أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الطاقة المؤلمة في معرض تركيبي مشترك















المزيد.....

الطاقة المؤلمة في معرض تركيبي مشترك


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4720 - 2015 / 2 / 14 - 00:30
المحور: الادب والفن
    


نظّمت جمعية التشكيليين العراقيين في بريطانيا معرضاً تركيبياً جماعياً لأحد عشر فناناً بينهم فنانان بريطانيان وهما أندرو سميث وريتشارد جينز. وقد ضمّ 12 عملاً تركيبياً إضافة إلى عملين نُفذا بطريقة "الفيدو آرت".
وعلى الرغم من أنَ ذيوع الفن التركيبي يعود إلى سبعينات القرن الماضي إلا أن جذوره تمتد إلى أبعد من هذا التاريخ بحيث يمكن تلمّسها في بعض أعمال الفنان الفرنسي مارسيل دو شامب والألماني كورت شويترز. وكالعادة فإن الجديد على صعيد المدارس والأجناس الفنية يأخذ وقتاً ليس بالقصير قبل أن يجد طريقه إلى المشهد الفني العراقي أو العربي على حدٍ سواء، لكن من حسن حظ الفنانين العراقيين المغتربين منذ أواخر سبعينات القرن الماضي وحتى الآن أنهم تعرفوا إلى هذا "النوع الفني" وانغمسوا فيه، بينما لم يغادر البعض الآخر منهم لوحته التشكيلية أو منحوتته أو عمله الغرافيتي، إذ ظلّوا أوفياء للعمل الفني القائم بحد ذاته، ورفضوا تقويض الجدران بين الفنون الجميلة.
ولأن التغيير قاعدة والثبات استثناء في الغرب الأوروبي فإن الفنانين العراقيين التسعة المُشاركين في هذا المعرض وهم علاء بشير، هاني مظهر، باسم مهدي، جلال علوان، مريوان جلال، محمد علي داوود، رائد هوبي، سؤدد النائب وزينة الجواري هم رسامون بالأصل لكنهم لم يجدوا ضيراً في أن ينفذوا أعمالاً تركيبية اعتمدت على فكرة "الطاقة المؤلمة" أو Crudification الكلمة التي نحتتها الناقدة سارة مروسيك التي قدّمت لكتالوغ المعرض وحرّرت مواده الداخلية.
إنّ المتلقي الذي يلج غاليري P21 بلندن ويهبط إلى الصالة التحت أرضية التي ضمّت أعمال هذا المعرض جميعاً سيُواجَه بعمل "العَبيد" للفنان البريطاني أندرو سميث المُستوحى إلى حدٍ كبير من "عبيد" الفنان الإيطالي مايكل أنجلو. يعكس هذا العمل التركيبي جانباً أساسياً من فكرة المعرض فعلى الرغم من قوة الإنسان الذهنية والبدنية إلاّ أنه تحوّل إلى عبدٍ لبرميل النفط الذي يحمله على رأسه، وينوء بثقله. تمثال الإنسان الكبير والقوي جداً مصنوع من البوليستيرين، والعمل برمته يذكِّر بأسطورة سيزيف، ويحيل إلى مضمونها المعروف للقارئ الكريم.
ما إن يبتعد المتلقي بضع خطوات حتى يُواجه عمل "نفط ودم" للفنان العراقي الكردي مريوان جلال الذي لعِب على فكرة برميل النفط التي تشترك بها كل الأعمال قاطبة لكن فكرته الذكية أجبرتنا على القرفصة والنظر إلى جوف البرميل الذي فتح في جداره الخارجي مستطيلاً يكشف عن عدد لا محدود من الجنود المدججين بالبنادق والذين لا يشكلّون سوى ضحايا لهذا الذهب الأسود الذي تحوّل إلى نقمة على الشعب العراقي بدل أن يكون نعمة تغمر خيراتها العراقيين جميعا. لقد وضع مريوان مرايا متعددة في أربع جهات تجسّد هذا العدد اللامحدود من النماذج الصغيرة للجنود الذين تدفقوا من جوف البرميل الأسود إلى خارجه كي يواجهوا مصائرهم المحتومة.
إلى جهة اليمين ثمة عمل تركيبي يحمل عنوان "الجريمة"، بسيط في تنفيذه، ومجازيّ في معناه ودلالته حيث نرى ثلاثة براميل نفط مطوّقة بشريط وضعته الشرطة على مكان الحادث الذي لم يبقَ منه سوى تخطيط الجثة. العمل يندب حظنا العاثر لأننا ولدنا في أمه نفطية ثرية لم نستفد من ثرائها شيئاً. كما أن الفنان ينبِّه بأن هناك جريمة قد أُرتكبت منذ ولادته، فالجسد، على ما يبدو، الذي خُطِط بالطباشير على الشارع هو جسد الفنان وأن النفط العراقي هو الذي قتلهُ.
العمل البريطاني الثاني الأكثر درامية في هذا المعرض لا يحمل عنواناً محدداً لكنه الأكثر تمرداً على صعيد الشكل والمضمون، فلقد قطع القسم الأعلى من برميل النفط وجعل منه قاعدة وضع عليها ثلاثة فيغرات مقيّدة يتكيء عليها القسم العلوي الذي قطّعه وجعل منه غيمة لولبية كسرت شكل البرميل وصنعت منه ما يشبه ألسنة النيران المتصاعدة إلى الأعلى.
لم يبتعد الفنان محمد علي داوود كثيراً عن فكرة المشروع برمته لكن جعل من برميل النفط منصة لرجال الميديا الذين يخبئون وجوههم الحقيقية ويسيئون استعمال النفط للحصول على القوة متبعين معايير مزدوجة تزيد الأثرياء ثراءً والفقراء فقرا.
يعتقد الفنان باسم مهدي أن الطفولة هي الضحية الأولى عندما تسيئ الأمم استعمال مصادر طاقتها. ففي عمله المعنون "الطفولة المسحوقة" يكشف بالدليل القاطع أن الأطفال قد أجبروا على العيش تحت وطأة الحروب الوحشية التي حوّلت مدننا إلى أنقاض ومع ذلك فإن الحذاء الوردي والبالون الصاعد من جوف البرميل يعكسان قوة الأمل. لعل أهم ما في هذا العمل التركيبي أنه يدفع المشاهد إلى الانحناء والنظر إلى قاع البرميل ليشاهد الأنقاض التي خلفتها الحروب من جهة وإصرار الأطفال على الحياة من جهة أخرى. أما العمل الثاني لباسم أيضاً فهو "طبول الحرب" وقد نجح في تحويل برميل النفط إلى طبل مع إضافة بعض اللمسات الفنية عليه. أما المطارق فقد بدت أكثر قسوة ووحشية ليس بسبب مظهرها الخارجي المرعب فقط، بل لأنها تضرب على ظهور الضحايا!
لعبت سؤدد النائب على فكرة "الثراء الصديء" الذي انحلّ وتحول إلى موت يمكن أن نتلمسه في المانيكانات المحطمة أسفل البرميل. أما زينة الجواري فقد قاربت الفكرة من زاوية النظر التي ترى معاناة العراقيين الفقراء الذين يعيشون على بحيرة من النفط بينما لا يعثرون إلاّ على كسرة خبز تُسقطها يدٌ فضية مترفة من فوق.
لا يخلو "الهبوط إلى الهاوية" لرائد هوبي من البناء الدرامي المُفجع الناجم عن العلاقة الشائكة بين الطاقة والإنسان حيث ضمنت الأولى قيمتها، بينما وصل الثاني إلى الدرك الأسفل.
اشتغل علاء بشير على "ذاكرة برميل البترول" بعد أن أغرقَ فيه جسد امرأة اختلط دمها القاني بلون النفط الأسود، وسال على حافة البرميل مُذكرً إيانا بنقمة هذه الطاقة لا بنعمتها.
أما العمل الأخير الذي لم يُعنوَن فهو للفنان هاني مظهر حيث وضع الرأس البشري بين صفين من البراميل النفطية التي تطحنه عشرات المرات قبل أن تلفظه إلى مكبّ النفايات. يجمع هذا العمل التركيبي بين الصورة المجسمة على هيأة قناع بشري وصوت البراميل التي تسحق رأس الضحية.
لقد انهمك الفنانون العراقيون والبريطانيون على حدٍ سواء بهذه الفكرة وجسّدها كل واحد منهم عبر رؤيته التركيبية الخاصة للذهب الأسود وما تمخصّ عنه من محِنٍ وكوارث لن تنتهي في القريب العاجل في أقل تقدير.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة نقدية لديوان غريب على قارعة الطريق
- قل متى؟ للمخرجة الأميركية لين شيلتون
- تنظيرات الناقد لجمهورية الشعر
- حياة ثقيلة تستمد مادتها من المذكرّات والسيرة الذاتية
- ويسترن أم أنتي ويسترن؟
- الانتحار الجماعي الغامض
- عفوية الأداء في بلد تشارلي
- مهرجان روتردام السينمائي الدولي بافتتاح بريطاني واختتام أمير ...
- يان ديمانج يرصد محنة جندي وحيد وأعزل في متاهة معادية
- الشاعر صلاح نيازي: ليست هناك قاعدة في الترجمة
- الانتحار في السجون البريطانية
- دِببة ألاستير فوذَرغِل وكيث سكولي
- قبل أن أذهب للنوم لروان جوفي والسقوط في فخاخ الرعب والجريمة
- في الثقافة السينمائية: موسوعة سينمائية في النقد التنظيري وال ...
- في الثقافة السينمائية: قراءة نقدية لأكثر من مائة كتاب (1 - 2 ...
- الشخصية المازوخية في رواية -أقاليم الخوف- لفضيلة الفاروق
- اشتراطات اللعبة الفنية بين القاتل المأجور والضحية في رواية - ...
- معرض مشترك لخمسة فنانين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
- لون شيرفيغ تُعرّي الطبقة المخملية البريطانية في نادي الشغب
- السحر والساحرات في المخيال الفني


المزيد.....




- خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية بالاسم فقط “هنــــ ...
- في ذكرى رحيل فلاح إبراهيم فنان وهب حياته للتمثيل
- الفنان صبيح كلش .. حوار الرسم والتاريخ
- مرتديًا بذلته الضيقة ذاتها .. بينسون بون يُصدر فيديو كليب سا ...
- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الطاقة المؤلمة في معرض تركيبي مشترك