أحمد سعده
(أيمï آïم)
الحوار المتمدن-العدد: 4611 - 2014 / 10 / 22 - 21:09
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
- من أجل إقامة الدولة الإسلامية في العراق وسُوريا ومنها إلى باقي دول المنطقة والعالم، تَتَقَدَّم داعش وتَتَمَدَّد يميناً ويساراً، ويَخُوض مُقَاتِلُوها حَربِهم الكَونِيَّة لإبادة كُفَّار هذا العالم من كل مِلَّة ودين، وهداية من يبقى منهم بعد الإبادة، متسلحُون بادِّعاء الفضائل السَمَاويَّة؛ في حين يُمارسون نوعا من الدُنيويَّة والإرهاب الأكثر تطرفاً وبربرية في الأرض. فمن أين جاءت داعش؟، وإلى أين تنتهي؟!
- داعش لم تَهبط علينا من كوكب آخر، بل أفرزها مسار التَردِّي والتدهوُر في منطقتنا العربية، فجاءت من عُمق وصُلب التطرُّف والتعصب الديني الذي يموج بثقافتنا العربية، ويعبث دوماً بأفكار ساخني الرؤُوس من جماعات بشرية ترفض الواقع القائم لكن بطريقة عنيفة ومُدمرة، تهدف للتغيير السريع باقتناص الدولة والسيطرة على مفاصل الاستغلال الاقتصادي، وممارسة الاستبداد والطغيان وكل الرذائل خلف واجهة برَّاقة زاهية الألوان من الفضائل، وبحاكمية لله يُمارسها البشر على الأرض تحت رايات ودعاوي إقامة الخلافة الإسلامية ونشر الدين الصحيح؛ ليس بالطبع وفقاً للفضائل الإلهية المنصُوص عليها في كل الأَديان والوثنيات؛ إنما وفقاً للشروط الاجتماعية الاقتصادية التي تحكُم البشر في كل مكان بالعالم، مُضَاف إليها جبروت ادِّعاء طابع إلهي لهذه المُمارسات البشرية اللاإنسانية الظالمة باسم الله العادل.
- ومن هنا يأتي الخطر، ويبدأ الجنون، فتبدأ هذه الجماعات المُتطرِّفة محاولاتها الدَمَويَّة لتكييف الواقع مع أفكارها وأحلامها المَرَضِيَّة في إقامة "الدولة الإسلامية" وذبح البشر وقتلهم ورجمهم وحرقهم من أجل إقامتها. ولصالح نفس الفكرة الكابوسية تُقاتل جماعات أخرى بأماكن مُتفرِّقة مُتَوهمة قيامها بدور المُنقذ رغم قيامها في الواقع بدور مُعجِّل التردِّي والخراب العاجل، وبتسميات مختلفة: بوكو حرام، جند الله، الحوثيون، القاعدة، حركة الشباب، حزب الله، جبهة النُصرة، الجهاديُون، الإخوان المسلمون وغيرها من تسميات مهما اختلفت وسائلها وأدواتها إلا أن الغاية تبقى واحدة، كل ما في الأمر أن هناك جماعات مُتطرفة ثورية تريد دولة الشريعة "الآن وحالاً" كداعش والقاعدة، وجماعات مُتطرفة إصلاحية تُريد إقامة الدولة الإسلامية تدريجياً عبر وسائل الانتخابات حينما تتأكد من أغلبيتها وقدرتها على الفوز كالإخوان المسلمين وطالبان.
- وكعادة كل الجماعات الأيديولوجية المُتطرِّفة والعُدوانية، قومية كانت أو دينية مهما طال أمدها أو قصر؛ فإن مصيرها الحتمي هو العزل والإقصاء، وحينما تعتقد هذه الجماعات أنها صارت من القوة بحيث لا تُهزَم؛ تشرع على الفور في عدوانيتها ضد المجتمع، بعد أن يكون قد مضى وقت حصر خطرها أو تحديده داخل حدود صارمة، ويخرج الجِنِي من القُمقُم لتبدأ هذه الجماعات بشن حربها لاجتياح العالم غير أنها تتجه بسرعة صاروخية دون أن تدري نحو سقوطها المدوي، بعد أن تغدو خطراً على الجميع بما فيهم حتى الدول الاستعمارية التي كانت تقف خلفها وتدعمها وتعمل على صعودها وتوظيفها لخدمة مصالحها؛ لينقلب السحر على الساحر، وتبدأ التحالُفات الدولية في التشكل سريعاً لتدميرها، وتفادي شُرورها وويلاتها.
- وهنا تغدو المواجهة العسكرية المباشرة الفورِيَّة للإرهاب الداعشي الواسع النطاق باستخدام قوات دولية براً وبحراً وجواً خياراً لا بديل عنه لوضع حد حاسم للهمجية الداعشية. ومهما اختلفت مصالح ونوايا دول التحالفات؛ إلا أن المُواجهة الفورية صارت ضرورة لا يُنكرها أي مواطن عربي واعٍ يستشعر المسئولية إزاء بقاء ومستقبل الوطن العربي الذى هو الشعوب قبل أن يكون التُراب أو البيئة الجغرافية والنيل والفرات، ولا يُمكن بأي حال اتخاذ موقف اللامبالاة إزاء خطر يُهدد بقاء الإنسان على الأرض. وبالطبع فإن الذين يخوضُون تحالفات القضاء على هذا الإرهاب الداعشي ليسوا ملائكة؛ بل تخوضها قوى متناقضة: الولايات المتحدة من أجل حماية مصالحها والسيطرة على النفط العربي وتدجين المنطقة العربية بأكملها في حظيرتها وتبعيتها، والشعوب العربية من أجل مستقبلها وبقائها.
- وينبغي أن نُدرك أن الدول الاستعمارية لا تنطلق سياساتها تجاه داعش أو تجاهنا على أساسٍ دينيٍ إنما على أساس مصالحها الاقتصادية والسياسية، وهذا يُفسر الموقف الأمريكي الداعم لجماعة الإخوان المسلمين في مصر رغم أن الولايات المتحدة لا تضمن جيشاً تجري أخونته ويصبح على غرار الجيش الإيراني، لكن مصالح بعينها في زمن بعينه وقفت وراء هذا التحالف "التكتيكي" المُؤقت، والآن تُهروِل الولايات المتحدة لضرب داعش بعد أن صارت خطراً يُهدد المصالح الأمريكية في العراق بالأَخَص.
- نحن محاصرون إذن بمثلث شيطاني مُرعب يبدأ من أنانية الغرب التي لا حدود لها، وتَخلف وتبعية وفقر منطقتنا العربية، وينتهي بالاتجاهات المتطرفة الرجعية والمَاضويَّة التي لا تُبشِّر بأيّ نهوض، وبهذا تصبح جماعات الشر الإسلاموية من داعش وغيرها مدخلاً دائما للإمبريالية والتدخلات الغربية، ويصبح حلم هذه الجماعات في إقامة الدولة الإسلامية المزعومة خيطا "ماريونيتيا" في أيدي الغرب تستخدمه متى تشاء؛ فلم تعد أمريكا بحاجة لحروب جديدة ضد العراق بل يكفي فقط إزاحة الغطاء قليلا ثم ترك الأمور تأخذ مجراها بين الشيعة والسنة.
- وإذا كانت مصر قد استطاعت إنقاذ نفسها بشكل مؤقت من براثن الدولة الإسلامية التي سعى الإخوان المسلمون والسلفيون لإقامتها في الشرق الأوسط بتخطيطٍ أمريكيٍّ مُسبق وبمساعدة ودعم قطر وتركيا وحماس وغيرهم، إلا أن هذا لا يعني أننا طردنا هذا الشبح الثقيل الأسود للأبد، إذ يبقى يحوم بكآبته فوق سماء المصريين، خاصة في ظل وجود "حمائم السلام" و"الحملان الوديعة" من ليبراليين متسامحين، وأشباه مثقفين، وشباب سُذَّج مُتعاطفون بكل براءة أو بالأحرى غباء مع الإخوان المسلمين والسلفيِّين ظناً منهم أن الإخوان بالذات معتدلون رغم طبيعتهم الجوهرية الداعشية الكامنة؛ التي سرعان ما ظهرت أعقاب عزل مرسي.
- ويبقى القول أن التراجُع الثقافي والمادي والروحي للجماهير العربية إضافة للجهل والتبعية يؤدي لإحياء كل الميول التراثية والسلفية، ويُمثل أرضاً خصبة للتطرف وبيئة لا تنضب للرجعية. فالداعشيون وغيرهم للأسف يسعون لتطبيق ما يدافع عنه عامة الناس، وما يصرُخ به خطباء المساجد على المنابر، داعش صنيعة السلطة الدينية في الأزهر الشريف والكنيسة والإعلام والتعليم وحتى الأسرة النووية. داعش صنيعة ثقافتنا الرَثَّة التي تملأ رؤُوسنا.
- إنقاذ العراق وسوريا واليمن وليبيا وشعوبا بأكملها من الهلاك العاجل تحت عَجَلات قطار الدولة الإسلامية المَجنُون لن يتحقق إلا بمواجهة فكرية حقيقية عميقة مع الرجعية الدينية والتبعية الاقتصادية، الآن وقبل أن يفوت الأوان، مع تحقيق مستويات معيشة تكفي لتأمين حياة كريمة لهذه الشعوب لن تتحقق إلا بالتحول إلى نمط تصنيع إنتاجي. مع إدراك أن الأمل يتراجع ويفوت مع كل يوم يفوت.
#أحمد_سعده (هاشتاغ)
أيمï_آïم#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟