أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باسم الهيجاوي - ذات ليلة في كانون














المزيد.....

ذات ليلة في كانون


باسم الهيجاوي

الحوار المتمدن-العدد: 1312 - 2005 / 9 / 9 - 07:36
المحور: الادب والفن
    


داخل زنزانة عفنة .. يستلقي على بُرشِه .. يحدّق بتلك الكوة الصغيرة التي تضيء السقف ببخل وتقتير .. يستعرض في داخله ألوان الواقع .. يتململ على بُرشه .. تصطدم يده بوعاء قذر .. كان لزاماً عليه أن يقضي فيه حاجته .. تخترق أنفاسه رائحة نتنة .. يقف .. يفقد القدرة على تلمس اتجاهه .. يقدح زناد الفكر .. كأنه وسط حلم..
لم تكن المرة الأولى التي يسجن فيها .. فقد قضى عامين في سجن " الجنيد " .. وستة أشهر أخرى في سجن " النقب " .. وها هو يعود إلى الحرية التي تصادرها رطوبة الجدران .. وتطاردها هراوة السجان ..
تتكور قبضته .. يتوقف عن الدوران حول نفسه ..
ـ متى تحين خاتمتهم .. هؤلاء الذين تقيأوا ضمائرهم ؟
يحدث نفسه حين يسمع صلصلة المفاتيح وهي تتأرجح في يد السجان .. يضرب بقبضته باب الزنزانة ..
ـ يا شاويش .
تفتح النافذة الصغيرة في أعلى الباب الحديدي متعدد الطبقات .. يطل السجان بوجهه المكفهر ..
ـ " شو في عم تصرخ " ؟
ـ " بدي ولعة " .
ـ " طيب .. مرة ثانية بتنادي بصوت واطي .. مفهوم ؟ خذ هاي ولعة " .
ـ " بس الأربع ( خنتريشات ) مخصص اليوم خلصو " .
يشتعل وجه السجان غضباً .. يغلق النافذة وهو يصرخ في غيظ ..
ـ " لما بصير معاك سجاير بتطلب ولعة يا ابن الشر ..... "

عاد يستلقي على برشه .. يدفن رأسه بالبطانية عله يقلل من حدة الصدام مع هذا الواقع .. تستنفر انفاسه رائحة البطانية النتنة .. يكشف عن وجهه .. يصطدم بصره بالسقف .. يحدق بتلك الكوة التي تضيء السقف ببخل وتقتير ..
* * *
وقف خلف شبك الزيارة يترقب .. يتصفح الوجوه .. رأى والده .. لوح له بيده .. كانت معه .. جاءا يحملان القرية بأعشابها المتطاولة .. " تصافحت " رؤوس الأصابع من خلال فتحات الشبك الصغيرة المربعة .. ابتسم واغرورقت عيناه بالدموع .. جذب كرسيه والتصق بالشبك .. اشعل لفافة تبغ " بفلتر " .. قال وقد مسح بقايا دمعة عن طرف فمه ..
ـ وكيف حالكم ؟
ـ بخير يا ولدي .. وهل أنت بخير ؟
ـ بخير .. الحمد لله ..
ـ قدرنا .. هذا قدرنا يا ولدي .. أنتم في الداخل ونحن في الخارج .. والسجن واحد .. نظر اليها .. قالت ..
ـ بخير ..
وحاولت إخفاء دمعة تدحرجت رغماً عنها ..
ـ أنظري ماذا صنعت لك .
قال سعد .. وأخرج من جيبه ميدالية صغيرة مصنوعة من بذرة الأفوكادو ..
ـ ما هذا ؟ قالت .. وقد جففت الأثر الأخير للدمعة التي تدحرجت رغماً عنها ..
ـ ميدالية .. صنعتها لك .. قال سعد .. وأخرجها من فتحة الشبك الصغيرة ..
ـ جميلة .. تسلم لي ..
وأطرقت تتمتم ما كتب عليها " حبيبان نحن إلى أن ينام القمر " وحرف ( s ) .. نظرت إليه .. ابتسمت .. وأطرقت باستحياء ..
نظر إلى والده ..
ـ وكيف حال أمي ؟ لماذا لم تحضر لزيارتي ؟
ـ أمك بخير .. وتعذبنا حتى عرفنا في أي سجن أنت .. ماذا حصل ؟
ـ أعتقلت عن الجسر .. والتهم كثيرة .
نظر اليها .. وأكمل ..
ـ وأنت ماذا حصل معك ؟
قالت .. وأصبعها ممدودة من فتحة الشبك ..
ـ التحقت بجامعة بيرزيت .. وسأتخرج بعد أربع سنوات ..
ـ لا بأس ..
تابع حديثه بابتسامة ..
ـ ربما نتخرج معا .. أنت من جامعة بيرزيت وأنا من جامعة الألم ..
ابتسموا معاً .. رغم أنف السجان الذي وقف خلفه .. يتابع تحركات الجوارح والكلمات .. خاصة وأنه لم يستأذنه لإخراج الميدالية ..
لفت انتباهه بكاء سيدة تزور جاره .. قال محاولا تهدئة خاطرها ..
ـ لماذا البكاء يا خالة ؟
ـ قل لها .. قل لها يا سعد .. ألسنا بخير ؟
قال كمال جاره ورفيقه في غرفة السجن ..
ـ أهي والدتك يا كمال ؟
ـ نعم .. وهذا والدي ..
وأشار إلى عجوز يقف خلف السيدة .. يمسح الدموع التي تتسلل من عينيه ..
ـ أهلا .. قال سعد .. وتأكدوا أننا بخير رغم كل الظروف ..
ـ الله يقويكم يا بني .. ويبقيكم بخير .. قال العجوز .
نظر سعد إلى والده .. وأشار إلى كمال ..
ـ هذا كمال رفيقي في الغرفة من الخليل ..
نظر إلى كمال ..
ـ وهذا والدي يا كمال .. وهذه خطيبتي سلمى ..
ـ أهلا تشرفنا .. قال كمال .
دق الجرس معلنا انتهاء الزيارة ..
ـ بلغوا سلامي للجميع .. للجيران .. لأصدقائي .. ولا تنسوا إحضار الصور في الزيارة القادمة .. خلي أمي تزورني .. و ...
شده السجان بقوة ..
* * *
فاصطدم بصره بتلك الكوة التي تضيء السقف ببخل وتقتير .. سمع صلصلة المفاتيح وهي تتأرجح في يد السجان .. تأوه بعمق ..
ـ آه .. يا سنبلتي المنصوبة في عرض الريح .





#باسم_الهيجاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السجن ليس لنا
- صور ملونة
- موعد في الظل
- العصافير التي لم تأت بعد
- خصب الواعيد - في ذكرى استشهاد أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير ...
- عذراء توركانا
- اشتعال الرخام
- جسر الياسمين
- فراشات الزهر البري
- مرج ابن عامر
- الستارة السوداء
- أجمل الأمهات
- حديقة الزقاق القديم
- غزالة الوسواس
- سدنة الاحتفال الأخير
- حكاية مخيم اسمه جنين
- حين تبكي فاطمة
- من مذكرات عاطل عن الفرح 1
- عصفورة الجليل


المزيد.....




- في وداعها الأخير
- ماريو فارغاس يوسا وفردوسهُ الإيروسيُّ المفقود
- عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني ...
- شعراء أرادوا أن يغيروا العالم
- صحوة أم صدمة ثقافية؟.. -طوفان الأقصى- وتحولات الفكر الغربي
- غَيْرُ المَأسُوْفِ عَلَيْهِم -
- وفاة الفنان العراقي عامر جهاد
- غَيْرُ المَأسُوْفِ عَلَيْهِم
- غَيْرُ المَأسُوْفِ عَلَيْهِم .
- الفنان السوداني أبو عركي البخيت فنار في زمن الحرب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باسم الهيجاوي - ذات ليلة في كانون