عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4717 - 2015 / 2 / 11 - 23:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حاكمية الإنسان وحاكمية الرب ح1
{إن الحكم إلا لله} شعار لا خلاف عليه بين من يؤمن بحكم الله وقدرته على ضبط نمطية ونسقية حياة الإنسان في دائرة الفعل ورد الفعل ولا أظن أن الذي لا يؤمن بالله عندما يرى أن هذا الضابط يعتمد قاعدة الأحسن ولأنفع والأخير قد لا يمانع أن يخضع طوعيا لحكم الله لأنه إذا كان يحتكم للعقل فهو متساوق مع هذه القواعد وإن كان يحتكم للفطرة والطبيعة فمنطق الفطرة والطبيعة ينحاز لها ,إذن لا إشكال في تطبيق حكم الله .
لحد هذه النقطة لا جدال مبدئي فيه ولكن تثار أسباب الجدال في النقاط التالية :.
1. ما هو حكم الله وما هي حدوده في التدخل والفعل وهذا أول أسباب الخلاف ؟.
2. من يثبت أن حدود الله هي التي تعلن على الإنسان ويبشر بها وأنها فعلا من هذا المصدر وليس مجرد أفكار ورؤى شخصية ؟.
3. من له الحق أن يكون صاحب الصلاحية في النظارة والمراقبة في التطبيق وكيف يمكن مراقبة الناظر والمطبق ووفق أي معيارية يراد لها ان تسود ؟.
4. من هي الجهة المخولة في فض التنازع بين من يدع المراقبة والنظارة لو تعارضت التطبيقات وتباينت الحلول ؟.
هذه بعض أهم التساؤلات التي يطرحها العقل النقدي وهو يقرأ آية الحكم لله وقبل الدخول في الإجابات والتساؤلات لا بد من فهم معنى ودلالات الحكم في الآية الكريمة , الحكم هو التقرير الذي يريده الله على وجه الخصوص مقابل قضية معينة ,وهو ذات المعنى الأحتكامي الذي نمارسه في حياتنا اليومية ,القاضي يصدر حكما في قضية سواء أكانت نزاع بين حقوق أو فصل في نتيجة فعل ما ,فهو يقرر حلا أو ينشيئ وضع جديد مستندا إلى قاعدة سابقة ملزم أن يحكم بموجبها وإلا عد حكمه تعديا وباطلا.
الله تعالى في الدين أنزل مجموعة من التقريرات تتضمن فصل في المنازعات وإنشاء وقائع جديدة كلها يمكن جمعها تحت عنوان حكم الله تميزا لها عن النصائح والإرشادات التي تسمى فقها أوامر إرشادية إختيارية في التعاطي معها وكلها تدور في القضايا الأخلاقية وفي دائرة المباح الممدوح المحمود عليه , لكن هناك مجموعة قضايا تدور بين الإلزام السلبي بها والإيجابي وهي دائرة الحلال والحرام ومن الطبيعي أن تكون لهذه الأحكام مصدرية سابقة للتشريع أي لها أساس وجودي قبل أن تكون شرعا حكميا أو حكما شرعيا يراد له الإلزام .
السؤال المثار هنا من أين يستقي الرب هذه القاعدة التي يحتكم إليها في أنشاء الحكم وهل هذه القاعدة ملزمة في حالة وجودها أم أختيارية بالنسبة له ,قد يكون السؤال فيه تعدي على الذات الإلهية حسب منطوق الفهم الديني الحاضر وفهمه للموضوع ولكن عند العودة للنصوص التي هي حديث وقول وكلام وتقرير الله نجد الجواب مبسوطا في الكثير منها وببلاغة لا تقبل أي تأويل مخالف ,منها مثلا كتب ربكم على نفسه الرحمة ,هذه الكتابة واحدة من القواعد التي يحتكم إليها قبل إصدار الأحكام للناس , إنما يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر قاعدة أخرى .
إذن الله تعالى في رسمه للأحكام يستند إلى مجموعة كبيرة من القواعد التي سنها قبل أن يسن الدين وبالتالي هذه القواعد واجبة الحضور عند دراسة ومحاولة الاقتراب من فهم الرب من مراد الحكم ,في دراسة القانون الوضعي هناك مدرسة علمية تدرس روح القانون وتستخرج المبادئ الكلية التي تم بموجبها بناء المنظومة القانونية لأن التعرف على روح القانون يكشف سير واتجاهات إرادة المشرع وما يريد أن يصل له ,كذلك يجب أن نهتم بدراسة روح التشريع الإلهي ونهتم به أكثر وأجدر من أهتمامنا بالنصوص والأحكام المستخرجة منها.
التعرف على روح التشريع وروح الدين يجنبنا الكثير من التأويلات الغير مناسبة ويفتح لنا الطريق ممهدا لتناول النص وفهمه ودراسته وتقرير النتيجة التي سنبسط على مدار الوجود كقاعدة ملزمة أو خيارية أو حتى كقيمة أخلاقية , لأن جوهر الشيء في الحقيقة هو خلاصة المذهب القصدي لصاحب الدين أو النص أو الفكرة وبه تتجلى الحقيقة الكلية .
إذن التدخل الرباني في فرض الأحكام ينبع من مصدرية حقيقية سابقة وكاملة وتامة تتجه نحو التوافق مع الغائية من الخلق الذي يتوهم الكثير أنها العبادة (ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ولو كانت الغائية هي العبادة بحد ذاتها لبطل خلق من لا يعبد لأن أبطال العلة إبطال للمعلول أيضا ,ولكن جعل الله العبادة وسيلة لبلوغ العلة الأكبر وهي الرحمة ( وما خلقهم إلا ليرحمهم ) , التدخل إذا يصب في تحصيل العلة وتنفيذها واقعا , فمن رحمه الله فقد فاز فوزا مبينا ,التدخل في النهاية هو لمصلحة تحصيل الإنسان للفوز بالمفهوم الرباني الذي هو السعادة .
إذا حدود التدخل الرباني في تسطير الأحكام لا يتعدى أكثر من وضع الإنسان على الطريق الذي يسير به نحو الفوز ونوال الرحمة الإلهية فأن تمكن من السير وفق ما جاء بالتمكين الرباني فهو فائز وهو خيار إنساني محض أما من لم يتوافق أو تناهى له أن هذا الطريق لا يتناسب مع حس الأنا لديه فبإمكانه مغادرة الطريق دون أن يجبره فصيل الشرطة الربانية على المسير , التدخل فرض لأجل الإنسان المخير بين القبول والرفض الذي لا ثالث غيره وهو هذا الحتم الجبري من الله أما أن تكون مع الطريق أو خارج الطريق فقط .
تبقى المسألة الأهم والذي يدور في فلكها التساؤل الثاني حول أحقية الدين في أن يشرح لنا خيار الله ويبشر به أو بالأحرى ما الذي يدفعنا لنؤمن أن هذا الخيار الذي وصلنا هو الخيار الأصح وأنها من عند الله وليست أفكارا قد تتعلق بقدرة من بشر بها أن يعبر عن حدود الطبع الإنساني في رسم الرؤية وأن يكون خلاقا ومبدعا في تسطيرها ,الحقيقة مهما كان من الدين سواء المنسوب للسماء أو الذي يجتهد البشر به إن وصل لهذه المرحلة الراقية والكمالية في تبيان الأحسنية والأخيرية فيكون حريا بالعقل أن يتبعه دون النظر أن يكون رؤية سماوية أو رؤية شخصية .
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟