أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - شخصيات غير مألوفة، وثيمات صادمة بعض الشيئ















المزيد.....

شخصيات غير مألوفة، وثيمات صادمة بعض الشيئ


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4721 - 2015 / 2 / 15 - 14:57
المحور: الادب والفن
    


صدرت عن "دار الأدهم للنشر والتوزيع" بالقاهرة المجموعة القصصية الأولى للقاصة العراقية ناهدة جابر جاسم. وقد تضمنت هذه المجموعة ثماني قصص قصيرة تمتّحُ غالبية ثيماتها الرئيسة من مُذكّراتها الشخصية وسيرتها الذاتية التي تُشكِّل معيناً ذاتياً لا ينضُب من وجهة نظرها، لكنها سوف تنأى بنفسها عن هذه المُذكّرات كلّما اتسعت دائرة الكتابة، وفتحت لها آفاقاً موضوعية جديدة لا تعتكز على الذات كثيراً، ولا تتوكأ عليها إلاّ ما ندر.
تتمحور قصص هذه المجموعة على ثيمات متنوعة من بينها الحُب، والمنفى، والأنانية، والفقد، والخيبة، والهجران، والانتحار، والعجز، والعنف المنزلي وسواها من الثيمات المبثوثة بين ثنايا هذه القصص القصيرة التي أفصحت فيها القاصة أو الساردة بعضاً من مكنوناتها الداخلية أو عبّرت من خلالها عن هموم بطلات قصصها اللواتي عانينَ جميعاً من خسائر فادحة ترتقي معظمها إلى مستوى الفجيعة العاطفية التي تقوّض الكائن البشري المُرهف وتأخذ منه مأخذاً كبيرا.
تستهل ناهدة جابر مجموعتها القصصية بقصة "الأرملة" التي فُجعت بوفاة زوجها في أواخر تسعينات القرن الماضي لكنها بعد ثلاث سنوات على رحيله تتصل بالصديق الأقرب إلى روحها لتلتقي به في غابة "بوزرﭖ-;-" بمدينة روزكلده حيث يُمعن في شمّها وتقبّيلها لكنها تتمنّع عن ممارسة الحُب فيُدرك بأنَّ "وقت صحبتهما ومتعتهما قد شارفَ على النهاية".
قد تبدو هذه البنية القصصية مألوفة لكن تفاصيل الأحداث ستكشف عن شخصيات غير مألوفة، وثيمات صادمة بعض الشيئ. وبما أنَّ الزوج في هذه القصة، أو في قصص أخرى، سيكون مُهيمناً وقوياً في حضوره فإنّ الساردة تُقدِّمه إلى المتلقي قبل الزوجة المفجوعة والمُكلّلة بالخسارات سواء في هذا النص أم في نصوص أخرى. يحمل الزوج في هذه القصة اسم "صلاح" لكنه غير متصالح مع نفسه ولا مع زوجته التي ترى الدنيا من خلال عينيه. ثمة صفات عديدة لهذا الزوج سوف تتراكم على مدار القصص كلها لتكشف في خاتمة المطاف عن طُويته المراوغة، ونرجسيته المفرطة، وأناه المتضخمة التي تتعالى على "شريكة حياته" وتطعنها في الصميم غير مرّة مُشككةً في كل مراحل حبها التي تبدأ بالهوى وتنتهي بالافتتان. وعلى الرغم من شغفها به إلاّ أنه كان يشتُمها ويُوسِعها ضرباً في أويقات ثمالته إلى الدرجة التي يستحيل فيها الرٌقاد ما لم تتناول حبوباً مُنوِّمة. وبالمقابل نكتشف شخصية الصديق الأقرب إلى قلبها، عازف الناي، الذوّاقة للرسم الذي يُثني على موهبتها، ويبذل قصارى جهده للحصول على صالة لعرض أعمالها الفنية بينما كان زوجها يحاول إقناعها على الدوام بأنها رسّامة فاشلة. ربما يكون النسق السردي للرسامة جنان وهي تتحدث عن زوجها صلاح معجوناً بالألم لكن نسقها السردي وهي تتحدث عن صديقها عازف الناي لا يقل وجعاً وضراوة لما ينطوي عليه من صراع داخلي سوف يتأزم في ذروة الشمّ والعناق لينتهي نهاية إشكالية مُحزنة بسبب تمنّعها وصدودها الجسدي الذي أطفأ رغبته الجنسية في ممارسة الحُب على مصطبة خشبية في وسط الغابة الموُحشة.
تقوم قصة "العاشقة والسكّير" على مفارقة تُفاجئ القارئ في نهاية النص. ففي الوقت الذي تعيش فيه البطلة صراعاً حاداً يقتحم أحد الطلاب غرفتها، ويسجد أمامها، ويبدأ بالصلاة مُتمتماً بكلمات لا تفهمها لكنها تجد نفسها في غمار لحظة صوفية نادرة تعمّق من صراعها الداخلي العنيف بين زوجها المشغول بكأسه ونزواته وبين هذا المتيّم الجديد الذي يستقبلها كل يوم بوردة حمراء، ويقبّل يدها مُذكِّراً إياها بروحها المُستلَبة وجسدها المهجور. ثم يتطوّر هذا الصراع قليلاً حينما تنشطر ذاتها المتشظية أصلاً بين ثقافتي بلاد النهرين وبلاد الفايكنغ لكنها لم تعمّق هذا الصراع ولم تستثمره بالطريقة الفنية المناسبة حيث مرّت عليه مرور الكرام، تماماً كما فعلت القاصة حينما قارنت بطلتها بعشتار السومرية إلهة الحُب، ومانحة الحياة، وحرّضتها على أن تغتنم الفرصة وتعيش لحظتها الآنية مُذكِّرة إيانا بأنها "عاشقة غجريّة روحها طائر ضائع يبحث عن عش يمنحها الدفء". وبينما تخوض البطلة في خضم هذا الصراع المرير كان زوجها، أو شيخها السكّير كما تصفه قد تركها وذهب إلى امرأة أخرى!
تتكرر ثيمة الخيانة غير مرة في هذه المجموعة القصصية التي تنطوي على مفاجآت كثيرة تأخذ غالباً شكل الصدمات الصاعقة. ففي قصة "القدّيسة والشيطان" ثمة شخص مجهول يتصل ببطلة النص "المغفّلة والمخدوعة" ويسألها عن سرّ اختفاء صديقتها الكردية الأب والروسية الأم من حياتهما؟ ثم نكتشف في خاتمة المطاف أن هذا الزوج الأناني كان مرتبطاً بهذه الصديقة التي اختفت من حياتهما منذ خمسة عشر عاماً، آخذين بنظر الاعتبار أن البطلة القديسة قد حاولت أن تسامحهُ على رسائله وتوسلاته الغرامية لأمرأة تعرّف عليها في إحدى زياراته للقاهرة.
ذكرنا قبل قليل بأن القاصة ناهدة جابر قد أفادت من سيرتها الذاتية حيث وظّفت بعض الوقائع الشخصية في هذه القصص مثل تجربة الأنصار في شمال العراق، ومعاناتها القاسية في معسكرات اللجوء في تركيا وإيران وموسكو، ثم تشجيع الزوج على السفر إلى الدنمارك كي يحقق نجاحات متواصلة في مجال عمله الأدبي، هذا إضافة إلى العديد من الإشارات التي تؤكد صحة ما نذهب إليه. إنّ استعمال القاصة لضمير المتكلم في قصص المجموعة كلها يؤكد لنا، بما يقطع الشك باليقين، أنها كانت تنهل في معين التجربة الشخصية من دون أن تنجح في عملية التمويه أو التخفي خلف أسماء مستعارة لبطلات القصص الثماني برمتها.
يتكرر موضوع الخيانة الزوجية سواء بصيغته الحقيقية أم الافتراضية في قصة "ذات صباح غائم" حيث يُعبِّر الزوج عن وحدته، وهو هنا فنان وليس من البيئة الأدبية، وقد ضبطته الزوجة وهو يتحدث بصوت خفيض مع إحداهن، يستجدي حُبها ويشكو لها من وحدته، وهجران شريكة حياته، بينما كانت الزوجة قد أجرت عملية لعمودها الفقري ولما تزل تعاني من تداعيات هذه العملية الجراحية الخطيرة، الأمر الذي دفعها إلى الإقدام على الانتحار حيث تناولت حفنة من الحبوب المختلفة ولولا مكالمة صديقتها الدنماركية "لونا" لفارقت الحياة حيث أبلغت هذه الأخيرة الشرطة بوجود محاولة انتحار. اللافت للنظر في هذه القصة أن البطلة الراقدة في المستشفى اعتقدت وهي تحت تأثير الحبوب أنها في مدينة زيوة العراقية التي قصفتها طائرات الدكتاتور بالغازات السامة يوم 5 - 6 - 1987. فكلا الحالتين متشابهتان وإن اختلف الزمكان. لا تقتصر هذه القصة على أنانية الرجل الذي يبحث عن مُتَعِهِ اللحظوية الزائلة، وإنما على أنانية المرأة التي حاولت الانتحار تاركة خلفها وَلَديْها عادل ونسمة في منتصف الطريق!
لا تخرج قصة "رجال كالسُمّ" عن إطار الخيانة الزوجية لكنها تتخذ من العلاقات المحرّمة إطاراً ينتهكه خال الراوية جاسم الذي يقيم علاقة محرّمة مع وفاء، أرملة أخيه عادل الذي توفي حادث سيارة. أما نجاة زوجة جاسم وصديقة الراوية في مرحلة الدراسة الثانوية فقد بدت منكسرة ومخذولة وقد فشل معظم الأطباء في التعرّف على سبب ذبولها الذي بدأ يتفاقم كل يوم. وبعد مرور شهرين وجدوا نجاة ميتة في فراشها المطروح في صالة الاستقبال بعد أن تركت سريرها المهجور إلى غير رجعة. حينما كانت الراوية تحدق في وجه نجاة الشاحب كان يحلّ محله وجه جميلة وهذه تقنية ذكية في استرجاع بعض الأحداث المؤسية التي تُدين النظام القمعي السابق الذي لم يتورع من تسميم أبنائه بمادة الثاليوم كما حصل مع صديقتها جميلة التي لم تعترف على رفاقها الشيوعيين حينما حاولت الهرب إلى خارج العراق عن طريق مطار بغداد في أثناء الحملة الظالمة التي شنّتها الأجهزة الأمنية على كل القوى اليسارية والديمقراطية المناوئة لحكم البعث الجائر آنذاك.
يشكِّل الهمّ العائلي محوراً أساسياً في قصة "وداعاً ابنتي" حيث يقوم الأب بعد 17 سنة بزيارة ابنته في شقة بدمشق ليبرهن لها بأنه لم يكن خائفاً كما كانت تتصور. ثم يسرد لها الاهانات والعذابات الكثيرة التي تعرّض لها وكيف أجبروه أن يوقِّع على براءته من ابنته؟ وكيف وصفوا أمها بـ "العاهرة" لأنها أنجبنت بنتاً شيوعية؟! وعلى الرغم من هيمنة المناخ السردي على هذه القصة إلاّ أن نهايتها التنويرية قد منحتها لمسة فنية لا تُخطئها عين القارئ العادي أو الناقد المتخصص.
تبدأ قصة "صدفة أحنُّ إليها" بلقاء عابر مع رجل دنماركي وسيم الملامح تحرّك في مقعدة كي يتيح لها الجلوس إلى جواره. ولعل أجمل ما في هذه القصة هو حجم مشاعر الخوف والتردد التي انتابت "أنهار" وهي تحاول الانفتاح على هذا الرجل الذي أثار إعجابها. تُرى، ما الذي سيمعنها من ذلك إذا كانت أرملة ووحيدة وغريبة في آنٍ معا؟
تندرج القصة الأخيرة "سرقة عنواني" ضمن إطار الخيانة الزوجية حتى وإن كانت هذه الزوجة قد انفصلت عنه انفصالاً مؤقتاً وقررت العيش في سكن مستقل. وهذا الزوج تقريباً هو نفسه الذي نصادفه في القصص الأخرى، فهو "مزاجي وسكّير، ويعيش لحظته بكل عنفوانها". وهو يجزم بأنّ زوجته السابقة هي التي سرقت عنوانه الإليكتروني لكن هذه الزوجة المغفلة سترى صورتها في المرآة وتتعرّف على حقيقة هذا الزوج الأناني الخائن الذي أوهمها بأنها حبيبة عمره الوحيدة لكنها في واقع الحال بعيدة جداً عن ذبذبات قلبه الذي اتجهت بوصلته صوب نساء يُحسنَّ الرقص وهزّ الأرداف!
وفي الختام لابد أن نقول بأن القاصة ناهدة جابر قد حفرت اسمها على جدارية المشهد القصصي العراقي. وكانت جريئة في تناول ثيمات صعبة أو حسّاسة في الأقل لكن من يعرف تاريخها الشخصي الثقافي المتحرر لا يستغرب مثل هذه الشجاعة في البوح والتعبير عما يدور في نفسها من خلجات ومشاعر إنسانية مرهفة. يتوفر معظم قصصها على حبكة فنية مقنعة تؤارزها أنساق سردية سلسة تأخذ فعلاً بتلابيب القارئ الذي يجد نفسه متأملاً في أحداث القصص تارة أو منفعلاً مع شخصياتها المحتدمة تارة أخرى.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطاقة المؤلمة في معرض تركيبي مشترك
- قراءة نقدية لديوان غريب على قارعة الطريق
- قل متى؟ للمخرجة الأميركية لين شيلتون
- تنظيرات الناقد لجمهورية الشعر
- حياة ثقيلة تستمد مادتها من المذكرّات والسيرة الذاتية
- ويسترن أم أنتي ويسترن؟
- الانتحار الجماعي الغامض
- عفوية الأداء في بلد تشارلي
- مهرجان روتردام السينمائي الدولي بافتتاح بريطاني واختتام أمير ...
- يان ديمانج يرصد محنة جندي وحيد وأعزل في متاهة معادية
- الشاعر صلاح نيازي: ليست هناك قاعدة في الترجمة
- الانتحار في السجون البريطانية
- دِببة ألاستير فوذَرغِل وكيث سكولي
- قبل أن أذهب للنوم لروان جوفي والسقوط في فخاخ الرعب والجريمة
- في الثقافة السينمائية: موسوعة سينمائية في النقد التنظيري وال ...
- في الثقافة السينمائية: قراءة نقدية لأكثر من مائة كتاب (1 - 2 ...
- الشخصية المازوخية في رواية -أقاليم الخوف- لفضيلة الفاروق
- اشتراطات اللعبة الفنية بين القاتل المأجور والضحية في رواية - ...
- معرض مشترك لخمسة فنانين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
- لون شيرفيغ تُعرّي الطبقة المخملية البريطانية في نادي الشغب


المزيد.....




- إيران تقيم مهرجان -أسبوع اللغة الروسية-
- مِنَ الخَاصِرَة -
- ماذا قالت الممثلة الإباحية ستورمي دانيالز بشهادتها ضد ترامب؟ ...
- فيلم وندوة عن القضية الفلسطينية
- شجرة زيتون المهراس المعمر.. سفير جديد للأردن بانتظار الانضما ...
- -نبض الريشة-.. -رواق عالية للفنون- بسلطنة عمان يستضيف معرضا ...
- فيديو.. الممثل ستيفن سيغال في استقبال ضيوف حفل تنصيب بوتين
- من هي ستورمي دانيلز ممثلة الأفلام الإباحية التي ستدلي بشهادت ...
- تابِع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة على قناة الف ...
- قيامة عثمان 159 .. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 159 مترجمة تابع ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - شخصيات غير مألوفة، وثيمات صادمة بعض الشيئ