أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ملهم جديد - وداعاً يا قرطاج/ قصة قصيرة















المزيد.....

وداعاً يا قرطاج/ قصة قصيرة


ملهم جديد

الحوار المتمدن-العدد: 4702 - 2015 / 1 / 27 - 04:47
المحور: الادب والفن
    


وداعا يا قرطاج

كانت قد مرت ساعات طويلة على وقوف "زليخة " كبيرة عرافات قرطاج أمام المحكمة التي نصبت على عجل ، بينما كان الحصار الروماني للمدينة قد دخل عامه الثالث ، و بالعكس من التعب الذي بدا على القضاة الجالسين على منصة خشبية تظللها خيمة يتقاسمها اللونان الأبيض و الأسود ، فقد احتفظ كاهن معبد بعل العجوز الذي كان يجلس على نفس المنصة ، بنفس النشاط الذي حمله معه منذ بدء المحاكمة ، و عبثا حاول إخفاء سروره و شماتته برؤية زليخة ، منافسته الوحيدة في فك الرموز و التقاط همس الآلهة ، و هي تتعرض للسباب و الإهانة من قبل الجمهور الذي احتشد لحضور المحاكمة ، و بين فترة و أخرى ، كان يمسد على ذقنه و يشكر في سريرته "بعل " الذي استجاب لأدعيته وتحريضه على زليخة . كانت زليخة ، رغم حرمانها من النوم طيلة اليومين السابقين ، و تعرضها للضرب على أيدي السجانين ، ما زالت تحتفظ بقدرتها على الوقوف منتصبة كنخلة تحت الشمس الحارقة ، و من فترة لأخرى تبتسم و هي ترد على أسئلة القضاة الذين بدا النعس على بعضهم ، بينما كان بعضهم الآخر ، يستعجل انهاء المحاكمة و إصدار الحكم الذي لم يكن يترقبه أي من الحضور . فالنجارون الذين انشغلوا منذ الصباح بإعداد منصة المحكمة ، قاموا بإعداد منصة إعدام صغيرة على مبعدة أمتار قليلة منها ، فكان بإمكان حتى أولئك الذين يقفون في الصفوف الخلفية للأهالي الذين ملؤوا الساحة ، أن يروا السيف اللامع تحت شمس الظهيرة ، و قد وضع بعناية فوق البساط الذي يركع عليه المحكومون بالإعدام .
كانت أسئلة القضاة مقتضبة فيما يتعلق بنبوءتها بسقوط قرطاج و دمارها إلى الأبد على يد الرومان ، و لم يحتاجوا لدعوة الشهود الكثر الذين كانوا يقفون على يمين المنصة ، فقد اعترفت زليخة بأنها تنبأت بذلك قبل أن يحاصر الرومان المدينة بزمن طويل ، و عندما سألها أحد القضاة لماذا أصرت على نبوءتها بعد الحصار ،ابتسمت و قالت ساخرة " النبوءة هي النبوءة ." لكن نبوءتك تسببت بانخفاض معنويات المدافعين عن المدينة ، فترك بعضهم القتال ، بينما حاول آخرون فتح نفق تحت السور للهرب ، و هناك من اتصل بالرومان عارضا خدماته عليهم أملا في أن لا يتعرض للقتل هو و عائلته كمكافأة على خيانته . هل تنكرين ذلك ؟ " النبوءة قدر تقرأه العرافة قبل حدوثه ، و لا شأن للعرافة بما يحدث بعدها . " و كانت سوف تكمل عندما قاطعها قاض آخر غاضبا " لكن عندما تتحول النبوءة إلى سلاح في خدمة الأعداء ، تصبح العرافة خائنة و تستحق الموت ."ابتسمت زليخة مرة أخرى ، و انحنت لتداعب قطتها التي لم تترك شارعا أو زقاقا في المدينة لم تبحث فيه عن صاحبتها طيلة اليومين الماضيين الذين قضتهما في السجن ، و ما أن أٌحْضِرت إلى الساحة قبل الظهيرة بقليل ، حتى ركضت القطة باتجاهها وبدأت المواء و التمسح برجليها . نهضت زليخة بعد أن احتضنت قطتها ، ونظرت باتحاه القضاة " قطتي جائعة و لم يعتن بها أحد طيلة اليومين السابقين ، هل من الممكن أن أن أطلب من أحدهم جلب بعض الطعام لها ؟!. " تجهمت وجوه القضاة ، و حاول أحدهم فك لغز تلك الإبتسامة التي التصقت على شفتيها " تطلبن طعاما لقطتك و المدينة تحت حصار سوف يقرر مصيرها ، بينما نصف أهالي قرطاج ينامون جائعين ! ." علت الهمهمات بين الحضور، و سُمع أحدهم يصرخ بأعلى صوته " اعدموا هذه العاهرة و اقطعوا رأس قطتها ." فصرخ بعض الحراس و أمروا الجميع بالهدوء . لم تلتفت زليخة إلى الحشد ، و أخذت تمسّد على رأس القطة ، نظرت باتجاه منصة القضاة و قالت غاضبة " ما ذنب قطتي .." و كانت سوف تكمل ، عندما سحبها الجندي الذي يقف خلفها بعد أن أومأ له أحد القضاة بفعل بذلك . انتزع الجندي القطة من بين ذراعيها ورماها على الأرض بعد أن حاولت ، من دون جدوى ، التشبث بها ، و بينما كان الجندي يسحبها نحو منصة الإعدام ، ابتسم كاهن بعل و هو يحرك يديه أمام وجهه لكش ذبابة تحوم حول شعر لحيته الدبقة ، تلك اللحية التي كان قد نذر على نفسه أن لا يغسلها حتى يرى رأس زليخة مقطوعا . ركل الجندي القطة بعد أن حاولت الإقتراب بحذر ، فابتعدت لمسافة قريبة ، ثم لم تلبث أن قفزت على منصة الإعدام و بدأت تموء بالقرب من رأس زليخة التي كانت قد ركعت على البساط و مدت رقبتها على قدر استطاعتها . رفع الجندي السيف و ثبَّت نظره باتجاه القضاة منتظرا اشارة التنفيذ . فجأة ، أخذت الكرات النارية التي يقذفها الرومان من جهة البحر تتساقط بكثافة على السور الشمالي للمدينة ، فتأكد الجميع بأن الشائعات التي سرت الأسبوع الماضي عن هجوم وشيك من جهة البحر ، لم تكن مجرد إشاعات كان الرومان قد اعتادوا على بثها من خلال عملائهم في المدينة . ارتبك الحضور ، و علا صوت بكاء الأطفال في أحضان الأمهات ، فغادرن على عجل و اختفين في الأزقة التي تتفرع عن الساحة، بينما حاول الرجال التظاهر بعدم الخوف و تطمين بعضهم البعض بأن الأمر ليس إلا محاولة أخرى من محاولات الرومان الفاشلة لاقتحام المدينة . كان الجندي ما زال ممسكا بسيفه اللامع عندما نظر إلى الأسفل، فالتقت عيناه بعيني العرافة التي كانت ، في تلك اللحظة ، قد رفعت عينيها نحو الأعلى في محاولة أخيرة لقراءة آخر إشارات السماء. استغل الجندي حالة البلبلة في الساحة فسألها بصوت متهدج " متى ستسقط المدينة ؟! " ابتسمت العرافة و قالت بصوت صاف كصفاء السماء التي تركع تحتها " في اللحظة التي سوف يهوي فيها رأسي ، سيينجح الرومان بإحداث فتحة في السور الشمالي ، و ما أن تنتهي قطتي من لعق دمي حتى يكون الرومان قد أصبحوا حيث تقف " ارتجف السيف في يد الجندي ، رماه ، قفز من على المنصة و بدأ الركض ، فكان من الصعب التمييز بن من ركض خلفه بقصد الإمساك به ، و بين من ركض بتأثير عدوى الخوف . حاول من بقي من الجنود ، بالصراخ حينا ، و بتطمين من بقي في الساحة ، حينا آخر ، بأن الأمر لا يعدو أن يكون محاولة من قبل الرومان لتعطيل العدالة و منع تنفيذ حكم الآلهة على عميلتهم العرافة . اقتنع البعض ، بينما تظاهر البعض الآخر بالإقتناع ، و كان يمكن لكاهن بعل ضعيف النظر أن يَعُدّ الأشخاص الثلاثين الذين بقوا في الساحة . نهض أحد القضاة و أشار إلى جندي قريب بتنفيذ الحكم . كانت العرافة ما زالت راكعة ، بينما قطتها مستلقية إلى جانبها على البساط . رفع الجندي السيف ، و قبل أن يهوي به على رقبتها تمكنت من إطلاق صرختها الأخيرة " وداعا ياقرطاج " . هوى الرأس عن المنصة و بدأ بالتدحرج ، فقفزت القطة خلفه لاعقة خيوط الدم التي تركها وراءه ، و ما أن استقر على الأرض الصلبة على مقربة من منصة القضاة حتى اقتربت القطة منه ، و أخذت تدور حوله ، علت أصوات الشكر و الإبتهالات المرفوعة للآلهة وسط الساحة ، ولم يكن لأحد أن يسمع ذلك المواء الخافت الطويل الذي ما أن انتهى ، حتى أخذت الشمس تنوس ، تاركة المدينة للظلمة و سيوف الرومان .



#ملهم_جديد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في مكتب السيد الرئيس / قصة قصيرة
- قصة قصيرة
- حكاية ليست للروي / قصة قصيرة
- على الجبهه الشمالية
- على باب السيد الرئيس / قصة قصيرة جدا
- الحبل
- الرأس المقطوع
- الشرق
- العاشق / قصة قصيرة
- القنَّاص
- حدث في الأسبوع الماضي /قصة قصيرة جداً
- تلك الرائحة
- المعارضة السورية و دور الضحية
- المؤامرة و المؤامرة ....ثم المؤامرة
- رائحة ثقيلة


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ملهم جديد - وداعاً يا قرطاج/ قصة قصيرة