أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - قاسم حسين صالح - في العراق عالمان..أخضر وأحمر!














المزيد.....

في العراق عالمان..أخضر وأحمر!


قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)


الحوار المتمدن-العدد: 4723 - 2015 / 2 / 17 - 19:55
المحور: كتابات ساخرة
    




اما الأخضر..فمكان مساحته(10 كم مربع) يقع وسط العاصمة بغداد،يضم مقر الحكومة والبرلمان العراقيين والسفارتين الأمريكية والبريطانية ووكالات حكومية واجنبية.وظهر هذا الأسم عند قيام الحكومة العراقية الانتقالية التي شكلها بريمر بعد غزو قوات الاحتلال الدولية العراق عام( 2003).وكانت هذه المنطقة قبل الغزو مقر الحكومة العراقية السابقة وتضم القصر الجمهوري وقصر السلام وقصورا اخرى للرئيس العراقي السابق صدام حسين وولديه،وبيوتا سكنية لعدد من المسؤولين الكبار في النظام السابق،وعددا من الهيئات المرتبطة بديوان رئاسة الجمهورية.وقبله كانت المنطقة تدعى شعبيا (كرادة مريم) ورسميا (حي التشريع) الذي كان حيا سكنيا مثل اي حي سكني آخر يجاوره في منطقة الكرخ.
كانت أمريكا(ربما بمشورة من خبراء سيكولوجيين) هي التي اطلقت هذه التسمية (المنطقة الخضراء- كرين زوون)..وكان لها قصدان من ذلك،الأول:انها جاءت تبشر العراقيين بكل ما هو اخضر..السلام ومتطلبات النمو. فكما الشجرة لا تكون خضراء الا بتوافر الماء والهواء والتربة الجيدة،فان امريكا ارادت ان توحي للعراقيين بأنهم مقبلون على عراق أخضر زاهر آمن..وأنهم سيكونون مدينين لها بهذه الفضائل من النعم.
والثاني:جعل العراقي يعقد،في وعيه ولاوعيه،مقارنة بين منطقة كانت حمراء..يسكنها مارد جبار سفك دماء العراقيين في حروب حمقاء وحوّل حياتهم الى جحيم احمر،وبؤس اكلوا فيه خبز النخالة ثلاثة عشر عاما فيما كان هو يأكل لحم الغزلان،ومنطقة اصبحت الآن خضراء..منحته الخلاص من الرعب والخوف وكل ما يحمله اللون الأحمر من اخطار،وتعده بتحقيق كلّ ما يحمله اللون الأخضر من دلالات النمو والازدهار والراحة النفسية بعد ثلاثين سنة من المشقات والفواجع.
ومع الشعور بالحيف أن الخلاص من الطاغية كان بفعل قوة اجنبية وليس بفعل عراقي خالص يثير الشعور بالزهو،فان غالبية العراقيين شعروا في نيسان 2003 بأن حلمهم بالعيش مرفهين آمنين في عراق مزدهر..سيتحقق.
وما حصل ان (المنطقة الخضراء)بالذات..سرقت احلامهم!..وأنها جلبت لهم الفواجع اليومية،وأوصلتهم الى اقسى حالات الجزع والأسى:الترحم على الأيام التي كانت فيها هذه المنطقة حمراء!..وحصول ما هو اوجع من الكارثة..لأن من وعدهم بتحقيق الحلم،وخذلهم..مناضلون وطنيون..بينهم من عاش هموم الشعب واوجاعه.
من حالة الخذلان هذه..نشأت سيكولوجيا العزلة..عزلة المنطقة الخضراء..ليست فقط مكانيا بأن احاطت نفسها بالكونكريت والحراسة المشددة،بل انها عزلت نفسها نفسيا عن الناس..فصار عندنا عالمان متناقضان:عالم صغير هو المنطقة الخضراء وعالم كبير هو العراق.
ومن سيكولوجيا العزلة هذه نشأت حالة اخطر هي سيكولوجيا القطيعة النفسية..بدأت من يوم انفرد أهل المنطقة الخضراء بتحويل واقعهم الى حياة خرافية وترك من اوصلهم اليها يعيشون حالة البؤس والخوف والفجع اليومي.وتطورت حالة القطيعة الى حالة الخصومة في اليوم الذي خرج فيه المخذولون(البنفسجيون) بتظاهرات كانت تحمل معاني العتب والتنبيه.وبدل ان تقول لهم المنطقة الخضراء(حقكم علينا)..عزلت نفسها عنهم بحواجز كونكريتية اغلقت الطرق المؤدية اليها وتعاملت معهم كما لو كانوا اعداء..وبها انفصمت العلاقة بين ساكني المنطقة الخضراء وساكني مدن العراق واريافه من غير المرتبطين بها بعلاقة رسمية او سياسية.
ولقد نجم عن هذه الحالة أن نمت لدى الجبهة العريضة من الناس مشاعر الكره والحسد وتمني زوال النعمة والمنصب والجاه لساكني المنطقة الخضراء ،في حالة من التناقض الوجداني بين هذا الكره لهذه المنطقه وحاجة العراقيين لها كونها تمثل نظامهم الديمقراطي الذي لن يفرّطوا فيه وان زادهم الأعداء تضحيات وفواجع!.فيما تمكّن قلق المستقبل من التحكّم بسلوك الكثير من ساكني هذه المنطقة،بأن عدّوا وجودهم فيها فرصة العمر التي يجب ان يستثمروها لتأمين مستقبلهم ومستقبل عوائلهم.
ولقد افضى هذا الحال الى اضعاف الضمير الاخلاقي كي يغلق،بآلية نفسية، باب الشعور بالذنب ليفعل صاحبه ما يشاء وسط آخرين يهونون عليه الأمر برؤيته لهم يتفننون ويتشاطرون في فعل الشيء نفسه.وبضعف الضمير الاخلاقي عند السياسي او موته يكون قد غير سكّته الى حيث الرفاهية الشخصية التي تغريه وتنسيه بؤس الناس وحاجتهم اليه،الى الدرجة التي صار فيها العراقين يصفون أهل المنطقة الخضراء بأنهم (مسحوا آخر قطرة حياء من جباههم)لانشغالهم بمصالحهم وعدم اكتراثهم حتى بعراء الأطفال في ثلج الشتاء!.
وللأسف فان هذا الحال يذكّرنا بمفارقة مريعة.ففي عام 91 يوم حلّت الكارثة بالجيش العراقي المهزوم من الكويت،وكانت الطائرات تلاحق الجنود وتخضّب الشوارع بدماء العراقيين،كنت يومها مارا بمنطقة الجعيفر فرأيت حركة بناء على ضفة نهر دجلة..وحين استفسرت عرفت انه قصر لصدام.وعجبت كيف للمسؤول الأول في الدولة ان يستمر في بناء قصر له وكل بيت به فاجعة..والوطن كله حلّت به كارثة هو صانعها!.والمفارقة ان المسؤولين الكبار من أهل المنطقة الخضراء فعلوا الشيء نفسه بأن بنوا ويبنون لهم فللا وشققا في لندن وباريس وبيروت وعمان ودبي وشرم الشيخ..وكل يوم تحل بالعراقيين فواجع هم سببها الرئيس.وبالمعنى الصريح: لا فرق بين الطاغية واهل القرار في المنطقة الخضراء فيما يخص سبب وجع الناس وكارثة الوطن! .
ان التوصيف هذا لا يشمل بالطبع كلّ ساكني المنطقة الخضراء ولا يصح ان يطلق بصيغة التعميم على كلّ السياسيين فيها،فبينهم من هو في محنة مع شركائه،وآخر من هو غيور على وطنه وشعبه،وثالث نفترض انه يتمتع بحصانة عالية يحمي بها ضميره الاخلاقي من ملوثات الفساد واغراءات المال والسلطة،ولكنهم قلّة غير مؤثرة في تغيير حال صارت فيه المنطقة الخضراء منتجة لأزمات اوصلت الناس الى حالة اليأس من أن الحال لن يتغير الا بأن يأتي المنطقة الخضراء من يعمل على ان يجعل العراق كله..أخضر!.



#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)       Qassim_Hussein_Salih#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق..هو عيد الحب!
- الأسوأ قد حصل ..فما الي ينتظرنا؟!
- غياب رجل الدولة في العراق
- حرب الأنبياء..معارك دماء اشعلتها شارلي - مناقشة سيكولوجية (2 ...
- حرب الأنبياء..معارك دماء اشعلتها شارلي - مناقشة فلسفية (1-2)
- فاتن حمامه وسعاد حسني..الضد وضده النوعي
- واقعة شارلي ايبدو الفرنسية..مداخلة للدكتور رياض عبد
- واقعة شارلي ايبدو الفرنسية..تحليل سيكوبولتك
- كتابات ساخرة..حكايتي مع الستوته!
- مؤسسة الفكر العربي..انجاز رائد
- الصباح تحتفي ب(حذار من اليأس)
- حكومات وبرلمانات ديمقراطية..تنهب شعبها!
- ازمة العقل العربي المعاصر
- الشخصية السياسية العراقية - دراسة تحليلية (3 -3)
- الشخصية السياسية العراقية - دراسة تحليلية (2 -3)
- الشخصية السياسية العراقية - دراسة تحليلية (1 -3)
- الدكتور حيدر العبادي - افعلها تدخل التارخ
- السياسييون وعلماء الاجتماع
- في سيكولوجيا خسارة الفريق العراقي
- القيم وصراع الاجيال في المجتمع العراقي- تحليل سيكوبولتك (3-3 ...


المزيد.....




- قبل فيلم -كشف القناع عن سبيسي-.. النجم الأميركي ينفي أي اعتد ...
- بعد ضجة واسعة على خلفية واقعة -الطلاق 11 مرة-.. عالم أزهري ي ...
- الفيلم الكويتي -شهر زي العسل- يتصدر مشاهدات 41 دولة
- الفنانة شيرين عبد الوهاب تنهار باكية خلال حفل بالكويت (فيديو ...
- تفاعل كبير مع آخر تغريدة نشرها الشاعر السعودي الراحل الأمير ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 158 مترجمة على قناة الفجر الجزائري ...
- وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبدالمحسن عن عمر يناهز 75 عاماً ب ...
- “أفلام تحبس الأنفاس” الرعب والاكشن مع تردد قناة أم بي سي 2 m ...
- فنان يحول خيمة النزوح إلى مرسم
- الإعلان الأول حصري.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 159 على قصة عش ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - قاسم حسين صالح - في العراق عالمان..أخضر وأحمر!