أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - حياة ثقيلة تستمد مادتها من المذكرّات والسيرة الذاتية















المزيد.....

حياة ثقيلة تستمد مادتها من المذكرّات والسيرة الذاتية


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4707 - 2015 / 2 / 1 - 16:23
المحور: الادب والفن
    


صدرت عن "دار الأدهم للنشر والتوزيع" بالقاهرة رواية "حياة ثقيلة" للقاص والروائي العراقي سلام إبراهيم المقيم في الدنمارك منذ عام 1992 وحتى الآن. وهي رواية مؤثرة جداً ويمكن أن تُصنّف ضمن "أدب السجون" من دون أن تفقد قيمتها كنصٍ أدبي يستقي مادته الأساسية من المذكرات والسيرة الذاتية. ونظراً لاهتماماته الثقافية وانخراطه في العمل السياسي المبكر في صفوف اليسار العراقي فقد تعرّض للسجن والتعذيب الجسدي والنفسي أربع مرّات خلال عقد السبعينات من القرن الماضي الأمر الذي يضعه أمام معين لا ينضُب من اليوميات المحتدمة، والذكريات المتلاحقة التي تنطوي على قدرٍ كبير من الألم الممزوج بالدهشة والإثارة والتشويق في بلدٍ غرائبي ملطّخ بالدماء منذ بدء الخليقة وحتى الوقت الراهن.
لا تنفع الذكريات المثيرة لوحدها أو التجارب الشخصية المتفردة في خلق عمل روائي ناجح ما لم ينتظم في بنية رصينة لا يعتورها الخلل أو الارتباك ولا تنقصها الحرفنة السردية القادرة على إثارة المتلقي وإقناعه. وبما أنّ سلام إبراهيم هو كاتب روائي متمرس يُتقن فنّ السرد فقد وظّف هذه الذكريات المثيرة واليوميات المحتدمة وصنع منها جلّ أعماله الروائية التي نجحت لأسباب متعددة من بينها التقنية الحاذقة، والسرد الفني المحبوك، ومصداقية الكاتب الذي يروي الأحداث من دون أن يقع في فخّ التلفيق أو تزوير الحقائق لأن مصداقية الكاتب تضمن له نصف النجاح في أقل تقدير.
تنقسم "حياة ثقيلة" إلى ثلاثة أقسام رئيسة وهي "لبناء عالم جديد"، "وَيْنَك يا بلدي" و "إييييييييي خِلْصَتْ". وعلى الرغم من أنّ الراوي العليم هو الكاتب نفسه والذي يسرد الأحداث بضمير المتكلم إلاّ أن أبطال الأقسام الثلاثة مختلفون ولكلٍ منهم عالمه المأساوي الخاص به الذي يكشف في خاتمة المطاف عن فجيعة شريحة اجتماعية بأكملها. ولكي نكون منصفين يتوجب علينا القول بأن القسم الرابع الذي نستشفه من هذه الرواية برمتها هو صوت الرواي وخالق النص الذي تحدّث عن محنته كشخصية رابعة مفجوعة ربما تفوق أهميتها الشخصيات الثلاث التي أثثت النص السردي لأنه كشفَ المحجوب، وفضحَ المسكوت عنه، وباحَ بالأشياء اللامُفكَّر فيها دفعة واحدة وهذا سرّ آخر ينضاف إلى أسرار نجاح هذه الرواية الجريئة التي خرقت المحظورات بشجاعة أدبية نادرة.
لابد من الإشارة أولاً إلى شخصية الراوي المكتنزة بالذكريات الحميمة والأحداث المتشابكة التي سيتخذ منها مادة أولية لهذه الرواية التي جاورت السيرة الذاتية ونهلت منها الكثير إلى درجة تطابق الكائن السيري مع الاسم المثبت على غلافها من دون أن تفقد هُويتها التجنيسية كنوع أدبي قائم بذاته وإن كان محايثاً لليوميات والمذكّرات والسيرة الذاتية.
يطرح الراوي سؤالاً ذا شقّين، الأول يتعلّق به شخصياً مفاده:"ما الذي فعلهُ به المنفى على مدى سنواتٍ طوالا؟"، والثاني: ما الذي فعله العراق بالعراقيين جميعاً خلال سنوات القمع الوحشي، والحروب الهمجية، والحصار الظالم؟".
تكمن أهمية الراوي العليم "سلام" في جرأته المفرطة، وقدرته الفاذّة على البوح والمكاشفة أكثر من الشخصيات الرئيسة الثلاث التي تعرضت إلى هزّات دراماتيكية قلبت حياتها رأساً عقب وهي على التوالي أحمد وسعد وحسين لكن هذا المربّع الفكري اليساري لن يكتمل ما لم نضع "سلاماً" أو الراوي في طرفه الرابع كي نتفحص خارطة اليسار العراقي وما آلَ إليه عناصره غِبَّ سقوط الدكتاتورية وهيمنة الأحزاب الدينية التي أعادت العراق إلى عصور الفترة المظلمة.
لقد عاد الراوي غير مرة من منفاه الدنماركي "المُوحش" إلى العراق "الرحم الدامي أو الملتهب" باحثاً عن بعض أصدقائه الخُلّص الذين انقطعوا للعمل السياسي ونذروا أنفسهم له، فهم مثلهُ تماماً كانوا يبشّرون بنشر أفكار العدالة والمساواة وحقوق الإنسان لكن صدمة التغيير كانت صاعقة ومذهلة حيث هيمنت الأحزاب الدينية المتخلفة التي أطلقت العنان لمليشياتها البربرية التي لم تشبع من السلب والنهب وإراقة دماء العراقيين الأبرياء مع أنّ عناصرهم ترفع ذات الشعارات التي يرفعها اليساريون الحالمون بدولة العدالة والمساواة.
ربما لا تختلف مصائر الشخصيات الثلاث في سقوطها المروِّع وانحدارها صوب الدين والخرافة والتوحّد والضياع. فأحمد الشيوعي الذي كرّس حياته لهذا الحزب قد ترك لُجّتهُ الفكرية واستجارَ بالدين الذي لم يحْمِه من مسلحين ملثّمين أمطروه بالرصاص وهو جالس في مكتبته التي يبيع فيها الكتب الدينية، وصور الأئمة، وأقراص تربة الصلاة. أما سعد فقد انكسر بطريقة أخرى بعد أن تزوج من فتاة آسرة الحسن أذهلت الراوي الذي وصفها بـ "الكارثة" لفرط جمالها، فـ "نيران" امرأة "لها وجه يعمي الشمس، وتقاطيع ناريّة تجعل المارة يتسمّرون على الأرصفة". غير أنّ هذه السيدة سوف تقترن بضابط أمن كبير بعد أن يتمّ استدعائها لمديرية أمن الديوانية ثلاث أو أربع مرات. أنّ أجمل ما في شخصية سعد أنّ مصيرها ظل غامضاً ومجهولاً على الرغم من تعدد الروايات التي تقول بأن قُتِل أو سُحِل أو اختفى أو تسلل إلى الموصل ومنها إلى بغداد فالديوانية لأنه قطع عهداً على نفسه بأن يرى الزوج الجديد الذي احتّل مكانه في الفراش حتى لو بقيَ من حياته يوم واحد لا غير!
إذا كان سعد قد فُجع بزوجته فإنّ حسين، الشخص الماركسي الثالث، قد فُجع باختطاف ابنته المهندسة فيروز، وظل يبحث عنها مع الراوي مدة ثلاثة أشهر متتالية في شاشة معلقة في دائرة الطب العدلي من دون جدوى. لم يلُذ حسين بالخمرة مثلما لاذ بها سعد، ولم يستجِر بالدين كما استجار أحمد بالأدعية الدينية التي ظل يرددها في مرحلة الاحتلال التي تلت سقوط بغداد حتى ساعة مقتله، لكنه استعار جملة الشاعر المجهول الذي سقط في ظهيرة تموزية قائظة في "الميدان" رافعاً يديه إلى السماء مُطلقاً عبارته الأخيرة الممطوطة قبل خروج الروح "أيييييييييي خِلْصَتْ".
ثمة أسماء وحوادث كثيرة لا يمكن الوقوف عندها أو الإشارة إليها جميعاً الأمر الذي يدفعنا إلى تحريض المتلقي على قراءة النص الروائي برمته، وغربلة تفاصيله الدقيقة، والاستمتاع بأجوائه السلبية والإيجابية في آنٍ معا.
لا شك في أنّ جانباً واسعاً من الرواية يدور في السجون والمعتقلات الأمنية سواء في مديرية أمن الديوانية أم في مديرية الأمن العامة ببغداد، فهي رواية "أدب سجون" بامتياز حيث تعرّض الراوي وحده للسجن أكثر من أربع مرات، كما تعرض البعض الآخر القتل والتصفيات الجسدية أو الإعدام كما حدث لشقيق الراوي "كفاح" ولشخصيات يسارية أو دينية حيث كانوا يفتشون عن الأولى في البارات والملاهي بينما كانوا يقتنصون الثانية في المساجد والحسينيات خصوصاً إثر انهيار ما سُميّ بـ "الجبهة الوطنية" وبدء ملاحقة اليساريين وأعضاء الأحزاب الدينية الذين اكتظت بهم السجون العراقية باستثناء من نجا بجلده وفرّ إلى البلدان المانحة لحق اللجوء السياسي والإنساني.
ثمة مواقف أصيلة يمكن أن نستشفها من الراوي العليم الذي لا يمكن اعتباره شخصية سياسية مُدجّنة ذلك لأنّ ثقافته تمتد إلى مسافة أبعد بكثير من حدود الماركسية- اللينينية لتضرب جذورها العميقة في الثقافة بأشكالها المتعددة وإن تَسيّدَ فيها الأدب والفن، وهيمنت فيها فلسفة الوجود على المناحي الثقافية الأخر. فلاغرابة أن نسمع على مدار النص الروائي صوتاً وطنياً أصيلاً ينتصر للثقافة والوطن قبل انتصاره لأي مكوّن فرعي آخر، بل نراه يُدين المليشيات الدينية الطائفية التي عاثت فساداً بالبلاد والعباد ومن بين الأمثلة المريرة التي يسوقها "تعذيب باعة النبيذ أو الذين يحتسونه وقتل الحلاقات وإعدام بعض الجنود البسطاء الذين أسروهم أمام الملأ" ثم لا يجدون حرجاً في القول بـ "أنهم يحلمون بالحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية" بينما هم يمارسون النهب العلني والسلب المُنظّم.
لا يَخفي الراوي إدانتهُ الحادّة للوسط الثقافي إذ تعرّض في مطلع شبابه إلى محاولات اعتداء من قِبل بعض أدعياء هذا الوسط لأنه كان جميلاً الأمر الذي هزّ ثقته ببعض المثقفين والمشتغلين في الحقل السياسي العراقي الذي كان يحيط به آنذاك، بينما كان هذا الراوي يحلم بتغيير العالم بعد أن يُغيّر محيطه الاجتماعي الذي خذلهُ وجعلهُ ينسحب من الحزب حيث ضعُف وإنهارَ في أول تجربة اعتقال له متفرغاً لعالمه القصصي والروائي جملة وتفصيلا.
لا تنطلي على الراوي المثقف أكذوبة أميركا التي ادعت بأنها قد جاءت لبناء العراق "فهي طوال تاريخها لم تبنِ بلداً لا سيما متخلفاً، هذا ما فعلته في أميركا اللاتينية في ستينات القرن العشرين، فقد ساندت حكّامها الطغاة ثم أقامت ديمقراطيات كرّست سلطة الأغنياء وعمّمت الفقر والجوع". هذه هي رؤية الناص أو السارد العليم التي لا يمكن اختصارها في بضعة سطور فهي تمتد من تحليل عزلته الداخلية التي يعاني منها في منفاه "الباذخ" الذي ترك بصماته الواضحة عليه لكنه حينما يعود إلى العراق بشكل عام أو إلى الديوانية على وجه التحديد يكتشف أن المغتربين قد تحولوا إلى أطياف ميتة، فلا أحد يتذكرهم في منافيهم على الرغم من أنهم يحملون وطنهم في قلوبهم وعقولهم وحدقات عيونهم التي تستدير دائماً صوب بلاد ما بين النهرين أو ساحة الحرب المشتعلة منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا.
هناك العديد من الثيمات الرئيسة والفرعية في هذا النص الروائي تصلح لأن تكون الثيمة المهيمنة التي تتشظى منها كل الآراء المؤازرة حيث خلص الروائي سلام إبراهيم إلى قناعة مرعبة مفادها "أنّ الكائن الآيديولوجي بلا ضمير وأناني، ولا يهمه مصير الفرد، وتنطبق عليه مقولة الغاية تبرّر الوسيلة" وهذه الخلاصة تعني من بين ما تعنيه أنه قد انتصر في خاتمة المطاف إلى المثقف القادر على أن يعيد للحياة بهجتها المفقودة ، وأن يضع الكائن الآيديولوجي الخامل في زاوية منسية من زوايا متحف مهجور.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ويسترن أم أنتي ويسترن؟
- الانتحار الجماعي الغامض
- عفوية الأداء في بلد تشارلي
- مهرجان روتردام السينمائي الدولي بافتتاح بريطاني واختتام أمير ...
- يان ديمانج يرصد محنة جندي وحيد وأعزل في متاهة معادية
- الشاعر صلاح نيازي: ليست هناك قاعدة في الترجمة
- الانتحار في السجون البريطانية
- دِببة ألاستير فوذَرغِل وكيث سكولي
- قبل أن أذهب للنوم لروان جوفي والسقوط في فخاخ الرعب والجريمة
- في الثقافة السينمائية: موسوعة سينمائية في النقد التنظيري وال ...
- في الثقافة السينمائية: قراءة نقدية لأكثر من مائة كتاب (1 - 2 ...
- الشخصية المازوخية في رواية -أقاليم الخوف- لفضيلة الفاروق
- اشتراطات اللعبة الفنية بين القاتل المأجور والضحية في رواية - ...
- معرض مشترك لخمسة فنانين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
- لون شيرفيغ تُعرّي الطبقة المخملية البريطانية في نادي الشغب
- السحر والساحرات في المخيال الفني
- فيشال بهاردواج يقتبس مسرحية هاملت ويؤفلمها من جديد
- نزيف . . رواية شخصية أكثر منها رواية أحداث
- قلوب جائعة
- الشخصية الافتراضية ووهم الزمن في -تلة الحرية- لهونغ سان- سو


المزيد.....




- “مين هي شيكا” تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر القمر الصناعي ...
- -النشيد الأوروبي-.. الاحتفال بمرور 200 عام على إطلاق السيمفو ...
- بأكبر مشاركة دولية في تاريخه.. انطلاق معرض الدوحة للكتاب بدو ...
- فرصة -تاريخية- لخريجي اللغة العربية في السنغال
- الشريط الإعلاني لجهاز -آيباد برو- يثير سخط الفنانين
- التضحية بالمريض والمعالج لأجل الحبكة.. كيف خذلت السينما الطب ...
- السويد.. سفينة -حنظلة- ترسو في مالمو عشية الاحتجاج على مشارك ...
- تابعها من بيتك بالمجان.. موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة ...
- ليبيا.. إطلاق فعاليات بنغازي -عاصمة الثقافة الإسلامية- عام 2 ...
- حقق إيرادات عالية… مشاهدة فيلم السرب 2024 كامل بطولة أحمد ال ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - حياة ثقيلة تستمد مادتها من المذكرّات والسيرة الذاتية