|
تنظيرات الناقد لجمهورية الشعر
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 4710 - 2015 / 2 / 4 - 19:21
المحور:
الادب والفن
الشاعر يصنعُ مجد العالم والسياسي يصنع مأساته!
صدر عن "دار نيـﭘ-;-ور للنشر" في السويد كتاب نقدي جديد للشاعر باسم المرعبي يحمل عنوان "جمهورية الشعر" ويضمّ في متنه ثماني مقالات مركزّة جداً فيها الكثير من الأفكار المتوهجة، والالتماعات الشعرية، واللفتات الفكرية التي تخرج عن إطار النقد الأدبي وتصبُّ في حقل الدراسات التنظيرية في الشعر على وجه التحديد. يتمحوّر المقال الأول حول أهمية الشعر في حياتنا اليومية؟ وإذا كان"العقل هو الكلام" بحسب مقولة هردر فإنّ المرعبي يخلص إلى القول بأن "العقل هو الشعر" في أسمى تجلياته. وأنه يرى الحياة مُضاعفة بالشعر، فـ "للوردة، في الشعر، ظل ذهبي"، ولولاه لبدَت الحياة خالية من الألوان ومقتصرة على الأبيض والأسود. يبيّن المقال الثاني الفرق الهائل بين الشاعر والسياسي، فالأول "يصنعُ مجد العالم" والثاني "يصنع مأساته" فلا غرابة أن يرى المرعبي في السياسة "محفلَ سيرك لا للإمتاع وإنما للترويع والترويض". ما يريده المرعبي هنا أن تكون جمهورية الشعر جمهورية ديمقراطية يصبح فيها الشاعر مواطناً ورئيساً في آنٍ معا. في "مُتحف ذاكرة المنفيّ" يحاول المرعبي أن يؤول فعل النفي، ويفسّر معناه فلم يجد أدقّ من توصيف الشاعر الأسباني رافائيل ألبرتي الذي قال إن "المنفى جذور في الهواء" وأن المنفيّ من وجهة نظر المرعبي قد "ارتضى مصير الحجر التائه في الفضاء". يلفت المرعبي في مقاله الخامس "القرآن والذائقة الشعرية" عنايتنا إلى أن أية لغة في العالم هي "شعر ونثر" باستثناء العربية فهي "شعر ونثر وقرآن". ومع أن القرآن "ظاهرة أنيق وباطنه عميق، لا تُحصى عجائبة ولا تبلى غرائبه" إلاّ أن الفضاء الشعري الذي خلقه الشعراء العرب في الجاهلية قد ساهم في تلقّي الإعجاز الكبير الذي ورد في القرآن وفهْمه وتطويع لغة المجازية البليغة الأمر الذي دفع الخليفة عمر لأن يقول "تمسّكوا بديوان شعركم في جاهليتكم فإن فيه تفسير كتابكم". يتضمن المقال السادس المكرّس للشاعر سبتي ثلاثة محاور أساسية دون التقليل من أهمية المحاور الذاتية لسيرة الشاعر ومواقفه الحياتية الأخرى. يتمثل الموقف الأول بإقران الصفة التراجيدية بحياة الشاعر الراحل كمال سبتي أكثر من اقترانها بشعره فلقد مات ميتة مؤسية حقاً حينما اكتشفوا جثته بعد بضعة أيام من مفارقة روحه لجسده. أما الموقف الثاني فيتمثل كلياً في عزلته القاسية التي كان يشكو منها في هذا التساؤل الممض: "ما معنى أن تكون شاعراً في الحياة داخل البيت، المُغلق بابه، المُسدلة ستائر نوافده؟" وهي عزلة كان يحطّمها بين أوانٍ وآخر بزيارة بعض الأصدقاء الأدباء متغلّباً عليها بكتاباته الشعرية والنثرية لأنه موقن في دخيلته بأن الشاعر لا يمكن أن يكون وحيداً وضعيفاً حتى في أقصى لحظات عزلته. وسرّ هذه المجالدة يكمن في الشعر والكتابة الإبداعية التي تمدّه بإكسير الحياة. أما المحور الثالث فيتمثل بالهوّة الكبيرة التي شعر بها كمال بين حلمه الشعري وما تحقق منه على أرض الواقع الأمر يكشف بطريقة مفجعة حجم الأخفاق الذي أصابه لأنه كان يرى في الشعر نبوّة ينشد من خلالها المعجزات. يشكِّل المقال السابع مفاجأة الكتاب كله ويتمحور حول اكتشاف الشاعر الأرجنتيني العراقي أمين شامل شكري الذي يُعد بمنزلة بورخس عند الأرجنتينيين. وقد وردت الإشارة الأولى إليه في مجلة نرويجية للمحررة والمترجمة السويدية- الأسبانية أوسا سانشيز التي أصيبت هي الأخرى بالخيبة لعدم حصولها على معلومات وافية عن الشاعر أمين شكري وخلفيته الثقافية باستثناء المختارات الشعرية المُقتضبة التي وصلتها عن طريق صديقها الأستاذ الذي يدرِّس في جامعة مونتيفيديو في الأورغواي. وبسبب شحة المعلومات سواء على الأنترنيت أم في المكتبات العامة قررّ المرعبي أن يخوض مغامرة السفر إلى الأرجنتين بحثاً عن هذا الشاعر العراقي الأسطوري الذي يمكن أن يجده الزائر في الكتب السياحية الخاصة بالأرجنتين باعتباره من معالمها الثقافية إلى جانب خواروث، بورخس وساباتو. لقد نفض المرعبي الغُبار عن السيرة الذاتية والإبداعية لأمين شكري، هذا الشاعر الغامض الذي أصدر أعماله الشعرية الكاملة التي تضمّ سبعة كتب في آن واحد تغطي الحقبة الزمنية منذ سنة 1965 حتى 2007 ثم قرر اعتزال الكتابة نهائياً. ولد أمين شكري ببرلين سنة 1945. هاجر مع والده إلى الأرجنتين عام 1952، فيما تشبثت والدته الألمانية بمسقط رأسها وبلدها الذي سحقته الحرب الكونية الثانية. يشير المرعبي إلى أن أمين شكري قد نشأ بين ثقافتين عراقية وألمانية أول الأمر قبل أن تترسّخ ثقافته الأسبانية لاحقاً ويصبح واحداً من رموزها الكبيرة على الرغم من عزوفه عن النشر، ونأيه عن الشهرة والذيوع. يذكر المرعبي في متن مقاله بأن العديد من أطاريح الماجستير والدكتوراه قد كتبت عن تجربة أمين شكري الشعرية. وأن له علاقات واسعة وعميقة مع أبرز كُتاب الأرجنتين وعلى رأسهم أوكتافيو باث، بورخس، خواروث وغيرهم. لا يتسع المجال للوقوف عند كل تفاصيل رحلة المرعبي إلى الأرجنتين للتعرف على الشاعر أمين شكري. فلقد التقى معه ثلاث مرات، وتعرّف إلى زوجته وابنتيه، غير أن الشاعر كان ضنيناً حتى باليسير من المعلومات، لكنه كان سخياً في الحديث عن تجربته الشعرية، وتاريخي العراق والأرجنتين. تحمل مجموعته الشعرية الكاملة اسم "المُطلق طائر في المرآة" وفي مقدمة هذا الكتاب تتضج جوانب من فلسفته الشعرية. كما يكشف عن نزوعه الصوفي وزهده الذي يتجلى في مظهره وسكنه المتواضع. نخلص من اللقاءات الثلاثة بأن أمين شكري شغوف بتجربة صلاح فائق، ويمتدح سركون بولص، ويعتبر الماغوط الأكثر صدقاً في تاريخ الشعر العربي كما يحب عدداً كبيراً من أدباء أميركا اللاتينية أمثال خواروث، ولاورا ياسان وهوغو موخيكا، كما يتابع السينما الأرجنتينية بشغف كبير وقد شاهد أفلاماً سينمائية أكثر مما قرأ من الكتب. ليست لديه أية طقوس في الكتابة لكنه يعمل يومياً سبع ساعات. ولديه مشاعر حميمة تجاه العراق، لكنه لا يعرف وطناً غير الأرجنيتين الذي يمثل بالنسبة إليه "العائلة والأرض". وقد قال عن الرواية بأنها "نشيد عصرنا الراهن" أما الكتابة فهي "الحبر بدل الدم الذي يجري في عروقه". لعل أجمل ما في المقال أيضاً أن المرعبي يباغتنا في خاتمة المقال بالسؤال الآتي: "هل أن الشخص الذي التقيته هو أمين شامل شكري فعلاً، أم أنه قناع لشخص آخر أراد أن يلعب هذه اللعبة المتقنة؟" يكشف المقال الثامن والأخير المكرّس لجائزة "نوبل المثيرة للجدل" عن الرؤية النقدية الحادة لباسم المرعبي الذي قاصص القائمين على الجائزة ومستحقيها في آنٍ معا. وعلى الرغم من أن اشتراطات الفوز بهذه الجائزة معروفة كالتفرّد، والمنحى المثالي وما إلى ذلك إلاّ أن الجائزة لم تعر التأثر والحضور أي اهتمام. وقد هاجمها كثيرون بينهم برناردشو الذي قال: "إنه يغفر لنوبل صناعته للديناميت لكنه لن يغفر له جائزته". بينما فضّل بورخس "أن يكون أسطورة في ذهن الأسكندنافيين على أن يكون رقماً في قوائم نوبل". لقد ذهبت الجائزة غير مرة إلى منْ لا يستحقها كما يرى المرعبي والاحتكام يجب أن يكون لشعر الشاعر وتأثيره وحضوره وليس لأي اعتبار خارجي. وشعر توماس ترانسترومر لا يستحق الجائزة لأنه يمتاز بالالتواء بسبب صوره الغرائبية الناجمة عن خيال شاحب ومكدود. كما أن لغته تقريرية، ويجنح إلى الوصف كثيراً، وأن الالتماعات الإبداعية في قصائده قليلة، وبعض صوره مأخوذة من مواطنه السويدي أنغمار بيرغمان، وإذا كان لديه ما ينتمي إلى روح الشعر فهو قليل لكنه لا يستحق نوبل أو الترجمة بهذا الشكل الهستيري. فالجائزة كان يجب أن تُسند إلى مستحقيها حتى وإن كانوا غير صالحين للاستخدام السياسي. وفي الختام لابد من القول بأن هذه الآراء هي نتف من تحليلات ثاقبة أوردناها على أمل أن يعوّض العشر الظاهر من جبل الجليد التسعة أعشار الغاطسة منه وهي في مجملها رؤىً نقدية جادة ورصينة لباسم المرعبي.
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حياة ثقيلة تستمد مادتها من المذكرّات والسيرة الذاتية
-
ويسترن أم أنتي ويسترن؟
-
الانتحار الجماعي الغامض
-
عفوية الأداء في بلد تشارلي
-
مهرجان روتردام السينمائي الدولي بافتتاح بريطاني واختتام أمير
...
-
يان ديمانج يرصد محنة جندي وحيد وأعزل في متاهة معادية
-
الشاعر صلاح نيازي: ليست هناك قاعدة في الترجمة
-
الانتحار في السجون البريطانية
-
دِببة ألاستير فوذَرغِل وكيث سكولي
-
قبل أن أذهب للنوم لروان جوفي والسقوط في فخاخ الرعب والجريمة
-
في الثقافة السينمائية: موسوعة سينمائية في النقد التنظيري وال
...
-
في الثقافة السينمائية: قراءة نقدية لأكثر من مائة كتاب (1 - 2
...
-
الشخصية المازوخية في رواية -أقاليم الخوف- لفضيلة الفاروق
-
اشتراطات اللعبة الفنية بين القاتل المأجور والضحية في رواية -
...
-
معرض مشترك لخمسة فنانين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
-
لون شيرفيغ تُعرّي الطبقة المخملية البريطانية في نادي الشغب
-
السحر والساحرات في المخيال الفني
-
فيشال بهاردواج يقتبس مسرحية هاملت ويؤفلمها من جديد
-
نزيف . . رواية شخصية أكثر منها رواية أحداث
-
قلوب جائعة
المزيد.....
-
دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-.
...
-
-سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر
...
-
البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة)
...
-
تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
-
المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز
...
-
طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف ه
...
-
بوتين يمنح عازف كمان وقائد أوركسترا روسيا مشهورا لقب -بطل ال
...
-
كيلوغ: توقيع اتفاقية المعادن بين واشنطن وكييف تأخر بسبب ترجم
...
-
عرض موسيقي مفاجئ من مانو شاو وسط انقطاع الكهرباء في برشلونة
...
-
مسقط.. أكثر من 70 ألف زائر بيوم واحد للمعرض الدولي للكتاب
المزيد.....
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
المزيد.....
|