أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حياوي المبارك - م(3)ركز 12047















المزيد.....

م(3)ركز 12047


عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4694 - 2015 / 1 / 17 - 00:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



هذا الجزء هو الثالث من مشاهداتي للأحداث المصاحبة لحرب الكويت، وسيكون هناك أخرى متوافقة مع أيامها، وهي ليست إلا شهادة واحدة من بين خمسة وعشرون مليون شهادة عراقية...
قد أتطرق لبعض المواقع والمعلومات، وهي وإن كانت حساسة بوقتها، لكنها اليوم إما أن تَغيّرت أو لم تعـُد بذي أهمية، كونها صارت مباحة ومعروفة.

مركــــ(3)ـــــز 12047

... كانت المهمة التي تنتظرني في بغداد محفوفة بمخاطر أكبر مما توقعْت، وفوجئتُ بأن عليّ العمل طيلة النهار في هدف مدمَر مسجل للعدو ومكشوف.
ولم يكن في أمر تنسيبي من مجال لالتقاط أنفاسي، فعلى وقع غارات الفطور كما أسميناها وبما تبقى من بنزين بسيارتي، ذهبت للالتحاق بمديرية المخابرة بأبو نؤاس مجاور المعهد الثقافي الفرنسي.
أشار إليّ جندي باقٍ هناك إلى موقع بديل، وهو بعيد جداً، في بناية مدرسة ابتدائية في الصليخ، هناك تمت مباشرتي وتبليغي بضرورة الإسراع بلقاء مدير عام الاتصالات، وكانت مهمة اليوم التالي تقتضي البحث عنه.
كان بقية الوقت في البيت ينقضي بسماع الأخبار والنوم الباكر في الطابق السفلي، وكنت وأخي (صلاح) نحتفظ (بصندوق جن)، وبينما نقوم بتحميل الماء لتانكي السطح من صنبور الحديقة ـ حيث كان لا يزال ينساب ضعيف ولم ينقطع بسبب قربنا من إسالة ماء القادسية ـ وبين مشوار وآخر، نقطف (نارنجة) من الحديقة، نعصرها و(نعمّر) بيك، يكون (باحتسائه) قد امتلأ الجردل...

في اليوم التالي وبعد بحث قصير، عرفتُ أن المدير العام يتواجد ببدالة العلوية، فذهبتُ لأجدها عبارة عن ركام، وللعلم فهي بناء جاهز (معدني) مكعب الشكل مهيأ لخدمات الاتصالات بطوابقه الخمس وسردابه (الشبكة)، وهو واحد من أربع بنايات متشابهة أنشأتها شركة إيطالية بداية الثمانينات، أما الثلاث الأخرى فهي ـ باب المعظم والأعظمية والصالحية ـ وقد دُمرت كلها في الأيام الأولى للقصف، وتم شل قطاع الاتصالات بشكل (شبه) تام.

لماذا (شبه) تام وليس تام ؟
ذلك لأن البدالات الخاصة (أربعة أرقام) وجزء من الكيبل المحوري، كونها ترتبط سلكياً، ظلت تعمل بالبطارية حتى النهاية.

كانت الطوابق الخمس تتمدد على بعض كأوراق كتاب، وهناك ثمة ممر أزيحتْ عنه الأنقاض يُرشدنا لدرج (بانخفاض) أربع طوابق تحت الأرض، لم يَطله صاروخ، توجد في نهايته قاعة صغيرة تحتوي على (عقدة) رئيسية للكيبل المحوري والذي كان يؤمّن الاتصالات بين ضباط من القيادة ببغداد وآخرين في الجبهة، وكان لي (شرف) رؤيتهم والاطلاع على الفوضى والارتباك والأسلوب القاسي و(السوقي) الذي يتعاملون مع ضباطهم به، ربما بسبب الشد والضغط النفسي الشديد.
إلا أنه قد كان أمامهم في الجبهة ضباط شجعان لا يهابوا الموت ولا يترددوا بتنفيذ الأوامر.

كانت مهمتي جاهزة من مديري العام...
ـ أخوية شتسوي جاي، أرجوك روح هاي ملايين الدولارات...
× × ×

إذاً كان عليّ إخلاء وإنقاذ ما يمكن من أجهزتنا في مركز اتصالات المأمون في ساحة النسور (مركز 12047) لمكان آخر، هو(بيتنا بحي القادسية) لقربه ولعدم وجود بديل !

خُصصت لي سيارة لاندكروزر و 15 لتر بنزين يومياً، وقمت بتفريغ غرفة الاستقبال، وبدأتْ مهمة (التفصيخ) والتنزيل والنقل في اليوم التالي.
كان أكثر ما يهمنا هو طابق 6 المدمر، وفيه مستودع الأجهزة الاحتياطية، وهي ذات قيمة مضاعفة في ظروف حصار ظالم، وكان صرف النقود لي مفتوح باستقدام عمال وبكشوفات بسيطة.
المهمة تبدأ صباحاً بتأجير عمال من البياع بـ 25 دينار للعامل، وكنت مع موظف فني (وهو معوق حرب إيران) نتعاون للسيطرة على العمل، أحدنا فوق (يفصّخ) ويوجه العمال، بينما الآخر تحت عند السيارة يشرف على تحميلهما.
ولم يكن يصلح بالبناية سوى سلم الطوارئ الجانبي وبشكل جزئي، حيث تملأه الأنقاض، فيما كانت أكداس الألواح المعدنية للطوابق تعمل مصائد لأنها تُغطي تحتها حُفر أحدثتها صواريخ قامت بفتح ثغرات لتسمح بدخول صواريخ أخرى تَعرف هدفها لتنفجر فيه بدقة متناهية.

كانت أجهزتنا من مناشئ إما فرنسية لشركتي تومسون وألكاتيل (فرضت مع صفقات الأسلحة) أو يابانية (أن إي سي)، وقد حصلَ الأمريكان من الإيطاليين أصحاب البناء على خرائط لطوابق المبنى، ومن الفرنسيين على زوايا أهدافهم المهمة، كأجهزة البدالات والتراسل الدولي، فنجحوا باستهدافها بدقة وبنقاطها المؤثرة.
وحقيقةً كان اليابانيون (أشرف قليلاً) من غيرهم في تسريب الأسرار!
قام قسم التراسل باستقدام حاوية كبيرة، وبدئوا يكدسون فيها ما يقومون بأخلائه، مما لفت انتباه عمليات رصد بالطائرات أو الأقمار، فقالت إذاعة (صوت أميركا) حينها ما مفاده...

((... بدأ فنيون عراقيون بإخلاء المواقع الحساسة في بغداد، ونقلها لمواقع بديلة، استعدادا لإعادة تشغيلها))!
× × ×

أستمر العمل متقطع لأسابيع، وهو محفوفاً بمخاطر تستدعي أن أودع أهلي كل يوم عند الصباح، لأننا لو كنا فوق أو تحت، يمين أو يسار، فنحن أهداف محتملة ولا يلعب في سلامتنا سوى الحظ، والحظ وحده!
بعد توقف العمليات العسكرية، كان الثمن قد دفع غالي جداً، فقد عدنا الى قبل شهرين دون أن يرفع الحصار ودون بارقة أمل، كان الفرق واضحاً بين ما كنا عليه... وأصبحنا فيه من دمار وبؤس وشقاء، نتخبط ونسير على أنقاض منجزات قمنا بنصبها وشدها مع الشركات الأجنبية خطوة بخطوة، فكلفت الدولة، المال والجهد والوقت!

كان لنا واجب مهم آخر هو تهيئة بدالة الصالحية المصابة جزئياً، بالنظر لأهميتها بالنسبة للحكومة، وفعلاً فبمنتصف آذار، أي بعد أسبوعين فقط من توقف القصف، نجحنا بإعادة الحياة لبعض خطوطها، مثلما نجح كادر الكهرباء في تشغيل بعض محطات التوليد، برغم أن ما حدث في الليلة الأخيرة للقصف وقبل ساعات قليلة فقط من بدء تنفيذ وقف إطلاق النار، حين قام الطيران المعادي بحملة مسعورة غير مبررة على الإطلاق، لإتلاف أبراج المرسلات ومحطات الكهرباء التحويلية للضغط الفائق، بأن أسقطَ شبكات حديدية تنصهر بمجرد ملامستها لأي جسم معدني.

ومع أن الحرب هي الحرب، وإلحاق أشد أذى هو غاية منشودة لكل طرف ضد الآخر، وهو ما كان على القيادة في العراق أن تأخذه بالحسبان، وليس المقامرة بمكتسبات شعب ومستقبله، لكن أمرين آخرين كانا يحدثان وقد لفتا نظري في تجربتي الخطيرة هذه...

أولهما أنه بينما كان أحد العتالين (الحمـّالين) ينزل وقد وضع على ظهره الصناديق الثقيلة، لاحظته يقف ثم يتكأ على الجدران السليمة بين الحين والحين وبشكل غريب، وحين راقبته قلقاً على وضعه، لاحظته يُخفي بيديه (مفك) يفتح بواسطته (سويجات وبلكات) من المبنى كانت لا تزال صالحة وعالقة بالحيطان، ثم يخفيها بجلبابه، فظهر أنه يفعل ذلك ليبيعها مساءاً على أرصفة (البياع)، في وقت كان الكل يسرع لمغادرة المبنى المهدد بالقصف أو الانهيار، وما كنا نعلم بأننا هل سننجو في الساعات القادمة... أم لا !

والأمر الثاني هو الأغرب والأدهى، فلم يكُن عَوق (زميلي) الموظف هو سبب استماتته بالبقاء تحت المبنى لاستلام المواد، ولا خوفه كما ظننتُ، لكن كشفتْ الأيام لاحقاً انه كان يَعزل عشرات الأجهزة القابلة للمتاجرة (كمواد التكييف والإضاءة) ويضعها بسيارته.
فبعد شهر وحين أعدنا المواد في عملية تجميع أشلاء مركزنا، لم يُعِد الرجل منها سوى (كومبرسر واحد و فان موتور وقاعدتي نيون) قائلاً بأن هذا كل ما تم إخلائه من هذه المواد وبالتالي فهي كل ما كان في بيته منها !

وكانت خلال فترة الأعمار اللاحقة، تباع مواد التكييف الاحتياطية ومواد الإنارة بأضعاف أثمانها، فقام الرجل (مشكوراً) ببيعها لنا من جديد على أنها مواد من السوق... وبأسعار (تفضيلية) !!
عندها شعرتُ لأول مرة، أن بلدي بدأ ينزلق، وأن الأخلاق ذهبتْ تحت وقع ضرباتهم، وأنهم أجادوا التصويب بضرب النفوس...

لكَ الله يا عراق، حتى وأنت غريق، ينهش العدو فيك... والصديق.
لك الله !

عماد حياوي المبارك ـ 1991

× بعد وقف أطلاق النار، تمكنت الكوادر الفنية من إعادة الحياة للمركز بعد عدة أشهر، وقد تخلينا عن البرج الأصلي الدوار الذي اُزيل بالكامل، وبقي ملتصق بالمبنى على يساره عمود كونكريتي مربع يحتوي سلالم الطوارئ التي لم تُدمر.
× المركز الذي تم أعماره في 1992، وهو أقل ارتفاعاً عما اُنشأ بالأصل، ثم تعرض للتدمير ثانيةً في قصف أمريكي عام 2003 شُلت خلاله الاتصالات بشكل مقصود من دون غيرها.

الجزء القادم سيكون في الواقعة الأليمة التي لا تُمحى من ذاكرة كل إنسان شريف، قصف ملجأ العامرية في ((13)) شباط .



#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جليكان مل (2) يان بالمجان
- خ(1)راب البصيّة
- (سِكس) طابوق
- الأمرأة التي تحب عمرها... وتعشق الحياة
- هل أنّ الشاعرَ موسيقارٌ؟
- أميريغو فسبوتسي
- أول مَن نطقَ (أحبكِ)... مجنون!
- مورفي... مورفي
- كارتير... بوري
- قوم الآنسة (بك كي)
- قضية أمن دولة!
- مجرد كلام قادسية الذبان
- صرخة الحبانية
- شمسنا الغالية
- دعوة سياحية
- غضب سانت هيلنز
- هل تخلع (أنتركتيكا) ثوبها الأبيض؟
- سيفن فل يُشهرْ
- جرذ... جرذين... جرذان
- عقول من تراب


المزيد.....




- وحدة أوكرانية تستخدم المسيرات بدلا من الأسلحة الثقيلة
- القضاء البريطاني يدين مغربيا قتل بريطانيا بزعم -الثأر- لأطفا ...
- وزير إسرائيلي يصف مقترحا مصريا بأنه استسلام كامل من جانب إسر ...
- -نيويورك تايمز-: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخ ...
- السعودية.. سقوط فتيات مشاركات في سباق الهجن بالعلا عن الجمال ...
- ستولتنبرغ يدعو إلى الاعتراف بأن دول -الناتو- لم تقدم المساعد ...
- مسؤول أمريكي: واشنطن لا تتوقع هجوما أوكرانيا واسعا
- الكويت..قرار بحبس الإعلامية الشهيرة حليمة بولند سنتين وغرامة ...
- واشنطن: المساعدات العسكرية ستصل أوكرانيا خلال أيام
- مليون متابع -يُدخلون تيك توكر- عربياً إلى السجن (فيديو)


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حياوي المبارك - م(3)ركز 12047