أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي أحماد - صلاة فوق أريكة خشبية على الرصيف














المزيد.....

صلاة فوق أريكة خشبية على الرصيف


علي أحماد

الحوار المتمدن-العدد: 4694 - 2015 / 1 / 19 - 17:13
المحور: الادب والفن
    


غادرت "سوق الجمعة" / الملاح قديما، قلب المدينة النابض بتناقضاته الصارخة وفسيفسائه العجيبة . فراشة.. زحام.. ضجيج يصم الآذان.. كلمات متناثرة فاحشة ونابية تخدش الحياء و يمجها الذوق السليم .. سلوكات شاذة يستنكرها أهل العقل والنقل.. تدخل السلطات الوصية "مناسباتيا" وبعنف لإفراغه من الباعة في محاولة بائسة و يائسة لإعادة النظام الى المكان دون تخطيط محكم وحل دائمين ينصفان المتضررين وسرت مشيا على الأقدام - الى أن انتهيت الى "لا بروال" قرب الحديقة المجاورة لمقهى" املشيل"، وقبل أن أواصل الطريق الى البيت ، جلست أستريح على أريكة خشبية الى جوار شيخ عليه ثياب بيضاء زادته وقارا ورزانة ، وعكازه في متناول اليد. اعتدل في جلسته بعد برهة تمتم بكلمات موزونة ورفع يديه مكبرا ومتيمنا القبلة. غرق الجوار في الصمت فقد قلت الحركة إلا من مراهقين يؤثثون فضاء الحديقة غارقين في جلسة خليعة/ باذخة حول قنينة خمر وسجائر ملفوفة يتوارون في جنح الظلام عن أعين دورية الشرطة التي تمشط دروب وحواري المدينة ، ومن متمدرسين (إناثا وذكورا) يخرجون من مقرات جمعيات أو منازل خاصة أو مكترات تخصصت في "السوايع" / (الدروس الخصوصية ) التي تفرغ جيوب الاباء مكرهين من أجل تحسين مستوى أبنائهم لمسايرة أقرانهم أو طمعا في نقطة زائدة يمنحها لهم أساتذة العلوم واللغات الذين راكموا ثروات من عرق جبين غيرهم والغريب أن الكثيرين يرون في "السوايع" حلا لما أفسدته المدرسة العمومية وخاتما سحريا لتفوق أبنائهم ! أو من نساء تأخرن خارج الدار لقضاء مآرب ضرورية و مستعجلة ومن "مومسات" نذرن أجسادهن لعابر سبيل يدفع مقابل متعة عابرة....
عجبت لشيخ أدركته صلاة العشاء فوق أريكة خشبية على الرصيف وأقرانه يعمرون بيوت الله، وقلت لعله هرب من ضيق الجدران ليروح عن النفس كربتها .أنهى صلاته - دون حرج ولا تذبذب - وأخرج من جيب جلبابه سبحة بنية يداعب حباتها في سكون ودعة وطمأنينة ، لم أبادله الحديث، لأني أحترم فيه صمته وانشغاله بذكر الله وبه يطمئن قلبه.
لازال هدير محركات السيارات وأبواقها يكسر صمت الليل ويقلق راحة المارة وأضواء نافورة "الدوار" ومياهها المتناثرة تتلألأ في منظر ساحر لا يقاوم.. البعض يأخذ صورا بما تمنحه تكنولوجيا الصانع الأصفر من إمكانيات باهرة لتخليد اللحظات الشاعرية دون الحاجة الى مصور محترف بارت تجارته واستغنى الناس عن خدماته ليختفي من الساحات والميادين بعد أن بصم وجوده عدة أجيال ....من بين المارة تظهر طفلتان نزقتان جمالهما يخلب الألباب ، صاحت الكبيرة ( آه.. كنا سنعلن غيابك في مختفون ) وهي ترسم ضحكة جميلة شكلت ثقوب الجمال على وجنتيها المتوردتين وشعت عيونها الخضراء المتسعة عن بريق وهاج يشي بذكائها الحاد . بدأت تقفزان وترتميان في حضن الشيخ وهو يداعب خصلات شعرهن في حنو وحدب يلامس شغاف القلوب... نظرت الى الشيخ فبدت عليه قسمات التأثر وغمرته نشوة عارمة وانبسطت أسارير وجهه فرحا بحفيدتيه. تقدم أب الطفلتين بقامته المديدة ومنكبيه العريضين وانحنى في وقار وأدب جم على رأس الشيخ وطبع قبلة طاعة وإحسان. رفض الشيخ يدا امتدت اليه لتساعده على النهوض في كبرياء واعتداد بالنفس....قفزت صورة أبي وهو في أشد حالات ضعفه الإنساني يأبى المساعدة الى ذهني واغرورقت عيناي بالدموع وتسارعت دقات قلبي …. كم كنت بارا به، ولكنه خص أخي الأكبر ب"الرضا"!!
القوا علي تحية الوداع وغادروا المكان في طقس مهيب . تيقنت الساعة أن هذا الشيخ لن تطأ قدماه دار المسنين والعجزة وأن (الناس الكبار كنز في الدار )



#علي_أحماد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من مذكرات معلم بالجنوب المغربي تازناخت 1987/ معلم يستحم وسط ...
- طفل خارق للعادة
- الباشا والعدوان على أستاذ -العدل والإحسان-
- ورطة العشق
- كلمة المناضل عبد الرحمن العزوزي الأحد 14/09/2014 بخنيفرة
- ذكرى خيانة
- النائب ،التلميذ واللوح الأسود
- من أوراق معلم بالجنوب/ نواة تمرة 1989
- موكب الزيارة
- من ذكرى أبي / الجزء الثاني الدراجة الهوائية
- أوراق من يوميات معلم بالجنوب المغربي 1986
- من ذكرى أبي الجزء الأول الجدي الأجرب
- حوش المتعة
- خيانة
- رقصة في بيت العنكبوت
- النقابة بعد رحيل كيكيش
- هشام المطال وتقبيل أرجل نائب الوكيل
- ميدلت أون لاين في حوار مع السيد أحمد كيكيش نائب وزارة التربي ...
- حوار مع عبد القادر موعلي الكاتب الإقليمي للنقابة الوطنية للت ...
- حوار بوابة ميدلت مع عبد القادر موعلي الكاتب الإقليمي للنقابة ...


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي أحماد - صلاة فوق أريكة خشبية على الرصيف