مشعل التمو
الحوار المتمدن-العدد: 1297 - 2005 / 8 / 25 - 09:57
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
في مقابلة خاصة وفق ما قالته جريدة الاتجاه الاخر , العدد 231 تاريخ 6-8-2005 , افاض السيد احمد الحاج علي وهو الرجل المكلف بدراسة اليات تطوير حزب البعث , بالحديث عن ما يعانيه حزب البعث من ازمات ومشاكل , واوجزها بالاخطاء التي وقعت خلال المسيرة الطويلة من التعليب الذي مورس داخل الحزب – وفق تعبيره - , وضرورة التخلص من العناصر الفاسدة حتى يتسنى لفكر البعث ان يتخلص من الرواسب التي جعلت منه جامدا , واعتبر الحاج علي بان المعارضة في سوريا غير ناضجة ويجب ان تبدا من داخل حزب البعث , مضيفا بان الجبهة الوطنية التقدمية كانت على الدوام بعثية اكثر من البعث نفسه وبان لا دور جماهيري لها ؟.
وما لم يقله السيد الحاج علي وحاول الالتفاف عليه , هو بنية حزب البعث نفسه التي تعتبر المسبب الاساس فيما ال اليه الوضع السوري وهي التي فتحت الباب على مصراعيه لاستشراء الفساد وعبث المفسدين حيث شكلت مفاهيم الحزب واحتكاره لقيادة الدولة والمجتمع الى تحوله من حزب سياسي الى حزب امتيازي , لا مكان فيه سوى للطاعة العمياء والنسخ الكربونية التي لا راي او موقف سياسي لها ويندرج في هذا الاطار الجبهة الشكلانية التي ارفقها حزب البعث بنفسه وباتت مع الزمن من لزوم الديكور الايديولوجي الذي شكل الغطاء الاعلامي للبطش بالعباد .
وفي كلمة تحوي من حيث المبدا كل المصداقية وهي ان فاقد الشيء لا يعطيه , فالحزب الذي حول اعضاءه الى نسخ عمياء صماء فيما يخص الراي والموقف , والى مافيات محمية تعيث في البلاد فسادا وافسادا , غير قادر على قبول معارضة او حتى تباين في الراي داخله , فكيف والحال هذه ان يسمح بوجود معارضة قوية خارجه , وهو امر فات السيد علي الوقوف عليه او تبيان سبب وجوده , فالمعارضة السورية ضعيفة ليس لانها خلقت ضعيفة وقليلة الحيلة , وانما لان ما تعرضت له من قمع وتنكيل وسجون طويلة الامد وخنق الحريات العامة وسياسة الطوارىء التي غيبت بموجبها الاجهزة الامنية البعثية اي صوت حر , حتى بات مجرد التفكير في دولة البعث يعاقب عليه بالاحالة الى محكمة امن الدولة العليا التي لا زالت الواجهة الامنية لتغييب المعارضين , وبالتالي فحزب البعث بسياسته الاستئصالية هو المسؤول ابضا عن ضعف المعارضة , وبشكل عام ففي الانظمة الاستبدادية لا ييمكن ان تتواجد معارضة ديمقراطية , لان المعارضة حتى تستطيع ان تمارس نشاطها في المجتمع , تحتاج الى دستور وقوانين تنظم الحياة السياسية وتحفظ حرية الراي والتعبير , وتصون الحياة الانسانية وحقها في الكلمة المختلفة والمغايرة , وهذه قواعد عامة تؤسس لنشؤ وتبلور معارضة ديمقراطية , لكن قمع المعارضة واخماد صوت المختلف وفرض الراي الواحد والحزب الواحد , يلغي اية امكانية لوجود معارضة قوية تفعل الحياة العامة , حيث وخلال فترة طويلة من سيطرة حزب البعث تم تغييب المجتمع بمن فيه وبما عليه , وبالتالي انصراف الناس عن التعاطي في الشان العام وسلوك سبيل الصمت المجتمعي , وهو صمت محتقن بالياس من اصلاح ذات البين , ويمتلك ميزة الانفجار في لحظة مؤاتية , واعتقد بانه سيكون انفجارا مدمرا , على الوطن بكل ما يعنيه من معنى ودلالة .
ان اي حزب يستاثر بالسلطة والثروة , يفقد الديناميكية الداخلية للتغيير , خاصة ان كانت الدولة امنية , حيث يصبح الحزب الحاكم مجرد واجهة غير محددة الملامح , حتى وان كانت القرارات تتخذ باسمه , لكن لا حول ولا قوة له , حيث تؤول السلطة الى اجهزة امنية تستند الى قوانين طوارىء تبيح لها نشر الرعب والخوف وتمارس القمع والتنكيل بحق المختلف وتبقى محمية وبعيدة عن المساءلة , ومثل هذه الاحزاب لا يمكن لها ان تتغير او تتطور طالما بقيت في السلطة , بمعنى هناك الكثير من الامثلة في العالم تتطابق من حيث المبدا مع الحالة السورية في حكم الحزب الواحد وما حصل بنتيجة ذلك من اختناقات وانهيارات كارثية في مجتمعاتها .
وفي هذا السياق حتى يستطيع حزب البعث ان يمتلك ميزة التطوير الداخلي , عليه اولا ان يتحول الى حزب سياسي , بمعنى ان يقبل بالمشاركة مع الاخر في القرار السياسي , وان يرضى بتشارك الجميع في الوطن , وان يرضى بان ياخذ قوته من ضندوق الاقتراع , وليس من مادة دستورية ملكته السلطة والقمع والثروة ؟ اذا استطاع ان يفعل حزب البعث ذلك عندها يمكن ان نقول بانه سيكون في اطار اللعبة السياسية المستقبلية , وما عدا ذلك فلا ضوء في نهاية النفق الذي يوجد فيه حزب البعث ؟.
ومن المواقف التي يريد السيد الحاج علي تسويقها , هي ضرورة نشوء معارضة من داخل حزب البعث , حتى يمكن تشكيل حراك مجتمعي يستجيب لمتطلبات الشان السوري , والحاج علي يرفض بشكل مستتر نشوء معارضة من خارج حزب البعث لانها ضعيفة بالقوانين والاجراءات الاستثنائية التي فرضها حزبه , وهو ليس في وارد ايجاد حاضنة وطنية دستورية تساهم في تبلور معارضة داخلية , وانما كل هاجسه ايجاد معارضة شكلية من داخل حزب البعث تبيح له اعادة انتاج ذاته القمعية وتديم سيطرته على الدولة والمجتمع ورقاب الناس , وهو بالتالي بطرحه هذا , يعبر عن حقيقة ما فعله حزب البعث بالمجتمع السوري من اخصاء ثقافي وسياسي , لكنه ينسى بان عمليات التجفيف السياسي لم تقتصر على تعبيرات المجتمع السوري المعارضة , وانما شمل ايضا حزب البعث وجبهته الملحقة , رغم انه لا يمكن اعتبار اي حزب كتلة واحدة مصمتة , حتى وان كان ذلك الحزب في السلطة , لكن يبقى الاستبداد في كل مرحلة يحاول اعادة انتاج ذاته وادامة سيطرته , وهذا ما قصده السيد الحاج علي من طرحه المتاخر جدا وغير المتوافق مع مصلحة الشعب السوري ومستقبل وطنه ايضا .
ان مجمل التنظيرات الجديدة تعبر عن الازمة التي يمر بها حزب البعث , وهي ازمة بنيوية لا تستطيع كل مكياجات العالم ان تعيد انتاجها , او ان تقنع الشعب السوري بجدواها , وكان من الاجدى للسيد الحاج علي وبقية منظري الاستبداد ان يفكروا مرة واحدة بالوطن السوري , بالشعب السوري , بمستقبل هذا الشعب وهذا الوطن , واجزم انه لو كان الهاجس وطنيا , بمعنى يشمل مصلحة الوطن وليس مصلحة حزب , او مصلحة اجهزة امنية , لاخذ الحديث منحى اخر , ولما كانت المعارضة ضعيفة , ولكانت سوريا في وضع افضل مما هي عليه ؟.
15-8-2005
القامشلي
* الناطق الرسمي باسم تيار المستقبل الكردي في سوريا
#مشعل_التمو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟