أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عبدالله مهتدي - سوريات















المزيد.....

سوريات


عبدالله مهتدي

الحوار المتمدن-العدد: 4756 - 2015 / 3 / 23 - 09:02
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


سوريات
"ثمة شخص يصقل بزته العسكرية بواقي المعارك التي خسرها،
ثمة نفس الشخص يعد بمزيد من المعارك المخسورة،
لئلا تبهت بزته وتفقد مجد القتل "
قاسم حداد
كيف يتدفق ماء لينابيع أعذب
لتشتد روح ليصبح الصخر أصلب
فنكتب شعرا
لنلهو بمجد الطغاة قليلا ونلعب
سميح شقير

1
تستطيع سوريا اليوم،الذاهبة إلى مجد الخراب،أن تكون سيرة العطب العربي بامتياز،فالدكتاتور المنتشي بانتصاراته الوهمية على الحياة،قد نجح في تحويل الحياة نفسها إلى مقبرة للحلم،خمسة ملايين لاجئ داخلي،مليوني لاجئ خارجي،آلاف القتلى والمختطفين ،الموت تحت قصف الجوع و المرض و الخوف،التدمير الممنهج لأركان العمران البشري،الهمجية الفائقة في تحويل شعب مبدع إلى متسول،على أعتاب قرون خلت.لايهم إذن،من انتصر،ومن سينهزم في رحلة الموت،لايهم مساحات الوجع التي غطت على نظرات الأطفال،حولت الوطن اللاوطن إلى ملهاة في قلب المأساة،فالدكتاتور نجح في أن يلبس السوريين "ربيعا"على مقاس الصمت،"ربيعا" مغمسا في الدم،ومملحا بالألم،ومشبعا بالفاجعة.
عندما ورث الدكتاتور العرش الجمهوري،ورث معه حكمة القتل،كي يمشي في أثر سيرة الأب،كي يتوغل في دم السوريين،مثلما توغل نيرون في إحراق روماه،وتحويلها إلى كومة رماد،أجهز على "ربيع دمشق"،وعلى منتديات المجتمع المدني،خنق أنفاس الفكرة وهي لم تشب بعد عن الطوق،كي ينتصر الخوف على الفكرة،والوهم على العقل،والصمت على القصيدة.
2-
لقد بدت الجغرافيا في الحكاية السورية أشد مكرا من التاريخ،فإذا كان السوريون قد صمموا على إزاحة الطغمة العسكرية و المالية الحاكمة باسم الحق الوراثي،آل الأسد وآل مخلوف،هذا التناغم الفريد في صقل موهبة القتل،للحفاظ على سوريا الإسطبل أو المزرعة،فان الجغرافيا بمكرها الخادع،قد أشهرت الورقة الحمراء،وهي تضع سوريا على حافة النار،فللوطن موقع حارق على رقعة الأرض التي ساقها قدرها في أن تكون بلد "مواجهة"،وملتقى لصراع "الأضداد"،هكذا لن يساوي دم الشعب شيئا في حفلة القتل المقدس،فالثورة التي هي في خط سير "الربيع العربي" ستصبح مؤامرة عابرة للقارات.إن من يثقن فن قراءة الجغرافيا السياسية اليوم،يستطيع أن يفهم لماذا يراد للثورة السورية أن تشرب من كأس اليتم حتى التخمة،أن تكون ابنة شرعية للظلام، فبين الداخل الذي أصبح خارجا،والخارج الذي أصبح داخلا، تتمايل سوريا ثملة،بكثرة الجعة الحمراء التي تمرغت في سواقيها،وهي ترقص رقصة الديك المذبوح.
لم يكن ل"التوازن الاستراتيجي"مع العدو،اسرائيل من دور سوى كبح جماح الحرية،ووضع الديمقراطية في ثلاجة "الممانعة"،أما الكيماوي الذي صنع من خبز السوريين ومن حريتهم،فها هو اليوم يقدم للعدو نفسه،اسرائيل،على طبق من دهب، وتقدم معه سوريا وقد غرقت في التيه،فالعرش أكبر من الشعب،وللحكام أن ينتخبوا شعوبا أخرى إن أرادوا مجد البقاء.
3-
حين اقتلع الدكتاتور حنجرة إبراهيم قاشوش،بعد أن نحر الرقبة،وقبل أن يرمي بالجسد في نهر العاصي،كان يدرك أن الغناء أقوى من المدفع،وأعتى من "السوخوي"،وأفتك من البراميل المتفجرة وهي تحرق الأخضر واليابس،لقد أوصلت "وداعة" القتل،و"رشاقة" الإجرام الدكتاتور إلى الخوف من حنجرة،حنجرة تعري الألم،وتغني أناشيد الوجع السوري.لم يكن إبراهيم قاشوش كجسد على مرمي نيران الدكتاتور،بل كان صوت الثورة المبدع،أنفاسها المشتعلة في الأماسي الباردة،عصافيرها المغردة في سماء أريد لربيعها أن يصبح خريفا بطعم الفاجعة،فالغناء جريمة يعاقب عليها في ضيعة الدكتاتور ،بنحر العنق واقتلاع الأحشاء ،لأنه في المؤامرة الكونية،سيرتها المبدعة،ونارها التي تحرض على إحراق العرش.
ذلك ما فعلته الطغمة العسكرية في الشيلي /بنوشي مع المغني و الشاعر والمسرحي فيكتور جارا،الذي ظل يغني للثورة،داخل الملعب الغاص بالمعتقلين،حتى جرحت أصابعه،وقطعت يداه،بعدها أسكن الدكتاتور في جسد الصوت الهادر أربعة وأربعين رصاصة،خوفا لا انتصارا،ذلك ما فعله نظام الأبارتايد مع الشاعر المشنوق بنيامين مولويزي....،ذلك ما فعلته الغطرسة الصهيونية مع غسان كنفاني و ناجي العلي....حتى مملكة آل موزة.لم تجد من طريقة في التساوي مع هؤلاء الذين غطسوا في حمام الدم حتى الرأس،سوى الحكم على شاعر بخمسة عشر عاما من اجل قصيدة،لتدخل "الربيع العربي" على إيقاع العهر و المسخ.
4-
تصفي الامبريالية الأمريكية حسابها "التاريخي"مع الأصوليتين السنية والشيعية في آن،فوق الأرض السورية،تمارس مع الجميع لعبة الاستنزاف التي تتقنها مثل لعبة الخداع،إنها عدو الثورة السورية التي تساهم في كتم أنفاسها على مشجب الإرهاب،إنها نفس الفزاعة التي استعملها الدكتاتور لتشويه الثورة.تضع الامبريالية الأمريكية بين أيديها خيوطا كثيرة،بواسطتها يمكن أن تتحكم في العربة التي تدوس فوق رقاب الشعب السوري دون أن تمس حاكمه المؤله،ليبقى أمن إسرائيل ،وأمن إسرائيل فقط،هو ما يعطي للدكتاتور شهادة حياة مختومة برضا اليانكي المتعجرف.أما توابع الامبريالية الأمريكية وملحقاتها،فيكتفون بتدبيج الخطب على ورق الرماد الذي تدروه المحرقة،يرمون الحطب داخل أفران النار،كي يصبح لفظ "الثورة" من نواقض الوضوء.إن الدكتاتوريات المنتشرة من المحيط إلى الخليج،ما زالت تحبك المؤامرة بدقة،تأليه" الاستقرار "إلى جانب عبادة الرأسمال.
5-
اليسار على مفترق طرق اتجاه الثورة السورية،شطر عض على نظرية "الصراع الاجتماعي" بالنواجد،واضعا حقبة "الممانعة" على جدول النقد،وآلة القتل اليومي تحت كشافات المساءلة،وشطر أعلى من نظرية "المؤامرة"على حساب الدرس التاريخي،لايهم أن تكون تلك المؤامرة إقليمية أو عابرة للقارات،فليس للثورة جدلها الذي يصنع الأفق الآخر ،ليست لها شمسها الساطعة،ليس لها شجرها المزهر الذي يتلألأ أمام الظلام القاحل.أما الشطر الثالث،فقد أمسك العصا من الوسط،نعم للإدانة الناعمة،لكن ،اتركوا الدكتاتور يقارع شعبا أعزل،بالطائرات الحربية وصواريخ سكود،فعلى الجلاد أن يمارس باثقان دوره كجلاد،وعلى الضحية أن يثقن كل طقوس الموت التي تفوقت على قواميس البشاعة.سوريا اليوم تئن،والشارع العربي يصم آذانه ويفتح فاه للثرثرة الرخيصة،لا مظاهرات مليونية،ولا صرخة يتيمة في شارع مفتوح على العدم.سوريا مثل الجرح المعلق على حبل الغسيل العربي ،متروكا حتى القطرة الأخيرة من الدم النازف،بعدها فلتشيع الجثة المتقيحة على إيقاع الأناشيد الوطنية،والبخور المستورد.سوريا اليوم،بين صورة الأم التي حقنت صغيرها بالبنزين،بعد أن فشلت محاولة قتله شنقا كي تسكن نفسا تئن،وصورة أم عاشت مأساة غرق أطفالها الثلاثة من أجل إتمام رحلة الخوف بطفلها الرابع،بين مشهد أكل الكلاب والقطط،وطقوس التعذيب المروعة،تكسير العظام،سلخ الجلد،الاغتصاب،والسلق بالأسيد،والصعق بالكهرباء،والإعدام رميا بالرصاص.
إنها سوريا التي كانت ذات يوم قصيدة جميلة،وأصبحت الآن ساحة خراب.
فمتى تصبح مقبرة فسيحة للطغاة؟



#عبدالله_مهتدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لست حاطب ماء
- عن البوح الذي يملك أجنحة طائرة ويمنحنا الحق في الحلم
- قصتان
- سأختار طريقا أسهل
- شجر الحديقة
- حديقة المعنى
- شوق
- أعطاب -أمريكا-في مرآة بوكوفسكي
- مرثية الى صفرو
- لايليق بالقصيدة أن تكون مسكنا للقتلة
- سيرة غياب
- زغاريد لتيه
- حركة 20 فبراير بين المتخيل الروائي والمقترب النقدي
- قصص قصيرة جدا
- الحلم


المزيد.....




- تفريق متظاهرين في -السوربون- أرادوا نصب خيام احتجاجاً على حر ...
- بيان مشترك: الاحزاب والمنظمات تؤكد فخرها بنضالات الحركة الطل ...
- رحل النبيل سامي ميخائيل يا ليتني كنت أمتلك قدرة سحرية على إع ...
- رحل النبيل سامي ميخائيل يا ليتني كنت أمتلك قدرة سحرية على إع ...
- الانتخابات الأوروبية: هل اليمين المتطرف على موعد مع اختراق ت ...
- صدور العدد 82 من جريدة المناضل-ة/الافتتاحية والمحتويات: لا غ ...
- طلاب وأطفال في غزة يوجهون رسائل شكر للمتظاهرين المؤيدين للفل ...
- إندبندنت: حزب العمال يعيد نائبة طردت لاتهامها إسرائيل بالإبا ...
- كيف ترى بعض الفصائل الفلسطينية احتمالية نشر قوات بريطانية لإ ...
- حماية البيئة بإضاءة شوارع بتطبيق هاتف عند الحاجة وقلق البعض ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عبدالله مهتدي - سوريات