برهان المفتي
الحوار المتمدن-العدد: 4622 - 2014 / 11 / 2 - 23:06
المحور:
الادب والفن
في مدينتنا محرقة كبيرة، لا نعرف تأريخها ، لكن نعرف أنها تسمى " محرقة الأخطاء " . ولا نعرف من يزورها ومَن يحرق فيها الأخطاء، لكن دخان تلك المحرقة لا يتوقف رغم أن الجميع في المدينة يقولون أن لا أخطاء لهم !
وفي طرف المحرقة، هناك مجرى لتصريف السوائل التي تخرج من عمليات الحرق، يتجمع فيه سائل أسود زيتي كثيف لا رائحة له. تأتي شاحنة ثقيلة بخزان ضخم مرة في الشهر فتسحب هذا السائل كله وتذهب إلى مطبعة المدينة.... التي لا نعرف تاريخها تماماً كمحرقة المدينة.
يقولون أن المطبعة تستخدم هذا السائل في صناعة حبر للكتب التي تطبعها حصرياً بأمر من جهة ما، وهي الكتب الوحيدة الموجودة في مدينتنا. لا نسأل عن تلك الجهة حين نستلم - أحيانا- كتباً مرسلة لنا لقراءتها، حين نفتح الباب في أيام معينة فنجد مجموعة كتب مرسلة لنا بالأسم والعنوان، فنفهم أن علينا قراءتها.
ولأن تلك السيارة تفعل ذلك منذ زمن لا نعرف بدايته، فقد صار السائل يقطر من خزانها القديم وهي في الطريق للمطبعة. لاحظت ذلك منذ مدة، وصرتُ أجمع ما ينزل من ذلك الخزان، أجمع تراب الطريق ثم أعزل السائل . صارت عندي كمية أبدأ بها كتابة كتابي الخاص.
لا أعرف ماذا يفعلون في المطبعة ليكون السائل الزيتي حبراً . سأبصق عليه لأخفف لزوجته، نعم، هكذا! هذا هو الحبر. أكتب صفحات كتابي، صفحة فصفحة. لكن.. ذلك السائل حين أمتزج بلعابي صارت له رائحة قوية، سأترك كتابي في باحة الدار ليلة كاملة لتختفي الرائحة..
الرائحة قوية، في الصباح ، أراها متجمعة فوق المطبعة كأنها تخبرهم عني وعن كتابي .
طرق على بابي، أسمع أصواتاً تتصاعد، . أفتح الباب، تسحبني شاحنة المطبعة بخرطوم مطاطي إلى داخل خزانها. أنا الآن وسط سائل المحرقة. يأخذونني إلى المطبعة. السائل زيتي كثيف، أطفو على سطحه. أرى أخطاءاً تطفو في ذلك السائل ! المحرقة إذن تنتج الأخطاء ! حرق الأخطاء ينتج أخطاءاً، وتلك الكتب التي تطبعها المطبعة هي كتب مكتوبة بحبر كله اخطاء. كنتُ أجمع الأخطاء وكتبتُ كتاب الأخطاء، أنا الآن في طريقي إلى المطبعة، ربما سأكون صورة الغلاف في الكتاب القادم الذي سيوزع للناس. سأترك العنوان لكم !
#برهان_المفتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟