أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مظفر قاسم - دموع أبي














المزيد.....

دموع أبي


مظفر قاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4603 - 2014 / 10 / 14 - 03:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


دموع أَبي

د مظفر قاسم
كاتب وإعلامي
[email protected]

إِنها الرابعة فجراً من يوم 24 شباط فبراير عام 1991 ، موعد إنطلاق العملية البرية (عاصفة الصحراء / حرب الخليج الثانية ) لقوات التحالف المكونة من 34 دولة أجنبية وعربية بقيادة الولايات المتحدة الاميركية من أجل تحرير الكويت بعد إضعاف قدرات العراق من خلال الضربات الجوية القاسية والمجرمة خلال 43 يوما كانت من أقسى الايام التي مرّ بها العراق آنذاك ، بغداد بدت خاوية ! ، مهجورة ! ، ثوبها السواد الدامس بسبب استهداف جميع المحطات الكهربائية والبنى التحتية ، خرج من بغداد من كان محظوظا بوجود أقارب له في محافظات أخرى وبقي من تعذر خروجه لاسباب عدة كان منها أيضا عدم وجود وقود لسيارته ، كنت حينها طالبا جامعيا في كليّة الهندسة ، قرّر أبي ( البروفيسور الدكتور قاسم حسين صالح ) أن تتوزع عائلتنا على محافظات عدّة وأنْ لا نكون في مكان واحد وحين سألته عن السبب قال لي بحزن شديد " كي لا نموت جميعا وأن يبقى منّا من يقدّر الله له أن يبقى وأن لا تمحى عائلتنا بأكملها " ، كان قرار صعبا على جميع أفراد العائلة وأولهم أبي ، تشظت عائلتنا كقطرة زئبق هوت على الارض ، قسم منها توجه الى الموصل ، وقسم آخر الى النجف وقسم آخر الى ديالى وقسم آخر الى ذي قار ولا نعلم إنْ كان شملنا سيلتئم بعد هذا الفراق وتعود قطرة الزئبق كما هي دون أي نقص ، كان أبي وقتها مشدود الاعصاب ، اَبٌ يُودّعُ أفراد عائلته! ، وبقيت وحدي معه فقرر أن أقود أنا السيارة لنودّع بيتنا ومكتبتنا الغنية التي أخذت جدارا كاملا من جدران الصالة العريضة، وعاصمتنا ومسقط رأسنا بغداد الحبيبة ، أتذكر جيدا كيف أنني قدت السيارة بسرعة جنونية تحت القصف الجوي المكثف في شوارع كانت شبه خاوية ، وكان أبي يحثني على تقليل السرعة كي لا يتم إستهلاك الوقود ويكفي للوصول الى بيت اقاربنا بأمان ، وصلنا بفضل الله تعالى ، كان هذا في بداية العمليات الجوية ،التي طالت بيتنا ثلاث مرات ، وكان الراديو آنذاك وسيلة الاعلام الوحيدة التي تعمل في العراق وكانت إذاعة "بي بي سي القسم العربي" النجم البارز في إستحصال كافة الاخبار وكان الراديو لا يفارقنا أبدا ، وكان أبي يتمنى أن ينسحب الجيش العراقي من الكويت قبل الهجوم البري ، وكانت الجلسات مع الاقارب ، يتوسطنا الراديو كفرد منّا ، تمتد حتى صلاة الفجر وبعد أن نصلي نحاول إقناع جفوننا في أن تغمض قليلا على صوت مذيعي الراديو ، وخلال الضربات الجوية التي امتدت شهرا ونصف الشهر تقريبا بقي أبي يتأمل الانسحاب قبل بدء الهجوم البري ضد الجيش العراقي ، كنت أنام في ذات الغرفة التي ينام بها والدي والراديو يتوسطنا كعادته.
إنها الرابعة فجرا من يوم 24 شباط فبراير عام 1991 ، نام والدي قبل ساعة فقط ، وضعت الراديو على صدري أستمع الى إذاعة "بي بي سي" ، خبر عاجل … لقد بدأ الهجوم البري ضد الجيش العراقي ، الامر الذي كان يخشاه أبي ، قفزت من فراشي ، وضعت الراديو جانبا ، حاولت إيقاظ أبي بهدوء تام ، وضعت يدي بهدوء على يده وهمست … أبي .. أبي … رغم أنني حرصت على إيقاظه بهدوء تام إلا أنه فزّ من نومه كما يفز ملدوغ ! قائلا : نعم بابا .. أكو شي ؟
فقلت له : بابا … لقد بدأ الهجوم البري .. فقفز من فراشه وتكاد عيناه تخرجان من رأسه قائلا : مستحيل ! إحتضن أبي الراديو … مذيع "بي بي سي" يعيد الخبر العاجل .. لقد بدأ الهجوم البري بقيادة الولايات المتحدة الاميركية …....
هنا كانت لحظة لن أنساها ما حييت … وضع أبي الراديو جانبا .. فوضع يديه على وجهه فأجهش بالبكاء ! … بكاء لن أنساه أبداً … لقد بكى والدي كالطفل الذي يؤخذ قسرا من صدر أمه … أو بكاء أب فقد ولده العزيز فتذكرت بكاء يعقوب على يوسف .. إنها المرة الاولى التي أرى فيها والدي يبكي .. أبي الذي حين سمع بخبر وفاة أخته التي ربته خرج من المنزل كي يبكي عليها بعيدا دون أن يراه أي بشر .. عزّة النفس التي يمتلكها تمنعه من أن يراه بشر باكيا … تلقيت ثلاث صعقات في تلك الليلة .. الاولى صعقة الهجوم البري والثانية بكاء أبي .. فقد كانت تلك المرّة الاولى التي ارى فيها والدي باكيا ... والثالثة ذلك البكاء الشديد وبحرقة … حاولت تهدئته قدر ما أستطيع
ولم أفلح … تركته يبكي قليلا … ثم مسكت بيده قائلا: لماذا هذا البكاء يا أبي ؟ … أماط أبي يديه عن وجهه … وإذا بي أرى وجه أبي وهو حزين وكظيم ومحمّر وقال لي كلمات لن أنساها … قال أبي بالحرف الواحد : "إبني مظفر … العراق إنتهى ! ليس الآن فقط بل إنتهى لغاية 25 سنة مقبلة ! … هؤلاء لا يريدون تحرير الكويت أو إزاحة النظام .. هؤلاء يريدون العراق" !

كان هذا عام 1991 ونحن الآن في عام 2014 أي 23 عاما مضت على تلك الجملة التي قالها أبي!

وبعد هذه الاعوام التي مضت إكتشفت أمرين ... الأول .. أَن "نبوءَة" أَبي بخصوص "أن العراق إنتهى ليس الآن فقط بل إنتهى لغاية 25 سنة مقبلة وإنهم يريدون العراق" ! كانت صادقة تماما ! .. والثاني.. أن أبي كان متفائلاً !!

د مظفر قاسم
كاتب وإعلامي
[email protected]



#مظفر_قاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بماذا يفكر؟
- دعايات ولكن!
- إننا نُحذّر !
- انتظروا جديد المرشحين !
- من ولماذا وأين ؟!
- سدادة البانيو !
- الحل ... قمة عراقية
- دعوة عاجلة الى شعب العراق العزيز
- الطاقة في العراق بين الحاضر والمستقبل
- ظاهرة الشعبية في الوطن العربي
- لعبة الاعلام
- رحلتي الى العراق .. كيف لايثور المسحوقون ؟!
- لن يجلس رجل أسود في البيت الابيض
- الاعلام .. الهدف.. الرؤية
- برنامج الرئيس
- سؤال وجواب


المزيد.....




- -ضربه بالشاكوش حتى الموت في العراق-.. مقطع فيديو لجريمة مروع ...
- آلاف الأردنيين يواصلون احتجاجاتهم قرب سفارة إسرائيل في عمان ...
- نتانياهو يوافق على إرسال وفدين إلى مصر وقطر لإجراء محادثات ح ...
- الإسباني تشابي ألونسو يعلن استمراره في تدريب نادي ليفركوزن
- لأول مرة.. غضب كبير في مصر لعدم بث قرآن يوم الجمعة
- القيادة المركزية الأمريكية تعلن تدمير 4 مسيّرات للحوثيين فوق ...
- صاحب شركة روسية مصنعة لنظام التشغيل Astra Linux OS يدخل قائم ...
- رئيسا الموساد والشاباك يتوجهان إلى الدوحة والقاهرة لاستكمال ...
- مصر.. فتاة تنتحر بعد مقتل خطيبها بطريقة مروعة
- علاء مبارك يسخر من مجلس الأمن


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مظفر قاسم - دموع أبي