أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - عماد حياوي المبارك - قضية أمن دولة!















المزيد.....

قضية أمن دولة!


عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4687 - 2015 / 1 / 10 - 00:18
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


قضية أمن دولة !

وبينما الأخبار تتوالى علينا حول تحشد الأمريكان على حدود الكويت وأن موضوع هجومهم جاد، بدليل فتح ثغرات بالساتر الحدودي...
كان العام 2003 يدخل علينا كثيباً، يحمل لغة تهديد من (بوش) لا تبشر بالخير، يقابلها القيادة العراقية بلغة تحدي ـ كعادتها ـ لكنها هذه المرة جوفاء جداً حيث أمست بين كفتي كماشة من خيارين أحسنهما مُر، بين الهزيمة من العراق أو الهزيمة في العراق، تئن وتُصدر (جعجعات) فارغة لا حول لها سواها ...
تسخّن الموقف، وأرتبك الوضع، وترنّح السوق...
× × ×

رَجُلين ببدلات أنيقة وربطات عنق، أحدهما وقف مقابل محلنا واشار للآخر الذي دخله وجلس بعد أن ألقى علينا التحية، ليسأل (شريكي) بالعمل...
ـ حضرتك ( ... ) رجاءاً تفضل معنا بدون اعتراض أو أسئلة؟
لم ينتظر جواب حين أضاف: أحمل معك هويتك فقط، نحن من الأمن العامة !

لم يُجدِ استفسار عن السبب أو حتى السؤال عما لو ستطول فترة (استضافتهم) له، فمهمة الضيف (إلقاء) القبض فقط ولا يعلم بأي شيء آخر، وواجبه محدد جاء لأنه يعرف ضالته جيداً، وكان يتعامل بكل احترام ومهنيّة.
ودّعتُ صاحبي بنظرة استغراب تحمل مائة استفهام، فرافقهم بكل هدوء... ولم يعُد !

ذهبتْ كل محاولاتنا وتوسطاتنا وعلى مدى أسبوعين سُدى، حتى في الوصول إليه أو معرفة تهمته، فقط استطاع أحد رجال الحمايات ـ مقدم في المخابرات ـ أن يصل إليه فأوصاهم به، وقال بأن صاحبنا لم يُصب بأي أذى، وأن (تحقيقات) لا تزال تجري معه...
ولما سألته: ما الموضوع، ما التهمة، شعبة اقتصادية مثلاً ؟
قال: شغلته صعبة ... مسألة أمن دولة، كل ما أقوله، تصرفوا ومارسوا شغلكم طبيعي، ولا تخبروا زوجته !
× × ×

كان لشريكي ابن أخت شاب يسكن أطراف بغداد، يعمل بتصفية الفضة وغسل التراب، له صديق جندي بوحدة عسكرية مدرعة، وقد دفعا ـ هما الاثنان ـ رشوة لحرس باب النظام من أجل نقل أنقاض بطاريات مستهلكة خاصة بالدبابات والناقلات، طمعاً بتصفية ألواحها واستخراج فضّتها، إلا أن أحد الجنود وشى بهم لدى حضيرة الاستخبارات.
أضطر المسكين، تحت ضغط تهمة أخرى ملفقة تتعلق بأمن الدولة، يدّعي بأنه إنسان غبي وان (خاله) هو من نصحه بتجميع البطاريات وتصفيتها للاستفادة من ألواحها، وموله لهذا العمل بالنقد اللازم !
إلا أن دائرة الاستخبارات ـ الشعبة السادسة ـ توقعوا حسب تقارير (موثوقة) بأن الغاية من جمعها هو أن بقايا سوائلها المركزة تحوي مواد ـ ممكن ـ أن يُصنّع منها... متفجرات !
× × ×

لن أقـُل عن الشاب ـ لأنني أعرفه جيداً ـ أنه حسن السلوك، بالعكس كان مريب وكنا لا نثق به داخل المحل، وربما كان ذلك احد دوافعه لاتهام خاله، دون أية علاقة للرجل بهذا الأمر!

لست ادري لليوم مدى صحة استنتاجهم وكيف بنوه، وكيف أن محاولة سرقة (غبية) تنعطف هكذا، لكن وللأمانة التاريخية والوظيفية، أقول بأن التحقيق مع شريكي بحسب ما قصه علينا لاحقاً خلال فترة (استضافتهم) له، والذي لم تتخلله سوى جلستي تحقيقات، لم يلمسه أحداً بسوء ولم يتعرض سوى للضغط النفسي...
(أقتنع) المحقق بسرعة وبموضوعية أن المسألة لا تخص صاحبنا مطلقاً، والمسألة هي أصلا عملية سرقة أو تهريب أنقاض طمعاً ببعض غرامات الفضة، كما أن التقارير فحص البطاريات قالت بأنه لم يتبقَ فيها أية سوائل أصلاً، وان الشابين ساذجين وأغبياء !

لم يُمس صاحبي بأي أذى، وكانت تصله وجبات طعام منتظمة في غرفة حبسه، ورغم أن المكان كان انفرادي، إلا أن الحرس كانوا يلتقون به ويوفروا له متطلباته واستبدال ملابسه واستحمامه بدون مقابل وبمهنية، وكان فقط غير مسموح له الاتصال بالعالم الخارجي، وقد التقى بمحققه باحترام وأجلس على كرسي، فقط كان معصوب العينين.

لم أصدق أنا شخصياً أن محققه بهذه الدرجة من النزاهة والرزانة حتى زارنا وشاهدناه ـ أنا وشريكي ـ لأول مرّة، وحينها قد تردد كثيراً جداً بقبول هدية ذهبية بسيطة لزوجته تقديراً لحسن تعامله وإنصافه الحق.
× × ×

خرج شريكي قبل يومين أثنين فقط من الهجوم الأمريكي، قال للمهنئين بسلامته أن رَجُلي الأمن قد ربطوا عينيه قبل دخوله المبنى، وأيضاً لدى خروجه حين نقلته سيارة أجرة للباب الشرقي حيث اُخلي سبيله هناك...
كان الراديو يُذيع أطلاق (بوش) تهديده ذي الثمان وأربعون ساعة، فصار ارتباك بالسوق، حملنا الحلال وغادرنا محلاتنا، وتركنا قاصاتنا مُشرعة الأبواب... فارغة !

من يدري هل جيوش (بوش) كانت تبحث عن السلاح الكيماوي الذي كان قابعاً بهذه البطاريات، والتي أضحت بعد أيام من الهجوم في متناول تجار الخردة على ناصية الطرق؟

ربما في هذه البطاريات يكمن السلاح الكيماوي (الفتاك) الذي دوّخ المفتشين ثلاثة عشر عام !

لقد كان أشد ما يقلقني على شريكي خلال فترة غيابه، ولكونه رجل نزيه ومعروف في شارع النهر، أننا جميعاً لم نرتكب أية مخالفة، ولو لم تَسِر الأمور بشكلها الجيد هذا، وانه تأخر بتوقيفه فقط يومين لاحقين، لكان هو من أول الأهداف التي دكتها الطائرات في سعيها لتدمير السلاح... النووي والكيماوي !

أما (الأخ) صاحب الصفقة التجارية، فلم أتابع إخباره، وربما يكون الآن يقرأ سطوري هذه من إحدى الدول، وهو يدعي أنه كان موقوف ومظلوم سياسي مثل غالبية الذين ولدوا مناضلون بعد سقوط النظام بالعراق، كمناضلاً يُشار له بالبنان!

أنا اليوم، لا أرغب بتتبع أخبار هذا الشاب ولن أشير إليه ولا حتى أفكر بأهانته من خلال الإشارة إليه، لأنه وان كان فعل السرقة يرجع عليه، فإلقاء تهم على الغير ومن أهله، إنما غاية الجُبن والانحراف... والسقوط !

عماد حياوي المبارك

ملاحظة :
× لأن هذه الحادثة واقعية بحذافيرها، فقد حاولتُ تسليط الضوء عليها لأنها كان ممكن أن تحدث ـ في العراق ـ لأياً منا، وقد تجنبتُ أن اقترب أكثر من شخوصها بأسمائهم.
× لست ضابط مخابرات ولست بعثي صدامي أو غير صدامي، إلا أن الحق يقال بأن سلوك منتسبي الأمن هؤلاء كان مهني بحت، وكانوا على قدر كبير من السرية التي لم نستطع وبكل ما أوتينا من (وساطات) بأن نخترقهم مملكتهم، أقولها للأمانة وللزمن ... ليس إلا.



#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجرد كلام قادسية الذبان
- صرخة الحبانية
- شمسنا الغالية
- دعوة سياحية
- غضب سانت هيلنز
- هل تخلع (أنتركتيكا) ثوبها الأبيض؟
- سيفن فل يُشهرْ
- جرذ... جرذين... جرذان
- عقول من تراب
- طوكيو تحت الصدمة
- وصيّة البابا البطران
- طليان
- صغيرة على الحب
- هدم زبناء
- حياة متألقة ووفاة هادئة
- الورث الذي سأتركه
- أغضب ... كما تشاء
- المايسترو
- الرجل الذي يعرف قدر نفسه
- الغزو مستمر


المزيد.....




- کنعاني: لا يتمتع المسؤولون الأميركان بكفاءة أخلاقية للتعليق ...
- المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة: روسيا في طليعة الدول الساع ...
- مقر حقوق الإنسان في ايران يدين سلوك أمريكا المنافق
- -غير قابلة للحياة-.. الأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد ت ...
- الأمم المتحدة تحذر من عواقب وخيمة على المدنيين في الفاشر الس ...
- مكتب المفوض الأممي لحقوق الإنسان: مقتل ما لا يقل عن 43 في ال ...
- مسئول بالأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد تستغرق 14 عاما ...
- فيديو.. طفلة غزّية تعيل أسرتها بغسل ملابس النازحين
- لوموند: العداء يتفاقم ضد اللاجئين السوريين في لبنان
- اعتقال نازيين مرتبطين بكييف خططا لأعمال إرهابية غربي روسيا


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - عماد حياوي المبارك - قضية أمن دولة!