أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - نزيف . . رواية شخصية أكثر منها رواية أحداث















المزيد.....

نزيف . . رواية شخصية أكثر منها رواية أحداث


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4672 - 2014 / 12 / 25 - 12:11
المحور: الادب والفن
    


صدرت عن "دار عدنان " ببغداد رواية "نزيف" للكاتبة العراقية أميرة فيصل التي تكتب الشعر والقصة وتمارس الترجمة من الألمانية إلى العربية وبالعكس، هذا إضافة إلى تخصصها في التلفزيون وتوظيف التراث لتأصيل المسرح العربي. لعل الاهتمامات والتخصصات المُشار إليها سلفاً تكشف بما لا يقبل الشك أن موهبة أميرة الأدبية لم تنبع من فراغ فهي ابنة بارّة للمناخ الإبداعي والفني أيضاً لأنها زاولت الإخراج السينمائي لمدة ثماني سنوات على وجه التحديد.
أشَرنا غير مرّة إلى أنّ "العنوان" هو عَتَبة تُمهِّد الطريق لولوج القارئ إلى متاهة الرواية وعالمها الداخلي المُعقّد، بل أن بعض النقاد يعتبرها المفتاح الذي يفتح بعض أقفالها المُستعصية في الأقل ويترك البعض الآخر منها لجهود المتلقي واجتهاداته الشخصية بوصفه قارئاً عضوياً يتفاعل مع النص، ويندغم فيه، ويُشارك في صناعته في بعض الأحيان. والعنوان الذي اختارته أميرة لروايتها لا يبتعد كثيراً عن هذين الاحتمالين شرطَ أن يكون المتلقي متأملاً في النص ومُفكِكاً لنسيجه الداخلي أكثر من كونه انفعالياً لا يمنح نفسه فرصة التعامل مع النص الإبداعي الناجم عن الوعي الخلاق الذي يخالف الموضوعات السائدة والثيمات المزيّفة التي تفتقر إلى الأصالة.
لقد تكرّرت كلمة "نزيف" غير مرة في هذه الرواية لعل أبرزها: "لم تتمكنَ أحلام بالرغم من كل ما كانت تبذله من جهد لِلئِم الجُرح الغائر في داخلها وإيقاف النزيف المتواصل في روحها." (ص 96- الرواية). ولا شك في أن نزف الروح هنا مجازي لكنه قد يكون أكثر خطورة من النزف الحقيقي الذي يمكن إيقافه بشكل من الأشكال. لا ترد كلمة نزيف في المرة الثانية بمعناها الحرْفي لكن سيلان الدم يوحي بها، ويُؤشر علىيها، فأحلام التي عادت إلى البيت متسللة "أرعبها الدم السائل على ساقي الأم ولم تعرف تفسيراً له إلاّ كونه دليلاً على حدوث أمر فظيع." (الرواية، ص 220). وفي خاتمة الرواية نقرأ: "بدأت البلاد تتعرّض لنزيفٍ حاد لم يتوقف تدفقه حتى اليوم." (الرواية، ص535). تُرى، أي من عمليات النزيف الثلاث تقصدها الروائية أميرة فيصل، علماً بأنّ كل التفسيرات الثلاثة جائزة ومقبولة ولا تخلو من المنطق؟ وبما أن الشخصية الرئيسة والمُهيمنة على مدار النص هي شخصية أحلام فأنا أرجِّح نزيفها الروحي على نزيفيَّ الأم والوطن على الرغم من أهميتهما وعِظمهما لأن ذلك هو ما تشتغل عليه الرواية وتتكئ عليه.

الشخصية المِحورية
يُمكن القول بيقين ثابت أن "نزيف" هي روايةْ شخصية أكثر منها رواية أحداث على الرغم من وجود الأحداث الكثيرة والشخصيات المتنوعة التي يكتظ بها النص الروائي من بدايته المُعبِّرة حتى نهايته الصادمة. وقد بَنت الكاتبة روايتها على شخصية مِحورية وهي "أحلام" التي استبدت بالنص وهيمنت على مداراته الزمانية والمكانية.
لابد من الإشارة إلى أن غالبية شخصيات هذه الرواية هي شخصيات منغلقة تشعر بالوحدة وتعاني من الفراغ، وتفتقر إلى الحُب، وربما تكون عائلة أحلام برمتها هي خير أنموذج للشخصيات المنغلقة التي لا تبوح بما يدور في خلدها إلاّ لماماً مثل أبي أحلام وأم أحلام وحتى أحلام نفسها في كثير من الحالات لذلك ظلت هذه الشخصيات غامضة، وعصية على التأويل، ولم تستطع الكاتبة أن تسبر أعماقها إلاّ من خلال الأحداث التي كانت تتفجر تباعاً لتخلق أنساقاً سردية تكشف عمّا يدور في ذهن البطلة تحديداً وفي أذهان الشخصيات الثانوية المؤازرة على وجه العموم.
حاولت الروائية أن تعوّم الزمن وقد نجحت في ذلك، كما عوّمت الكثير من الأمكنة باستثناء العاصمة بغداد في محاولة لمنح النص الواقعي صفة خيالية لكنها لم تنجح فعلى الرغم من المناخ الروائي السردي الذي يهيمن على القسم الأكبر من الرواية إلاّ أن الخاتمة كشفت لنا بما لا يقبل الشك أن العمل برمته قائم على المذكّرات الشخصية لأحلام من جهة ولبقية الشخصيات من جهة أخرى بما فيها قريبة الراوية التي كانت تنقل لها تباعاً أخبار أحلام جميل وبقية الطالبات اللواتي كنّ يدرسنَ معها في أوائل الستينات من القرن الماضي على أبعد تقدير. كما حاولت الروائية أن تتستر على ذكر أسماء الأحياء السكنية التي قد تكشف هوية أحلام أو وداد أو غيرها من شخصيات الرواية التي استمدت معظم أحداثها من الواقع البغدادي وما جاوره من مدن وبلدات عراقية معروفة أسقطت الرواية أسماءها عمداً بغية التعمية والتمويه لا غير.
ثمة شخصيات مركبّة بطبيعتها مثل أحلام جميل التي تتبعناها في مفتتح النص في أثناء زيارتها لخالتها التي تسكن في منطقة نائية على مشارف الصحراء وهي تشعر أيضاً بالعزلة والوحشة والفراغ الأمر الذي سينعكس لاحقاً على شخصية أحلام التي ستتأزم رويداً رويداً خصوصاً حينما تعود إلى بلدتها التي انتقلت إليها العائلة من بغداد ومكثت فيها نحو 12 سنة مليئة بالوقائع الصادمة والأحداث اللافتة للنظر.
لا شك في أن شخصية أحلام التي ستتعقد شيئاً فشيئاً تستمد خصائصها من العائلة والبيئة الاجتماعية الحاضنة لها كالمحلّة والمدرسة والسوق خصوصاً وأنها كانت فاعلة الحضور في الأمكنة المُشار إليها سلفاً والتي شكلّت اختلافها وتمايزها عن بقية أطفال المحلة فهي تلعب مع الصبيان وتتسكع معهم في شوارع البلدة وأزقتها الأمر الذي سيعرضها إلى غضب الأب الذي لا يجد حرجاً في إذلالها وضربها ضرباً مبرّحاً أمام أعين الآخرين ويسبب لها عقدة الخوف والهلع التي ستضطرها لاحقاً إلى اتخاذ قرارات غير متوازنة كالهرب من المدرسة والمحلة والبلدة برمتها.
تشعر أحلام على مدار النص الروائي أنها مقموعة ومضطهدة بسبب معاملة الأب القاسية وأسلوبه الوحشي في التعامل معها فقد أشبعها ذات يوم ضرباً مبرِّحاً لأنه شاهدها تلعب مع الصبيان. وسوف تتكرر هذه الحالة غير مرة الأمر الذي يدعوها للهرب إلى مدينة أخرى فيها مزار ديني بينما كان في تصورها أنا ذاهبة إلى بيت خالتها الواقع عند مشارف الصحراء.
على الرغم من الانعطافة المهمة التي يشكلِّها هذا الهروب الذي سيترتب عليه انتقال أحلام إلى بيت خالها وجدتها في بغداد حيث تبدأ بمواصلة دراستها المتوسطة وقراءتها للكتب والمجلات ومشاهدتها للبرامج التلفازية التي سوف تفتح لها آفاقاً جديدة فهي بالأساس شخصية حالمة، مُعتدة بنفسها، تحاول اختراق طبقتها الاجتماعية الفقيرة والوصول إلى الحياة شبه المخملية التي تعيشها صديقتها وداد في الأقل، الأمر الذي يدفعها إلى إقامة علاقة مع مصطفى، شقيق وداد، ومصارحته بحبها، واستعدادها للهروب معه إلى أي مكان آخر يقترحه، غير أن والدة وداد تضع حداً لهذه القضية قبل أن تستفحل فتنقطع العلاقة بين الصبيتين.
تتفاقم حالة أحلام النفسية عند انتقال أسرتها إلى بغداد إثر الفضيحة التي ارتكبها والدها حينما اكتشفوا امرأة غريبة في منزله فهي تخشى من سيطرة والدها الذي لا يحبها أصلاً والذي وقعّ في مركز الشرطة تعهداً بعدم معاقبتها والسماح لها بالبقاء مع خالها وجدتها في بغداد، غير أن هذا الأب الفظّ، السكّير يتعرض إلى حادث دهس ويموت لتتحرر أحلام من هلعها المتواصل منه. ثم نفاجأ بزواجها من ناظم الذي لم يدم أكثر من سنتين على الرغم من الطفلة التي أنجبتها له.
لم تتوقف رغبات أحلام عند حد معيّن ولا تجد غضاضة في أن تسمح لطبيب الأسنان حسام عبد القادر محمود أن يتمادى إلى الدرجة التي يضرب لها موعداً خاصاً في عيادته ويمارس معها الحب ليُدخِلها في جو الخيانة الزوجية ويساهم في إبعادها عن زوجها ناظم الذي بدأ هو الآخر يضربها ويذلها لأنها تعاقب ابنتها بقسوة شديدة وحينما تعتقد أحلام أن كل السبل قد سُدّت بوجهها تطلب الطلاق الذي يعارضه خالها، والذي خرج هو الآخر عن طوره وضربها أيضاً علماً بأنه الشخص الأكثر تفهما لها من بين أفراد أسرته. وسوف يكون هذا الخال أحد الأسباب التي أفضت إلى موت أحلام إثر سقوطها من سطح المنزل كما تدعي الجدة أو إقدام أحلام على الانتحار لأنها ترفض العودة إلى زوجها ناظم.
أنا أعتقد أن الرواية يجب أن تنتهي عند هذا الحد المأساوي لموت أحلام سواء جرّاء السقوط أم الانتحار لكن الروائية أميرة فيصل اقترحت أن تضيف خاتمة لهذه الرواية وتحيطنا علماً بأن أحلام قد تزوجت من مؤيد، ابن خال زوجها السابق، الصغير سناً، من دون موافقة أهله وتواريا عن الأنظار لمدة الزمن لكنهما عادا إلى منزل والديه وهما يحملان طفلاً صغيراً استطاع أن يمتص غضب الوالدين. ثم تحسنت أوضاعهما المادية بسبب المحل الذي فتحته أحلام بنقودها واشتريا بيتاً صغيراً وسيارة وقيل إن أحلام أنجبت طفلين آخرين لكن أخبارها انقطعت إثر وفاة قريبة الراوية ولا ندري إن كانت أحلام قد غادرت العراق بعد النزيف الحاد الذي تعرّض له البلد أم أنها ظلت مرابطة داخل حدود الوطن الجريح على الرغم من كل الكوارث التي تعرض لها العراقيون جميعا.
لقد أضرّت هذه الخاتمة بالنسق السردي المنساب للرواية، كما أن هذه الإضافة القسرية قد أدخلت النص الروائي في فضاء المذكرات الذي يُعتبر جنساً أدبياً آخر لا علاقة له بالرواية. أما الملاحظة الثانية التي نُؤاخد عليها الكاتبة فهي التطويل المفرط للأحداث الذي أسقط الرواية في مطب الإسهاب الذي أثقل كاهلها بالترهل والتورمات الفائضة عن الحاجة. وعلى الرغم من بعض الأخطاء اللغوية والإملائية إلاّ أن هذه الرواية جديرة بالقراءة، وأمينة للواقع العراقي الذي انبثقت منه.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قلوب جائعة
- الشخصية الافتراضية ووهم الزمن في -تلة الحرية- لهونغ سان- سو
- تمبكتو تواجه التطرف الديني سينمائياً
- الفنان جلال علوان يُجسِّد الأحلام الشخصية على السطوح التصوير ...
- جائزة صحفي العام في حقوق الإنسان بلندن تُسند إلى جمال حسين ع ...
- موعظة عن سقوط روما . . تحفة فيراري الأدبية التي خطفت الغونكو ...
- الترِكة الثقيلة للمالكي
- مخملباف ينتقد العنف الذي يلي سقوط الطغاة
- الفنانة البريطانية مارلو موس ونأيها عن الشهرة
- التزامات الحكومة العراقية الجديدة
- مهرجان فينيسيا السينمائي في دورته الحادية والسبعين
- رحيل المخرج البريطاني ريشارد أتنبره
- رؤية عبد المنعم الأعسم للإصلاح والفكر الإصلاحي في بلد مضطرب
- بليندا باور تفوز بجائزة هاروغيت لأدب الجريمة
- كينغ روبو وحروبة الفنية على الجدران
- متوالية الأقنعة في رواية -أقصى الجنون . . الفراغ يهذي- لوفاء ...
- أنتلجينسيا العراق بين الماضي والمستقبل تحت مجهر سيّار الجميل
- حركة السوبر ستروك ومضامينها الفنية
- الشخصية الأسطورية في الفيلم الوثائقي الإيراني
- تقنية الإبهار في فيلم أمازونيا لتييري راغوبير


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - نزيف . . رواية شخصية أكثر منها رواية أحداث