات - قل للزمان إرجع يا زمان!