أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شاهين - -قناديل ملك الجليل - ملحمة الفارس الأسطورة !















المزيد.....


-قناديل ملك الجليل - ملحمة الفارس الأسطورة !


محمود شاهين
روائي

(Mahmoud Shahin)


الحوار المتمدن-العدد: 4605 - 2014 / 10 / 16 - 06:52
المحور: الادب والفن
    


عن رجل ليس ككل الرجال . عن قائد ليس ككل القادة .عن بطل فذ ببطولته ، بفروسيته ، بنبله ، بشهامته ، بشجاعته ، بعدالته ، بحلمه بوطن حر ، وشعب حر ، يبحر بنا ابراهيم نصر الله لأكثر من خمسمائة وخمسين صفحة ، متتبعا سيرة الجليلي ظاهر العمرالزيداني ، الشخصية التاريخية التي عاشت ما بين أواخر القرنين السابع عشر والثامن عشر،وثارت على السلطة العثمانية ، لتنشئ أول كيان سياسي عربي شمل " عكا ويافا وحيفا والجليل وبلاد اربد وعجلون وأجزاء من سورية وحوران وصيدا وسواها، في حين أن صور كانت في يد حلفائه المتاولة ، وبيروت في يد حلفائه الشهابيين " ( ص 528)
عن رجل رحلت أمه عند ولادته فأرضعته فرس ( حليمة) فكانت أمه بالرضاعة ، وربته زوجة أبيه (نجمة) فكانت أمه بالتربية . تعلم الفروسية منذ صغرة وشارك في أول حرب وهو لم يتجاوز سن الطفولة .
رجل لم ينته من معركة إلا ليشرع في أخرى ، ولم يطو أوجاع حرب إلا لتنزل عليه حرب أخرى فظائعها ، ليمضي عمره محاربا حتى سن الخامسة والثمانين .
تزوج خمس نساء انجب منهن خمسة أبناء وبنت .وقف اخوته وابن عمه وأبناؤه معه مرات و تآمربعضهم عليه وغدروه مرات أخرى . ليقتل في النهاية على يد أحد قادته ( أحمد الدنكزلي ) الذي أكرمه وأعزه وعمل منه قائدا بعد أن كان مجرد محارب في جيش أحد خصومه .
عالم من التآمر والحروب والسلب والنهب والغدروالخيانة والقتل وقطع آلاف الرؤوس . عالم بلا رحمة ولا شفقة . القبيلة القوية تسطو على القبيلة الأضعف منها ، والجميع يرزحون تحت النير االعثماني .
وثمة فسحات للحب والمشاعر الإنسانية وعشق الأرض والإحتفالات والأفراح والأتراح ، مما يحرك الوجدان ويبهج القلب أو يبكيه في حالات أخرى.
عمل ظاهر العمر على أن يقيم عالما مختلفا فكان صراعه مع القبائل والمدن من ناحية ، وصراعه مع جيوش السلطنة من ناحية أخرى .نجح إلى حد كبير . وعم العدل والأمان وسادت المحبة ولو إلى حين .
بمهارة فنية عالية وبلغة شاعرية في بعض المشاهد وملحمية وغرائبية في أخرى ينقلنا ابراهيم من حالة إلى أخرى ومن واقعة صغيرة إلى حرب مستبقا الأحداث بالتلميح إليها أو داخلا في صلبها ، ليعود فيما بعد إلى ما خفي منها وما كان من الماضي . محركا ما يزيد على مائة وعشرين شخصية بين تاريخية ومتخيلة ، دون أن يغلب المتخيل على التاريخي ودون أن يطغى التاريخي على المتخيل . وإذا كانت الرواية التاريخية في العادة تستند إلى التاريخ أو تتكىء عليه عبر أبطال متخيليين ، فإننا هنا أمام رواية مختلفة لا تتكئ أو تستند إلى التاريخ بل تقوم عليه وبأبطال حقيقيين إضافة إلى الأبطال المتخيلين الذين قد لا نستطيع تمييز معظمهم عن الأبطال التاريخيين الحقيقيين . ولهذا نستطيع القول أننا أمام رواية تاريخية فريدة ، نجحت في أمرين :التأريخ من حيث كونها أرخت لمرحلة زمنية تقارب القرن بأبطال تاريخيين ، والإبداع كونها أبدعت عملا أدبيا ملحميا بلغة أدبية شاعرية لوقائع تاريخية وأخرى متخيلة . بحيث يمتزج الواقع التاريخي بالمتخيل المبدع دون أية امكانية للفصل بينهما .
يقول ابراهيم في مقدمة الرواية " لا يستند هذا العمل إلى دقة المعلومة تماما رغم إخلاصه لها ، بل يستند أكثر إلى قوة الحقيقة وقوة الخيال في اتحادهما بجوهر الأحداث وجوهر الشخصيات " ( ص 9)
ولو عدنا إلى المقدمة نفسها سنجد أن ابراهيم تطرق إلى تخوفه من الإقدام على عمل من هذا النوع " كان الخوف الوحيد الذي يسكنني هو أنني إذا ما كتبت رواية عن شخصية تاريخية حقيقية كهذه ‘ فإنني سأكون مقيدا إلى حد كبير ، لكنني حين قرأت سيرتي ظاهر المقتضبتين اللتين كتبهما ميخائيل الصباغ وعبود الصباغ ، بدأت أصبح أكثر جرأة ، وحينما أنهيت بحثي حوله وبدأت أشكل رؤيتي الخاصة لهذه الشخصية ، قلت لنفسي : لم لا ! فلتذهب إلى القرن الثامن عشر لتعيشه ، إنها فرصة لا تتكرر، ولتتعلم أيضا كيف يمكن أن تكون حرا وأنت تكتب عن شخصية تاريخية بهذا الوزن ، وهذا ماكان " ( ص8)
*************
** مدخل أوسع إلى عالم الرواية .
في البدء لا بد من القول أنني لم أقرأ في حياتي رواية حملت هذا القدر من العناوين الفرعية ، 136 عنوانا ، تبدأ ب" الظل الشاسع والمرأة الحافية " وتنتهي ب " النهايات " وإذا ما عرفنا أن حجم الرواية هو 555 صفحة فإن معدل حجم الفصل في حدود أربع صفحات . وهذا يعني أن الرواية كتبت بلغة مكثفة تخلو من الإسهاب .
وإذا ما عرفنا أن أحداث الرواية تدور خلال ما يقرب من قرن ، وتدور بين دفتيه أحداث هائلة ، فإننا ندرك إلى أي حد هي مكثفة .
قسم ابراهيم روايته إلى اربعة أجزاء هي :
1- بحر الجليل .
2-الجنة بجانب البحر.
3-الجنة بين بحرين.
4- عذاب الجنة .
لم يقم ابراهيم بترقيم الأجزاء والفصول ، هذا ما قمت به أنا .
معظم العناوين كانت تشي بما يحمله الفصل ، كفصل " العدو والصديق "الذي يخون فيه الدنكزلي ظاهر ويقوم بقتله .أما عناوين الأجزاء فقد أشارت إلى بعض أراضي فلسطين " الجنة " وبحارها التي تنسب إلى المناطق المحاذية لشواطئها ، فيما أشارالجزء الأخير للعودة إلى الحروب والعذاب في ظل العسف التركي والولاة ومقتل الشيخ ظاهر واحتلال عكا وحيفا ويافا وغيرهما .
**********
تبدأ الرواية برحيل الأب عمر الزيداني ودفنه ، وتحاور الأبناء "سعد ويوسف وصالح وظاهر " حول من يخلفه ويحتل مكانه كمتسلم لمدينة طبرية ، ثم يعود بنا ابراهيم لولادة ظاهر ورحيل امه ومشكلة ارضاعه بعد أن رفض حليب النساء ! وحين كانت الفرس البيضاء "حليمة " تصهل وهي ترضع مهرتها " أشرق خاطر ما في قلب نجمة " هرعت إلى الداخل لتعود بصحن فخار وتهرع إلى الفرس التي كانت تصهل وكأنها تستحثها لتحلبها ، وهذا ما كان .
راق الحليب للوليد . وثابرت نجمة على حلب الفرس له إلى أن أخذ يرضع من الضرع بنفسه في بعض الأحيان ويعدو خلف الفرس إلى أن تجاوز الخامسة . وهكذا نشأت علاقة حميمة أشبه بعلاقة الامومة بين الفرس والوليد ظاهر .حتى أنه نام ذات ليلة إلى جوارها بعد أن أصبح رجلا.
هجمت سنوات القحط فتركت سهول القرى " شاحبة لا حياة فيه " وهدد وزير صيدا
بشن حرب على السكان إذا لم يقوموا بتسديد ما عليهم من ضرائب.لكن لم يكن لدى الناس ما يدفعونه . ثلاث سنوات من القحط أتت على كل شيء . ذبح الناس مواشيهم . وهناك من ذبح حصانه كي لا ينفق من الجوع .
زحف وزير صيدا بجيشه قاصدا عكا وحيفا ويافا ونابلس والقدس . حملت الأخبار من قرى البقاع " الكثير من الأهوال عن نهب البيوت واغتصاب أكثر من ثلاثمائة امرأة ... وإحراق قرى بأكملها "
حصن شيخ البعنة بلدته قدر الإمكان استعدادا للمعركة ، لكن وزير صيدا اتخذ قراره بتدمير البلدة على من فيها .
راح يدكها بالمدافع طوال سبعة أيام إلى أن نفدت ذخيرته.فتابع حربه بالسهام . إلى أن جاءته ذخيرة .
كان ظاهر وعباس من الفتيان المدافعين عن أسوار البلدة مع الرجال . صمدت البلدة خمسة أسابع . لكن مؤونة الناس وذخيرتهم نفدت ، وساءت أحوالهم .رفعت البلدة راية الإستسلام في اليوم الأربعين .
قامت امرأة بتهريب ظاهر عبر نفق سري يقود إلى خارج البلدة .
"فتحت أبواب السور ، خرج أهل البعنة وقد وضعوا مناديلهم في رقابهم وخلفهم كان الدمار يعلن عن قسوة الأيام التي عانوها " ( ص 37 )
نقض الوزير وثيقة الإستسلام وأمربقلع عيون سكان البلدة أولا ثم اعدامهم .
****
تدارس الأخوة قضية المتسلم ثانية ولم يجدوا إلا اللجوء إلى قرعة القناديل . من ينطفىء قنديله أولا يكون المتسلم . انطفأ قنديل ظاهر أولا فكان المتسلم .
امتطى ظاهر جواده وانطلق إلى صديقه بشر ليعلمه الفروسية .وهذا ما كان.
كان بشر قد فقد أسرته في مذبحة ويعيش وحيدا مع ابنة عمه "غزالة " الناجية الوحيدة أيضا. وكان أصبح بمثابة الإبن لعمر الزيدي بعد أن أنقذه من مطاردة الدرك له. تزوج من غزالة بعد أن رفضت فارسا من بني صخر ، وراحت
تعمل على أن تجعل من بشر شيخا بعد أن كان مجرد راع لقطيع صغير من المعز .
تم في اجتماع لوجهاء طبرية بينهم المفتي والقاضي وإمام المسجد ومدير السجن ، توقيع طلب تعيين ظاهر متسلما خلفا لأبيه .
جاء جابي الضرائب وعساكره من صيدا. وجد أن ظاهر أعد له كل ما يريد لكنه لم يكتف . فقد راح يختار فوق الضريبة شاة أو عجلا ، جرة عسل أو بساطا .. راقب ظاهر الأمر بصمت ، وحين هرع الناس صارخين قبض على الجابي ومن معه ، أوثقهم رجاله وأودعوهم السجن .
كانت تلك أول واقعة يؤكد ظاهر فيها قوة شخصيته .
*******
ذات يوم وفيما كان ظاهر عائدا من شاطئ البحيرة ممتطيا حصانه والفرس حليمة تسير خلفه ، سمع صراخا مكبوتا لامرأة وهو يجتاز بيارة ليمون .ترجل عن حصانه وهرع ناحيته . كان ثمة رجل يحاول اغتصاب امرأة ، مطبقا بيد على فمها ، مشهرا سيفه باليد الأخرى .
نهض الرجل وتهيأ لمواجهة ظاهر . كانت المرأة شبه عارية بثيابها الممزقة . تصارع الرجلان بسيفيهما ... وتمكن ظاهر من قتل الرجل .
خلع ظاهر عباءته وأعطاها للمرأة لتستر نفسها .. كانت فتاة في السابعة عشرة ، عرف ظاهرأنها ابنة صاحب البيارة . سألها عن اسمها فقالت : هنية ! وستظل هنية منذ ذلك اليوم ذكرى تتجدد كل بضعة أعوام ، وظلال حب انساني دفين ، بأن راحت ترسل جديلتيها معطرتين في صرة لظاهر ، وأوصت قبل موتها أن تثابر ابنتها على ارسال الجديلتين له .
ترك مقتل الرجل في نفس ظاهر أثرا عميقا راح ينعكس حتى على اخوته ونجمه مربيته ، فما كان منهم إلا أن باعوا أملاكهم وارتحلوا إلى ضواحي صفد حيث مضارب عرب الصقر الذين استضافوهم .
في رحلة إلى دمشق تعرف ظاهر إلى نفيسة ابنة الشريف محمد الحسيني وخطبها وتزوجها بمساعدة الشيخ عبد الغفار الشويكي .
تحالف ظاهر مع عرب الصقر وانتقل إلى طبرية . وحين جاءه رجل مسيحي( جريس) يشكو ما جرى له من المتسلم من ابتزاز وخطف للزوجة، اعتقله ظاهر وقيده إلى نخلة وأفرج عن السجناء الذين كان يعتقلهم ظلما. جيء بزوجة جريس التي كانت قد قصت شعرها وسخمت وجهها ، وطلب إليها ظاهرأن تنتقم لنفسها ، فخلعت نعليها وظلت تضربه إلى شروق الشمس.
أشار ظاهر إلى جريس أن يأخذ زوجته ، وإلى مرافقيه أن يحلو وثاق المتسلم ويركبوه بالمقلوب على جحش ويطوفوا به في طبرية ليشتم ويصفع ممن يريد من الناس ، وليودع في السجن بعد ذلك .
أخذ نجم ظاهر في الصعود بعد ذلك ، فطلب إلى صديقه بشر تكوين جيش من أهالي طبرية ومن البدو.وشرع في ضم البلدان المجاورة إليه ، وتحصين طبرية
بأن رفع أسوارها لتتحول إلى قلعة .
عبد الله باشا الأيضنلي والي الشام ارتاب مما يفعله ظاهرفقرر أن يخضع طبرية ، فاشار لرجاله بأن يبدأوا بإنهاء تحالف عرب الصقر مع ظاهر بالترغيب أو الترهيب.
نجح رجال الباشا في الأمر . وشرع رجال الصقر يشنون الغارات على القوافل ، إلى أن انتهوا بأسر صالح .
انتظر ظاهر عودة أخيه دون جدوى .أرسل إلى الأمير رشيد أمير الصقريسأله عن الثمن الذي يريده مقابل رأس صالح .كان الرد صاعقا لظاهر " مطلبي أكبر من كل ما ستدفعه لقد سبقك من يملك أكثر منك واشتراه ” يقصد والي الشام .
أرسل صالح إلى والي الشام ليتم شنقه . وصل الخبر صاعقا إلى ظاهر . هتف : لنعلم الأمير رشيد كم رأسا من رؤوس الصقر يساوي رأس صالح .
" مباغتا كان الهجوم . اندفع جنود ظاهر في مضارب الصقر كالإعصار " " تطايرت الرؤوس في ذلك الفجر الدامي قبل أن تشرع أعينها لترى ما يحدث . سقط الموت كله كغيمة صخرية باتساع السماء ساحقة كل ما تحتها " " لم يدم الهجوم طويلا ،كان خاطفا مثل مرور منجل في حزمة سنابل"(ص 191 )
***************
نفيسة التي لم تنجب . كان ظاهر قد أسكنها في الناصرة . جاءت إليه بطلبين : أن يزحف إلى الناصرة ليضمها إليه ، وأن يتزوج من العروس التي اختارتها له من الناصرة (بدرية) .
تزوج ظاهر من بدرية التي أنجبت له ابنه الأول . " صليبي" في الوقت الذي كانت فيه نفيسة تذوي .
كان حب نفيسة قد ملأ عليه قلبه ، ولم تكن بدرية أو غيرها من الزوجات الثلاث اللاحقات أن تعوض الفراغ الذي خلفه رحيلها. رحلت وهي في حضنه وهو يمشط شعرها .
راح ظاهر يتوسع في البلاد فضم صفد والبعنة وسحماتا.وتزوج من ابنة متسلم البعنة .
الزوجة الرابعة لظاهر كانت سلمى التي أهداه إياها الأمير رشيد الجبر أمير عرب الصقر . لم ير ظاهر أجمل منها حتى حينه . لكنها كانت تخفي سرا في نفسها يجعلها تهرب بعينيها بعيدا .
أصرت نجمة على أن تختار زوجة لظاهر بعد أن رأت أنه ظل مسكونا بنفيسة .
فسلمى طلقها ظاهر لتتزوج من تحبه ، بعد أن كشفه معها . وبدرية عادت إلى أهلها . أما ابنة متسلم البعنة التي فرضت عليه من أبيها ، فقد أخفى وجهه بين يديه
حين رأى وجهها !!
اختارت نجمة زوجة شامية جميلة ، فكانت دهقانة ، التي رأى فيها ظاهر ما كان يراه في نفيسة .
اندلعت الحرب مع نابلس التي كانت تعتبر ملكا خاصا للسلاطين العثمانيين . خان عرب الصقر ظاهر ثانية وانضموا إلى النوابلسة . كسب ظاهر الحرب وضم أراضيهم الساحلية إليه .
توالت حروب ظاهر بعد ذلك فخاض حروبا ضارية على أسوار طبرية وعكا وحربا مع دمشق وحروبا مع بعض أولاده ومن تحالفوا معهم .
جردت الدولة جيشا من ستين ألفا بقيادة محمد أبو الذهب والي مصر للقضاء على ظاهر وأولاده واستعادة المناطق التي تحت سلطته .
قتل أبو الذهب من قبض عليه من سكان يافا ، فقطع سبعة آلاف رأس جعل جيشه يعمل منها أبراجا ."وما أن وصلت أخبار مذبحة يافا حتى فر الناس تاركين قراهم ومدنهم صوب الجبال والحقول ... فأقفرت شوارع حيفا وعكا وصيدا وصولا إلى بيروت " ( ص 543 )
مات أبو الذهب قبل أن يقتل ظاهر ويسيطر على كامل المناطق .وعاد ظاهر إلى عكا بعد أن غادرها على أثر احتلال ابنه علي لها .
راح ظاهر يحصن المدينة من جديد ، فيما الدولة تعد جيشا عرمرما وضعت على رأسه ثلاثة وزراء ، هم وزراء دمشق والقدس وأضنه وأحمد باشا الجزار محافظ السواحل . إضافة إلى اسطول حسن باشا الجزائري الذي سيحاصر عكا من البحر ،
والذي كان يحمل فرمانا سلطانيا بقطع رأس ظاهر ورؤوس أولاده وذريتهم والعودة بها إلى اسطنبول.
كان الدنكزلي آخر خونة ظاهر فاتفق سرا مع الجزائري أن يكون معه . وأول ما قام به بعد المعركة، هو خطف جارية جورجية ساحرة الجمال اسمها باتريشا أطلقت عليها دهقانة قبل رحيلها اسم عيشة ، بعد أن أحبتها ورعتها، وأحبها ظاهربدوره بحيث غدت الفرح الوحيد في حياته .
حين راحت مدافع سفن الجزائري تدك عكا مستبقة وصول الجيش من البر، كان ظاهر يقف على الأسوار .. أطلقت مدافع جيشه لكنها كانت تسقط بعيدا عن السفن .
أدرك الخيانة . انقسم الجيش إلى قسمين : قسم معه وقسم مع الدنكزلي . بعد ثلاثة أيام حسم الدنكزلي المعركة واقتحم سراي ظاهر واختطف عيشة .
أتاح الدنكزلي لظاهر وما بقي من اسرته وجماعته أن يخرجوا ..
" في صباح التاسع والعشرين من شهر آب عام 1775 ألقى ظاهر من بعيد نظرة على المدينة . كانت صامتة مثل قبر . وبعد نصف ساعة اقترب من نجمة وشد على يدها يطمئنها فأشاحت بوجهها بعيدا تخفي دمعتين على وشك السقوط .
طاف يتفقد الجميع ، وفجأة سألهم السؤال الذي لا يعرفون إجابته : أين عيشة ؟!
ولم ينتظر إجابتهم . استدار بفرسه نحو نجمة . رأته فعرفت أنه اكتشف غيابها ."
"كان الدنكزلي يقف أمام بوابة المدينة وفي يده عيشه . شاهد ظاهر يعدو نحوه على حصانه الأبيض. وطلب إلى جنوده أن يتركوه له ليقتله . صوب وأطلق النار . افلتت عيشة وانطلقت تعدو نحو الشيخ ظاهر.وصلته .مد يده ليرفعها فوق حصانه ، لكن الطلقة التي عبرت كتفه ، اختطفت الكثير من قوته ..اختل توازنه .كانت يده أضعف من أن ترفع إنسانا .تمايل ثم سقط على الأرض بجانبها ."( ص 552)
"أطلق ظاهر النار فلم يصب . استل سيفه . أطلق الدنكزلي .. أصاب قلب ظاهر.لكنه لم يسقط .ظل واقفا والدم يتدفق من صدره وعيناه مثبتتان إلى وجه الدنكزلي .. العينان نفسهما القويتان الثاقبتان .. عند ذلك سحب الدنكزلي سيفه وأغار على ظاهر ، وبكل قوته قطع عنقه ففار الدم من جسده متحولا إلى أكبر شعلة قنديل يمكن أن يراها أحد تحت شمس وراحت تتقد وتعلو وتعلو " !! ( ص 552 )
" إلى البحر انطلقت عيشة .. وقبل أن تصله دوت طلقة .. رآها الدنكزلي تسقط "
حمل الدنكزلي رأس ظاهر وعاد إلى بوابة المدينة يتبعه جنوده . فيما كانت نجمة تغرس قدميها وكفيها في التراب .
**************
**إنسانية ظاهر وعدالته :
ثمة مشاهد كثيرة في العمل تعبرعن انسانية ظاهر ، ومن أهم هذه المشاهد هو اكتشافه لوجود رجل مع زوجته البدوية سلمى ، لم يكن إلا حبيبها وابن عمها قبل أن يزوجها الشيخ رشيد لظاهر .وحين عرف قصته طلب إليه أن ينسى ما حدث ويعود إلى أهله . طلقها بمحبة لتتزوج من حبيبها .
وحين راود ابنه عثمان مرضعة ابنه عن نفسها . أحضر عثمان وعلقه على مشنقة
وأحضر المرأة لتقرر مصيرة وهو معلق . فظل معلقا طوال الليل وحتى ظهيرة اليوم التالي حتى جاءت المرضعة وسامحته .
عدم تفريقه بين الأديان :
" على بوابة كنيسة البشارة سجد ظاهر وصلى . رفع يديه وشكر مريم العذراء . أصدر أمره : كل ما يلزم الكنيسة من قناطير الزيت يتم احضاره لها في كل موسم .ويتم اقتطاع كرم زيتون من كفر كنا وآخر من المجيدل ليكونا وقفا أبديا لكنيسة البشارة " ( ص 274 )
وما يزال الكرمان وقفا للكنيسة حتى اليوم .
قال لابنه سعد ذات يوم " والله يا سعد لو وقف بباب قلبي رجلان ، رجل عادل من أي مذهب أو ملة أو دين ، ومسلم ظالم ، لأسكنت الأول قلبي وطردت الثاني " ( ص 254 )
لم يكن ظاهر يجبي من الناس أكثر من طاقتهم ، وأزدهرت في عهده تجارة القطن مع بريطانيا وفرنسا . وكان حرصه على أمن الناس شديدا ، وكي يطمئن طلب أن يأتوه بفتاة جميلة .. البسها أجمل الملابس وزينها بأجمل الحلي والجواهر وجعلها تجوب الجليل وحدها . وجعل جنودا يحرسونها عن بعد دون أن تدري . وحين عادت سألها إن تحرش أحد بها . فقالت إن أحدهم سألها إلى أين تذهب وآخر من رجال الصقر اعترض طريقها وحين عرف أن ظاهر هو من أرسلها ، تركها وهو يتفوه بكلمات غير مفهومة .
أرسل ظاهرفي طلبهما وأعدمهما شنقا !!
وأقام ظاهر ما يشبه الضمان الإجتماعي حين رأى مشعوذا عاريا يقوم باستدرار عواطف الناس ، فأمر بإحصاء للفقراء من السكان ودفع ما يكفيهم من مال كل شهر. ومنع التسول.
ليس في الإمكان التوقف عند الكثير من المشاهد التي تعبرعن إنسانية ظاهر وعدالته وشهامته في الحروب حيث كان يحترم خصومه . وليس في الإمكان التطرق إلى البطولات والوصف الخلاق للمعارك ، والمواقف الإنسانية المؤثرة ، وأحوال الناس وعاداتهم وطقوسهم وعلاقتهم بالأرض ، وخاصة نجمة الحافية دائما ، التي تشبه الأرض عينها ، والتي ثابر ظاهر على تقليد حفيها حين تسنى له الأمر. مما جعلنا نعيش مع هؤلاء الناس ، نفرح لأفراحهم ، ونحزن لأحزانهم.
لجأ ابراهيم إلى لغة شاعرية جميلة جنحت إلى التغريب والأسطرة والترميز أحيانا ، مما أضفى على العمل أبعادا جمالية أخاذة ، كما في مشهد قطع رأس ظاهرحيث تحول الدم إلى شعلة قنديل كبيرة راحت تتقد وتعلو ..
في تقديمه وتأخيره للأحداث ، واستقراء أفكار شخصياته ، لعب ابراهيم لعبة ذكيه ، جعلت القاريء يتفكر في ما يجري ، كما في الفصول التي يتآمر فيها أبناء ظاهر عليه وغيرها.
خلاصة القول : لقد قدم ابراهيم نصرالله عملا أدبيا تاريخيا لم يكتب مثله أو بمستواه وعلى الإطلاق في الأدب الفلسطيني كله ، إن لم يكن في الأدب العربي .
ورسم لنا بنجاح باهر شخصية البطل الفلسطيني كما لم يرسمها كاتب من قبل .
البطل الفارس ، الذي يحارب بشجاعة ويحقق انتصارات ، لكنه يهزم ويستشهد في النهاية ، وكأن القدر قد رسم له مسبقا هذه النهاية التراجيدية . وهذه هي حال البطل الفلسطيني بدءا بجليات وانتهاء بياسر عرفات .
لقد حاول ابراهيم أن يرسم ببراعة لحظة سقوط ظاهر . ويا ليته لم ينه الرواية باستشهاده ، بل بتشييع جثمانه وإقامة جنازة مهيبة له ، تنثر فيها النساء شعورهن ، ويشققن ثيابهن عن جيوبهن ، ويدققن صدورهن بقبضاتهن ، ويلطمن خدودهن ، ويندبن الفارس الراحل من أعماقهن بأجمل ما تجود به قرائحهن . فبطل فارس بهذه
الصفات ، أشبه بكوكب أو نجم سقط من مكانه وآل إلى الإنهيار . ويستحق الحزن عليه وإقامة طقس فريد له بترحيله إلى مثواه الأخير .



#محمود_شاهين (هاشتاغ)       Mahmoud_Shahin#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -غريب النهر - سفر الشتات الفلسطيني
- شاهينيات :في الخلق والخالق والمعرفة (13)
- البطولة الجماعية في ( فرس العائلة )
- حوار مع صديقي المؤمن !
- سعود السنعوسي يحلق عاليا في - ساق البامبو-
- عزازيل : صراع الكنائس حول طبيعة المسيح؟
- ماذا فعلت بعلاء الأسواني في نادي السيارات ؟!
- شاهينيات :في الخلق والخالق والمعرفة (12)
- شاهينيات :في الخلق والخالق والمعرفة (11)
- شاهينيات :في الخلق والخالق والمعرفة (10)
- شاهينيات :في الخلق والخالق والمعرفة (9)
- شاهينيات :في الخلق والخالق والمعرفة (7)
- شاهينيات :في الخلق والخالق والمعرفة (8)
- شاهينيات :في الخلق والخالق والمعرفة (6)
- شاهينيات :في الخلق والخالق والمعرفة (4)
- شاهينيات :في الخلق والخالق والمعرفة (5)
- شاهينيات :في الخلق والخالق والمعرفة (3)
- شاهينيات :في الخلق والخالق والمعرفة (2)
- النبي محمد لم يكن أميا !
- شاهينيات :في الخلق والخالق والمعرفة (1)


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شاهين - -قناديل ملك الجليل - ملحمة الفارس الأسطورة !