أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - قصة: إقليم الحليب














المزيد.....

قصة: إقليم الحليب


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 4652 - 2014 / 12 / 4 - 11:18
المحور: الادب والفن
    


حلّ في الدار البيضاء، فانبهر بليلها وبكثرة نساء الشوارع فيها. أمضى بقية ليله مع امرأة التقطها دون عناء، أخبرها أنه على سفر، فانسلت من جواره مع الفجر بعد أن سرقت محفظة نقوده بما فيها من دنانير معدودات، فارتحل دون أن يلوي على شيء قاطعاً الشمال الإفريقي على رؤوس أصابعه، حفاظاً على نعلين جديدين اشتراهما في طنجة، وخوفاً من إزعاج أولي الأمر الذين لا يأوون إلى فراشهم إلا في ساعة متأخرة من الليل.
صلّى ركعتين في قاهرة المعز والنعلان تحت بصره لا يتحول عنهما قيد شعرة، ثم فكّ وضوءه قرب سور في مقاديشو، فتعقبه سيّاف القصر لخروجه على الآداب المرعية، ففرّ على ساقيه حتى حاذى البحر، وهناك فكّر قليلاً، فلم يشأ أن يضرب بعصاه البحر لأنه لا يملك عصا في الأصل، فاستعان برياضة القفز الطويل. فإذا هو في شبه الجزيرة.
قرر أن يقضي ليلته فيها كي يعتمر، غير أن برد الصحراء أقضّ مضجعه، فآثر المضي فوق الرمال، وظلّ كذلك حتى غادرها، ثم وصل بيته في ظهيرة أحد الأيام.
لم تأبه زوجته لقدومه في بادىء الأمر، فكأنما اعتادت أسفاره الكثيرة التي لم تعد عليها بأية فائدة، ظلت مقرفصة فوق إناء الغسيل، ينحسر ثوبها عن فخذيها والأولاد يملأون البيت صخباً وضجيجاً. جلس ساكناً كما لو أنه يستمتع بالقيلولة بعد غداء ثقيل، وتذكر المضابط التي وضع عليها بصمة إبهامه مع كثيرين من أمثاله، احتجاجاً على سوء الأحوال، حتى جلبوه مرة إلى المخفر فأخبروه أن بصمته تهدد باقتلاع الحكومة من أخمص قدميها، فعليه والحالة هذه أن يتوقف عن ذلك، فانفجر ضاحكاً كمن حلّت به الهستيريا، فلم يتوقف حتى أكرهوه على ذلك، فلاذ بالسكوت مكرهاً.
تململ في جلسته كأنما ليطرد هذا الخاطر المزعج، ولاحظ أن ثوب المرأة انحسر ضعفاً آخر منذ أن دخل البيت، فاعتقد أن الأمر عائد إلى اهتزازات جسدها فوق إناء الغسيل، ثم حينما رآها ترمقه بطرف عينها أيقن أن فترة غيابه قد طالت هذه المرة، فأشار عليها أن تصرف الأولاد إلى الخارج لأنه يريد أن يستحم.
رحّبت بالفكرة فوراً، ولم يبق معهما في البيت سوى الرضيع الذي ما لبث أن استيقظ في وقت غير ملائم، فتحركت بجذعها وألقمته ثديها. لم يعرف الرجل أنه كرّر مأثرة امرىء القيس مع معشوقته، فهو لا يقرأ ولا يكتب، ولن تصبح فعلته جزءاً من التراث لأنه لا يقرض الشعر.
غفا الرضيع من جديد والحليب يسيل من زاوية شدقه، سحبت المرأة ثديها، فاغتبط الرجل وهو يرمقها، واعتقد لوهلة أنه يجوس في إقليم خصيب يحيا أهله على الحليب، فكّر بالاقتراب من المرأة كرّة أخرى، غير أن قبضات الأولاد انهالت على الباب، ثم انتشروا في الداخل كالجراد، التهموا كل شيء في البيت حتى لم يبق سوى الملح والماء وبعض الأثاث وقليل من الحليب في ثديي المرأة.
أمضى الرجل أياماً وهو يفكر. ولأن توقيع المضابط ممنوع منعاً باتاً، فقد حشر قدميه في نعليه، وارتحل من جديد.



#محمود_شقير (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة: منال
- قصة: خروج
- مروان
- قصة: انتحار
- عرض أزياء
- قصة: مرايا
- قصة: بيان
- قصة: كلاب
- قصة قصيرة جدًّا: أرغفة
- قطط
- الاحتفال
- مطر
- زمن آخر
- الطفل ينام
- المرأة والحصار
- حالة
- زجاج
- أين نسهر هذا المساء؟
- عمي الحاج
- الحفلة


المزيد.....




- غزة في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي
- السلطان و-الزواج الكبير- في جزر القمر.. إرث ثقافي يتوّج الهو ...
- -مكان وسط الزحام-: سيرة ذاتية لعمار علي حسن تكشف قصة صعود طف ...
- السعودية.. الفنان محمد هنيدي يرد على تركي آل الشيخ وتدوينة ا ...
- المخرج علي كريم: أدرك تماما وعي المتلقي وأحب استفزاز مسلمات ...
- وفاة الممثلة كيلي ماك عن عمر ناهز 33 عامًا بعد صراع مع السرط ...
- ليدي غاغا تتصدر ترشيحات جوائزMTV للأغاني المصورة لعام 2025
- عشرات الإعلاميين والفنانين الألمان يطالبون بحظر تصدير السلاح ...
- بين نهاية العباسي وأواخر العثماني.. دهاليز تظهر أثناء حفر شا ...
- ظهور جاستن ببير مع ابنه وزوجته في كليب أغنية Yukon من ألبومه ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - قصة: إقليم الحليب