وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 4775 - 2015 / 4 / 12 - 13:02
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
(1 ) :
استكمالاللجزء الثاني من مقالتنا :
(الفيلسوف يورجين هابرماس ومدرسة فرانكفورت – ج 2 )والمنشور على الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=463141
يرى الفيلسوف هابرماس ان الاتصال هو مواجهة بين متحدثين , وفي نفس الوقت انتقال للرسائل فيما بينهم . انه سيل المعلومات , وهو ايضا اشارة لعملية تحقيق الذات . ان المجتمع يقوم على التفاعل المتبادل بين افراده كفاعلين اجتماعيين .
( 2 ) :نظرية الفعل التواصلي Communicative Action
انطلق الفيلسوف هابرماس في تاسيسه لنظرية الفعل التواصلي من قراءته لكتاب ( جدل التنوير ) لهور كهيمر وادورنو . فقد عبر هذا الكتاب عن الانتكاسة والنكوص التي اصابت التنوير والعقل الغربي عندما تم توظيفه لخدمة الانتاج الصناعي , وترتب على ذلك ظهورالعقل الاداتي , عقلية السيطرة.
وقام هابرماس بنقد العقل الاداتي , ووضع نظريته الجديدة في العقل والفعل التواصلي لتكون بديلا عن فلسفة التاريخ التي عولت عليها النظرية النقدية المبكرة والتي لم يعد الدفاع عنها ممكنا . لذا جمع هابرماس بين الهيرمينوطيقا وفلسفة اللغة .
فالعقل عند هابرماس يمثل ذلك الاتي وتلك المهام التي لم تبنى بعد .لهذا السبب نجد هابرماس يتحدث عن العقل بوصفه انجازا قائما بقدر مايتحدث عن مخزون من العقلانية , او عقلانية ( كامنة ). وينتج عن ذلك نتيجتان :الاولى تتمثل في مفهوم العقل التواصلي الذي يسمح بالابقاء على مخزون من العقلانية تمثل الحداثة .
اماالنتيجة الثانية فهي تمهدالطريق لاعادة كتابة النظرية النقدية للمجتمع كما كان يتصورها هور كهايمر وادورنو , بحسب مؤلف الكتاب , اللذان اعتقداانهما ارسيا تشهيرا كافيا بالعقل امام تصاعد النزعة اللاانسانية والبربرية في المانيا في عشرينات وثلاثينات القرن العشرين .
لقد لاحظ هابرماس ان العقلانية الحديثة لاتتجلى الا في شكلها الاداتي المشوه .لقد قام هابرماس بالتاليف بين النزعة الوظيفية عند ( بارسونز )وبين النظرية العقلانية عند ماكس فيبر معتمدا على التحليل الماركسي . لذلك يمكن القول ان النظريةالعقلانية عند فيبر تعد مرجعا اساسيا لمشروع هابرماس في محاولته اعادة بناء العقلانية الاجتماعية .
يحدد هابرماس العقلانية بانهاالاستعداد الذي تبرهن عليه ذوات قادرة على الكلام والعمل واكتساب وتطبيق معرفة قابلة للخطا . فقد اراد وضع العقل في اطار اشمل فكان عليه ادخال البعد التواصلي في مفهومه الجديدعن العقلانية , وهذا البعد يحقق التفاعل بين الناس من خلال التواصل اللغوي .
يهدف هابرماس من خلال العقلانية التواصلية الى وضع نظرية نقدية للمجتمع تقوم على اسس عقلانية .
يقول هابرماس :
(اريد ان اوضح انه من الممكن تطوير نظرية الحداثة باستخدام نظرية تواصلية تمتلك المعرفة التحليلية التي تحتاجها الظاهرة الاجتماعية المرضية التي يسميها الماركسيون ب ( التشيؤ ) . وهذا لايكون الا باعادة توظيف دور الفلسفة وتحديد دورها في المجتمع . فان مفهوم العقل التواصلي المتاصل في الممارسة اللغوية والموجه للتفاهم يتطلب من الفلسفة ان تاخذ على عاتقها من جديد انجاز مهام نسقية .
وهنا يمكن للعلوم الاجتماعية الدخول في علاقة تعاونية مع الفلسفة التي تقوم بمهمة العمل على (تاسيس نظرية عقلانية ).
قسم هابرماس العقل الى نوعين هما :
1 – نشاط عقلي معرفي ,اداتي , وهو نشاط مرتبط بغائية لانه يحقق منفعة , وهذا النوع يستخدمه الانسان لمعرفة البيئة المحيطة به .
2 – نشاط عقلي تواصلي , وتمارسه ذات قادرة على الكلام والفعل ,وهذا النشاط التواصلي هدفه التوجه نحو التفاهم بين الذوات .
تعد نظرية هابرماس في التواصل والفعل التواصلي بمثابة منطق جديد للعلوم الاجتماعية يستند الى انثربولوجيا اللغة , لان هابرماس يرى ان اللغة تمكننا من احداث قطيعة مع الاطروحات التقليدية في العلوم الاجتماعية المتعلقة بالوعي والفعل والممارسة .
يرى هابرماس انه من الضروري تحويل علم الاجتماع الى فرع من فروع علوم الاتصال وهو يجب ان يقوم على الفعل التواصلي , فهو لاينكر العوامل الاجتماعية التي تساهم في النشاط الاجتماعي , كالافعال الاداتية التي تحدثها التقنية , الا انه يرى ان الفعل التواصلي يتميز بطابعه المحدد للعلاقات التواصلية التي لايمكن اختزالها الى مجرد تبادل للمعلومات بواسطة اللغة .
ان التواصل عند هابرماس ينظر الى اللغة في بعدها البراجماتي و هو يعني اللغة وهي منغمسة في تيار الانتاج والابداع وانه التفاهم او الوفاق Entente .
ان اغلب فلاسفة اللغة برون في الاندماج بين اللغة والتفاهم اختزالا للظاهرةاللغوية المعاصرة . ويثار التساؤل والاعتراض على هابرماس فيما يخص موقفه من اللغة وثقته المتزايدة فيها .فهي قد لاتعني دائما التفاهم , على اعتبار انها قد توظف لغايات التلاعب والخداع. لذلك نرى هابرماس مدرك تمام الادراك لهذه الاشكالية , حيث يطلق على هذه الظاهرة تسمية ( الفعل الاستراتيجي ) الذي يتجه الى هدف لايتعلق بالتفاهم والتواصل بين الذوات المختلفة .
لقد اهتم هابرماس بفلاسفة اللغة , خصوصا جون اوستن , وجون سيرل في نظرية (افعال الكلام ) . وهي النظرية التي طرحها فنجشتاين في كتابه(بحوث فلسفية ) وفي فكرته الاساسية عن :
( العاب اللغة ) واستحالة الفصل بين الدلالة والتركيب والتداول . ويعد جون اوستن هو المؤسس لهذه النظرية التي انطلقت عنده من خلال نقده لزعم فلسفي يرى ان قول شيء ما هو دوما اثبات شيء ما , اي ان دور اللغة يقتصر على الاخبار عن العالم وبالتالي فالقضايا النافعة التي تقبل الصدق او الكذب وماعدا ذلك , احكام خالية من المعنى ( الباحث ابو النؤر حمدي ابو النور حسن ) من كتابه( يورجين هابرماس : الاخلاق والتواصل ).
ولدحض هذا الراي يقدم اوستن نماذج من عبارات لها صفة الجمل الاخبارية . وقد تابع الفيلسوف الامريكي جون سيرل تطور نظرية افعال الكلام واقترح معايير جديدة لتصنيف افعال الكلام .
تهدف افكار هابرماس الى الكشف عن الوسيلة التي بموجبها تقوم البنى الاجتماعية بتشويه عملية التفاعل وتثير الاضطراب ,اذ ان سوء الفهم ممكن بين البشر ويمكن خداعهم بشكل منتظم .
يؤكد هابرماس ان النشاط التواصلي ليس عشوائيا وانما هو منظم وهو يتطلب شروطا , وذلك لان النشاط التواصلي لايكون مجرد فعل تتوجه به ذات منعزلة , ولكنه مناقشة وحوار يتم بين ذوات متعددة , او بين ذاتين فاعلتين.
فالنشاط التواصلي تحكمه عدة شروط:
1- يتم النشاط التواصلي من خلال علاقة تفاعل بين فردين او اكثر حيث تتم عملية التواصل من خلال اللغة فاللغة هي الوسيط الاساسي في النشاط التواصلي .
2- التجربة التواصلية , هدفها الوصول الى اتفاق بين الذوات المشاركة في التعامل . وهذا يتطلب التقارب في وجهات النظر .
3- ان العملية التواصلية لابد لها من ديمقراطية في الحوار .
4- وجود الظروف لتي تضمن الاجماع الذي لن يتم الوصول اليه الا عن طريق قوة الحجة .
5- ان يتحررالتواصل من اشكال الضغط وسيطرة وهيمنة كل طرف على الاخر والقهر الخارجي .
6- ان يتاح لكل مشارك في التواصل في الدفاع عن رايه دون سيطرة من سلطة ما .
مسك الختام :
ردا على كل تخرصات المعادين للفيلسوف يورجين هابرماس من البرجوازية الصغيرة ,يقول الباحث (ابو النور حمدي ابو النور حسن )في نهاية كتابه ( يورجين هابرماس : الاخلاق والتواصل ):
( ان هابرماس اثبت اخلاصه للنقد الفلسفي ورسالته , فلم يكن مجرد امتداد للجيل الاول من اصحاب النظرية النقدية , وانما كان ومايزال ناقدا للنقد ايضا , بذلك اعطى التنوير دلالةايجابية وفعالة وخلصه من صفاته السلبية المدمرة , واستحق ان يوصف بانه المعبر عن التنوير العقلي الصادق في القرن العشرين , الحريص على تكوين راي عام واع حر ومستنير ).
يتبع...
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟