أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عمرو محمد عباس محجوب - من إرادة الثورة إلى إدارة الثورة (3) مطالب الثورات















المزيد.....


من إرادة الثورة إلى إدارة الثورة (3) مطالب الثورات


عمرو محمد عباس محجوب

الحوار المتمدن-العدد: 4695 - 2015 / 1 / 20 - 08:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


وضعت الثورة التونسية من خلال شعاراتها، تنظيمها وتكتيكاتها الاساس لنجاح الثورات اللاحقة في مصر، ليبيا واليمن. فقد اعتمدت الثورات على تمرحل يكاد يكون مطابقاً، واصبحت الثورة التونسية حركة دومينو امتدت من دولة لاخرى. ومع أن الثورة التونسية بدأت بمطالب اقتصادية في الغالب وضد مقتل البوعزيزي، فقد تطورت لتصبح الشعار الرئيسي لكافة الثورات "الشعب يريد اسقاط النظام". تطورت المطالب العامة للثورات من "شغل، حرية، كرامة وطنية" التونسية، إلى "عيش، حرية، عداله اجتماعية وكرامة انسانية" المصرية، والتي سوف تصبح الشعار المعتمد في الثورات الاخرى.

عندما تقاطرت الجموع في مختلف ميادين وساحات الاحتجاجات في كافة دول الثورات العربية، كانت تراودها احلام عظام وأمال عريضة في تغيير حقيقي يلمس قضاياها ويقدم الحلول. وإذا لخصت الشعارات هذه الاحلام فقد عبرت نقاشات الميادين وحوارات النخب آليات التغيير. من هذه النقاشات دخل الساحة السياسية تعبير "هيكلة الدولة"، المحاسبات السياسية، استرجاع الاموال المنهوبة واجتثاث أفة الفساد. في هذه الحوارات برزت ثلاث نماذج تستند كلها على تجارب ماثلة: النموذج الماركسي، التمكين "الاخونة" والنموذج المدني الديمقراطي. سوف يدور الصراع بين النموذجين الاخيرين.

النموذج الماركسي

اندلعت الثورة الفرنسية في الرابع عشر من يوليو عام 1789 وامتدت حتى 1799، بدأت بالهجوم على سجن الباستيل ، صدور إعلان حقوق الإنسان والمواطنة ، إلغاء الملكية وإعلان النظام الجمهوري في سبتمبر 1792. عبر عملية تحوّل واسعة، دخلت التاريخ بأسم "تغيير نظام الدولة القديم". كان هذا يعني إلغاء الامتيازات الإقطاعية والأرستقراطية والدينية، فصل الدين عن الدولة عبر مبادئ التنوير وهي المساواة في الحقوق والمواطنة، الحرية، ومحو الأفكار السائدة عن التقاليد والتسلسل الهرمي والطبقة الأرستقراطية والسلطتين الملكية والدينية.

من دروس هذه الثورة سوف تطرح الماركسية "اضمحلال الدولة" كما اوضحها انجلز في كتابه ضد دوهرينج " إن أول عمل تبرز فيه الدولة حقا بوصفها ممثلة للمجتمع بأسره – وهو الاستيلاء على وسائل الإنتاج باسم المجتمع – هو في الوقت نفسه آخر عمل تقوم به بوصفها دولة. ويصبح تدخل الدولة في العلاقات الاجتماعية أمرا لا لزوم له في مجال بعد آخر ويخبو بعد ذلك من تلقاء نفسه. ويحل محل حكم الناس إدارة الأمور وتوجيه عمليات الإنتاج. فالدولة لا تلغى إنها تضمحل". رغم أن ماركس اعتقد في البداية أن الطريق الوحيد أمام العمال للسيطرة على الدولة يمر عبر ثورة عنيفة، لكنه رأى فيما بعد أن الانتخابات العامة يمكن أن تكون وسيلة بديلة "أنه يرى امكانيات للعمال لأخذ زمام السلطة في أمريكا وبريطانيا العظمى و يحتمل في هولندا بوسائل سلمية بعد أن شكل العمال أغلبية من المواطنين الذين يحق لها التصويت". ترك ماركس السؤال مفتوحا عن كيفية سيطرة الطبقة العاملة على الدولة، ولم يضع أي قانون) حميد كشكولي ، http://m.ahewar.org/s.asp?aid=309016&r=0&cid=0&u=&i=0&q=).

عندما عالج ماركس دروس كميونة باريس (في مارس 1871، انتخب تسعون ممثلاً في الكومونة أو مجلس مدينة باريس باقتراع عمومي وأعلنت حكمها على كامل فرنسا. كان نزاعها حول السلطة مع الحكومة المنتخبة لفرنسا سبباً رئيسياً في القمع الوحشي لها من طرف القوات الفرنسية النظامية فيما سمي بعد ذلك "بالأسبوع الدموي")، طرح ماركس تعبير "تحطيم الة الدولة البيروقراطية العسكرية". !لتقط لينين هذه النقاشات واطلق نظريته في كتاب "الدولة والثورة" في عشية ثورة 1917. قامت النظرية على "فالشرط الأولي لكل ثورة شعبية حقاً هو، في الوقت الحاضر، في إنجلترا وأمريكا كذلك، تحطيم وتدمير آلة الدولة الجاهزة"(لينين: الدولة والثورة، http://lenin.public-archive.net/ar/L2605ar.html).
برغم أن الدولة اللينينة ومن بعدها الدول الاشتراكية قد حطمت جهاز الدولة القديم، فقد فشل جهازها الجديد في الستجابة لكل الاحلام العراض التي بشرت بها. السقوط المدوي لدول الاشتراكية شطب هذا النموذج من امكانية أن يكون فاعلاً، على الاقل حتى تتوصل الانسانية لمفاهيم جديدة.

نموذج التمكين "الاخونة"

يرجع نموذج التمكين لتحولات الثورة الايرانية، التي أتت أولى مظاهر معارضتها لنظام الشاه من الطبقة الوسطى في المدن، وهم فئة من السكان كانواً من العلمانيين نسبياً وأرادوا بناء بناء ملكية دستورية ديمقراطية. تنقسم الثورة إلى مرحلتين: المرحلة الأولى دامت تقريباً من منتصف 1977 إلى منتصف 1979، وشهدت تحالفاً ما بين الليبراليين واليساريين والجماعات الدينية لإسقاط الشاه. المرحلة الثانية، شهدت بروز آية الله الخميني وتعزيز السلطة والقمع وتطهير زعماء الجماعات المعارضة للسلطة الدينية. في 16 /يناير 1979 غادر الشاه والملكة إيران، واعلن حل البوليس السرى "السافاك"، وأفرج عن السجناء السياسيين، ووعد بانتخابات حرة وأمر الجيش بالسماح للمظاهرات الشعبية. وبعد عدة أيام سمح بعودة الخميني إلى إيران وطلب إليه تأسيس دولة مثل الفاتيكان في قم.

في السنة الأولى للثورة كان هناك مركزان للسلطة: الحكومة الرسمية التي كانت تعمل على إنشاء حكومة إصلاحية ديمقراطية، في حين عملت بشكل مستقل كل من المجلس الثوري المكون من الخميني وأتباعه من رجال الدين، الحرس الثوري، المحكمة الثورية، والخلايا الثورية المحلية التي تحولت إلى لجان محلية. تم اقرار الدستور، وأشارت إلى إيران باعتبارها جمهورية اسلامية، وتضمن مجلس صيانة يتمتع بحق نقض التشريعات المتعارضة مع الإسلام، لكن دون وصي فقيه حاكم، وسوف يضاف لاحقا "ولاية الفقيه". أوجد الدستور منصب القائد الأعلى للخميني، ومنحه السيطرة على الجيش والأجهزه الأمنية، والحق في نقض المرشحين للمناصب، كما أقر الدستور بانتخاب رئيس جديد يتمتع بصلاحية أضيق، لكن المرشحين يجب أن يحوزوا على الموافقة المباشرة من القائد الأعلى (عبر مجلس صيانة الدستور)، وقد أصبح الخميني نفسه رئيسا للدولة مدى الحياة باعتباره "قائد الثورة".

تم إغلاق عشرات الصحف والمجلات المعارضة لفكرة الحكومة الخمينية، وبعد نصف سنة بدأ قمع المعارضة المعتدله المتمثلة في حزب الشعب الجمهوري، واضطهد العديد من كبارها، ورموزها منهم شريعتمداري الذي وضع تحت الاقامة الجبرية. وفي مارس 1980 بدأت "الثورة الثقافية"، أغلقت الجامعات التي اعتبرت معاقل لليسار مدة سنتين لتنقيتها من معارضي النظام الديني. بعدها فصلت الدولة البيروقراطيه 20.000 من المعلمين و8.000 تقريباً من الضباط باعتبارهم "متغربين" أكثر مما يجب.
سوف يصبح النموذج الايراني ملهماً و"مرجعية" لكافة تيارات الاسلام السياسى في صيغها الشيعية "حزب الله، الحوثيين وغيرهم" او صيغتها السنية " الاخوان المسلمين، طالبان، القاعدة، داعش، بوكو حرام وغيرها". سوف تتوجه كلها نحو التمكين او الاسلمة على هدى الاسس التي وضعتها ايران الخميني. مرجعيتها "جماعة من المسلمين وليس جماعة المسلمين"، من احزاب ومنظمات، لها مطامح امبراطورية ورسالة عالمية، من اجل تحقيق هذا الهدف فهي لا تلتزم بأي انساق شرعية، اخلاقية او قيمية خارج افكارها واخيراً ان مآلات دولها (ايران وعراق المالكي الشيعية والانقاذ السودانية) التوغل في الفساد بدرجات غير مسبوقة في العصر الحديث.

عندما حاول الاخوان المسلمين المصرية، النهضة التونسية والاسلام السياسي الليبية وضع هذا النموذج موضع التطبيق، كانت تفعل ذلك في ظل اخفاقات كبرى لنماذجها المرجعية، وتعمل ضد التاريخ ونماذجه التي بنيت على الديمقراطية وحقوق الانسان. الذي اسقط هذا النموذج لم يكونوا الجيش او القوى الخارجية (التي ساندت قوى الاسلام السياسي بضراوة واوصلتها الحكم في الدول الثلاث)، لكن الشعوب التي خرجت واجهضت كل سياسات نموذج التمكين "الاخونة" ورفضتها بشكل قاطع. وفي كل هذه البلاد كانت الشعوب هي التي اوصلتهم الجكم عبر انتخابات حرة ونزيهة.

النموذج المدني الديمقراطي

استند هذا النموذج الذي آمنت به الغالبية من شعوب الثورات فيما لخص في "الشعب مصدر السلطات"، وكل الاجهزة، الاحزاب، المؤسسات والمنظمات خادمة للشعب. كان هذا مؤشراً للرغبة في دولة ديمقراطية، تعددية يتم فيها تفكيك الدولة الفاسدة المستبدة، وتسير قدماً في طريق التحول الديمقراطي الحقيقي. قدم البرلماني العتيد وعضو حزب العمال توني بن، وهو يساري اشتراكي، في فيلم "سيكو" لمايكل مور افضل الدفوعات عن أهمية الديمقراطية. ويرى بن أن الديمقراطية انتزعت من الرأسمالية، وأخيراً برضاها "كل شيء بدأ مع الديمقراطية. كان لدينا قبل التصويت كل السلطة في يد الأغنياء. إذا كان لديك المال يمكن أن تحصل على الرعاية الصحية، والتعليم، والاعتناء بنفسك عندما تتقدم في العمر. ما فعلته الديمقراطية هو إعطاء الفقراء حق التصويت، وانتقلت السلطة من السوق إلى لجان الاقتراع. اعتقد أن الديمقراطية هي الشيء الأكثر ثورية في العالم .... لأنه إذا كان لديك القوة تستخدمه لتلبية احتياجاتك و مجتمعك"( http://tony-benn.blogspot.com ).
كذلك الدولة مدنية في مواجهة الدولة الدينية، ومدنية في مواجهة الدولة العسكؤية، الفاشية او الطائفية. الدولة تقوم الحقوق والواجبات فيها على أساس المواطنة، وليس أي نوع من التمييز والجميع تحكمهم المواطنة، ويطبق عليهم قانون واحد. لتحقيق هذه المطامج طرحت الميادين احد اقوى آلياتها "هيكلة الدولة" خاصة في تونس، مصر ولحد ما في اليمن. اما في ليبيا فقد سارت فيها الاحداث لبناء جهاز دولة جديد، في دولة كانت تفتقد لدولة بمعناها المعاصر.

هيكلة الدولة

عندما طرحت هيكلة الدولة كانت تعني في معناها العام آليات تنفيذ شعارات الميادين " عيش، حرية، عداله اجتماعية وكرامة انسانية". ورثت الثورات انظمة مركزية، بيرقراطية فاسدة، لها اجهزة امنية تمارس التحقير، الاذلال والقهر الشديد تجاه مواطنيها. هناك دائما نمطان ااتعامل في هذه الحالات: النمط الأول هو نمط التحول الإحلالي (Trans-placement): وفيه تقوم النخب القديمة بمحاولة التكيف والتماهي مع النخب الجديدة الصاعدة، تركب وتسعى لجعله تغييراً شكلياً على مستوى الأشخاص والأفراد مع بقاء الأبنية والأطر المؤسسية على حالها. النمط الثاني هو نمط الإحلال (Replacement): تضطلع فيه النخب الصاعدة بتجفيف منابع تلك النخب القديمة، تحد من نشاطها السياسي، الإقتصادي وحضورها المجتمعي.

سوف تتجه القوى المدنية الديمقراطية إلى الحفاظ على الدولة، اجهزتها ومؤسساتها واصلاحها لتوائم التحول الديمقراطي المرجو. المداخل التي طرحت لتحقيق هذه التوجهات كانت تتركز في مفاهيم محددة، ظهرت في المناداة باتباع سياسات كان اولها: محاسبة الفاسدين، الذين كانت تهمهم تتراوح من الفساد السياسي، تزوير ارادة الشعب، التربح المالي والفساد الاداري. من كل دول الثورات لم يقدم أي مسئولين للمحاكمات سوى في مصر، وادت سياسات التمكين التي اعتمدها الاخوان المسلمين المصرية، إلى اصطفاف الشعب المصري حول دولته، وقلة الاهتمام بالمحاسبات.

إن آثار الفساد تؤثر سلباً على النمو الإقتصادي وذلك بإبطاء تطوير البنية التحتية، زيادة تكاليف الأعمال وتحرم الشعب من المشاركة في الثروة المكتسبة من الموارد. إن آليات الفساد تتمثل في غموض الصفقات، استغلال البرقراطية لمناصبها في منح الاعمال بالتخصيص عن طريق التراضي، انتشار مظاهرالاختلاس، السرقة والابتزاز في المال العام، وغيرها من الاحابيل. إن انتشار الفساد في أجهزة الدولة ومؤسساتها لا ينحصر تأثيره في نهب أموال الدولة ومواردها، عدم التوزيع العادل للثروة، بل إن الأخطر من ذلك هو فساد أصحاب القرارات وواضعي السياسات، وتحولهم إلي شريحة بيروقراطية لها مصالحها المشتركة التي غالباً ما تتناقض مع مصالح غالبية الشعب.

الآلية الاخرى التي طرحت كانت حول الدستور والحريات. إيضاً لعبت حركات الاسلام السياسي بشرهها نحو السلطة، في إثارة التنازع حول قضايا الدين والدولة، وطرحها مشروع الشريعة الاسلامية بالمفهوم الاخواني. برز نموذجان ثورة 30 يونيو المصرية والتي اسقطت مشروع "الاخونة" وتبعاتها، والتجربة التونسية، التي وصلت إلى توافق مجتمعي كانا محصلة تطور التيار الرئيسي في الحركة الإسلامية بتونس (النهضة) ويقظة القوي الليبرالية واليسارية التي وقفت بالحوار والنضال السياسي لا بالتحريض الإقصائي. هذان النموذجان استطاعا انجاز دستور مدني ديمقراطي يعالج قضايا مصادر الدستور، قضايا حرية الاديان، الحقوق، الحريات السياسية والمدنية، حرية الرأي، حق تأليف الجمعيات وتعدد الأحزابـ استقلال القضاء وكفالة حرية الاعلام وفصله من الدولة. لم تستطع ليبيا واليمن انجازهذا الاستحقاق بعد.

الإصلاح المؤسسي

عندما يمارس نظام حكم، القمع باتجاه معارضيه ويرتكب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان فعادة ما تكون مؤسسات الدولة متورطة بشكل أو بآخر، إذ لا يمكن لأفراد النظام القيام بمثل هذه الممارسات بمعزل عن هذه المؤسسات. عالمياً، احتلت الأجهزة الأمنية والشرطة والقضاء نصيب الأسد في هذه الانتهاكات. كان المطلوب تغيير بنيوي في جهاز الدولة وذلك حتى تمنع تكرار مثل هذه الممارسات في المستقبل (إبراهيم شرقية فريحات: العدالة الانتقالية في دول الربيع العربي).

اهم قضايا الاصلاح المؤسسي كان موجهاً نحو قوى الامن المختلفة. تدخلت القوات المسلحة بما يكفي لتعرف انها ليست مهيأة للسياسة والحكم. لقد دفعت ثمناً غالياً من دم ابنائها ودماً أكثر من دماء شعبها. فقوات اعتادت على الحكم طوال نصف قرن تحتاج لجهد الكثير من ابنائها لتعيدها منظمة وطنية. لقد فقدت القوات المسلحة في خلال هذه الفترة الطويلة تقاليدها الراسخة، عقيدتها القتالية، تدنت كفاءتها، قلت مهارتها وتداعت امكاناتها. رفع الكفاءة واعادة التاهيل والتدريب ليس مجرد برامج تقنية ولكنه المدخل الأول لاعادة جاهزية هذه القوات واستعادة دورها الوطني. كان المطروح أن تعود القوات إلي الاحتراف، القومية والكفاءة. التجارب عديدة ومتنوعة لكنها كلها تقوم على مبدأ حيادية واستقلال هذه الاجهزة. القوانين التي تحكم هذه الاجهزة هي التي تنظم هذه الاستقلالية وتضمن تطهيرها الذاتي من كافة المؤثرات السياسية والإجتماعية.

بناء القوات المسلحة وكافة الاجهزة الامنية جزء من بناء المؤسسات المحايدة عن النشاط الحزبي، ذات الاستقلال النسبي، عن طريق قوانين ومعايير تنظم عملها من استيعاب منتسبيها، وسائل التدريب، نظم الإدارة، الترقي والاستبعاد، المحاسبة والمراقبة والتطهير الذاتي. ربما أكثر فان الشرطة تحتاج لمراجعة شاملة بدأ من أوضاعها المعيشية، كفاءتها التقنية، ظروف عملها، تدريبها وعلاقتها بالشعب وقوانينها واحترامه لحقوق الإنسان لاسترداد الثقة المفقودة، تنظيفها من الفساد والالتزام بالسلوك والتعامل الراقي وإرجاعها من الدور العقابي والأمني والتجسسي إلي دورها الخدمي والحمائي.

طرح بشدة تحول دور أجهزة الأمن الوطني من دورها في جمع المعلومات عن المهددات الخارجية (المهددات الداخلية من المفترض أن تباشرها المباحث الجنائية التابعة للشرطة)، إلي تسيير دولاب الدولة نفسها. فقد انيط به مراقبة الصحف ويوقفها ويعطلها، يعتقل المواطنين بلا قواعد أو مسائلة قضائية وبدون إبداء الأسباب، يمنع من السفر، يمارس الاعتقال بدون مسوغات قانونية، يمارس التعذيب، الاغتصاب والقتل...الخ. حلت جميع الثورات العربية هذا الجهاز وأنشأت بديلاً له. لقد جرب السودان هذا ما بعد انتفاضة 1985 ولم تنجح التجربة. إن مدخلنا في إعادة التأسيس تكمن في النظر إلي هذه المؤسسات كأنظمة أولاً ثم الأفراد. إن الإصلاح المؤسسي في كافة قطاعات الدولة هي في القوانين، الصلاحيات، المسئولية (النزاهة والاستقامة) والمحاسبة وليس في حسن الأفراد أو سوئهم.

البرنامج الإقتصادي الإجتماعي

عندما ضُمِنَت شعارات الميادين العدالة الاجتماعية، كانت مدخلاً لمعالجة الفوارق الكبيرة بين مختلف فئات الدخل، وبين المجتمعات الريفية والحضرية وكل المناطق داخل الدوله. هذه هي التي قادت إلي الثورات وعدم الاستقرار. كل هذه القضايا تستلزم ان تعاود الدولة القيام بمسئولياتها الاجتماعية. ما طرحته الميادين كان ضرورة الانحيازات الإجتماعية والإقتصادية، لصالح مجموع الشعوب. مثل الفقر والبطالة اهم القضايا التي كانت التوقعات حول التصدي لها ما يشغل بال الذين خرجوا لاسقاط الانظمة.

عدالة التوزيع

المرتكز الاساسي لتحقيق أي تقدم في القضايا الاجتماعية الاقتصادية، كان في اعتماد عدالة التوزيع وكانت هذه تشير بوضوح لقضية فرص العمل وتوزيع الخدمات ما يسمى "البضائع العامة". كان الهدف الطلوب إزالة التمييز بين المواطنين، كل ما يؤدي إليه من عوامل، وغياب ما يترتب على التمييز من نتائج سلبية كالتهميش، الإقصاء الإجتماعي والحرمان من بعض الحقوق. في نفس الوقت توفير الفرص، حيث لا معنى للحديث مثلاً عن التكافؤ في فرص العمل إذا كانت البطالة شائعة ومواطن الشغل غائبة. وهو ما يرتب التزاماً على الدولة بوضع السياسات واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتوفير فرص العمل. واخيراً تمكين الأفراد من الاستفادة من الفرص ومن التنافس على قدم المساواة من أجل نيلها.

في كل دول الثورات كانت هناك مطالبات بوقف طوفان الرأسمالية الطفيلية المستشري، تعديل السياسات النقدية، التمويلية والضرائبية. اعادة النظر في دور القطاع العام في الاقتصاد في ظل الظروف الراهنة، في نمط الإستثمار في البنية التحتية للدوله كشريك نشط وقادر على أحداث التغييرات التشريعية والإدارية المطلوبة، ودور الدوله كميسر فعال للتعويض عن قصور آليات السوق في تقديم السلع العامة. والوصول لإستراتيجية شامله لتحقيق الأمن الغذائي الوطني بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، وخلق فرص عمل جديدة والنمو الإقتصادي.

تشمل قضايا التوزيع الخدمة المدنية، الخدمات الصحية والتعليمية، والبضائع المشتراة المياه، الكهرباء، الطرق وغيرها من مستلزمات الدولة الحديثة. ربما اكثر النقاشات والحوارات التي طفت على السطح كانت تتناول "البضائع العامة", وكان اكثر الاتفاق حول نظام تعليمي وصحي، تتولاه الدولة، يركز على الكيفيه، الجودة ويطبق افضل معطيات العلم.

تم تحويل الخدمة المدنية من نظام إدارة قائم على الكفاية (يؤمن حياة كريمة للموظف)، الكفاءة (القدرة على انجاز ماهو مطلوب بالمستوى المطلوب)، الانضباط والنزاهة المهنية، إلى خدمة متحيزة وتعتمد على الوساطة والرشوة. فمشاكل الخدمة المدنية تبدأ من الاستقرار السياسي والرضا العام عن الدوله، الإحساس بالمواطنة المتساوية، توفر الحقوق والحريات الأساسية خاصة حرية العمل النقابي، الإعلام والتعليم ومناهجه.



#عمرو_محمد_عباس_محجوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من إرادة الثورة إلى إدارة الثورة (2) صناعة الثورات
- من إرادة الثورة إلى إدارة الثورة (1) الطريق إلى ثورات الربيع ...


المزيد.....




- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...
- كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية
- مجلس جامعة كولومبيا الأمريكية يدعو للتحقيق مع الإدارة بعد اس ...
- عاجل | خليل الحية: تسلمنا في حركة حماس رد الاحتلال على موقف ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيّرة أمي ...
- بعد الإعلان التركي عن تأجيلها.. البيت الأبيض يعلق على -زيارة ...
- ما الذي يحمله الوفد المصري إلى إسرائيل؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عمرو محمد عباس محجوب - من إرادة الثورة إلى إدارة الثورة (3) مطالب الثورات