غضب سانت هيلنز

عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)

الحوار المتمدن-العدد: 4683 - 2015 / 1 / 6 - 15:25
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
    

غضب سانت هيلنز

Volcano Mt St. Helens بركان جبل سانت هيلنز

عندما تقف إمكانيات البشر عاجزة أمام غضب قوى الطبيعة، ولمّا يجد البشر كل الأبواب موصدة وليس من منفذ أمامه، يتجه الى العبادة وإلى أضعف الأيمان.
ومهما يتطور العلم ويسنِد بمخترعاته قدراتنا، نبقى عاجزون في مجابهة غضب الطبيعة... إعصار أو بركان أو هزة أرضية أو فيضان وتسونامي...
وبينما يتجه العلم والعلماء لدراسة هذه الظواهر وقياسها عند حدوثها من أجل الإنذار المبكر مستقبلاً لتجنب خسائر أكبر، يقوم آخرون بالصلاة لله والدعاء، ليس بسؤاله رد القضاء وإنما اللـّطف فيه.
وانْ كان للبشر وحيواناتهم ببعض الأحيان متسع الوقت للفرار، فإن بيوتهم وأشجارهم تبقى واقفة بانتظار مصير مجهول، فيقوم أصحابها بتعليق (التعاويذ) لدرء ما هو أسوء، وهو ما فعله أحد المزارعين اليابانيين بوضع (تميمة) على باب مزرعته، علها تدفع أمواج تسونامي ظالمة بارتفاع ستة أمتار، تحمل وبكل قسوة الدمار والخراب !
× × ×

في 18 مايس عام 1980 قام الجيولوجي الشاب الدكتور (دافيد جونسون) بإرسال نداء لاسلكي أخير للقاعدة الخلفية لفريق البحث بعد أن غلـّفت سحابة من الرماد البركاني الأجواء من حوله حيث كان هو الشخص الأقرب ـ فقط خمسة أميال ـ من عين (فوهة) بركان (سانت هيلنز) ليقول وبصعوبة بالغة ...
((أنا لا أستطع أن أرى ولا أن أتنفس... إنني أختنق))
بعد ذلك بأيام وحين انقشعت سحابة البركان وُجدَ ميتاً وقد غطته طبقة رُكام الرماد البركاني بسمك أكثر من قدم، رماداً أنتشرَ حول الجبل بقطر أربعون ميل !
كان هذا العالِم قبل أشهر ـ في أيلول من عام 1979 ـ أول من لاحظ ومرّر معلومة شديدة الغرابة لم يألفها جيولوجيو الفريق البحثي ـ الذين راقبوا الجبل (سانت هيلنز) حين أعطى أولى مؤشرات ثورانه ـ فأخبرهم بأن أجهزته تسجل وبشكل غريب جداً، (تورّم) غريب بأرتفاع 176 متراً بكتف الجبل الشمالي !
توالت البحوث والقياسات لمعرفة مدى الضغط الداخلي الهائل الذي يتعرض له الجبل ليتسبب باستمرار نمو هذا النتوء، لكنهم لم يتوقعوا هكذا انفجار هائل (كقنبلة هيدروجينية) سُمع على بعد مائة ميل ولفظ أبخرة وغازات و(أحجار) لارتفاع عشرات الأميال.
كانت السوائل في باطنه قبل دقائق من انفجاره قد تحولت بفعل الحرارة لأبخرة وضغطت بشدة على أسفل الصفيحة الواقعة بقاعدة الجبل، فهشمت بلحظة واحدة في مشهد مَهيب لغضب الطبيعة !
ومع أنهم طلبوا إخلاء المنطقة قبل الأنفجار بفترة، لكنهم تفاجئوا بشدته وسرعة ثورانه وبلوغه الدرجة القصوى كواحدة من أشد وأسرع البراكين المسجلة في التاريخ.

وبرغم أن الجبل يقع ضمن سلاسل جبال (روكي) بولاية (واشنطن)* في الغرب الأمريكي لكن سحابة الدخان وصلت إلى الجانب الشرقي بعد أسبوعين، وغطت الكرة الأرضية في شهرين، وحُجب الطيران فوق الولاية لما يشكله الرذاذ البركاني من خطر إتلاف المحركات النفاثة.
كما قضت السوائل والحُمم والأبخرة على ملايين الأسماك في الأنهار والبحيرات وعلى ألوف حيوانات الجبل وطيوره، وقـُـتلت أيضاً مئات النمور النادرة والدببة، واحترقت أخشاب غابة تكفي لبناء ثلاثون ألف بيت !
× × ×

لنأخذ فكرة عن البراكين :
يبدأ ـ نوعي ـ الانفجار البركاني بسلسلة هزات بباطن الجبل بسبب عملية الضغط الشديد على القشرة الأرضية من قبل الحمم المنصهرة القريبة من مناطق النشاط البركاني...

النوع الأول: يتم الضغط على صفيحتين بقشرة الأرض ملتصقتين ببعض، وإذا ما زاد الضغط عليهما، تنزلقان لتسمحان بمرور الحمم للأعلى، ويحدث في هذه الحالة أن تتصاعد الحمم من باطن الأرض وتزداد تدريجياً حتى تصل لأقصى حالاتها ثم تخف وبالتدريج أيضاً، وممكن أن تستمر نشطة وغير خطيرة لسنوات كون نشاطها معروف ولو انه غير محيّد.
والنوع الثاني وهو الأخطر: تتواجد نقاط ضعف في الصفيحة الأرضية بعمق الجبل، فتتهشم نتيجة الضغط الداخلي الشديد بصورة مفاجئة وتنفجر، وتكون بهذه الحالة مؤثرة جداً كما حدث بجبل (سانت هيلنز).
في عملية دراسة شدة النشاط البركاني، يبدأ الباحثون بمراقبته من خلال الاهتزازات على سطح الأرض وكذلك من قياس حرارة الأبخرة المتصاعدة وتركيز الغازات فيها، ويُستدل من شدة سخونة الأبخرة على الحرارة تحت الجبل والتي ستـُذيب القشرة الأرضية وتحيلها لسوائل، لكن كميتها لا تعطِ مؤشراً لحجم الانفجار، لأن رطوبة التربة وكمية الثلوج والأمطار تؤثر في قياساته. ونوع الغازات المنبعثة بالجو والذائبة بالماء تـُـفيدنا في تحرير تقارير تحدد لنا نوعية البركان ومدى خطورته.

ربما سائل يقول: ما الذي دفع عالم كبير كـ ـ دافيد جونسون ـ الاقتراب من فوهة البركان رغم أن هذا الأمر يعرّضه هو وعلماء البراكين للخطورة ؟
والجواب ان النتائج التي تتأتى من فحص المياه المتسربة حال خروجها من تحت الأرض، والتي يمكننا الحصول عليها كلنا زاد الاقتراب أكثر منها قبل انتشارها وتسربها، أعطى تحليلها قراءات أدق وذات مصداقية أكثر...
× × ×

قبل أن ينفجر (سانت هيلنز) كان بركاناً خامداً تغطيه الثلوج، يرسل للعلماء إشارات تحذيرية يقول...
(إني هنا شامخاً جباراً، لا تستهِنوا بقوتي)
لكن ما ظهر، أنه هو الأخر كان ضحية لاستعراض قوى الطبيعة، وهو بذلك ليس بجانٍ على الضحايا عليه ومن حوله وإنما مجني عليه كحالها، فقد شوّهه الانفجار وأذل كبرياءه وطمس شموخه، لتُخبرنا الطبيعة من خلاله بأن لا سلطان على الأرض إلا أرادتها هي.
فقد تغيرت ملامحه وكسته طبقات جديدة بغضون ثلاث ساعات ما كان لتتكون إلا بمرور ملايين السنين، وزادت وعورته وشقت أنهار وبحيرات جديدة ووديان جديدة وطُمرت أخشاب ستتحول بفعل ضغط وحرارة باطن الأرض لوقود حيوي (فحم أو نفط) بعد ملايين السنين.
× × ×

إننا كمخلوقات ومهما كبر حجمنا أو زاد ذكائنا وعلمنا، نقف عاجزون عن مجابهة غضب الطبيعة، هزات أرضية وفيضانات وأعاصير وبراكين...
ولما وجد الإنسان نفسه وقد عجز أمامها وقلـّتْ حيلته، التجأ في الماضي للآلهة والى الخرافات ونحر الأضاحي.
ومع أن لكل فعل رد فعل محسوب ومتزن، لكن في هكذا أحداث فوق طاقتنا، تنعدم إمكانية درئها،ولم يبقَ إلا القليل مما يمكننا فعله، إما بالصلاة أو بالشعوذة والسحر، لأننا نجد أن البشرية وعلمائها لا يقدمان شيئاً سوى دراستها والتحذير من أذاها، وصك الأسنان وعظ الشفاه ... ليس أكثر !

عماد حياوي المبارك

× ولاية (واشنطن) تقع بأقصى شمال غرب الولايات المتحدة، ولا علاقة لها بمدينة واشنطن (دي سي) العاصمة.
× السحابة الهائلة كانت بارتفاع 15 ألف قدم، وطاقة الانفجار تعادل 300 قنبلة ذرية نوع التي دمرت هيروشيما !
× صورة الأقمار الصناعية للجبل قبل وبعد الانفجار، تعطينا بوضوح كيف تغيرت تضاريس الجبل وما حوله، طمرْ أنهار وبحيرات وولادة أخرى.
× جرت الحمم البركانية كالأنهار لعدة أميال ولتحوّل آلاف الهكتارات من الغابات لرماد.

http://www.youtube.com/watch?v=GStPBfSH05k

× قبل خمسون عام كنـّا نُجري القياسات بواسطة المسطرة.
واليوم يَجري قياس ثورة البراكين بجهاز (تريو) عن طريق الأقمار الصناعية، وتـُرسل المعلومات مباشرة لحواسيب تقوم بالمقارنة وتُنشر المعلومات والتحذيرات على شبكة الانترنيت ليتمكن ملايين البشر مراقبتها لحظة بلحظة.

#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل