أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - التعالق النصيّ















المزيد.....

التعالق النصيّ


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4736 - 2015 / 3 / 2 - 08:08
المحور: الادب والفن
    


يكشف لنا الكاتب المسرحي قاسم مطرود في التنويه الذي تصدر مسرحيته المعنونة «دمي محطات وظل» السبب الذي استفزه لكتابة هذا النص المسرحي. إذ حلم ذات ليلة بمسرحية مجسدة صوريا أمام عينيه، وما إن استفاق من حلمه حتى شرع بتدوين هذا الرؤية البصرية بكلمات وجمل مسرحية مكتوبة، وهذا أقصى ما يستطيع فعله أو القيام به، إذ منح النص البصري صفة أدبية. وكما هو معروف، فإن المهمة الأساسية الملقاة على عاتق المخرج المسرحي الناجح هو تخليص النص من لغته الأدبية وتحويله إلى خطاب بصري أو لغة صورية، تماما كما تتحول اللغة في الحلم إلى صور على وفق القراءة الفرويدية التي تجسدت في كتابه المعروف «تفسير الأحلام». يثير قاسم مطرود في توطئته المكثفة سؤالا بالغ الأهمية مفاده: «هل سوف يشاهد ذات يوم تجسيدا لحلمه البصري، كما نسجه عقله الباطن تماما، لاغيا كل المراحل الأخرى التي مر بها في اليقظة والزمن المتحرك الذي يندفع إلى الأمام دائما»؟
تهدف هذه الدراسة النقدية إلى كشف التعالق النصي بين مسرحية «دمي محطات وظل» لقاسم مطرود وأعمال مسرحية أخرى مثل «في انتظار جودو» لصموئيل بيكيت و«هاملت» لويليام شكسبير، ولكن هذا لا يعني أن هذه الدراسة ستكون مقتصرة على هذا التلاقح النصي حسب، وإنما ستمتد إلى تناول الثيمة الأساسية للمسرحية وطريقة معالجتها الفنية ضمن الرؤية الإبداعية لكاتب النص وخالقه، وما تنطوي عليه من تصعيد درامي يفضي إلى ذروة الحدث ثم بلوغه النهاية التي قد تفاجئ المتلقي أو تنسجم مع توقعاته المرتقبة في تحليل النص وقراءته قراءة نقدية ثاقبة.

يركز قاسم مطرود في نصه المسرحي على فكرة «الانتظار» وهي ذات الفكرة التي تعتمد عليها مسرحية «في انتظار جودو» لصموئيل بيكيت. ففي نص قاسم مطرود ينتظر الرجل والمرأة وصول السائق الذي سيقلهما بسيارته إلى العراق، ولكنه يتأخر لسبب ما لا نعرفه، نحن المتلقين. وحسنا فعل الكاتب حينما أخر وصول السائق حتى المشهد الأخير من النص المسرحي، زاجا بنا في دائرة القلق والترقب، ومشوقا إيانا لمعرفة نتيجة وصول السائق من عدمه. أما في مسرحية «في انتظار جودو» لصموئيل بيكيت فإن الشخصيات الأربع فلاديمير واستراجون وبوزو ولكِي ينتظرون مجيء جودو، لكنه لم يأتِ أبدا، ذلك لأن ثيمة النص وفكرته الأساسية المهيمنة على مدار النص تقوم على الجمل الأربع التالية: «لا شيء يحدث، لا أحد يأتي، لا أحد يذهب، إنه لأمر مرعب». ومع ذلك فثمة أمل بوصول «جودو». وعلى الرغم من ضآلة الأمل في هذه النافذة الصغيرة التي يفتحها بيكيت، فإنها تمد النص المفتوح بزخم قوي يوازي حالة اليأس القائمة أو ربما يتجاوزها قليلا لأن الإنسان مجبول على الأمل ومتشبث بأطيافه البراقة حتى وإن كانت وهمية خادعة.

كيف نستطيع أن نتحقق من فكرة التعالق أو التلاقح النصي بين عملين مسرحيين كما هو الحال مع «دمي محطات وظل» لقاسم مطرود وبين «في انتظار جودو» لصموئيل بيكيت؟ لا شك في أن الإجابة عن هذا السؤال تقودنا إلى التناص «Intertextuality» أو التراسل النصي غير القائم على التخاطر «Telepathy» لأن هذا الأخير يحدث عن بعد ولا يحتاج إلى وسيلة اتصال سمعية أو بصرية. يقول الرجل في مسرحية «دمي محطات وظل» مخاطبا المرأة: «أظنه قد وصل»، ثم ترد عليه المرأة مستفهمة: «هل أنت متأكد من قدومه»؟ فيخترع لها الرجل عذرا لتأخر السائق حينما يقول: «إذ لم يأتِ فلا بد أن يكون لمانع صعبا». لا شك في أن جوهر هذه الأسئلة الحوارية التي تدور بين الرجل والمرأة لا يختلف كثيرا عن الأسئلة التي تدور بين فلاديمير واستراجون فيما إذا كان جودو سوف يأتي أو لن يأتي أبدا. هذا التعالق هو نوع من التراسل الإبداعي الذي حدث بين الكاتبين المسرحيين بطريقة لا تخاطرية، وإنما بشكل جنيني تفاعل فيه النص الجديد عن طريق التلاقح والتخصيب الذي استغرق زمنا طويلا حتى أطل علينا بصيغته الحالية التي تحمل صفة مهجنة تنتمي فيها إلى النص الجديد أكثر من انتمائها إلى النص السابق تلاقحت معه وأعطتنا في خاتمة المطاف غصنا مهجنا جديدا يختلف عن الشجرة الكبيرة. وإذا كان جودو لم يأت في نص بيكيت، فإن السائق قد جاء متأخرا ليخبرهما «بأن الطريق غير آمن وقد تعرضان نفسيكما للموت»، وهذا يعني أن عليهما الانتظار بعض الوقت لكي تزول المخاطر الجدية، ويذهبا إلى العراق الذي انتظرا زيارته أو العودة إليه منذ زمن طويل. كما تمكن الكاتب قاسم مطرود من إنهاء النص بطريقة فنية بارعة تدلل على ذكائه المسرحي وخبرته الدرامية المعروفة حينما خاطب الجمهور الجالس أمام خشبة المسرح: «يا إخوتي، الطريق غير آمن وقد تطول الحكاية». وهذا يعني أن الكاتب المسرحي قد ترك المتلقي يتخيل طبيعة هذه الطريق غير الآمنة التي تفضي إلى بغداد، ومتى يمكن أن تتأمن وتزول المخاطر كليا؟ لا شك في أن الإجابة عن كل الاحتمالات التي يتوقعها المشاهِد أو القارئ تظل مفتوحة هي الأخرى، ولكن علينا أن نتذكر بأن الرجل والمرأة اللذين أتعبتهما الغربة، وعذبهما الحنين إلى الوطن لا يزالان ينتظران عند ناصية المحطة في ساحة عامة من ساحات المنفى الموحشة.

يعالج هذا النص المسرحي الكثير من الأفكار إلى جانب المهيمنة الأساسية التي يرتكز عليها البناء المعماري للمسرحية، فإضافة إلى ثيمة الانتظار هناك مواضيع مثل الغربة، والاغتراب، والخوف، والذاكرة، والاستلاب، وتدنيس المحتل لأرض العراق، وثقافة الآخر ولغته وما إلى ذلك من معطيات جديدة توفرت للمغتربين الذين قرروا في لحظة وعي كاملة بضرورة مغادرة الوطن الذي تحول إلى سجن كبير يبتلع المواطنين ويهدد أمنهم وكيانهم ووجودهم البشري. نفهم من سياق الحوار بين الرجل والمرأة أن الرجل فقد ابنه في الحرب، فيما فقدت المرأة زوجها حيث تم إعدامه رميا بالرصاص بوصفه خائنا للوطن والأمة لأنه تخلف عن الالتحاق بوحدته العسكرية لمدة ثلاثة أيام، وأكثر من ذلك فقد صادروا منزلها وأعطوه إلى أحد العناصر الأمنية في المنطقة ذاتها. تتطور الأحداث رويدا رويدا فنعرف أن الرجل رفض تسلم التعويض الذي تمنحه الدولة لذوي الشهداء، وطلا منزله باللون الأسود إمعانا في الحزن، واحتجاجا على الأوضاع القمعية السائدة فتم استدعاؤه وحبسه لمدة خمس سنوات عندها شعر أن العراق لم يعد له بيتا، وعليه أن يبحث عن بيت آمن لذلك قرر الرجل أن يغادر هذا البلد الذي أصبح سجنا كبيرا، كما عزمت المرأة على الرحيل لأن الوطن تحول إلى مقبرة هائلة وكابوس ثقيل لم تستطع أن تتحمله. ينطوي النص المسرحي على مواضيع جانبية تحيل إلى حقبة النظام السابق الذي بث الخوف في نفوس المواطنين بحيث إن المرأة نفسها كانت ترجوه ألا يتحدث عن بعض المواضيع الحساسة أمام السائق خشية أن ينقل هذه الأخبار ويسبب لهم بعض الإشكالات التي لا تحمد عقباها. نعرف أيضا أن الرجل كان معلما لمدة عشرين عاما وكيف أن بعض تلاميذه قد تحولوا إلى مجرد أشلاء مبعثرة في جبهات القتال. أما المرأة التي كانت تعمل منظفة في المستشفى فقد كانت شاهدة على الأطراف المبتورة للضحايا الهاربين من الخدمة الإلزامية. ومواضيع أخرى كثيرة لا يمكن حصرها في هذا المقال.

لا بد من الوقوف عند التعالق الثاني الذي تناص فيه الكاتب قاسم مطرود مع فكرة واحدة من الأفكار الكثيرة التي تتوفر عليها مناجاة هاملت الشهيرة «أن أكون أو لا أكون، تلك هي المسألة»، بترجمة صلاح نيازي، التي يقول فيها: «أن نموت، أن ننام / أن ننام، ربما أن نحلم - بلى هناك العقبة / لأنه في نوم الموت ذاك، أي أحلام قد تأتي / عندما نكون قد طرحنا عنا كل قيود هذه الحياة الفانية». لا نريد أن نخوض في التفاصيل الدقيقة والمعقدة لهذه المناجاة، ولكنني أود الإشارة فقط إلى أن الكاتب قاسم مطرود قد «تراسل» مع الكاتب الشهير، ويليام شكسبير في فكرة النوم الذي يشبه الموت، أو الموت الذي يشبه النوم، لا فرق! فحينما ينظر الرجل إلى جثة ولده الشهيد أول مرة بعد وفاته، يقول: «افتحوا هذا المجر فإذا به ولدي، كان نائما، مجرد نائم»، أما زوج المرأة الذي أُعدِم فقد «كان حزينا، مغمض العينين، مربوط اليدين إلى الخلف»، وربما تعيننا هذه الصورة المروعة للزوج المعدوم، الذي واجه الموت بيدين مقيدتين إلى الخلف، على تصور حجم القمع الذي سائدا آنذاك، فهذا الجندي الملتزم قد أعدم نتيجة خطأ بسيط، وهو الذي يكاد يكون مثاليا في تأديته للواجبات والأوامر العسكرية، ولولا المرض المفاجئ لزوجته لما تأخر ثلاثة أيام على إجازته الدورية، وكلفه هذا التأخير حياته العزيزة التي لا تقدر بثمن.

لا بد من الأخذ بعين الاعتبار بأن بطلي مسرحية «دمي محطات وظل» لقاسم مطرود متشبثان بالوطن اللذان فقدا فيه الابن والزوج، ويحنان إليه حنينا منقطع النظير، ويتماهيان معه عبر الأخبار والصور التلفزيون التي تنهمر على عيونهم وأذانهم كل يوم. وعلى الرغم من نغمة اليأس، التي تتسرب إليهما، إلا أنهما مصران على العودة، فالمرأة تريد أن تخوض معركة قانونية وتسترجع بيتها المغتصب، أما الرجل فيكفيه أن يرى شاهد قبر فلذة كبده منتصبا، ولكن جل ما يخشيانه أن يجدا جسد العراق قد تعرض هو الآخر للغربة والوحشة والدمار بسبب العنف الذي اجتاح الوطن في السنوات الأخيرة وهرس منه الدم واللحم والأعصاب.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استثمار السيرة الذاتية
- ما وراء الجسد
- أدب الاعتراف
- رواية سعد محمد رحيم الماكرة!
- التقنية الميتا- سردية في رواية -كاباريهت- لحازم كمال الدين
- أولاد أبو غرّيب
- دراسات في سياسات التعليم لنديم العبدالله
- سينما التحريك لبرنار جينان وترجمة صلاح سرميني
- السخرية الصامتة في فيلم شاشاتنا
- باثولوميو بيل يترجم -الأرض اليباب- إلى صورٍ بصريةٍ مُدهشة
- شخصيات غير مألوفة، وثيمات صادمة بعض الشيئ
- الطاقة المؤلمة في معرض تركيبي مشترك
- قراءة نقدية لديوان غريب على قارعة الطريق
- قل متى؟ للمخرجة الأميركية لين شيلتون
- تنظيرات الناقد لجمهورية الشعر
- حياة ثقيلة تستمد مادتها من المذكرّات والسيرة الذاتية
- ويسترن أم أنتي ويسترن؟
- الانتحار الجماعي الغامض
- عفوية الأداء في بلد تشارلي
- مهرجان روتردام السينمائي الدولي بافتتاح بريطاني واختتام أمير ...


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - التعالق النصيّ