أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - تمبكتو تواجه التطرف الديني سينمائياً















المزيد.....

تمبكتو تواجه التطرف الديني سينمائياً


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4667 - 2014 / 12 / 20 - 12:26
المحور: الادب والفن
    


ليس من المستغرب أن يُصبح اسم المخرج الموريتاني عبدالرحمن سيساكو علامة فارقة في المشهد السينمائي الأفريقي الذي يقترن غالباً بأسماء إخراجية أخرى لا يمكن إهمالها أو غضّ الطرف عنها أمثال السنيغالي عثمان سمبين أو المالي سليمان سيسي أو البوركيني إدريسا ويدراغو أو غيرهم من المخرجين الأفارقة الكبار الذين كرّسوا حياتهم للفن السابع.
قبل الولوج إلى تفاصيل فيلم "تمبكتو" لابد من الإشارة إلى أن سيساكو قد أنجز عدداً من الأفلام القصيرة والوثائقية قبل أن يخوض في تجربة الأفلام الروائية الطويلة التي تمثلت في فيلمي "بانتظار السعادة" 2002 و "باماكو" 2006، ومن أبرز أفلامه السابقة "اللعبة"، "أكتوبر"، "سيبيريا" و "روستوف - لواندا". وقد استحق سيساكو عن مجمل أفلامه لقب شاعر السينما الأفريقية الذي يُتيح للمتلقين فرصة ذهبية للتأمل والتفاعل والانسجام مع المناخ الروحي للفيلم مهما كان موضوعه أو خطابه البصري آخذين بنظر الاعتبار أن ثيماته المفضلة هي الفقر والبطالة والهجرة والمنفى والإرهاب والترحيل القسري وما إلى ذلك من موضوعات شائعة في غالبية بلدان "العالم الثالث".
لم ينلْ "تمبكتو" في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة في الدورة الثامنة لمهرجان أبو ظبي السينمائي سوى "تنويهاً خاصاً" من لجنة التحكيم لكنه سبق أن فاز بجائزة النقاد "الفبريسي" وجائزة "فرانسو شاليه" في الدورة الـ (67) لمهرجان (كان) السينمائي. كما تمّ اختياره لخوض مسابقة أفضل فيلم بلغة أجنبية للحصول على جائزة الأوسكار.

القصة السينمائية
يلعب السيناريو دوراً مهماً في إنجاح الفيلم الروائي على وجه التحديد. فالسينما، في خاتمة المطاف، هي فن واقعي بامتياز ولابد أن يتمحور على شكل قصة سينمائية تُسرد بصرياً لأن الرهان الفني قائم على الصورة البصرية وليس على الكلمة المنطوقة التي تتيسّد في الفنون الإبداعية القولية. لقد اشترك في كتابة سيناريو "تمبكتو" مخرج الفيلم سيساكو إضافة إلى الكاتب كيسن تال، وهذا يعني، من بين ما يعنيه، أن سيساكو ميّال إلى الاعتماد على رؤى الآخرين، والتلاقح مع أفكارهم، والقبول بوجهات نظرهم حتى وإن كانت مخالفة لآرائه ووجهات نظره الخاصة.
استوحى الكاتبان سيساكو وتال القصة السينمائية من واقعة حقيقية حدثت في أثناء الاحتلال الخاطف والقصير لمدينة تمبكتو من قِبل مجموعة سلفية متشددة تُطلق على نفسها تسمية "أنصار الدين" حيث تمّ رجم رجل وامرأة غير متزوجين بالحجارة حتى الموت في منطقة "أغوالوك". وقد شاهد المتلقين هذا الفعل الوحشي مُجسداً بصورة مُروِّعة في فيلم "تمبكتو" تماماً كما نراه في بعض الأفلام الإيرانية والأفغانية وما تنطوي عليه من قسوة وبشاعة تنافي القيم الإنسانية المُتعارَف عليها.
في كل قصة أو رواية أو عمل أدبي ثمة فكرة مهيمنة على مدار النص تلتف عليها الأحداث، وتتمحور حولها الشخصيات. وفعل القتل في هذه القصة السينمائية، سواء أكان مقصوداً أم غير مقصود، هو الفكرة المهمينة التي سوف تستحوذ على سياق الفيلم برمته حيث يَقْدِم راعي الماشية كيدان (إبراهيم أحمد) على قتل الصياد أمادو لأن هذا الأخير ضرب بقرته التي يرعاها الطفل اليتيم إيسان (مهدي آغ محمد) برمح لتفارق الحياة إثر هذه الضربة الوحشية لمجرد أنها علقت في شباك صيده. وسوف يترتب على هذه الحادثة تداعيات كثيرة تفضي إلى الموت المأساوي لكيدان وزوجته الوفية ساتيما التي جسدت دورها ببراعة شديدة الفنانة النيجيرية (تولو كيكي).

المناخ المأساوي
لا تكمن المأساة في هذا الفيلم بموت كيدان وساتيما فقط وإنما في التفاصيل المفجعة التي تدور في أزقة تمبكتو، ومنازلها، وفضاءاتها المنفتحة على الصحراء بعد وصول هذه الجماعة المتشددة التي تريد أن تفرض حكم الشريعة بالقوة، وتجبر المواطنين على تطبيق أعرافهم ومُثلهم التي لا ينسجم الكثير منها مع روح العصر.
يُدخلنا المشهد الافتتاحي للمتطرفين وهم يصوِّبون فوّهات بنادقهم إلى التماثيل الأفريقية الشاخصة ويهشِّمون وجوهها. كما بدأوا يعلنون عبر مكبرات الصوت عن سلسلة طويلة من الممنوعات والمحرّمات كالموسيقى والغناء والتدخين والسفور ولعب كرة القدم، واستعمال الهواتف المحمولة وما إلى ذلك، بل أنهم طلبوا من المرأة التي تبيع الأسماك أن ترتدي القفازات مع أن عملها يتطلب منها أن تستعمل الماء كثيراً لرش السمك أو لغسله. وإذا كان هذا الطلب الغريب ينطوي على مفارقة فإن مفارقة لعب كرة قدم من دون كرة هي ذروة السخرية أو الكوميديا السوداء التي نجح سيساكو في تجسيدها بغية إثارة المتلقي وزجّه في المناخ المأساوي العام للفيلم.
لابد من الأخذ بعين الاعتبار أن الفيلم قد صُوِّر في مدينة "ولاته" التي تقع في جنوب شرق موريتانيا وقد حاول المخرج أن يُظهر لنا التنوّع الديموغرافي من البدو الطوارق وغيرهم من الإثنيات التي تعيش في تلك المضارب الواقعة في مدينتي ولاته ونيما وسواها من المدن الموريتانية. لقد وضعنا مخرج الفيلم أمام سلوكين متناقضين، الأول للمجموعة المتشددة التي كانت تطلب من المواطنين أن يرتدوا ثياباً قصيرة، ويمنعوا النساء من الذهاب إلى السوق. والثاني لإمام الجامع (عادل محمود شريف) الذي كان يفند أطاريحهم غير المنطقية، ودعواتهم الضيقة الأفق، واجراءاتهم المتخلفة في فرض الحجاب القسري على النساء ولعل ما قام به عبدالكريم (عبدالجفري) في الطلب من ساتيما، زوجة كيدان، أن تتحجب لكنها رفضت بينما وافقت نساء أخريات على قبول فكرة الحجاب على مضض. وفي الوقت الذي ظل فيه كيدان متشبثاً بالمكان ومرابطاً فيه على الرغم من أنّ غالبية جيرانه قد غادروا المكان إلى جهات أكثر أمناً وسلاما.
يرتبط كيدان مثل أي أبٍ آخر بعلاقة أبوية حميمة مع ابنته الوحيدة تويا (ليلى واليت محمد)، كما يمحض الصبي اليتيم إيسان حُباً من نوع خاص فهو الذي يساعده في رعي الماشية والعناية بها لكنه ما إن يقتل الصياد أمادو حتى تنقلب حياته رأساً على عقب ويقع بين مطرقة شريعة المتشددين التي قد تفضي إما إلى القتل، أو إلى دفع الديّة إذا حصل على العفو من أهل الضحية، وغالباً ما لا يكون القاتل قادراً على تسديد الديّة التي تصل إلى 40 بقرة! بينما لا يمتلك كيدان سوى بقرة واحدة فارقت الحياة وبضعة أعداد من الماعز. ربما يكون الحوار الدائر بين السجين كيدان، وبين القاضي الذي قد يُصدر أحكامه في أية لحظة هو من المشاهد الجميلة التي أثرت الفيلم وكشفت عن الأعماق الغائرة لإنسانية كيدان وتعلقه الأبوي الشديد بابنته التي يصفها غالباً بأنها نور عينيه وقطعة من كبده، وهو لا يخاف الموت لأنه مُوقن بأنه لا فرار من القدر الذي ينتظرنا جميعاً.
ثمة مَشاهد لا يمكن أن ينساها المتلقي ومن بينها مشهد جَلْد فاتو (فاتوماتا ديّاوارا) التي ضُبطت وهي تغني، كما ضبطوا آخرين يستمعون إلى الموسيقى، فكانت عقوبها 40 جلْدة وكلما كانت تلذعها السياط كانت تغني وتمعن في الغناء الذي كان يخرج ممزوجاً بالبكاء والنشيج والألم.
تتكاثر قائمة الممنوعات على النساء والرجال وتمتد لتشمل الطبيعة نفسها وإلاّ كيف يمكننا أن نفسر قيام عبدالكريم بإطلاق وابل من رصاص بندقيته على أغصان شجرة عارية لم تلذ ربما وراء حجاب معين لذلك قصّها برصاصاته وترك لها إمكانية التواري والاحتجاب وراء التلال الرملية الساحرة الجمال.
لقد انتهى الفيلم نهاية تراجيدية مفجعة بموت كيدان وزوجته لأن أم القتيل أمادو رفضت أن تعفو عنه فلقد "فطرَ قلبها" على حد قولها، كما أن دماء ابنها لم تجف بعد.
لم يكن لهذه الأحداث التراجيدية المؤسية أن تتنامى في قالب درامي وأن تأخذ شكلها الفني المؤثر لولا التصوير المذهل لسفيان إلفاني، والموسيقى المعبرة لأمين بوحافة التي مزج فيها بين موسيقى الأغاني المالية (نسبة إلى جمهورية مالي) التقليدية والموسيقى الغربية التي تماهت مع معطيات الطبيعة الصحراوية الجميلة. فتمبتكو هي، كما يقال عنها، جوهرة الصحراء التي صمدت أمام هذا المدّ المتطرف وقاومته من خلال أبنائها الخُلّص الذين رابطوا في مضاربها على الرغم من فظاظة المتوحشين الذين اختطفوا أهلها الذين كانوا يبرهنون على الدوام بأنهم يحبون الحياة ولكنهم لا يخشون الموت حينما يشرئب برأسه من كهوف الظلام الموغلة في القِدم.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفنان جلال علوان يُجسِّد الأحلام الشخصية على السطوح التصوير ...
- جائزة صحفي العام في حقوق الإنسان بلندن تُسند إلى جمال حسين ع ...
- موعظة عن سقوط روما . . تحفة فيراري الأدبية التي خطفت الغونكو ...
- الترِكة الثقيلة للمالكي
- مخملباف ينتقد العنف الذي يلي سقوط الطغاة
- الفنانة البريطانية مارلو موس ونأيها عن الشهرة
- التزامات الحكومة العراقية الجديدة
- مهرجان فينيسيا السينمائي في دورته الحادية والسبعين
- رحيل المخرج البريطاني ريشارد أتنبره
- رؤية عبد المنعم الأعسم للإصلاح والفكر الإصلاحي في بلد مضطرب
- بليندا باور تفوز بجائزة هاروغيت لأدب الجريمة
- كينغ روبو وحروبة الفنية على الجدران
- متوالية الأقنعة في رواية -أقصى الجنون . . الفراغ يهذي- لوفاء ...
- أنتلجينسيا العراق بين الماضي والمستقبل تحت مجهر سيّار الجميل
- حركة السوبر ستروك ومضامينها الفنية
- الشخصية الأسطورية في الفيلم الوثائقي الإيراني
- تقنية الإبهار في فيلم أمازونيا لتييري راغوبير
- مقبول فدا حسين. . أهدى حبيبته ثمانين لوحة لكنه لم يحظَ بالزو ...
- قراءة نقدية في كتاب سينما الواقع (2-2)
- قراءة في كتاب سينما الواقع لكاظم مرشد السلّوم (1-2)


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - تمبكتو تواجه التطرف الديني سينمائياً