تطور مفهوم جهنم العبرانية وصولاً للديانة الإسلامية

بارباروسا آكيم

الحوار المتمدن-العدد: 4700 - 2015 / 1 / 25 - 22:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

لعل هذا الكتاب : (( تاريخ جهنم )) هو من أَروع الكتب التي قرأَتها عن تطور مفهوم جهنم عِبرْ الزمن عند مُختلف الشعوب والحضارات ، الحقيقة إِنَّ ما يعنيني في هذا الكتاب هو صورة جهنم العبرانية والمسيحية والتي بنى الإِسلام على أَساسها جهنم مُرعبة دون التركيز على أَنَّ ذات اللفظة تعبير عن موقع جغرافي محسوس ..معروف عند اليهود والمسيحيين الأَوائل ، يقول المؤرخ ( جورج بنوا ) : (( إِنَّ الجحيم الإِنجيلي هو تقريباً جهنم ( Gehenne ) وهو مكان محسوس ، (( وادي النحيب )) أَو ( Gi_Hinnom ) ، المكان الملعون لإِحدى العبادات الكنعانية القديمة ، حيث كانت تُقدم فيما مضى ، الذبائِح للبعل مع .. رُبما .. بعض الضحايا البشرية . وقد أَصبح هذا المكان ، بعد العودة من النفي ، محرقة مُستديمة تحرق فيه بإِستمرار جيَّف الحيوانات والأَقذار التي يلتهمها الدود والنار ومن هُنا تعبير مرقس : (( إِذا شككتك عينك فأِقلعها ، فخير لك أَن تدخل ملكوت الله وأَنت اعور من أَن تُلقى بعينيك الإثنين في جهنم ، حيث الدود لا يموت والنار لا تُطفأ ( 9 : 47 - 48 ) ويُصبح الدود والنار بسرعة العنصريين الأَساسيين في الجحيم . ومتى هو الأَكثر إِستفاضة في هذا الموضوع :(( هناك يكون البكاء وصريف الأَسنان )) ( 8 : 12 ) وهي عبارة تتكرر ست مرات ويتحدث ثلاث مرات عن (( الظُلمة البرانية )) وثلاثاً أُخرى النار الأَبدية . ويذكر كذلك ((أَبواب الجحيم )) و (( جهنم النار )) ويذكر لوقا من جهته قصة لعازر والغني الشرير ( 16 : 19 _ 31 ) وهي عبارة عن حوار تعليمي كما نرى في الميثيلوجيا المصرية : يذهب الغني الشرير بعد موته الى مكان العذاب حيث يتألم بسبب اللهيب ويسأل إبراهيم نُقطة ماء فيرفض أَن يعطيها له . ويضيف لوقا الى هذه القصة المُعدة للترغيب في إِعتناق الدين الجديد ، ملاحظات حول عدد الناجيين القليل : إِجهدوا في أَن تدخلوا من الباب الضيق ، لأَنَّ الكثيرين سيحاولون الدخول..الخ )) ، ( كتاب تاريخ جهنم ، تأليف : جورج بنوا ، تعريب انطوان هاشم ، ص 49 ، الطبعة الأولى لسنة 1996 م ، منشورات : عويدات ، بيروت ) وطبعاً في الصفحات اللاحقة يُناقش الكاتب تطور مفهوم جهنم في الأَسفار المسيحية وعلى وجه التحديد سِفر الرؤيا وهو ماسيكون موضوع بحثنا في الفصول القادمة . إِذ أَنَّ الصورة المجازية المُفرطة لِهذا السِفر هي ما سيطبع في ذِهن محمد صورة جهنم الإِسلامية .. لكن المُلاحض على طول الخط إِنَّ النصوص الإِنجيلية بهذا الصدد أَي النار أَو جهنم لا تتجاوز حدود الحوارات التعليمية كما في قصة لعازر والغني أَو الإِشارة الى مكان جُغرافي محسوس يقع الى الجنوب من اورشليم لتقريب صورة الدينونة للمستمعين..وهو مالم يستطع محمد أَن يفهمه فتصور إِنَّ جهنم أَشبه ماتكون بفرن مُرعب لشوي الناس..ولكن للأَمانة العلمية ليس محمد وحده من كون هذا التصور المفزع الملتهب ، بل الكنيسة أَيضاً في العصور المظلمة خلقت هذا الإِنطباع من خلال الفنانيين الكاثوليك الذين لطالما صوروا بلوحاتهم جهنم بصور مفزعة.! كذلك كان لظهور الطباعة أَثرها في إِنزواء التفسير الأَرثوذكسي الشرقي القائِل برمزية العذاب الأُخروي كما في تعاليم مار أَفرام السرياني والقديس أوغسطينوس بالإِضافة طبعاً الى تسيُّد الدين الإِسلامي على كافة مناحي الحياة ومنها الثقافة والإِعلام ، هذا مع العلم أَنَّ المسيحيين بمختلف طوائِفهم متفقون على كون جهنم مكان جغرافي بعكس تصور محمد .! يقول جورج بنوا : (( وإذ التفكير باحتمال وجود عقوبات يفرضها الله على الأَشرار بعد الموت قد بدأ يظهر إِنطلاقاً من القرن الثالث قبل المسيح ، لقد كان ذلك بتأثير من الحضارات الأُخرى أَكثر مما هو تطور داخلي للفكر اليهودي . وفي الوقت الذي ظهرت فيه المسيحية كانت الأوساط العبرانية كثيرة الإِنقسام حول هذا الموضوع الذي يتكتم حوله العهد الجديد أَقصى التكتم . وإِنه في سياق نص خاص جداً هو الأَدب الرؤي تكونت الصور الاولى عن مكان العذاب في النار والدود ، تلك الصور التي فقدت بسرعة في الأَوساط الشعبية . معناها الرمزي وأُعتبرت من صميم الواقع ))..نفس المصدر الفصل الرابع ، جهنم التوراتية وجهنم العبرانية ، ص 41 ..هذا مع إِقرارنا بكون العذاب الأُخروي بحد ذاته وإِن كان رمزياً هو مصادرة للحرية الإِنسانية ، فنحن نؤمن كمسيحيين إِنَّ كُل إِنسان سينال دينونة مستحقة على كُل عمل سيء يقوم به فلا وجود لمفهوم الحرية الشخصية هاهنا . وهذا أَيضاً لم يفت مؤرخنا جورج بنوا حيث يقول : (( وإِن أَكمل النماذج التي تصورتها الحضارات لجهنم منذ بدايات التاريخ واكثرها منهجية وأَشدها تيئيساً وأَمثلها هو جهنم المسيحية . إِنها عذاب مطلق تغشى الحواس والروح بما ثيره من وخز ضمير ومن وعي لأَبدية العذاب . وجهنم المسيحية التي هي تصور منطقي بحت داخل المنطق الأَفلاطوني الحديث ، والمخصوص بالهالكين ، وهي نقيض ديانة خلاصية راغبة في إِحترام الحرية الإِنسانية . وهي تنطبق على الذين ينفصلون عن منبع الخير المطلق ، ومن هنا قراءتها وقوتها )).نفس المصدر السابق..يبقى أَن نُشير أَنَّ جورج بنوا لم يُغطي الحقبة الإسلامية أَو التصور المُحمدي لجُهنم ، لذلك لابُدَّ من الإِستعانة بمصادر أُخرى لمعرفة الصورة النمطية التي وصلت الى محمد عن جهنم ..يقول أَصحاب دائِرة المعارف الإِسلامية تحت كلمة جهنم ،(( وهي كلمة مشتقة من اللفظ العبري جيحنون أَو وادي هنوم ( إنظر سفر يشوع الاصحاح الخامس عشر ، الفقرة 8 وكان وادياً بالقرب من بيت المقدس تُقدم فيه القرابين الى مولك في أَيام العقوق . وكلمة جهنام - بألف بعد النون معناها البئر العميق . وقد تردد ذكر جهنم وفكرة جهنم كثيراً في القرآن ، على أَنه لم تكن صورة محددة تمام التحديد ، فالواقع أَنه في بعض الآيات يتحدث عن جهنم وكأَنها شيء يحمل ( سورة الفجر 22 - 23 ) وفي هذه الآية يمثل جهنم على صورة الحيوان ، فهي أَشبه بوحش هائل فغر فاه وكشف عن انيابه وتأَهب لألتهام المغضوب عليهم ، وقد صور أَحياناً فنانو الغرب في العصور الوسطى ومطهر القديس برندان ( st.Brandand ) على هذا النحو .. (( موجز دائرة المعارف الإِسلامية ، (ج 11 صفحة 3240 - 3241 ) المؤلفون : م . ت هوتسما ، ت . و . أَرنولد ، ر. باسيت ، ر . هارتمان ، المحققون : ابراهيم زكي خورشيد ، أَحمد الشنتاوي ، عبد الحميد يونس ، حسن حبشي ، عبد الرحمن الشيخ ، محمد عناني , الطبعة الأولى لسنة 1998 م ، الناشر : مركز الشارقة للإبداع الفكري ))

المصادر: 1. (( موجز دائرة المعارف الإِسلامية ، (ج 11 صفحة 3240 - 3241 ) المؤلفون : م . ت هوتسما ، ت . و . أَرنولد ، ر. باسيت ، ر . هارتمان ، المحققون : ابراهيم زكي خورشيد ، أَحمد الشنتاوي ، عبد الحميد يونس ، حسن حبشي ، عبد الرحمن الشيخ ، محمد عناني , الطبعة الأولى لسنة 1998 م ، الناشر : مركز الشارقة للإبداع الفكري )) 2. ( كتاب تاريخ جهنم ، تأليف : جورج بنوا ، تعريب انطوان هاشم ، ص 49 ، الطبعة الأولى لسنة 1996 م ، منشورات : عويدات ، بيروت )

#بارباروسا_آكيم (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات