أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبعوب - العشق من أول نظرة.. قصة عاشق الكتاب















المزيد.....

العشق من أول نظرة.. قصة عاشق الكتاب


محمد عبعوب

الحوار المتمدن-العدد: 4768 - 2015 / 4 / 4 - 19:27
المحور: الادب والفن
    


قابلته ذات يوم وهو جالس إلى جوار موظف كان يدير فرع مكتبة له بشارع ميزران بالعاصمة الليبية طرابلس، كان في أواخر أيامه يتجاذب أطراف الحديث مع هذا الموظف حول آخر ما احتفظت به ذاكرته التي بدت مضطربة من ذكريات حياته المديدة.. لم أقابله قط في حياتي، تعرفت عليه فقط من خلال حديثه مع الموظف، الذي يوحي بأنه صاحب المكتبة و مؤسسها. وقادني فضولي لاستغلال هذه الفرصة النادرة لأتعرف عليه وهو العلامة البارزة في التاريخ نشر الثقافة الليبية، وأعرف منه تاريخ عشقه للكتاب، ذلك هو المرحوم محمد الفرجاني مؤسس دار الفرجاني للنشر والتوزيع وصاحبها، والتي تعد من أقدم ديار صناعة نشر وطباعة وبيع الكتب في ليبيا إن لم تكن هي الأولى..
بعد جولة في هذه المكتبة أدمنت اقترافها وأصبحت مبرمجة في ذاكرتي كلما مررت من شارع ميزران، و أنا أهم بمغادرتها، امتلكت الشجاعة وقررت أن أقحم نفسي الحوار الدائر بين ذلك الشيخ وبين الموظف، استقصي منه سر تاريخ علاقته بالكتاب، سلمت عليه، وعرفته بنفسي بعد ان تأكدت من الموظف أنه الفرجاني مؤسسة المكتبة، رحب بي وبادرني بالسؤال :
- أنت زواري ؟ أي من مدينة زوارة.
أجبته بانني لست من زواره بل من الجبل الغربي، مضيفا بتساؤل، ولكن لماذا زوارة بالتحديد؟ فأوضح لي بأنه في طفولته المبكرة عشرينات القرن الماضي عاش سنوات مع والده في مدينة زواره وكان له زميل في الكتاب أو المدرسة لم أعد أذكر يدعى عبعوب، فأوضحت له أن ذلك ربما يكون خالي شقيق أمي الذي يدعى عبعوب، عاش وتوفي في مدينة زواره مع أسرته التي انتقلت إلى هناك بسبب موجة الجفاف في الجبل..
كان هذا مدخلا جيدا لي للتسلل الى أعماق هذا الكنز الفائض بتاريخ نادر لم يطرق، واستقصاء تاريخ عاشقه للكتاب وكشف سره، ويبدو أن سيرة خالي وذكريات طفولته قد شحذت تفكيره وأغرته بالحديث معي، فسألته عن تاريخ علاقته بالكتاب، فانطلق يحكي لي قصة أول لقاء له بالكتاب وكيف سكنت صورته في عقله ولم تفارقه حتى اليوم.. يقول الشيخ المرحوم محمد الفرجاني مؤسس دار الفرجاني للنشر في سياق سرده لهذا التاريخ :
"وأنا في السادسة من العمر تقريبا، انتقلت مع أسرتي الى طرابلس حيث كان والدي يعمل في سلك الشرطة ، وأقمنا في بيت بحي الظهرة شرقي المدينة ، وأدخلني والدي كغيري من أطفال الليبيين في تلك الفترة إلى مدرسة أهلية لتحفيظ وكتابة القرآن المعروفة هنا بـ "الكُتَّاب" حيث تعلمت أولى حروف الأبجدية وحفظت بعض سور القرآن على يد شيخ مع شلة من أطفال الحي. وذات يوم وأنا عائد من الكُتَّاب إلى البيت قابلني طفل من أطفال الجيران عائدا من المدرسة فعرض علي كتاب به صور كان يحمله في حقيبته وقال لي إنهم في المدرسة يقرؤون في كتب جميلة مزينة بالصور ويجلسون على كراسي ولا توجد فلقة* كما في الكتاب"..
رجع الطفل محمد الفرجاني الى بيتهم غاضبا وصورة ذلك الكتاب لم تفارق نظره، واخبر أمه بأنه لن يعود للكُتَّاب بعد اليوم ، وأنه يريد كِتَاب مثل ذلك الذي عند ابن جارهم به صور جميلة.. ومنذ تلك اللحظة بدأت قصة العشق من أول نظرة بين الطفل محمد والكتاب، لقد قرر هذا الطفل ونفذ قراره.. عاد والده من العمل، واستقبله ابنه عند الباب ليخبره بقراره هجر الكُتَّاب ورغبته في الالتحاق بالمدرسة ليحصل على كتاب مثل الذي عند جارهم، استغرب الأب من قرار ابنه وحاول إقناعه بأنه لن يستطيع الحصول له على مكان في المدرسة ، وان الفقيه أحسن من الأستاذ وووو الخ من قائمة المغريات التي يعتقد أنها قد تثنيه عن قراره..
تمسك هذا العاشق بقراره ، وعجز الأب عن تغيير رأيه ، ولم يجد بدًا من تلبيه رغبة هذا العاشق، وتوجه إلى جيرانه يستفسر منهم عن كيفية الحصول على مقعد لمحمد في المدرسة التي كانت في تلك الفترة مقصورة على أبناء الذوات من الأثرياء والنافذين في دوائر حكومة الاحتلال، وتمكن عن طريق أحد الأساتذة من تسجيل محمد في المدرسة ، وفي فصول تلك المدرسة وأمام إغراءات الكتاب وصوره الجميلة تمكن عشق الكتاب من قلب هذا الطفل الذي انتهى باقتران ابدي بينهما أنجب لنا على مدى عقود هذه الأسرة الكبيرة من عناوين الفكر والثقافة والأدب والعلوم بمختلف فروعها.
يضيف الشيخ في سرده المتقطع لقصة عشقه للكتاب:
"ومنذ يوم دخولي الى المدرسة بعد أن تمكن والدي من تسجيلي بها ومن لحظة استلامي للكتب تمكن عشقي للكتاب من قلبي، فكنت كما في الفصل، أحرص في البيت على تصفح كتبي للمراجعة والتأمل، وكنت على مدى طفولتي لا أتمالك نفسي عند رؤيتي أي كتاب في أي مكان، يشدني فضول قوي لتصفحه وتأمل محتوياته والرغبة في امتلاكه، وهذا ما أهلني للتخرج من معهد المعلمين وممارسة مهنة التدريس في فترة مبكرة من العمر ، وكنت إلى جانبها أمارس مهنة بيع المجلات والجرائد في شوارع المدينة مستخدما دراجتي الهوائية التي توازي قيمتها الوظيفية في تلك الفترة قيمة السيارة اليوم، الى أن تطور نشاطي من موزع جوال الى صاحب محل لبيع المجلات والكتب والجرائد ليتطور فيما بعد الى دار الفرجاني التي تقف أنت الآن في إحدى فروعها" .
وبحكم معرفتي أنه يمتلك فرعا للدار في لندن، سألته ما إذا كانت صناعة نشر وتوزيع الكتب تدر دخلا محترما مكنه من افتتاح فروع له بالخارج، رد ضاحكا:
"اسمع يا ولدي، صناعة الكتاب في ليبيا وتعاطيه لم تكن يوما مصدر ثراء لمن يمارسها ، لأن زبائن هذه الصناعة محدودين جدا في مجتمع يعاني من الأمية المعرفية، وهي بالنسبة لي هواية أكثر منها مهنة للتعيش، و وجود فرع لدار الفرجاني بلندن فرضه ظرف طارئ جد في البلاد خلال فترة السبعينات وهو ما يعرف بالثورة الثقافية التي أعلنها القذافي وأطاحت بهذه المهنة وأغلقت أمام شاغليها كل منافذ العمل، فقررت أن أنقل نشاطي الى لندن بحكم وجود جالية عربية كبيرة بها، وكذلك وجود نشاط ثقافي عربي ملحوظ فيها، ولعلك تستغرب كيف لي وأنا صحب مهنة لا تدر دخلا معتبرا، ان افتح فرعا لداري في لندن التي تصنف من أغلى العواصم في العالم؟ يجب ان تعرف أن مصدر ثروتي التي أعيش منها ليست صناعة الكتاب، بل صناعة بيع العقارات، فأنا مهنتي الرئيسية منذ العقود الأولى من حياتي وبعد خروجي من سلك التعليم هي بيع وشراء العقارات ، ومن دخل هذه المهنة مولت تكاليف عشقي للكتاب الذي تمكن من قلبي منذ نعومة أظافري ولازال، رغم أن هذه الصناعة في مجتمع علاقته بالكتاب تكاد تكون معدومة لا تدر أية ارباح بل قد تستنزف ما تحققه من مصادر أخرى"
ودعت هذا الشيخ بحرارة متمنيا له الصحة والعافية لما تبقى له من عمر ، وكنت أحدث نفسي بأنني سأجري معه حوار موسع لنشره بإحدى الصحف يؤرخ لصناعة تاريخ الكتاب في ليبيا ، لكن وقع الحياة وظروفها الصعبة في تلك الفترة كفيلة بان تشغلك حتى عن نفسك وليس شخص قابلته صدفة، وهذا ما كان حتى رحل شيخ الكتاب عن عالمنا وضاعت مني فرصة ثمينة لتسجيل ذكريات وتفاصيل أدق و أوسع عن تاريخ الكتاب في ليبيا الحديثة على يد واحد من صانعيه، وكان لخبر منح مكتبة الفرجاني في لندن وسام رفيع لدورها في نشر الثقافة، الفضل في شحذ ذاكرتي لأسطر لكم هذه القصة عن العشق من أول نظرة ولكن ليس بين شاب فتاة بل بين طفل وكتاب..
=====================
(*) الفلقة الجلد بعصا على باطن الرجلين، عقوبة درج الشيوخ في زوايا تخفيظ القرآن الكريم على انزالها بمن لا يحفظ من الطلبة السورة المحددة.



#محمد_عبعوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الديموكتاتورية- كأسلوب للانتحار الجماعي..
- الديمقراصهيونية المخادعة..
- خواطر عابرة (5) قوة الفوضى..
- خواطر عابرة (4) الواقع يخذل العقل!!
- رهاب الضياع يحاصر ذاكرة حسين نصيب
- المحطة السابعة التي لم يطرحها المفكر طرابيشي.
- خواطر عابرة.. (3/3) يوم دفنّا جنين الديمقراطية في ليبيا..
- خواطر عابرة.. (2/3) يوم دفنّا جنين الديمقراطية في ليبيا..
- خواطر عابرة.. (1/3) يوم دفَنّا جنين الديمقراطية في ليبيا..
- خواطر عابرة (2) زنزانة الملل..
- وباء الجنرالات يستشري من جديد في ليبيا.
- خواطر عابرة.. (1) أشواق على مذبح العقل..
- بني الجبل انتبهوا.. مستقبلكم في خطر!!
- ألم أقل لكم إنها حرب بلا معنى!!
- أين تجذف إسرائيل
- ديفد هاينز قرباناً على مذبح الهيمنة..
- صناعة الفوضى.. داعش نموذجا..
- اتهام البنتاغون لمصر والامارات بالتدخل في الصراع بليبيا يمهد ...
- الاستثمار السيء لدماء العراقيين
- دعوة لتفادي حرائق الرجيع العربي


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبعوب - العشق من أول نظرة.. قصة عاشق الكتاب