صالح حمّاية
الحوار المتمدن-العدد: 4648 - 2014 / 11 / 30 - 13:32
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يجمع أغلب الفقهاء أن الحب و الجنس و العلاقات بين الجنسين خارج إطار الزواج عموما مفسدة من المفاسد الكبيرة للمجتمع ، حيث يزعم هؤلاء أنها من أشد الفتن على أمة الإسلام وعلى الإنسانية "لأنه ما تركت من فتنة بعدي اشد على أمتي من النساء " و هم و من هذا الباب يدعون للحرب على الحب و العشق عدى طبعا الجنس الذي شرعوا له الجلد والرجم للحد منه زاعمين أن هذا كله لحماية المجتمع ؛ لكن الحقيقة أننا لو نحن رجعنا للواقع و التاريخ لوجدنا أن الإنسانية بالأساس لم تتحضر إلا بالحب كشعور راقي ونبيل ، ففي أسطورة الخلق البابلية "الانوما اليش" فنحن نجد أن ملك أورك جلجامش وحين أراد تهذيب أخلاق الإنسان المتوحش " انكيدو " فقد أرسل له أنثى لتعلمه حسن السلوك و هي المومس "شاميت" ، فشاميت و بحبها وحنانها وعلاقاتها الجنسية مع أنكيدو ، قد هذبت طباع أنكيدو وأرجعته إنسان سوي ومتحضر ، وهو ما يوضح لنا أن البشرية ومنذ القدم لديها هذا الإدراك بأن الحب و الجنس هما السبيل لتهذيب الطباع والسلوك ، خاصة طبعا سلوك الرجال ، فالرجال عموما وبسبب هرمون التستستيرون هم عنيفون و فوضويون بالفطرة ، لهذا و لكبح جماح هذا الهرمون المدمر فيجب أن تكون الأنوثة هي السيد ، فالأنوثة و الحب هما عقال الهمجية الذكورية ، وهذا الأمر لا يمكن قوله فقط على الإنسان القديم ممثلا في انكيدو ، بل الأمر صالح حتى مع الإنسان الحديث فما يهذب طباع البشر اليوم هو الحب و الغرام لا أكثر ، فالرجال عموما لا تستقيم أحوالهم إلا بعد أن يدخلوا في علاقات عاطفية تريحهم ، ويمكن ملاحظة هذا بسهولة في حياتنا اليومية ، فمثلا نحن نرى غالبا الشباب كسالى و لامبالين لكن مباشرة وبعد أن يتعرف احدهم على فتاة حتى تتغير شخصيته ويصبح أفضل، فالشاب أو الشابة حين يقع في الغرام فهو يبدأ بالاهتمام بنفسه و بالآخرين ، فمثلا الشباب عموما يبدأ في تحسين مظهره وهندامه لكي يكسب قلب الفتاة ، والفتاة تفعل هذا أيضا ، هذا عدى أن الشاب سيسعى لتحسين مستوى معيشته حيث يصبح مجبرا على البحث عن عمل إذا كان عاطل ، وعن تحسين حاله المادي إذا كان متوسط الدخل ، وهذا لكي يستطيع الخروج والسفر مع صديقته ، أو ليهديها بعض الهدايا .. بل وليس هذا فقط ، فحتى على المستوى الجسماني فالشباب وفي البلاد المنفتحة على العلاقات فنحن نجد أن هذا أدى إلى تحسين صحتهم الجسمانية ، فالشاب و لكي يفوز بقلب حبيبته فهو يجب أن يكون مفتول العضلات ، و جسمه رياضي و ممشوق ، ومنه فلا غرابة اليوم أنه ومع التحرر الذي شهده العالم في مجال العلاقات أن نجد الشباب مكدسين في القاعات الرياضية ، فكما هو الحال بالنسبة للفتاة حيث لها مقاييس جمال معينة تشترط فيها ، فكذلك الشباب صار عليهم التزامات من حيث الشكل و المظهر الأنيق الخ .
بل حتى وعلى مستوى أعمق وهذا من حيث الشخصية ، فالعلاقات بين الشباب و الشابات تهذب الخلق ، فالشاب ليتعرف على فتاة عليه أن يكون حسن الخلق ، و مهذب في الكلام ، و الأنثى كذلك فهي يجب أن تكون فتاة مهذبة ، ورقيقة في المعشر لتحصل على أصدقاء ، وبدون حتى إدراك من الشباب هؤلاء فالحب يجعلهم أناس راقين ومهذبين ، حيث الحب يؤدي إلى إحترام الرجل للمرأة و إلى النظر لها كشريكة حياة ، خلافا للّاحب الذي يؤدي إلى أن تصبح المرأة مجرد أداة للجنس وعورة ، وهو بالذات حال المسلمين ، فالمسلمون و بحربهم على الحب فقدوا كل تلك الحسنات ، وجنوا بدلها المساوئ ، وهو ما يفسر لنا لماذا أنتشر فيهم التحرش والشذوذ القصري ، و الاعتداء على الأطفال ، فغياب العلاقات السوية لدى المسلمين ولد الانحراف..، ولا نقصد هنا بالانحراف الانحراف بالمعنى الفردي ، فمعلوم أن التحرش أو الاعتداء على الأطفال موجود في كل المجتمعات حتى المتحررة منها ، بل المقصود هو الانحراف المجتمعي ، فالفارق هنا أن المجتمعات المتحررة تعرف هذه الأمور كحالة مرضية من أناس مختلين ، لكن في المجتمع المسلم ، فالإنسان العادي هو من ينزلق إلى هذه الأمور بسبب القمع المسلط عليه ، و من هنا نحن نرى أن جل الشباب المسلم هو شباب معقد وبائس وحالته النفسية مزرية ، فهو كشباب ممنوع من الحب ، و ومكنوع من الغرام والجنس، وعليه فقد ساء حاله وانحطت همته ، وفقد تقديره لذاته ؛ خاصة طبعا بعد أن تفاقم الوضع مع انعدام فرص الزواج ومن الانفتاح على العالم ، فقديما كان حل المسلمين لمشكل الاحب هو بالزواج المبكر ، حيث تحايلوا عليه بتسوية وضعية الشباب كيفما أتفق ، لكن طبعا اليوم فالزواج بات عسير ، والكبت تفاقم ، ومع الانفتاح على العالم ورؤية الشباب لحياة المجتمع المتحضر فهو أزداد تعاسة ، وشخصيا لا أرى غرابة في كل هذا الإختلال الذي يعاني منه المسلمون ، فالتحرش مثلا هو حالة حتمية لمجتمع يمنع الحب ، ففي البلاد التي يباح في الحب ، فالشباب سوف يتقدم بأدب واحترام للتعرف على الشابة ، لكن في البلاد التي تقمع الحب ، فالشباب سوف يحاول إختراق هذا المنع بعملية تحرش ، و التحرش هنا ولو انتبهنا فهو حالة يائسة من طلب الحب ، فالشباب ولأنه لا يجد الفرصة ليعبر بطريقة حضارية عن رغباته ، فهو يلجئ للتحرش لسرقة لحظات من الأنثى كأن يلمس نهد ، أو يضع يده على خصر ، ولكم أن تخيلوا نفسية هذا الشاب وهو يجد نفسه مضطرا لهكذا خيارات حقيرة فيما يرى أمامه العالم الحر يعيش بحرية و بطبيعية ، فهل سيبقى في شخصيته سوية ؟ طبعا لا ، فهذا الأمر وحده يؤدي إلى حالة من الاحتقار للذات ، وللحياة ، ومن الجنون الحتمي وهذا حال المجتمع المسلم اليوم ب الذات ، حيث هو متجمع بائس ومريض ومنحط ، بل و الحال ربما أكثر بؤسا فالتحرش وعلى كارثيته لاشيء أمام الواقع الإسلامي ، لأنه و في الحالات الأكثر تطرفا عند المسلمين فنحن نصل للإنتحاريين ، و الإنتحاريون وكما نعلم هم مجموعة من الأفراد وجدوا ضالتهم للبحث عن الحب و الجنس بالانتحار ، فهؤلاء ولو بحثنا في شخصيتهم لوجدنا أنهم ليسوا سوى شباب بائس فقد الحب ، وهم من فرض حاجتهم وصل بهم الحال إلى طلب الحب في الحياة الأخرى عن طريق الموت ، وهنا لنتخيل حال هذا المجتمع الذي يصل فيه الناس إلى الموت من اجل قبلة أو من اجل علاقة جنسية ، فكيف يعيش هؤلاء ، وكيف يتطورون و كيف يتقدمون ؟ .
إن المسلمين حاليا أقروا بهذا أم لم يقروا هم أكثر المجتمعات خزيا و بؤسا في هذا الكوكب ، فهم منحطون حضاريا و متخلفون علميا وصناعيا ، و حياتهم بائسة ، وشوارعهم كلها دماء ، وواقعهم كله إرهاب وحروب ، وتحرش و اغتصاب ، لهذا فإذا تحدثنا عن ماذا خسر المسلمون بتجريم الحب فليس من الإجحاف إن قلنا أنهم خسروا كل شيء ، فالمسلمون اليوم يعيشون في جحيم أرضي بل لسبب سوى أنهم وبثقافتهم كانوا معاديين للحب، وهو الجزاء الطبيعي لكل امة تفعل هذا.
(يرجى الاطلاع على المقال التالي لمن لم يطلع عليه لإرتباطه بمضمون هذا المقال http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=443108 )
#صالح_حمّاية (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟