إزالة الفقر: السودان نموذجاً (4-8) العدالة الإجتماعية

عمرو محمد عباس محجوب

الحوار المتمدن-العدد: 4736 - 2015 / 3 / 2 - 11:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

فكرة العدالة الاجتماعية قديمة ترجع إلى أصول تأريخية بعيدة، إلا أنها برزت بظهور الاديان، ثم ازدادت وضوحاً بظهور الثورة الصناعية الحديثة. ويرى فارس أنها تشير الى نوع من المساواة له أهميته الجوهرية في تحقيق الصالح العام، وتتجسد في تطبيق الأحكام والقوانين على الجميع بالتساوي. ويصنف فارس نظمي العدالة الاجتماعية الى ثلاثة أنواع: العدالة التوزيعية، العدالة التصحيحية والعدالة التبادلية (فارس كمال نظمي: مفهوم العدالة في الفكر الاجتماعي من حمورابي الى ماركس، الحوار المتمدن-العدد: 1671 ، http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=75400

يرى فارس أن دافع العدالة اتخذ له أربعة أنواع لم يخرج عنها طوال التأريخ البشري:عدالة الحاجات: يتم بموجبها توزيع الموارد بين الأفراد على أساس تلبية اكثر حاجاتهم إلحاحاً، بصرف النظر عن مدخلاتهم او أدائهم، ودون الأخذ بمبدأ التكافؤ. عدالة التكافؤ: اشتراك الجميع في تقاسم المخرجات بالتساوي. عدالة الأنصاف: عمل الفرد على تحقيق التكافؤ بين مخرجاته واستثماراته. وعدالة القانون: القانون المحدد الوحيد لاستحقاقات الفرد في موقف معين، بصرف النظر عن حاجاته واستثماراته ومدخلاته وآرائه.

ظهرت المفاهيم الحديثة للعدالة الاجتماعية في عصر نشوء الرأسمالية وكانت تخاطب نظامي الملكية والتوزيع، ومحاولة لحل التفاوتات العميقة فية. طور المفكر الأمريكي جون راولز مقاربة مختلفة عن "العدالة الاجتماعية" تربط بين المساواة والحرية، وتجعلهما معاً ركيزة العدل في الحياة السياسية. ويُقِر راولز بإمكانية تحقق العدالة كإنصاف، شرط الإيمان بمبدأ "التعاون" كعنصر استراتيجي لتوفير الرفاهية للجميع، أي أن راولز يحث على تحقيق البعد الاجتماعي في عملية إنتاج الخيرات مادامت الأخيرة، ستوزع بالتساوي على أفراد المجتمع "العدالة التوزيعية" (عبد الرحمان بووشمة: نظرية العدالة عند جون راولز، http://www.maghress.com/aladabia/1642 .

بنيت الدولة الكينزية في دول الرفاة الاوربية على تعديلات نظام التوزيع والتي استندت إلى تدخل الدولة في تحمل المسئوليات الاجتماعية للسكان. اما الدول الاشتراكية فقد كانت تخاطب النظامين، ورأت أن المساواة الاقتصادية والثقافية مستحيلة بدون الغاء الملكية الخاصة لوسائل الانتاج وتصفية الطبقات المستغِلة، وأن مفهومي العدل والظلم غير مطلقين، بل يتغيران من عهد إلى آخر تبعاً للتغيرات التي تطرأ على العلاقات الاجتماعية، وأن إقامة العدل يعني تحرير المجتمع من الاستغلال.

رفعت الثورات العربية العدالة الاجتماعية كاحد أهم الشعارات التي طرحت بجانب الحرية، وربطت بينها وبين أنماط التنمية التي تستهدف القضاء على أهم مصادر الحرمان من الحرية كالفقر، وإنعدام الفرص، وإهمال الخدمات العامة ومظاهر القمع السياسي. استندت كل المؤشرات التي يقاس بها التقدم نحو تحقيق التنمية، بقياس نسبة الفقر، ومعدلات البطالة، واللامساواة، والحرمان من الخدمات والسلع العامة. تسلل شعار العدالة الاجتماعية من الاحتجاجات والتظاهرات إلى الامم المتحدة التي تبنت العدالة الاجتماعية كجزء من حقوقها الأساسية (الجمعية العمومية: الدورة الثالثة والستون، البند 44 من جدول الأعمال إعلان منظمة العمل الدولية بشأن العدالة الاجتماعية من أجل عولمة عادلة، http://daccess-ods.un.org/TMP/6817926.76448822.html.

كما تقرر في الدورة الثانية والستون للجمعية العامة، البند 48، بتاريخ 26 نوفمبر2007 "إعلان الاحتفال سنوياً بيوم 20 فبراير بوصفه اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية"، اعتبارا من الدورة الثالثة والستين للجمعية العامة؛ ودعت الامم المتحدة تحقيق عناصر العدالة الاجتماعية: التوزيع العادل لناتج النمو العام؛ القضاء على سياسات التمييز والإقصاء والتهميش الاجتماعي؛ المساواة بين الجنسين؛ تعزيز حقوق المهاجرين والأقليات وتكافؤ الفرص ( الجمعية العمومية: الدورة الثانية والستون للجمعية العامة ، البند 48، بتاريخ 26 نوفمبر 2007 اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، http://daccess-ods.un.org/TMP/465910.695493221.html .

كتب عبد الرحيم أحمد بلال سلسلة محكمة ودسمة من عشر مقالات بعنوان "تأسيس دولة الرعاية الاجتماعية: "الضرورة والتحديات والفرص" في موقع التغيير تناولت مفهوم العدالة الاجتماعية من ثلاث مداخل "ويتعلق هذا الجزء بالاطار النظري التحليلي حيث يتناول وظائف الدولة الثلاث: التوزيعية والتنموية والأمنية". وتناول في المدخل الثاني وهو تاريخي يتكون من ثلاثة أجزاء فرعية "الأول موضوعه الخصائص التاريخية لدولة الرعاية في أوربا الغربية وأسباب وعوامل نشأتها لاستخلاص الدروس لتأسيس دولة الرعاية في السودان وليس بهدف النقل. الجزء الفرعي الثاني في هذا الجزء التاريخي هو بدايات العولمة مع التطور التكنولوجي السريع وصعود اللبرالية الجديدة في الثمانينيات والرئيسي الثالث الجانب التطبيقي لمفهوم دولة الرعاية في السودان" (عبد الرحيم أحمد بلال: تأسيس دولة الرعاية الاجتماعية: "الضرورة والتحديات والفرص، من 6-16 مارس 2014 https://www.altaghyeer.info (22مارس 2014)
العدالة الاجتماعية في الاسلام

رغم تطرق كثير من البحاثة للوصول لنظرية اقتصادية إسلامية، اغلبها ينطلق من ما اوضحه د. حبة " فمحور العلاقة التعبدية بين العبد والخالق وعائد الجهد يخضع لمعايير دينية عقدية أساسها العدالة الانسانية في توزيع الدخول وأن لكل مجتهد نصيب وأن الأجر مقابل العمل". الاديان في عمومها وضعت القيم الكلية والمباديء الاخلاقية لأي نشاط إنساني، بما فيها النشاط الإقتصادي، ولكن التحليل التأريخي يرينا أن تناول الاقتصاد من وجهة نظر الاسلام تراوح بين الفكر الرأسمالى عند بعض أو الاشتراكى وبينهما عند آخرين (د. محمد على محمد بخيت حبه: كتاب تحت الطبع حول الاقتصاد الاسلامي.

تناول كتاب كثر ينطلقون من المنظور الاقتصادي الاسلامى من اليمين او اليسار الاسلامي مسألة العدالة الاجتماعية، انطلاقاً من أن العدل هو قاعدة من قواعد مباديء الشريعة الاسلامية. وهي قديمة قدم الاديان نفسها وتمت معالجات مختلفة في كل الشرائع السماوية والانسانية. وتنطلق كافة اطروحات منظري- اليمين واليسار الاسلاميين- من العدل "يؤكد الدكتور مصطفي غلوش، الأستاذ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، أن الإسلام جاء ليبسط السلام في الأرض، ولا سلام إلا بالعدل، ولا عدل إلا بالمساواة، والعدل هو استواء الكفتين دون رجحان أو خسران في الميزان دون النظر إلي عنصرية أو تمييز"(رجب عبد العزيز: الإسلام أول من أرسي مبادئ العدالة الاجتماعية، http://www.ahram.org.e. واشار الباحث الاسلامي عبد الله محمد "وعمل محمد عبده في اشاعة السلام بين الطبقات وفي اقامة العدالة الاجتماعية، والدفاع عن الاسلام، والتفكير في انشاء الجامعة المصرية" ) عبد الله محمد: علماء مسلمون مجددون الشيخ محمد عبده، http://hamoudi.org/arabic/dialogue-of-intellenct/06/10.htm

يعد كتاب سيد قطب " العدالة الاجتماعية في الاسلام" الكتاب المرجعي الذي شكل كافة الدراسات اللاحقة. وقد كتبه في المرحلة التي اسماها الشيخ حسين بن محمود، الطور الأدبي الإسلامي، أي الفترة ما بين انتظامه في شبابه مع حزب الوفد، الذي بقي فيه حتى عام 1942م، ثم انضم إلى حزب "السعديين" الليبرالي، ثم تركه وبقي عشر سنوات بدون إنتماء فِعلي لأي حزب حتى انتظم في حركة الإخوان المسلمين سنة 1953م. "وهو أول من أطلق لفظ "العدالة الإجتماعية" بدل "الإشتراكية" التي كان يستخدمها الكُتّاب في عصره للدلالة على موافقة الإسلام للإشتراكية (في نظرهم)". ويشير الكاتب أنه قيل إن سيّداً تبرأ من هذا الكتاب بعد أن زاد تعمقاً في العلوم الشرعية (حسين بن محمود: مراحِل التطوّر الفِكْري في حياة سيّد قُطبْ رحمهُ الله، دار الجبهة للنشر والتوزيع – شعبان 1429.
الزكاة

اهتم كثير من الفقهاء، البحاثة والدارسين بهذه الشعيرة، وافردت لها الكتب والبحوث والمؤتمرات الجامعة، لكن تظل هناك بعض الخلافات، خاصة حول مهمة جمعها ومصارفها. يقوم كثير من المسلمين في جميع البـلاد الإسلامية بأداء الزكـاة بأنفسهم طـوعاً واختياراً، وتخصيص حصة الزكاة من أموالهم، ثم يتولون توزيعها بأنفسهم، أو عن طريق الجمعيات الخيرية، أو المؤسسات الرسمية أو شبه الرسمية. وعند بعض الدول تقوم بإلزام المواطنين بدفع الزكاة وتقوم مؤسسات حكومية بصرفها (الأستاذ الدكتور محمد الزحيلي، تقويم التطبيقات المعاصرة للزكاة إيجابيات – سلبيات، elibrary.mediu.edu.my/books/MAL06358.pdf.

تضاءلت أهمية الزكاة وحصيلتها مقابل إيرادات الخراج الضخمة وغيرها من الإيرادات الأخرى في العهد الأموي، حيث فصلوا بين عملية جمع الزكاة وجمع الخراج، واستمر أمراء بنو أمية في جمع الزكاة من الأموال الظاهرة فقط. ضعف الاهتمام بالزكاة وجمعها في أثناء حكم بنو العباس بسبب تنامي إيرادات ضريبتي الخراج والأعشار التي تفرض على المسلمين واعتماد الدولة العباسية شبه الكامل عليها، وفي الغالب كانت أموال الزكاة تتبع ديوان الخراج، حيث يقوم عمال الخراج بجمع زكاة الأموال الظاهرة كالزروع والثمار، أما الأموال النقدية فقد كان يترك لأصحابها إخراجها. قل الاهتمام بالزكاة في الدولة الفاطمية ، أما في الدولة العثمانية فقد كان اهتمام الدولة بمورد الخراج لأهميته البالغة وما يمثله من إيرادات لخزينة الدولة (د. الوافـي الطيـب: الزكاة ودورها الفاعل في التخفيف من وطأة الفقر وتقليص معدلات البطالة في المجتمع الإسلامي: دراسة حالة تجربة صندوق الزكاة الجزائري، iefpedia.com/.دور-الزكاة-في-معالجة-مشكلتي-البطال...‎

تقوم فرضية الاستاذ طه ابراهيم الأساسية في كتابه الرائد "مساهمة في حل أزمة العقل العربي المسلم" على أن كل الأوامر والنواهي الصادرة من الخالق لعباده محدودة بالوسع، أو الطاقة التي يستطيع بها الانسان أو الجماعة أن تنفذ التكاليف. إن استيعاب متغيرات العصر ممكنة إذا انطلقنا من رؤية الكاتب من أن وجود الوسع هو أصل التكليف، وأن القرآن يقر بأن الوسع يتغير وأنه يجب تغيير التكليف أو اسقاطه وفق قامة الوسع الجديد (طه ابراهيم: مساهمة فى حل ازمة العقل العربى المسلم: اصول بديلة للفقة والفكر، دار عزة للنشر والتوزيع، الخرطوم، السودان، 2002

كان هذا النوع من النظر إلى متغيرات العصر من واقع المباديء الأساسية للاسلام، هو دافع الماليزيين لتطبيق منجزات المعرفة على الزكاة واستغلال امكانياتها الواسعة للحد من الفقر (د. حسن بن إبراهيم الهنداوي: استثمار أموال الزكاة وأثره في معالجة الفقر: التجربة الماليزية نموذجاً، استثمار-أموال-الزكاة-وأثره-في-معالجة -ا-/arab / http://iefpedia.com(22 مارس 2014)
.

#عمرو_محمد_عباس_محجوب (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات