أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - فرادة الابتكار وأصالة الصوت الشعري في -قلعة دزه- لصلاح نيازي















المزيد.....

فرادة الابتكار وأصالة الصوت الشعري في -قلعة دزه- لصلاح نيازي


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4739 - 2015 / 3 / 5 - 14:04
المحور: الادب والفن
    


صدرت عن دار (Waterloo Press) في المملكة المتحدة مجموعة شعرية جديدة للشاعر صلاح نيازي تحمل عنوان (قلعة دزه). تضم المجموعة 22 قصيدة تمّ اختيارها من مجموعاته الشعرية السابقة. وقد قام بترجمة هذه القصائد 12 مترجماً، فيما ساهم الشاعر والمترجم البريطاني ديفيد أندرو بمراجعة النصوص المترجمة وتحريرها.
لا تخضع هذه القصائد إلى تسلسل زمني معيّن، ولا تجمعها ثيمة محددة بعينها. فلقد وقع اختيار المترجمين على بعض القصائد اعتمادا على ذائقتهم الشخصية التي استجابت لهذه النصوص وتفاعلت معها الأمر الذي شجعّهم على ترجمتها وتقديمها إلى القارئ البريطاني.
يقيم الشاعر صلاح نيازي بلندن منذ عام 1963، وقد قرأ خلال خمسة عقود الكثير من الشعر البريطاني، فلا غرابة في أن يكتب شعراً عالمياً ذا نفَسٍ كوني. وبعض ثيمات هذه القصائد يترجّح بين المحلية والعالمية.
يمكننا القول بأن غالبية قصائد نيازي تقوم على فكرة واضحة المعالم تروي قصة ما من دون أن تنزلق إلى فعل القصّ، ذلك لأن قصيدته تسعى دائماً لأن تظل في مسارها الشعري لكن هذا لا يمنع من التجاور مع الأجناس الإبداعية الأخرى أو التلاقح معها كلما دعت الحاجة الفنية إلى ذلك. ففي قصيدة (البلوغ) التي تفتتح الديوان وتشكّل عتبة شجاعة في الولوج إلى المناطق الحذرة التي لا يطأها بعض الشعراء العرب لأنها تنطوي على كثير من البوح الجريء والمكاشفة الإنسانية التي تجرّدنا من البراءة حتى وإن كنّا نعيش ذات يوم في مراحل الطفولة التي نأت بعيداً لكنها، حينما بلغنا الحُلم، أخذت أشكالاً إيروسية تفضح رغباتنا المقموعة أو المحتجبة التي لا تجد طريقها إلى العلن إلاّ بشق الأنفس. "كنتُ دميتَها. تتحمم أمامي، وتُرضعني / حين كبرتُ عادت عليّ تلك الصور بغير براءتها". تحتاج هذه العتبة الشعرية إلى توضيح التباس القصد الذي قد يقع فيه القارئ مُتصوراً أن هذه المُتحمِّمة قد تكون من محيط أسرة الشاعر ولكنها في واقع الحال فتاة شابة، نضرة كانت تتحمّم أمام ناظريه كلما تحلّ ضيفة عندهم حتى أنه حفظ كل منعرجات الجسد الذي بات يستذكره حينما " كرّ في الصحو، واستوطن العيْنَ والحَنجرهْ".
يتجاور الحوار والسرد القصصي والقول المأثور الذي يرتقي إلى مستوى الحكمة في قصيدة "التعدد" من دون أن يربك الإيقاع الشعري للنص برمته. فإذا كانت "الحياة هدية" أو هبة من الله (جلّ في علاه) فإن "سي علي"، الشخص التونسي الحكيم يُعمِّق هذا النص الشعري ويمنحه بُعداً فلسفياً حينما يقول:"الحياةُ دولاب تصعد فيه طفلاً وتنزل شيخاً" وهي مقولة منطقية تنطوي على قدْرٍ كبير من المصداقية واليقين والصورة الشعرية المُنتزعة من فلسفة الحياة نفسها.
في قصيدة "دسكو" يرسم نيازي لوحة فنية قوامها الصوت والأضوية الليزرية الملونة وهي صورة شعرية مُبتكرة لم يسبقها إليه أحد من قبل كما أنّ ثيمتها فنتازية حيث يصوِّر الشاعر الرأس البشري في هذا الدسكو يكبر ويكبر بلا انقطاع حتى "تدبّ فيه الألوان والحشرات المنشارية" الناجمة عن حركة هذه الأضوية الساحرة التي تغمر وجوه الراقصين المحشورين في عُلبة الرقص الليلية.
تحتاج قصيدة "عشتار تنذر نفسها بغيّاً" إلى دراسة منفصلة كي نقف على مضمونها العميق، وصورها الشعرية الجميلة الصادمة التي لا تغادر ذاكرة المتلقي بسهولة. فمن المعروف عن نيازي أنه يمحض "ملحمة كلكامش" حُباً من نوع خاص فلا غرابة أن يكتب هذه القصيدة الطويلة من جهة أو أن يفرد كتاباً عن "فن الشعر " في هذه الملحمة من جهة أخرى. ومَنْ يريد قراءة هذه القصيدة عليه أن يتكئ على الملحمة ذاتها أو يجعل منها مشهداً خلفياً يمتح منه بعض الوقائع والأحداث التي ذوّبها الشاعر في متن هذا النص وتضاعيفه الشعرية الأخّاذة.
يحضر شقيق الشاعر الراحل الذي قُتل غيلة وغدراً من قِبل أعوان النظام القمعي السابق في هذه القصيدة تحديداً وفي قصائد أخرى كتبها نيازي في أوقات متباعدة وكأنّ هذه الحادثة المرعبة لا تريد أن تغادر ذاكرة الشاعر. لنمعن النظر في الأبيات الآتية: "كدتُ أسمعها تصيح باسمي: صلاح / منذ سنوات بعيدة والمخلب في خاصرتي / وحين أكون وحيداً أسمع آسمي / ألتفت فلا أرى أحداً". يعقد الشاعر مقارنة في هذا النص بين الحمامة التي اختطفها صقر جارح وغرز مخالبه في خاصرتيها وبين المخلب المغروز في خاصرة الشاعر منذ لحظة اغتيال أخيه وحتى الآن وسوف يستمر هلع الشاعر إلى أجل غير مسمّى. ثمة إشارة مهمة في هذه القصيدة لابد من الوقوف عندها وهي الانتحار الغامض للفنان التشكيلي (إبراهيم) الذي يُعتقد أنه أقدمَ عليه نتيجة إحساسه باليأس المطلق من السياسة والفن والفكر. لسنا هنا بصدد البحث عن أسباب هذا الانتحار سواء أكانت سياسية أم عاطفية أم وجودية لكن المهم في هذه الإشارة هو التركيز على فكرة الضعف البشري التي توقف عندها نيازي غيرة مرة وذلك لأهميتها وسطوتها على الكائن البشري المكابر الذي لا يريد أن يعترف مهما كان قوياً جبّاراً لكنه يظل هشاً وضعيفا وكما يقول نيازي في هذه القصيدة: "كلما ازداد الرجلُ قوّة ازداد ضعفاً". سيحضر شقيق الشاعر في قصيدة "التفتيش عن شقة" على هيأة عصفور يحاول الطيران لكنه يرتطم بسيارة هذه المرة ويفارق الحياة فيضعه الشاعر في مظروف جديد خالٍ من أي عنوان ويتركه على الأرض المعشوشبة بصمت ووقار.
تُعتبر قصيدة "قلعة دزه) نصاً ملحمياً بامتياز قوامه الكارثة التي حلّت بأبناء هذه المدينة المفجوعة. ولكي يمهد الشاعر للولوج إلى هذا الجوّ الملحمي فقد انطلق من الذات إلى الموضوع، والذات هنا هي ذات شاعرية مرهفة الإحساس، ترى ما لا يراه الآخرون، وتشعر بما لا يشعرون به. لقد كان الشاعر عادياً قبل أن يقرأ جريدة الصباح لكن إحساسه المرهف أشعرهُ بأشياء كثيرة من بينها: "لم يكنْ للشاي طعمُ الأهلِ البعيدين هذا الصباح/ ولا للخبزِ ليونةُ الحقلِ ودفءُ الأيادي المتحابّة". ثم يتساءل الشاعر: "لِمَ بدتْ حتّى الأشجار متعبةً من الوقوف؟ / ووجوهُ الأطفال متعسّرة؟". لا شك في أنّ هذه المقدمات أو الصور الشعرية الدالة على الرتابة والحزن والانكسار تهيئ لوقوع كارثة من نوع ما. فحتى الحوارات مقتضبة كالتعزية. لقد تأخرت المعجزة في المجتمع المدحور الذي تتشابه فيه الأيام والأشياء مثل أمواج مياه آسنة تعزّز الرتابة والركود. لا يعرف الشاعر أين تقع قلعة دزه؟ ولماذا سميت قلعة؟ فيجيب: " لا بدّ أنّ تأريخَها منغّص بالحروب". إنّ ما يهمّ القارئ هو معرفته لما حدث للشاعر بعد قراءته لجريدة الصباح حيث انقلب مزاجه العادي رأساً على عقب وأدخلنا معه في مناخ الكارثة التي يعيشها أبنا قلعة دزه. لنتأمل الأبيات الثلاثة الآتية: "تقول الجريدة آلافُ الآدميين بثياب النوم / يُجَرّون من الأبواب من شعر الرؤوس / يُلطمون على الأسنان بأعقاب البنادق". وعلى الرغم من قساوة هذه الصور المؤسية ووحشيتها إلاّ أن التصعيد يبلغ ذروته حينما نسمع ما قاله للشاعر الصديق الهارب تواً: "كنتُ مثلَ أعمىً مهدّدٍ بالاغتيال / يركضُ في كلّ آتجاه وأُذُناه في دردور / كيفَ تُواسي أعمىً مهدّداً بالآغتيال؟" إن صورة الأعمى المُهدد بالاغتيال هي صورة غير مألوفة تعمق من وقع المأساة وتصدمنا جميعاً إلى الدرجة التي تجعلنا نتماهى مع هذه الشخصية المرعوبة وربما نتبادل معها الأدوار!
تتضمّن هذه القصيدة المتفرّدة صوراً أخرى غير مسبوقة لا تقل أهمية عن سابقتها. فالشاعر يطلب من عناصر الطبيعة أن تقاتل مع الضحايا فلاغرابة أن يطرح هذا السؤال الذي ينطوي على شيئ من الفانتازيا المنطقية حيث يقول: "لماذا لا تنزعُ الجبالُ صخورها وتحارب؟ / تسدُّ الطرقاتِ في الأقلّ!" وربما ينسحب الأمر على الصواعق والرعود والأمطار والأنهار والأشجار وما إلى ذلك. الآن وبعد أن اتضحت جسامة الكارثة يختم نيازي نصه المأساوي بصورة سريالية سينمائية حيث يقول: "الدرّاجاتُ الناريّةُ في مقدّمةِ اللوريات الجرّارة / تقودُ قلعةَ دِزَهْ برمّتها."
تتوزع ثيمات هذه المجموعة الشعرية بين الحُب والحرب، والموت والمنفى، والطفولة والصبا والشباب والشيخوخة وما إلى ذلك. وميزة هذه القصائد أنها جديدة في لغتها الفاذة، ومبتكرة في صورها الشعرية، وأنها قادرة على البقاء لمدة زمنية طويلة.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملامح الحداثة في الثقافة العراقية
- سخرية القشطيني
- التعالق النصيّ
- استثمار السيرة الذاتية
- ما وراء الجسد
- أدب الاعتراف
- رواية سعد محمد رحيم الماكرة!
- التقنية الميتا- سردية في رواية -كاباريهت- لحازم كمال الدين
- أولاد أبو غرّيب
- دراسات في سياسات التعليم لنديم العبدالله
- سينما التحريك لبرنار جينان وترجمة صلاح سرميني
- السخرية الصامتة في فيلم شاشاتنا
- باثولوميو بيل يترجم -الأرض اليباب- إلى صورٍ بصريةٍ مُدهشة
- شخصيات غير مألوفة، وثيمات صادمة بعض الشيئ
- الطاقة المؤلمة في معرض تركيبي مشترك
- قراءة نقدية لديوان غريب على قارعة الطريق
- قل متى؟ للمخرجة الأميركية لين شيلتون
- تنظيرات الناقد لجمهورية الشعر
- حياة ثقيلة تستمد مادتها من المذكرّات والسيرة الذاتية
- ويسترن أم أنتي ويسترن؟


المزيد.....




- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - فرادة الابتكار وأصالة الصوت الشعري في -قلعة دزه- لصلاح نيازي