عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4721 - 2015 / 2 / 15 - 02:38
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بعد أن تعرفنا على الكثير من الأمور التي تخص دور الدين في حياة الإنسان نتساءل هنا عن حقيقة يطلقها البعض من أن الدين وبالذات بعض متقولة المسلمين أن الإسلام ليس طقوسا وعبادات وقيم بل هو دين ودولة , العبارة هشة وسخيفة ولا تعبر إلا عن إفراط في حشر الدين في حياة الإنسان دون أن نستنبط آلية حسنة كما ينص الدين الإسلامي للتدخل تمنع من عدم وضع المتناسبات في مواضعها .
الإسلام مثل العلم مثل الأخلاق قيم عقلية كما أكدنا سابقا تصنع عقولا تترجم إرادة الدين من خلال فعل عقلي منضبط وإنساني ومناسب ,الجامعة الأكاديمية عندما تخرج طبيب أو مهندس أو محامي بعد التخرج كل ينسب لمجاله ولم يقل أحد أن فلان طبيب جامعي ومهندس جامعي ومحامي جامعي لأن الجامعة هي المجال المناسب لتخريج هذه العناوين وبالتالي مجرد التخرج ينفصل العنوان ليعود إلى واقعه الطبيعي , عندما نقول أن الإسلام مثل الجامعة تهيئ الإنسان ليلعب دور محدد في الحياة ليخدم الإنسانية لا يمكن أن ننسب المتخرج منها للإسلام .
مثلا لا يمكننا أن نقول طبيب إسلامي ولا مهندس إسلامي ولا محامي إسلامي وبالتالي أن الزعم بأن الإسلام دين ودولة يقودنا إلى أن نصف البعض كسياسي إسلامي ووزير إسلامي وضابط إسلامي , تلك النتيجة التي لا يريدها الإسلام أصلا ولم تطبق كفكرة حتى في التجربة التي قادها الرسول وهي الوحيدة التي يمكن تنسب لها الصورة الإسلامية الحقيقية لم يكن هناك وزير إسلامي بخصائص منفردة ومميزة وكذلك جندي إسلامي ولا قائد إسلامي بل كانوا جميعا بشر يحملون صفاتهم فقط .
نعم كانوا مؤمنين ضمن مجتمع مؤمن مسلمين ضمن مجتمع يتخذ من الإسلام دين لكن لم يكن هناك فرادة في الوصف ,أما أن نقول قائد مسلم وتاجر مسلم وشاعر مسلم ووو ولكن لا يمكن أن نصفه بالإسلامي الذي يعني أنه يحمل خصائص الغيرية عن كل إنسان, حتى النبي ص لم يدع أنه نبي إسلامي بل كان نبي الإسلام ورسول الله وقائد المسلمين ولم يكتب أو يقول يوما من القائد الإسلامي إل فلان الفلاني , النص المعتمد من محمد رسول الله إلى فلان الفلاني.
وفي التجربة البشرية اللاحقة لحياة الرسول وطيلة الأربعين عاما بعده لم يزعم أحد أنه الخليفة الإسلامي ولا القائد الإسلامي الكل كان ينتسب مع الصفة لشخصه سعد بن أبي وقاص كان قائدا لجيش المسلمين في العراق والخليفة كان أميرا للمؤمنين وهكذا لم نشهد تطبيقا لإسلامية المفهوم وإطلاقه على الأشخاص كما هو اليوم الحزب الإسلامي والمنهج الإسلامي والفكر السياسي الإسلامي وكأن الإسلام منظومة أيديولوجية قائمة على تخصيص منفصل عن حاضنها الأصلي وهدفها الإنسان .
في كل التجارب التي خاضها المسلمون باسم الدولة الإسلامية أبتدأء من خلافة الأول رض إلى ما ينعت اليوم بالحكم الإسلامي لا نجد في هذه الأنظمة أثر للإسلام أثر لفكرة الله وعن صورة الدولة التي يمكن أن تراعى فيها حقوق الإنسان التي سطرها الكتاب المجيد بدرجة أو أخرى ,في عهد الخلافة الأول نشأت دولة تحت نتائج نزاع بين رغبتين الأولى رغبة المهاجرين الذين كانوا يستندون في دعواهم لمحددات شخصية (السبق في الإسلام والمناصرة للرسول والثالثة كانت دعوى القربة) أما الأنصار فكانوا ينطلقون أيضا من نفس الهاجس الشخصي (المكان وحالة النصرة والاستحقاق بالوصية) لم يدع أحد من الطرفين الأستناد إلى حكم عام شامل مسطر أو ملمح له أو عليه في النصوص .
لم يدع الخليفة الأول أن هناك نصا يقضي بتحويل مجتمع الرسالة إلى دولة ولا هناك وصية أو ذكر معتمد وكل الأسباب التي ساقها كانت دواع وعلل طبيعية مدنية خالصة لا علاقة للدين وأحكامه فيها ,فكانت دعوة الخليفة تنطلق من ثلاث نقاط وهي حماية مجتمع المدينة من الأخطار الخارجية المحدقة وخاصة من الدول المجتمعات التي تنافس مجتمع المدينة على السيدة المكانية (الفرس والروم وأتباعهم)وهذا شأن سياسي أجتماعي طبيعي ,والثاني لا بد من الحفاظ على تنظيم المجتمع من العودة لحالة التمزق والتشرذم قبل الرسالة العودة للجاهلية الأولى وحالة التناحر والتصادم والثالثة المحافظة على الدعوة والفكرة التي انشأت هذا المجتمع ما يسمى بالحفاظ على بيضة الإسلام .
هذه الأعذار الثلاث والمبررات المعلنة لم تكن تستند لنص ديني ولكنها تتماهى مع الضرورات الإنسانية في أي مجتمع إنساني ديني أو خلافة ولا تنتقص من دور الدين الذي يؤمن بالحفاظ على العلاقات الإنسانية المنتظمة لأنها بالأساس أحد أهم أهداف وعلل وجود الإنسان على الأرض .
تشكلت دولة بشرية ترجمت الإسلام بقراءة ما وبنيت على ذات الأسس التي تبنى عليها كل التنظيمات المتشابهة دون أن تبتكر نتيجة النص لميزة محددة تجعلها تفرق أو تفترق عن باقي الهياكل التنظيمية للدول الأخرى عدى التسمية , كانت نظاما أقرب للجمهورية منها للملكية بتفاصيل قد لا تكون بذات الأهمية حيث أنها تقوم على مبدأ التداولية بدل الوراثة ,وهذه التجربة الإنسانية قد سبقتها تجارب تأريخية أقدم وبالتالي فهي أرث إنساني عام .
في الحقيقية جمهورية الخلافة الراشدة خالفت المنهج الرباني الذي يعتمد الملكية والوصائية الخيارية التي مثلها من قبل داود وسليمان عليهم السلام وملوك بني إسرائيل الذين ذكرهم الله بالنص وجعل الخلافة بذات المستوى (يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فأحكم بين الناس) هذا الخليفة لم يكن ملكا بما فيه بل ملكا بما عليه من واجب , كانت الملكية أصطفاء له وللملوك الآخرين من بني إسرائيل يتوارثون الملك ليس بالنسب وحده بل بعلة الأصطفاء ذاتها وهي على الخيار خيار الله للإنسان وأختياره لمن يهب له الملك ومن ينزع منه الملك لأن كل الملوك كانوا أنبياء ورسل وهم أداة التنفيذ وليس لهم حق التشريع كما في الملكيات التي عاصرت والتي أستمرت لهذا العصر حيث يكون الملك مالكا ومشرعا في ذات الوقت ,حكم الملوك هنا حكم الإنابة النصية عن الله في تنفيذ إرادته وبشكل مباشر .
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟