أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عمرو محمد عباس محجوب - من إرادة الثورة إلى إدارة الثورة (1) الطريق إلى ثورات الربيع العربي















المزيد.....


من إرادة الثورة إلى إدارة الثورة (1) الطريق إلى ثورات الربيع العربي


عمرو محمد عباس محجوب

الحوار المتمدن-العدد: 4694 - 2015 / 1 / 18 - 17:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من إرادة الثورة إلى إدارة الثورة (1)
الطريق إلى ثورات الربيع العربي
عمرو محمد عباس محجوب

كنت قد بدأت في كتابة هذه الدراسة كجزء من كتاب كنت اعده حول الرؤية السودانية، وقد استفدت من كل الكتابات التي انتشرت اثناء وبعد الثورات العربية وكانت طازجة وحماسية غطت كل جوانب التغيير. اعدت النظر في الكتاب واصدرته بعنوان "الرؤية السودانية" في كتابين. احتفظت بهذا الجزء واعدت النظر فيه بعد هذه السنوات، وقررت تناول المشهد بكامله في حلقات. في القلب من هذه الثورات اتناول مدخل للثورات التي كان للشباب وقودها، ومن ثم صناعة الثورات نفسها، مطالب الثورات ومن ثم دروس الثورات، أي التحول من ارادة الثورة إلى ادارة الثورة.
من الصعب الوصول لنقطة تغير حاسمة للمراحل التاريخية المختلفة في أي زمان، غير أن بعض الكتاب والمفكرين يحاولون رصد حدث مفصلي يؤدي لتغيير حاسم في التأريخ. اشهر هذه الاحداث الحاسمة هي ما يقدم كسبب مباشر لاندلاع الحرب العالمية الاولى، عندما أدى اغتيال ولي عهد النمسا الأرشيدوق فرانز فرديناند مع زوجته من قبل طالب صربي أثناء زيارتهما لسراييفو في يونيو1914 . السبب الحقيقي كان التنافس الاوربي على التوسع الاستعماري. لكن رغم ذلك فقد كانت الحرب مقدمة تسببت في التمهيد لتغييرات سياسية كبيرة تضمنت ثورات في العديد من الدول.
لا تؤدي التغييرات السياسية التي تكون سابقة دائماً، للتغيرات الفكرية والثقافية التي تطرحها هذه التغيرات، رغم ذلك فيمكن ملاحظة، وبشكل عام جداً، أن عالم الحرب العالمية الاولى، كرست تغيراته الفكرية والثقافية المصاحبة، الحرب العالمية الثانية. الحرب الباردة اعطتنا، سمة القرن العشرين،عالم المرجعيات. المرجعيات الأساسية كانت اليسار بتنويعاته (من الشيوعي إلى الاشتراكي الديمقراطي) واليمين بتنويعاته (من الليبرالي إلى الشموليات العسكرية والمدنية). اربع احداث إدت لبروز مرجعية جديدة، طرحت كبديل للاثنين، الاسلام.
الحدث الاول كان الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكم سلفادور أليندي، أول رئيس دولة في أمريكا اللاتينية ذي خلفية ماركسية انتخب بشكل ديموقراطي عام 1973، مغلقة الطريق امام أي تحولات يسارية سلمية، مما سوف يقود لتغيرات عنيفة باسم اليسار (افغانستان، اثيوبيا وغيرها). الحدث الثاني كان التدخل السوفيتي في افغانستان عام 1979، وبداية تشكل المرجعية الاسلامية، الحدث الثالث كانت الثورة الايرانية والتي كان من نتائجها تبلور المرجعية الاسلامية في صيغتها الشيعية "ولاية الفقيه". الحدث الاخير كان سقوط وتفكك الاتحاد السوفيتي ودول الكوميكون.
رغم أن هذه الاحداث كانت تضع اللمسات الأخيرة لتغيرات سياسية كبرى في العالم، إلا انها لم تكن تحدد البدائل المحتملة. عندما اختفت دول وانهارت ايديولوجيات، ساد الوضع الفكري كثير من الارتباك وغباش الرؤية، وسادت الاوساط الثقافية جدل مكثف حول القيم القديمة والجديدة، فيما بدا شبيها بعالم ما قبل الحرب العالمية الاولى. سوف تقود هذه النقاشات والحوارات الكونية، التي عززتها الظواهر الجديدة من العولمة، ثورة الاتصالات وانتشار القنوات الفضائية عابرة القارات، الى تبلور مرجعيات جديدة تعتمد الديمقراطية وحقوق الانسان.
لم تتبلور المرجعيات الجديدة من خلال عبور ناعم، فقد شهدت كافة الدول تحولات درامية من وصول اليمين المتشدد إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة وبريطانيا في الثمانينات، ومن ثم يمين الاشتراكي الديمقراطي فيما بعد ذلك. حتى في الهند وصل حزب بهاراتيا جاناتا وهو حزب سياسي قومي تأسس في عام 1980، على الحكم. وفي اسرائيل التي نشأت على يد علمانيين يساريين، وحكموها لفترات طويلة حدثت تحولات يمينية متطرفة حتى وصلت الحكم ما يمكن تسميته بتيار الدولة الدينية اليهودية.
مرجعية الاسلام التي طرحت كبديل عالمي، قدمها فكر انعزالي، بدلاً من الاسترشاد بمفكري التنوير في القرنين الماضيين، ووصلها بمعطيات العصر، ربطها بالقيم العالمية التي نالت اتفاقاً انسانياً وهي من صلب المباديء الاسلامية الرفيعة، قيم الديمقراطية وحقوق الانسان، تمترست بفكر ماضوي بدون أي مساهمات فكرية ذات بال. وصلت تيارات الدولة الدينية إلى السلطة في ايران وبعدها العراق في صيغتها الشيعية، وفي افغانستان طالبان، سودان الانقاذ في صيغتها السنية وقدمت نموذجاً اقصائياً شمولياً.
على مشارف القرن الحادي والعشرين
عندما حل القرن الحادي والعشرين كان الشباب العربي يواجه دولاً تراوحت بين العلمانية الاقصائية في دول مدنية او دول عسكرية شمولية، بني أساسها على الخيار بين فزاعة الشمولية والدولة الدينية الاخوانية في مصر، تونس، ليبيا، اليمن وسوريا. في كل هذه الدول تم التغاضي عن الصفقة الاجتماعية، التي حكمت علاقة الانظمة بشعوبها، من مقايضة الحرية بالرخاء. فتحت الابواب على مصراعيها للراسمالية المتوحشة، بناء دولة فساد محكمة محصنة ضد أي محاسبة، ترسانة قوانين تحاصر أي نشاط شعبي او ديمقراطي واعلام فاسد ومتواطيء لنشر قيم الاستهلاك، تغييب الوعي وتشويه كافة من يقفون في جاتب الحرية، الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
على الجانب الاخر، ادى التجريف الذي نال مجتمعات تلك الدول من جراء التضييق الامني الخانق المفروضة على أي تحرك جمعي، الحملات الاعلامية الشرسة على كل القوى خارج مؤسسات النظام الرسمية وغيرها، وفي نفس الوقت ادت ظاهرة الهجرات الضخمة لدول البترول وغيرها لافراغها من الادمغة والخبرات المتنوعة. هؤلاء المهاجرين كانوا يمثلون في اغلبهم اصحاب تجارب هامه في العمل السياسي والنقابي والاجتماعي.
المؤسسات الاجتماعية
على مشارف القرن الحادي والعشرين ورثت الساحة السياسية الاحزاب والنقابات والمنظمات الفئوية (الشباب، النساء وغيرها) والتي حملت سمات القرن العشرين وملامحه الايديولوجية والتنظيمية. إذا كانت التغييرات السياسية وتغيير خطها سهلة، فقد كان مقتلها الاول أنها كانت فوقية واقصائية لاي توجهات مخالفة من داخل اعضائها، ومقتلها الثاني في أنها لم تترافق بتغييرات فكرية لتنعكس في بنائها التنظيمي. ثقل الجو الذي خلقته الانظمة انعكس بشدة على كافة المنظمات الاجتماعية، فبدلاً من الديمقراطية وتداول السلطة التي ما انفكت تطالب بها، انتهت كافة المراجعات اليمينية واليسارية في العالم العربي في تكريس المفاهيم الابوية والحفاظ على الزعماء ومن حولهم في الرئاسات.
إذا كانت الانظمة قد احكمت قبضتها على أي مؤسسات معارضة سواء كانت رسمية او خارج الاطر القانونية، فقد ساهمت القوى المعارضة في الوقوف بشدة ضد أي مؤسسات تنشأ خارج اطاراتها. استعملت نفس الذخيرة من التخوين، الشائعات، قتل الشخصية، العزل السياسي والاجتماعي وغيرها. كل هذه الاستراتيجيات هدفت للحفاظ على النظام القديم في الانظمة والمعارضة الرسمية. سوف يبلغ هذا التناقض ذروته عند انفجار الثورات العربية التي قادتها مجموعات شبابية خارج كل الاطر الرسمية والقانونية لكافة الاحزاب وبرغمها.
حسب النسخة العربية من التقرير الاقليمي حول حالة السكان للعام 2012 التي تم اطلاقها في مقر الامانة العامة لجامعة الدول العربية، ان تقديرات ممن هم في العمر60 سنة أو اكثر يشكلون ما نسبته حوالي 9% ، ونسبة الشباب 18-40 تبلغ نحو50% وهم الأكثر تعليمًا ولديهم خبرات ومهارات لم تتح للأجيال السابقة، خاصة في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصال، وهم الأكثر تفاعلاً مع ثقافات العالم، والأكثر قدرة على الابتكار والإبداع، والأكثر طموحًا وتطلعًا للمستقبل. لكن ترتفع نسبة البطالة بينهم والتي بلغت حوالي 25%، وانخفاض نسبة المشاركة الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية وكذلك تردي جودة التعليم والخدمات الصحية وانتشار الفقر، إضافة إلى ضعف السياسات والبرامج والمؤسسات الشبابية الحكومية والأهلية.
رغم هذا فالغالبية العظمى من زعماء الاحزاب في كافة دول المنطقة، رؤساء مؤسسات المجتمع المدني، اعضاء الحكومات والمؤسسات الحكومية اكثر من 60 عاماً، اغلبهم جاءوا من الستينات والسبعينات وبعضهم قبل ذلك. اغلب الزعماء والرؤساء سوف يتركون مواقعهم إلى القبر، وسوف تدخل الثورات والانتفاضات لقباً جديداً من مثل المخلوع، السابق في القاموس السياسي. لم يختلف الوضع في النخبة المحيطة، فاغلبهم يتنقلون بين المسئوليات والوظائف مما استدعى تعبير "إعادة تدوير النخبة".
في أواخر عام 2010 ومطلع 2011 اندلعت موجة عارمة من الثورات والاحتجاجات في مُختلف أنحاء الوطن العربي، بدأت بالثورة التونسية التي أطلقت وتيرة الشرارة في كثير من الأقطار العربية وعرفت تلك الفترة بربيع الثورات العربية. سوف تؤدي تراكمات عقود من الفساد المالي والاداري، الركود الاقتصاديّ وسوء الأحوال المَعيشية، إضافة إلى التضييق السياسيّ، إلى انفجار احتجاجات مفاجئة تماماً في العديد من الدول.
سوف تدخل هذه الثورات التاريخ، أن اغلب قادتها والمشاركين فيها كانوا شباباً مجهولي الهوية والاسماء، عبروا جسر الخوف والتردد خفافاً وسراعاً، واستطاعوا الاطاحة بحكام بدوا خالدين: بن علي في تونس، مبارك في مصر والقذافي في ليبيا وعلي عبد الله صالح في اليمن، وتظل سوريا على الجرار. وفي هذه لم تعن لفظة "الشباب" المعنى البيولوجي، لكنها كانت اقرب للوصف الاجتماعي الاقتصادي والتي تكونت من العاطلين والمهمشين سياسياً، اغلبهم من الطبقة الوسطى والعمالية المنظمة. استطاع هؤلاء جرجرة مجموعات سكانية متنوعة وضخمة إلى كافة الميادين المتاحة في المدن.
هؤلاء الشباب مجهولي الهوية والاسماء، سوف يستمرون في الخروج للميادين ككتل متفرقة، قيادات باطنية غير واضحة وغياب رؤية ابعد من الشعارات التي تم صناعتها في الميادين. مع التحركات المكثفة في كل هذه الدول، وعدم القدرة على الوصول لقيادة او تحالفات قائدة، ظلت هذه القوى حالمة ونشيطة. على الجانب الاخر لم تتأثر اجهزة النظام القديم، فلا هيكلة، لا محاسبات، لا دمقرطة المؤسسات..لاشيء. كلها اعادت سيناريو انتفاضة السودان 1985، انظمة بدون رئيسها.
قوى الاسلام السياسى
كان الدور المرسوم لهذة القوى أن تلعب دور الفزاعة، باعتبارها البديل الجاهز لوراثة هذة الأنظمة الباطشة والفاسدة. وقد تكيفت هذة القوى مع هذا الدور المعد لها، فلعبت دورا تخريبياً فى منع اى نهوض جماهيرى واتقنت عقد الصفقات. يفسر هذا كثيراً من مواقف التردد والعجز الذى واجهتة هذة القوى عند أنطلاق الثورات، كما بدا عند الاخوان المسلمين فى مصر وأن تعلمت الدرس فى اليمن وليبيا وسوريا والتحقت بالتحركات مبكراً.
ادى هذا لارتباك عارم وهزة استراتيجية لدى الغرب فى موقفها من هذة التحركات كما بدا جلياً فى التعامل السلبى والبطىء وبل المعادى فى تونس ومصر. اما فى ليبيا فقد قاد هذا الى سلوك متخبط من قرارات حاسمة سريعة ( قرارى مجلس الامن رقم 1970 و1973 ) وتحرك عسكرى كبير وضخم، إلى التردد امام ما طرح فى الساحة عن تواجد القاعدة، والجماعة الاسلامية الليبية المقاتلة، وكذلك اليمن وما تمتلىء بة الساحة من منظمات اسلامية متشددة.
عدم وصول الثورات العربية الى التغيير الحاسم ووصول طلائعها المنظمة للسلطة، وافتقادها للقيادة والرؤية ووصولها الى الحالة السودانية 1985 (تغيير النظام ووصول بعض اجزاء النظام القديم الى قيادة النظام الجديد: السيد محمد فؤاد المبزع رئيس مجلس النواب التونسى منذ 14 اكتوبر 1997، والمجلس العسكرى الأنتقالى فى مصر وغيرها)، وقد لاحظ كثير من المراقبين وجود تقارب بين السلطات الجديدة والاسلام السياسى حذو النعل بالنعل من الحالة السودانية 1985.
هذة القوى القديمة الحاكمة هي بطبعها محافظة ولا تعرف غير التغيير المتدرج "أي لا تغيير"، وفى العمل السياسى لا تعرف غير المناورات، المؤامرات وافضل السبل لشراء الذمم. ثم أن الديمقراطية عندها هي حقك في الحديث فقط ولاتتجاوزة لاي فعل، والتعبير من خلال الاجهزة التى تتحكم فيها، ودولة القانون هي قوانينها، وما عدا ذلك فهو اختراقات ثقافية وعلمانية وهلم جرا. واخيرا فأن هذه المجتمعات هي سليلة قرون من السيطرة الابوية واعتبار قادتها مستودع الحكمة والمعرفة.
لذلك فأن القوى القديمة تتجة إلى القوى التي عرفتها طوال تاريخها واستأنستها ، وتوجد فى سجلاتة وعقدوا معهم الصفقات المتنوعة واخترقوهم بالمال والسلطة والنفوذ. العلاقة بينهما اقرب لما اصطلح على تسميتة بمتلازمة استوكهلم نسبة إلى حادثة حدثت في ستوكهولم في السويد، حيث سطا مجموعة من اللصوص على بنك هناك في عام 1973، و اتخذوا بعضاً من موظفي البنك رهائن لمدة ستة ايام، خلال تلك الفترة بدا الرهائن يرتبطون عاطفياً مع الجناة، و قاموا بالدفاع عنهم بعد اطلاق سراحهم.
مؤسسات الغرب ودوله
جاءت الثورات العربية فى ذروة المشاعر السلبية أن لم نقل العدائية للغرب، خاصة امريكا. فسنوات الأنحياز الكامل لاسرائيل، والوضع الماساوى الذى وجد الشعب الفلسطينى نفسة فية، خاصة بعد اتفاقية اوسلو وما رافقها، والحروب الاسرائيلية فى لبنان والامريكية فى العراق وافغانستان. خف التوتر والعداء قليلاً بوصول الرئيس اوباما الى سدة الحكم، خاصة بعد خطاب القاهرة وزياراتة المتكررة لدول عربية واسلامية، والموقف المتوازن قليلاً فى بداية العهد. اخذت الاحداث تونس ومصر، الغرب بمؤسساتة ودولة ومراكز ابحاثة ومحللية الاستراتيجيين على حين غرة، وتباينت ردود الفعل واللهاث وراة الاحداث التى تسارعت.
قامت الاستراتيجية الغربية بشكل عام على المحافظة على الاستقرار في هذا الجزء من العالم بواسطة عمليتين متداخلتين. العملية الاولى التحالف الوثيق مع أنظمة الامر الواقع سواء ملكية وراثية او أنظمة النخب العلمانية الاقصائية المتحولة عن أنقلابات عسكرية، وذلك لضمان امدادات النفط والغاز والمواد الاولية مع التدخل المباشر على نطاق محدود، ومحاولة لجم أنفلاتات الأنظمة عن طريق الضغوط السياسية والحقوقية. العملية الثانية الدعم المتواصل والغير محدود لاسرائيل اقتصادياً، سياسياً والترويج لها كواحة للديمقراطية فى الشرق الاوسط . مع تردى العالم العربى وفقدانة كافة جوانب قوتة، ونمو قوى عديدة معادية وعنيفة من اجنحة الاسلام السياسى المختلفة، رفعت القوى الغربية تدخلها المباشر فى المنطقة العربية بدأ من العراق، السودان، الصومال ولبنان سواء مباشراً او بشكل غير مباشر او عن طريق استعمال الامم المتحدة.
تغيير الأنظمة العربية بواسطة الثورات العربية كان ضربة قاصمة لهذة الاستراتيجية، فهى تزيل الأنظمة الحليفة المعروفة لديهم والتى تعتمد بشكل او باخر على استمرارها على الدعم الغربى. صعود قوى جديدة ديمقراطية وغير معروفة، مع احتمالات صعود الاسلام السياسى فى بعض البلاد إلى مراكز صناعة القرار، تحدى مطروح على بساط البحث منذ فترة طويلة. على الجانب الاخر فأن مصير اسرائيل اصبح يكتنفة الغموض والشكوك ، فالقوى الثائرة ليست هى الأنظمة المغلقة الفاسدة ولكنها فى الطريق الى صنع ديمقراطية ربما تكون اكثر جذرية وحقيقية من اسرائيل التى تحولت فى اواخر عهدها اكثر أنغلاقاً ويمينية وعنصرية ولاحقت تهم الفساد والرشاوى والجرائم اغلب قادتها "وصف رئيس الكنيست الاسبق ابراهام بورغ، الامور التي آلت اليها اسرائيل بأنها تحولت الى دولة مستوطنين يحكمها "زمرة فاسدين"، من مثل تورط الرئيس السابق موشيه كتساف، اولمرت، بنيامين ناتنياهو، ايهود باراك، وزير العدل الاسبق حاييم رامون، رئيس لجنة الخارجية والامن البرلملنية السابق تساحي هنغبي،وزير المالية الاسبق ابراهام هيرشزون والحكم عليه بالسجن الفعلي 5.5 سنوات، تهم لوزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان بتهم تبيض اموال .
الغرب الذى واجة صعود النمور الاسيوية ونشوء مجموعة (BRICS ) الصين، روسيا، البرازيل، الهند وجنوب افريقيا، وفرضها التعامل الندى، وكذلك صعود جمهوريات الموز السابقة فى امريكيا اللاتينية واجبارها الغرب على اعادة التوازنات فى العلاقات الدولية، يواجة الأن التحدى القبل الاخير فى العالم العربى (الاخيره افريقيا) الذى يشق طريقة إلى فرض تعامل جديد.
تعامل الغرب مع الثورة التونسية اولاً بدهشة وتوجس، ثم عندما تطورت الاحداث أنقلب التعامل الى الدعم الرسمى للدولة التونسية وتعامل حذر مع الثوار. مع الهروب المدوى للرئيس السابق بن على كانت الدول الغربية قد قبلت الوضع الراهن، على امل أن تستطيع أن تحلل الوضع وتضع تصورات وخيارات كما تفعل مراكز الابحاث الاستراتيجية. لم تعط الثورات المراكز فرصة التقاط الأنفاس، فاذا كانت احداث تونس مفاجئة، فتونس بشكل عام لم يكن لها دور مؤثر فى صناعة الحاضر السياسى العربى وكانت منعزلة نوعا ما فى تشكيل الوعى العربى القومى، والصراعات المحتدمة منذ سنوات طويلة في ارجاء العالم العربية.
جاءت تونس من مكان ناء فى هامش الوطن العربى السياسى بلا مقدمات إلى وجدانة، واصبحت شعاراتها هي التى سيتم تبنيها فى كافة التحركات اللاحقة. شعار الشعب يريد اسقاط النظام اصبح هو الثيمة الاساسية فى الثورات اللاحقة ولكن الديناميكية والفاعلية والاستمرارية التى صاحبت هذة الثورة هى التى كانت محيرة وملغزة للخارج.
الحدث جاء هذه المرة من مركز العمل العربى، مطبخ السياسات العربية واكثرها تاثيراً وسطوة وقوة، مصر التى كانت واسطة العقد فى كافة التفاهمات، التربيطات، الحلحلات والترتيبات بين الداخل العربى والخارج. هنا ضربت الحيرة راس كافة المحللين الاستراتيجيين، المعلقين والكتاب فى مراكز قائد العالم امريكا والحليف الملحق اسرائيل. جاءت الخطوات تجاة الثورة المصرية اكثر عجزاً، ارباكاً وتشويشاً من الموقف تجاة الثورة التونسية ولكن تسارعت التحركات من عواصم الغرب لتاخذ موقفاً متوازناً وسريعاً منها.
لابد من الاشارة هنا الى وضع الرئيس اوباما، فالرجل جاء باطروحة التغيير وكان اهم عناصرها أن العالم يحتاج الى تغيير لغة القوة المطلقة والحاسمة لامريكا فى فرض وجهة نظرها، هذا قاد الى تحالف ضخم لمواجهة اليمين المحافظ والمجمع الصناعى العسكرى واللوبى الصهيونى واستطاع هزيمتهم جميعاً. ولكن هؤلاء استطاعوا قلب الطاولة علية من خلال تغيير معادلة مجلسى النواب والشيوخ، وافشال كافة اطروحاتة الداخلية فى محاولة تعديل منظومة العدالة الاجتماعية المفقودة فى المجتمع الامريكى.
فى منتصف الطريق استطاع اوباما تعديل مواقفة من الثورة العربية. موقف فرنسا وبريطانيا كان ملحقاً بالموقف المريكى بل كان الموقف الفرنسى فى تونس مغرداً خارج السرب اما بريطانيا فكانت خارج المسرح فى تونس ومصر. وستحاول هاتان الدولتان التى تترنحان فى مواقع القمة أن يبحثا عن دور ويلعبا دورا محورياً فى الثورات اللاحقة كما سنراة واضحا فى ليبيا وسوريا لاحقاً.
الموقف العربى الرسمى
مثلما كان الحدث التونسى مفاجئاً وصادماً للغرب كان كذلك بشكل اقسى فى الجهاز العربى الرسمى. كان هذا الجهاز أنتقل من الشجب والادأنة والتاييد إلى البحث عن ادوار اخرى فى المجال الاقتصادى والاجتماعى. رغم نجاحات قليلة فى مجال القوانين والملف الامنى الذى حققت فية النجاح الاكبر فقد فقدت تاثيرها على حياة المواطنين التى تدعى تمثيلهم. فشلت الجامعة فشلا ذريعا حتى أن امينها العام نعاها علناً.
من صمت قاتل فى تونس، كانت زيارة الامين العام عمرو موسى الى ميدان التحرير، تعبيراً عن عجز كامل وفقدان لبوصلة التوجة الجماعى. الجامعة العربية المنوط بها بذل الجهد فى تخفيف الاحتقانات الداخلية واستعمال اليات التواصل مع كافة الاطراف ومحاولة تقريب وجهات النظر، وقفت امام الحشود عاجزة عن فهم مقدمات، اسباب ونتائج الثورات العربية. هذا الصمت العربى تقدم فجاءة ودعم الثورة الليبية واتخذ احد اخطر قراراتة المعاصرة فى اعطاء الشرعية للتدخل الاجنبى.



#عمرو_محمد_عباس_محجوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عمرو محمد عباس محجوب - من إرادة الثورة إلى إدارة الثورة (1) الطريق إلى ثورات الربيع العربي