أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ناجح شاهين - نساء اف.ام والفردية الليبرالية لتفسير الاقتصاد














المزيد.....

نساء اف.ام والفردية الليبرالية لتفسير الاقتصاد


ناجح شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 4681 - 2015 / 1 / 3 - 12:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




ليست النوايا الطيبة سبباً كافياً لكي يكون العمل طيباً بالفعل. ومهما حسنت النوايا فإنها لا تجعل القول أو العمل لبنة في بناء التغيير الجدي الثوري. المهم موقع القول أو الفعل مما يجري على الأرض.
كنت أستمع إلى برنامج لمحطة إذاعية محلية خفيفة الظل اسمها "نساء اف.ام." ولدهشتي كان هناك امرأة شابة، على الأرجح، تتحدث عن أسباب عدم نجاح عدد كبير من الفلسطينيات والفلسطينيين في الحصول على عمل لائق، أو وظيفة محترمة، أو مصدر دخل دائم ...الخ وفي هذا السياق أبدت المتحدثة أسفها لأن معظم الفلسطينيين لا يمتلكون مؤهلات الشخصية التي تجعلهم قادرين على "النجاح".
فجأة تنحل عقدة الفلسطينيين الذين طالما تغنوا بأنهم عمروا الخليج وأنهم مسؤولون عن خمسين في المائة من الاختراعات العلمية التي تتحقق في شمال العالم، وأنهم يختلفون عن إخوتهم العرب في الموهبة والمهارة والقدرة على الإنجاز. ويظهر أن العكس هو الصحيح: الفلسطيني لا يجد عملاً في بلاده لأنه لا يتقن مهارات "الشخصية" اللازمة للنجاح. هكذا إذن يصبح جيش البطالة المتنامي مسوغاً بعناصر وملكات شخصية يفتقر إليها الفلسطيني على وجه العموم.
لأغراض الجدل دعونا نفترض أن هناك ألف فرصة عمل في مناطق السلطة، بينما يوجد مئة ألف شخص يبحثون عن عمل، هل يمكن مهما فعلنا لتحسين مهارات هؤلاء العاطلين وتطوير "مواهبهم" الشخصية أن نشغلهم جميعاً، أم أن فرص العمل مستقلة عن عبقرية الأفراد ومزاياهم؟ الجواب الواضح بالطبع هو أن فرص العمل لا علاقة لها بالفرد، وإنما ببنية الاقتصاد ووضع سوق العمل. ولذلك فلو افترضنا أن هناك خمسة علماء ذريين في رام الله، فإن أحداً منهم لن يتمكن من الحصول على فرصة عمل بسبب عدم وجود مفاعلات نووية في البلاد. ولا بد أننا لو عملنا بنصيحة "الخبيرة" المستضافة في "نساء اف.ام." وحاولنا تطوير شخصياتهم فإن النتيجة تظل هي هي: لا يوجد فرص عمل لعلماء الذرة في مناطق السلطة الفلسطينية.
إذن ما الذي يمكن أن نستفيده من فكرة الشخصية وقدرتها على التكيف مع الواقع ....الخ؟ الاستفادة أيديولوجية محضة: إن فشل الفرد في الحصول على العمل هو أمر يخصه، ولا يخص بنية الاقتصاد الكلي، وبالتالي علينا أن نبحث عن حل للبطالة في تدريب الأفراد وليس في الثورة على علاقات الإنتاج التبعي القائمة. علاقات الإنتاج وما يتصل بها من بناء اقتصادي لا يبني صناعة ولا زراعة ويكتفي بالريع المالي السياسي المحدود تماماً ببعض التمويل الذي يأتي للسلطة ومنظمات الأنجزة كلهم أبرياء من دم العاطلين عن العمل الذين يجب أن يتعلموا قلع أشواكهم بأيديهم. لكنهم، ونحن معهم، لا نجد الوصفة السحرية لذلك.
في الولايات المتحدة تسود فكرة مسؤولية الفرد عن مصيره وعن وضعه سيادة كاملة. وهي أيديولوجية تسهل على الطبقة السياسية والاقتصادية الحاكمة أن تغسل يدها من هموم الهائمين في الشوارع ومن هموم التأمين الصحي، وجوع الجائعين، وبطالة العاطلين عن العمل، وصولاً –مثلما فعل جورج بوش الابن- إلى طرد المرضى النفسيين من المصحات الحكومية لكي يتحملوا مسؤوليتهم الفردية. عندما سألت عجوزاً كانت في حملة أوباما الأولى إن كان الرجل سيقضي على البطالة وينهي ظاهرة المشردين في الشوارع، قالت بدهشة: "ولكن ما علاقة أوباما بذلك؟ ذلك شأنهم الخاص." ثم أردفت إن على منظمات المجتمع المدني وأهل الخير من أمثالي أن يساعدوهم. أرأيتم؟ إن مذهب الفردية يخلي مسؤولية الدولة والطبقة المسيطرة التي تنهب الناس من مسؤولية مطالبتها بتحمل بعض العبء الناجم عن إطلاق يدها لنهب المجتمع وتركيز ثروته في يد حفنة صغيرة. وهذا هو ما تحاول الأجهزة العاملة في الإنتاج الأيديولوجي المحلي أن تعممه في بلادنا الصغيرة الخاضعة للاحتلال، والنهب على السواء: ليس الاحتلال، ولا بنية الاقتصاد التبعي هي المسؤولة عن فقر الناس أو جوعهم، بل الفرد المفتقر إلى بعض المهارات الشخصية هو السبب في بلاء ذاته: قدر الإنسان هو مردود صاف لشخصيته على حد ما ذهب إليه سوفوكليس في "أوديب الملك". لكن علينا أن ننصف الرجل لأنه كان يتحدث عن الحياة والموت، والجوانب الأخلاقية، وليس عن الاقتصاد، والسوق، والاقتصاد السياسي، وما لف لفها.
ربما أن الصبية التي كانت تتحدث عن أهمية التدريب في مستوى الشخصية لا تريد تيسير الهيمنة الطبقية والسياسية للنخب المحلية الحاكمة، ولكن فحوى الأفكار التي كانت تروجها تصب في هذه الخانة. وهذا لسوء الحظ هو أسلوب عمل الأيديولوجيا، فهي تتسلل إلى وعي الناس أو ربما "لا وعيهم" في لحظات معينة من الاسترخاء، في الظهيرة، فلا يأتي المساء، إلا وقد استدخل المضطهدون أغاليط من يضطهدهم، وأصبحوا نشطاء أمينين على ترويج ثقافته، وفلسفته، وأفكاره، بحيث يغدو ابن الطبقة الفقيرة العاطل عن العمل، الجائع، الذي لا يدري من أين يتلقى المصائب، عدواً لنفسه ببثه الأيديولوجيا الليبرالية التي تحمله عبء نفسه، وتعفي الطبقة المسيطرة من نتاج ما تقترفه يداها. ولست ألوم "نساء اف.ام" ولا غيرها من وسائل الإعلام، ذلك أن وحش اللبرلة كبير، وهو علاوة على ذلك يستفرد بعقول الناس في ظل غياب مفجع للفكر النقيض وحراسه من أحزاب أو مفكرين ثوريين. لكن ذلك بالطبع يجب أن لا يمنعنا من محاولة صقل أدواتنا ووعينا، ولا بد أن اليقظة وعدم الاسترخاء على صغر هذا المطلب –للوهلة الأولى- يمكن أن تسعف "نساء اف. ام." وتسعفنا جميعاً في فرز الغث من السمين في بضاعة الفكر والثقافة مما يعقد مهمة الهيمنة الأيديولوجية للمستعمر والطبقة التابعة له، ويضع اللبنات واحدة فوق الأخرى من أجل رفع معمار الفكر النقيض.



#ناجح_شاهين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثالوث التحالف التبعي: السلطة، والأنجزة، والقطاع الخاص
- البطالة الواسعة وأزمة الإنتاج التبعي الفلسطيني
- الناس لا يقرؤون؟! ولكنهم لا يتقنون لغة القراءة
- خولة الشخشير لن تستقيل؟
- أسطورة البحث في فلسطين: موظفو أبحاث؟!
- أنقذوا التعليم: أوقفوا تدريس اللغة الإنجليزية
- جامعة بيرزيت الليبرالية: التنافس والريادية والإبداع أساس الت ...
- الحجاب وتدمير التفكير واحتكار الحقيقة الأخلاقية
- بطش الاحتلال وبطش المدارس
- فشل الدول وسقوط البرجوازية الكولونيالية في الوطن العربي
- السويد لم تعترف بالدولة الفلسطينية
- اليسار ليس إلحاداً ولا لبرلة ولا علمنة
- فساد الأنجزة: سرية رواتب الموظفين فساد الأنجزة: سرية رواتب ا ...
- هل من فروق بين حماس وداعش؟
- المناضل مجد اعتراف الريماوي
- رأس المال المحلي لا وطن له
- أوباما، يصنع الدمى، يحركها، يعبث بها، ويحرقها
- ما الذي يبقينا على قيد الحياة؟
- أغلقوا المدارس/افتحوا بوابات الإنتاج والمقاومة
- المقاومة الفلسطينية بين الإرهاب الإسرائيلي والإرهاب المصري


المزيد.....




- ماذا نعرف عن -أعمق- قصف هندي داخل حدود باكستان غير المتنازع ...
- للمرة الثانية.. سقوط مقاتلة أمريكية بـ60 مليون دولار في البح ...
- المستشار الألماني ميرتس يدعو ترامب لعدم التدخل بسياسة ألماني ...
- إيران: كيف تعود أوروبا إلى المشاركة في حل النزاع النووي؟
- اشتباكات عنيفة بين الهند وباكستان تسفر قتلى وجرحى بين البلدي ...
- جولة رابعة من المباحثات النووية بين طهران وواشنطن قد تنطلق ف ...
- لجنة أممية: قصف مستشفى -أطباء بلا حدود- بجنوب السودان جريمة ...
- رويترز: واشنطن قد تبدأ اليوم ترحيل مهاجرين إلى ليبيا
- إسلام أباد تعلن إسقاط عدة طائرات هندية بعد قصف نيودلهي مواقع ...
- إيران تتهم إسرائيل بالسعي لجر أميركا إلى كارثة في الشرق الأو ...


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ناجح شاهين - نساء اف.ام والفردية الليبرالية لتفسير الاقتصاد