أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر الكعبي - أم غاوية 10














المزيد.....

أم غاوية 10


حيدر الكعبي

الحوار المتمدن-العدد: 4692 - 2015 / 1 / 15 - 07:22
المحور: الادب والفن
    



أم غاوية

10

(ملاحطة: شكراً للأصدقاء الذين اقترحوا علي كتابة المزيد من هذه الحكايات.)

كان الضباب الذي يلف المرئيات يزداد كثافة في نظر أم غاوية. صارت تستعين بيديها أكثر فأكثر في التعرف على الأشياء. أما سمعها فأصبح أثراً بعد عين. صرتُ أضطر للصراخ لإسماعها. واختلطت الأمور في ذهنها والتبست وتشوشتْ، ولم تعد تميز بين الواقع والخيال، ولا بين الماضي والحاضر. وأقنعتْها أمي بعد إلحاحٍ بالسكن معنا في شارع الكويت. كانت المرةَ الأولى التي تتخلى فيها عن استقلالها منذ قدومها الى البصرة أيام الحرب العظمى. وذات ظهيرة صيفية كنت عائداً من المدرسة متعباً جائعاً، فطرقتُ باب البيت فلم يُفتحْ. فطرقتُ ثانية وثالثة ورابعة فلم يُفتحْ. فرُحْتُ أصفع الباب براحة يدي كالمجنون حتى أدميتها، وحتى لفتُّ أنظار الجيران والمارة. ومن خلال شق بين ضلفتي الباب كنت ألمح شبح جدتي في منتصف باحة الدار على مسافة ذراعين فقط من الباب. فوضعتُ كتبي المدرسية على الأرض، وتراجعت قليلاً ثم اندفعت نحو الباب وركلتُه بشدة، ثم أعدتُ الكرّة، وفي المرة الثالثة انخلع المزلاج الذي يربط الضلفتين وانفتحتْ إحداهما. فدخلتُ لاهثاً متعرقاً، ورأيت جدتي في ذات النقطة التي رأيتها فيها من خلال الشق. لم تتحرك أنملة. كانت تقف دون حراك تحت الشمس اللاهبة. وامتزج الحزن بالغضب في صدري. أحزنني أن أرى جدتي تعيش في عالم آخر، فكأنها جثة حية. وكأن طَرْقي وصراخي، وكسْري البابَ ودخولي غاضباً وتصببي عرقاً— كل هذا لم يكن يعنيها، ولم يحرك ساكناً فيها. ووجدت نفسي أصيح بها: "شتسوين هنا واكفة بالشمس؟" بدت كأنها تسمع صوتي آتياً من أقاصي الدنيا. قالت: "ها ..؟" فرفعتُ عقيرتي بالصراخ: "شتسوين هنا؟" ردت بصوتٍ مرتعش: "يمه غير ناطره العروس؟" فهتفت مستغرباً: "يا عروس؟!" فلم تسمعني. فكررتُ السؤال صارخاً: "يا عروس؟" فقالت: "ها ..؟" ووجدتُني أنفجر زاعقاً في صراخ هستيري: "يا عرووووووس؟ مال (...)؟" وأفلتتْ كلمةٌ قبيحة من فمي، ولم يعدْ في الإمكان إرجاعُها، ودعوتُ الله ألا تكون قد سمعتْني. لكن لا. لقد سمعتْ. فقد رأيتُ هذا في ارتجاف شفتيها، وفي البريق المفاجيء الذي ومض في عينيها أو في ما تبقّى منهما، وفي امتقاع وجهها وعجْزِها عن الكلام وارتجافِ جسمها كله ارتجافاً لا يلحظه إلا من عرف أم غاوية معرفتي. وشعرتُ بالكآبة والندم يحطان على رأسي، وبالرغبة في البكاء. لكنني حافظت على تجهمي وعلى رباطة جأشي، فهكذا علمني أبي— أن البكاء للنساء. وتذكرتُ فجأة أن كتبي مازالت في الشارع، فعدتُ والتقطتها أمام عيون الجيران الفضولية، واتجهت الى غرفتي متحاشياً نظرات جدتي. ولاشك أنني كنت أبدو في عينيها ملفوفاً بالضباب.



#حيدر_الكعبي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أم غاوية 11
- أم غاوية 9 (خاتمة)
- أم غاوية 8
- جدي الذي قتل الأسد
- عن قصيدة -نهير الليل- لعلي أبي عراق
- الكابوس
- الإستجواب
- دعوة الى جمع شعر الشعراء المعدومين
- وداعاً منقذ الشريدة
- أم غاوية 7
- أم غاوية 6
- أم غاوية 5
- أم غاوية 4
- أم غاوية 3
- أم غاوية 2
- أم غاوية 1
- توطِئة - أوكتافيو باث
- بصرة عام 11 (الحلقة الرابعة)
- بصرة عام 11 (الحلقة الثالثة)
- بصرة عام 11 (الحلقة الثانية)


المزيد.....




- أسلك شائكة .. فيلم في واسط يحكي عن بطولات المقاتلين
- هوليوود مصدومة بخطة ترامب للرسوم الجمركية على صناعة السينما ...
- مؤسسة الدوحة للأفلام تعزز حضورها العالمي بـ8 أعمال في مهرجان ...
- أدّى أدوارًا مسرحية لا تُنسى.. وفاة الفنان المصري نعيم عيسى ...
- في عام 1859 أعلن رجل من جنوب أفريقيا نفسه إمبراطورا للولايات ...
- من النجومية إلى المحاكمة... مغني الراب -ديدي- يحاكم أمام الق ...
- انطلاق محاكمة ديدي كومز في قضية الاتجار بالجنس
- ترامب يقول إن هوليوود -تحتضر- ويفرض رسوما بنسبة 100% على الأ ...
- حرب ترامب التجارية تطال السينما ويهدد بفرض الرسوم على الأفلا ...
- وفاة الفنان المصري نعيم عيسى بعد صراع مع المرض


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر الكعبي - أم غاوية 10