|
لا يا جلالة الملك ما كان ان تميز بين الناس هذا مغربي وطني وهذا عدمي ، المغاربة اين حلوا وارتحلوا هم دائما مغاربة ومواطنون
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 4602 - 2014 / 10 / 13 - 18:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا يا جلالة الملك ما كان ان تميز بين الناس هذا مغربي وطني وهذا عدمي ، المغاربة اين حلوا وارتحلوا هم دائما مغاربة ومواطنون . لم يكن الخطاب الذي القاء الملك يوم 10 اكتوبر 2014 عاديا ، بل لأول مرة يعطيه طابعا استثنائيا عن الخطابات التي دأب على قراءتها منذ العشرية الاولى من الالفية الثالثة . وهنا اتساءل وسؤالي قد يعتبر شاردا عن اجماع النفاق المدّاح ، ان الملك حين كان يقرأ الخطاب ، هل كان يعي ما كان يتلوه امام الشعب قبل البرلمانيين ، ام انه كان يقرأ فقط للتخلص من عناء القراءة ومن بروتوكول البرلمان المرهق . وهنا اتسائل من جديد ، عنْ : منْ كان وراء تحرير الخطاب الذي يكون الملك قد وجهه الى الشعب ، قبل البرلمانيين الشاردين والمصفقين المنافقين . سأقوم بقراءة مغايرة للقراءات التعتيمية والنفاقية التي انطلقت بمجرد انتهاء الخطاب ، وما دمنا نعيش الديمقراطية ، فعلى الديمقراطي الحقيقي ان يقبل بالديمقراطية بكل محاسنها و ( عيوبها ) ، رغم ان من عيوب الديمقراطية ، فضح الاستبداد والفساد ، لذا اتمنى ان يتسع صدر كل قارئ متلقي للقراءة المخالفة . ان اهم ملاحظة سجلتها من خلال تتبع كل فقرات الخطاب ، هو ان من حرره ليس هم المستشارون المثقفون ولا المستشارون الدينيون ، بل ان من حرر الخطاب هم المربع البوليسي الضيق شلة الهمة وتوابعه . وهذا نستشفه من ادراج حديث " اللهم كثر حسادنا " ، لان كثرة الحساد تعني المنجزات والخيرات ، اما من لا يملك شيئا ، فليس له ما يحسد عليه . وبالرجوع للبحث عن مصدر الحديث ، لم نجد ما يثبت انه حديث مروي عن النبي ، سواء بمراجعة صحيح البخاري ، او صحيح مسلم ، او سنة ابن ماجة ، او سند الامام احمد . فهل كان سيتضمن الخطاب ، لو ان من حرره ، هم مستشارون متخصصون بالشؤون الدينية كالأستاذ عباس الجراري ، او مستشارون اكاديميون امثال الاستاذ المعتصم ، هذا الخطأ الزلة ؟ وبالرجوع الى اصل الخطاب الملكي لمعرفة الجهة التي حررت الخطاب ، نجد ان آثار الفريق البوليسي ، واضحة في المضمون وفي الشكل والصياغة . يقول الملك في خطابه " .. رغم مناورات الحساد ، فإننا حريصون على ممارسة الحقوق والحريات ، وبموازاة ذلك ، فان من واجبات المواطنة الالتزام باحترام مؤسسات الدولة ، التي ترجع حمايتها للسلطات الحكومية ( السلطة ) والقضائية المختصة ، وللمؤسسات الحقوقية وهيئات الضبط .. " و اكد " .. لسنا ضد حرية التعبير والنقد البناء ، وإنما ضد العدمية والتنكر للوطن .. " . يلاحظ بالواضح من هذه الفقرة ، اسلوب البوليس المتخصص في التفسير البوليسي للتاريخ ، وللإحداث حين يميز بين الشعب ، فيصف هذا مغربي وطني وهذا عدمي غير وطني . كما يلاحظ وبالمكشوف من هذه الفقرة كذلك ، استعمال اسلوب الوعد والوعيد والتهديد والترهيب " السلطات الحكومية والقضائية المختصة .. وهيئات الضبط " . فهل هذا الاسلوب الهجومي والاستقوائي من انتاج المستشارين القانونيين او المستشارين الدينيين او المستشارين الاكادميين ؟ او هو من انتاج المربع البوليسي الضيق برئاسة المستشار الهمة ومستشاره الشرقي ضريس الذي تسلل الى مربع الحكم وبدأ ينفث سمومه بما يدفع بالمغرب الى الهاوية ؟ بالرجوع الى اسلوب التصنيف وسط الشعب ، بين المغربي الوطني وبين العدمي غير الوطني ، فهذا الاسلوب البوليسي ، عهدناه من قبل اجهزة ادريس البصري ، ومن قبل الاحزاب المخزنية الجديدة ، حين كانوا يصفون مناضلي الحركة الماركسية اللينينية المغربية ، وبالأخص منظمة الى الامام ب " العدمية الوطنية " ، بسبب موقفهم من القضية الوطنية ، حيث كانوا ولا يزالون يناصرون حل الاستفتاء وتقرير المصير ، و يجاهرون امام الملأ بوصف الصحراء بالغربية وليس بالمغربية . وتضمين نفس الوصف في الخطاب ، هو دليل عن نوع الهيئة التي حررته وأعطته للملك لقراءته . واذا كان وصف " العدمية الوطنية " يجد له تربة خصبة في بداية الصراع بالصحراء ، فان استعمال هذا الوصف اليوم ، يشكل خطرا خطيرا على وحدة اللحمة المغربية ، كما يورط الملك في ممارسات تجعله طرفا وخصما ، بدل ان يكون حكما باعتباره ملكا للجميع . اذن هل يجوز في هذا الزمن الذي تغير ، ان تستمر الخطابات في التمييز بين المواطنين ، هذا مغربي وهذا عدمي ؟ .وما هي المعايير التي استند عليها الفريق البوليسي المحرر للخطاب حتى يكون صادقا في وصفه ؟ شيء عجيب ان يصرح الملك بمغربيته ، وشيء جميل ان يطلب من البرلمانيين الافتخار بمغربيتهم . لكن لماذا لم يوسع محررو الخطاب ، نزوة وشوفينية التمسك والتفاخر بالمغربية ، للشعب ؟ ام ان هذا ليس في حاجة الى مواطنة مادام انه رعية من الرعايا التي ينوب عنها الملك في السراء والضراء ؟ اذا كنت يا جلالة الملك تعتبر العدمي الغير الوطني هو من يتمسك بالاستفتاء وتقرير المصير ، والقصد هنا الجمعية المغربية لحقوق الانسان ، ومنها حزب النهج الديمقراطي ، والنهج الديمقراطي القاعدي ، وجماعة العدل والإحسان ، فاعلم يا جلالة الملك ان هؤلاء مغاربة وطنيون ، اجدادهم استوطنوا المغرب قبل ان ترى النور لتصبح بالوجوب اميرا وبالوراثة ملكا . لقد دخل العلويون الى المغرب اقل اربعمائة سنة ، واستوطنت قبائل بنو هلال وبنوسليم المغرب منذ الف ومائة سنة ، اما الامازيغ السكان الاصليون ، فوجودهم بالمغرب يرجع الى آلاف السنين . فهل يجوز يا جلالة الملك الاتفاق على ان تاريخ مدينة فاس يرجع فقط الى الف ومائتي سنة ، ام انه يرجع الى آلاف السنين . فمن يريد ان يشطب بجرة قلم تاريخا دليلا على مغربية جميع المغاربة إلاّ شيطان اندس الى مربع الحكم خلسة ، فبدأ ينفث سمومه طولا وعرضا بما يجر البلد الى الهاوية الموعودة؟ اذا كان المقصود بالعدمي ، هو من يقر بالاستفتاء وتقرير المصير بالصحراء المغربية ، فاعلم يا جلالة الملك ان المخزن في سنة 1966 ومن اعلى منبر بالأمم المتحدة ، هو من طالب بالاستفتاء وتقرير المصير بالصحراء . وفي سنة 1967 ، يا جلالة الملك ، ومن نفس المنبر ، المخزن وصف الصحراء بالاسبانية وليس المغربية ، وطالب بالاستفتاء وتقرير مصيرها . وفي سنة 1968 ومن داخل اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار ، وبعد ان وصف الصحراء مرة اخرى بالاسبانية وليس بالمغربية ، هو من طالب بالاستفتاء وتقرير المصير بحقها . وحتى وقت قريب ، يا جلالة الملك ، اليس المخزن من طالب بالاستفتاء وتقرير المصير في الصحراء في سنة 1982 ، ووقع مع المنظمة الانفصالية البوليساريو في سنة 1991 ، وتحت اشراف الامم المتحدة ، اتفاقية وقف الحرب ، وخلق المينورسو المسماة هيئة الامم المتحدة لتنظيم الاستفتاء بالصحراء الغربية ، ومقرها الرئيسي بمدينة العيون المحررة . ثم يا جلالة الملك . اليس المخزن من قبل باتفاق الاطار لجميس بيكر الذي ينصص على حكم ذاتي مدته خمس سنوات ، ثم يليه استفتاء لتقرير المصير . وماذا عن الحكم الذاتي الذي مات قبل ان يجف الحبر الذي كتب به ؟ اذن الآن يا جلالة الملك ، اذا سايرنا منطق محرري الخطاب ، فان المخزن والجمعية المغربية لحقوق الانسان وتوابعها يشتركان في اختيارهما ومطالبتهما بالاستفتاء وتقرير المصير بالصحراء ، وهذا بخلاف الشعب الذي يتمسك بمغربية الصحراء ، وما بدل بشأنها تبديلا . إذن يا جلالة الملك ، اسمحوا لي الآن ان اسأل والسؤال يبقى مشروعا : من هو المغربي المواطن / ومن هو العدمي الغير المواطن حسب معيار من حرر الخطاب ؟ هل المخزن والجمعية وتوابعها ام الشعب ؟ ان تصنيف الشعب الى مغربي وطني والى عدمي من قبل من حرر الخطاب ، هو شيء خطير . وخطورته يا جلالة الملك ، ليست غير الرسالة التي ينوي المربع البوليسي ايصالها الى من يهمه الامر ، وهي المزيد من القمع ، المزيد من التشدد ، المزيد من الاستبداد لكل من يرفض الركوع والسجود والانبطاح . ان مفهوم العدمي عند المربع البوليسي ، ليست فقط من يرفع شعار الاستفتاء وتقرير المصير ، هذا مجرد الشجرة التي تخفي الغابة ، بل ان المقصود بالعدمي ، هو كل شخص يرفض المخزن ، يرفض الحكم الفردي ، يطالب بمبدأ الفصل بين السلط ، وان تكون السلطة للشعب لا لغيره ، يطالب بالدولة الديمقراطية المدنية ، يطالب بالحقوق وبالمواطنة الكاملة لا المنقوصة . ان العدمي في مفهوم المربع البوليسي الضيق ، هو الشعب ، هو الاكثرية التي تطالب الحرية وبالمواطنة ، وترفض ان تكون مجرد رعية . اما المغربي في نظر هذه الشلة البوليسية ، فهو كل من يفضل الانبطاح ، يفضل الركوع ، يفضل الانحناء ، هو كل من يرفض المواطنة ويتمسك بالرعية . ان المربع البوليسي الذي حرر الخطاب ، جعلك يا جلالة الملك تنحاز الى زاوية ، وتتخندق الى جانب . بل جعلك تصطف مع الاقلية القليلة ، وتبتعد عن الاغلبية الساحقة الضامنة ، و لوحدها لاستمرار الدولة . لذا فخطورة الخطاب الذي القيته بالبرلمان ، هي انك كملك ، حين تصف الناس بالعدمية فانك تخوّنهم ، وهي انك كأمير للمؤمنين كذلك ، حين تصفهم بالعدمية ، فانك تكفّرهم ، وهذا شيء خطير لا يجوز ان يصدر عن ملك من الفروض انه ملك للجميع وليس ملكا للمربع البوليسي الخطير الذي حرر الخطاب . ان اصل الملك يا جلالة الملك ، ليس هو الدلالة على نوع النظام السياسي في الحكم بالمفهوم المعاصر . ان هذا المفهوم يا جلالة الملك ، كانت له دلالات اخرى ، اهمها العدل والقضاء . لذلك يقولون ان اساس الملك هو العدل ، وليس هو النظام السياسي وممارسة السلطة . فلو رجعنا مثلا للاستخدامات القرآنية ، سنجد ان اصل كلمة حكم قد وردت ضمن معنيين : 1 ) المعنى الاول ، بمعنى القضاء والفصل في المنازعات ، اي الحكم والتحكيم . وكما ورد في الآية الكريمة " ثم الي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون " 2 ) المعنى الثاني ، هو معنى الفقه والعلم . فمثلا يقول القرآن الكريم في وصف النبي يحيى " و آتيناه الحكم صبيا " . بالطبع هنا ، فان المقصود من هذه الفقرة في الآية ، ليس هو اعطاء يحيى الحكم ، اي ممارسة السلطة السياسية وهو صبي ، فهذا شيء لا يقبله عقل سليم ولا منطق ، وإنما المقصود ، ان الله اعطى يحيى الفقه والعلم والحكمة والمعرفة وهو صبيا . كذلك يدعو النبي ابراهيم ربه فيقول " ربي هب لي حكما وألحقني بالصالحين " ، وطبعا المعنى هنا ليس اعطيني السلطة السياسية لأحكم البلد ، وإنما المعنى ، هو اعطيني العلم والفقه والحكمة . اي ان كل اصل الحكم ، يدور ويجب ان يدور على العدل والعلم ، باعتبار ان من المفروض اننا امة اقرأ التي نزلت عليها هذه الآية بصيغة الجبر . فهل يا جلالة الملك يسود العدل اطراف مملكتكم السعيدة ، ام في زمانكم زاد الظلم ظلمات ، وتنوعت اساليب القهر و الطغيان والاستبداد ؟ وهنا يا جلالة الملك نسأل مرة اخرى : هل هناك مقعد للدراسة لجميع المغاربة في المدن والقرى والجبال ؟ هل بإمكان كل مغربي عليل مريض ولوج المستشفيات الغير الموجودة بالمداشر والجبال والقرى النائية ؟ هل كل مغربي يحمل شهادة جامعية عليا ، يلج الى سوق الشغل الذي هو حق منصوص عليه في الدستور ؟ هل كل المغاربة يتمتعون بنفس الحقوق وبنفس الواجبات ؟ كيف تفسر يا جلالة الملك ، ان المغاربة وفي العشرية الثانية من الالفية الثالثة ، لا يزالون يسكنون في المغارات والكهوف بضواحي اقليم صفرو ، ويسكنون في دور الصفيح المسيّجة للمدن الكبرى ، وبمختلف القرى والمداشر ؟ اليس ظلما ان يطبق القانون فقط على الصغار ، في حين لا يشمل ( الكبار ) حين ردد وزيركم الاول عبدالاله بنكيران عبارته الشهيرة " عفا الله عمّا سلف " . كيف نحاكم مواطن على رفعه لسكين ، في حين لا نحاكم زوج اميرة استوقفه رجل امن لمخالفته قانون السير ، وعندما طالبه بالأوراق الثبوتية ، عوض ان يمد له اوراق تعريفه ، وصفه بالوبش واخرج مسدسه مطلقا عليه رصاصة في الرجل . وعندما حلت الشرطة مسرعة ، امّنت سلامة زوج الاميرة حين رافقته بمسدسه الى منزله ، في حين ترك الشرطي مثل البعوضة مستلقيا في الارض ؟ اليس هذا وغيره كثير مما يتشكى منه المواطنون من عائلة امحزون بإقليم خنيفرة يجسد قمة الظلم والاستبداد ؟ اين نحن من دولة الحق والقانون التي تستهلك فقط في الشعارات ؟ ثم يا جلالة الملك . لماذا لم تنصِف المهندس احمد بن الصديق الذي تعرض لظلم سافر من قبل المقربين اليك ؟ ولم تنصِف القبطان مصطفى اديب الذي عاصرت مشكلته وأنت امير ؟ ولم تنصف القاضي عنبر ولا انصفت كاتب هذه الدراسة حين تعرضت لظلم فادح من قبل صديقكم فؤاد الهمة ومن قبل مساعده المسمى الشرقي ضريس ، فقط لأنني قمت بدراسة عارضت فيها حل الحكم الذاتي الذي مات قبل ان يجف الحر الذي كتب به ، وأخبركم يا جلالة الملك انني لا ازال اتعرض لاعتداءات هؤلاء الى اليوم . وأتساءل هل هذه الاعتداءات حصلت ولا تزال تحصل بتعليماتكم ، ام ان اصلها الجبان والمريض والحسود المسمى الضريس الذي يستعمل الاجهزة ( المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني ، والمديرية العامة للأمن الوطني ) واللتان لا تزالان تعملان بنفس الطريقة ايام المقبور ادريس البصري ، في تصفية الحسابات وفي الاعتداء على الناس ؟ انه بعدم انصافكم يا جلالة الملك للمظلوم احمد بن الصديق ، تكونون قد انتصرتم لفاشية المال . وانه بعدم انصافكم للمظلوم مصطفى اديب الذي ندد بالفساد ، تكونون قد انتصرتم لفاشية الجنرالات . وانه بعدم انصافكم للقاضي عنبر ، تكونون قد انتصرتم للفاشية الاسلاموية الرجعية . وانه في عدم انصافكم لكاتب هذه الدراسة ، سعيد الوجاني ، تكونون قد انتصرتم للفاشية البوليسية التي حررت الخطاب الذي القيته بالبرلمان . اننا يا جلالة الملك لا نحسدك على ما انعمك الله اياه من زرق وخير وفير ، بل اننا ندعو الله ان يضاعف ارباح شركاتكم ويزيد من حجم قصوركم وضعياتكم وأرصدتكم في داخل المغرب وفي خارجه . لكن يا جلالة الملك ، ويا امير المؤمنين ، نحن الشعب العدمي الذي يطالب بالعدل والمساواة ، نؤمن بعدة حقائق اساسية يؤكد عليها الدين الاسلامي ، وتقول بأنه لا يصح لأحد ان يعيش مترفا في دار الاسلام ، وهناك في هذه الدار مسلم او انسان لم يصل الى حد الكفاية وليس الى حد الكفاف . وينبغي ان تعلم ، يا جلالة الملك ، ان حد الكفاية يعني مسكن مناسب ، وملبس مناسب ، ومأكل مناسب ، ووسيلة نقل مناسبة . وانه الى ان يتحقق ذلك كله ، ليس من حق احد ان يعيش في ترف وتبذير ، وإلاّ كانت حياته سحقا وظلما " يأكلون في بطونهم نارا " . نحن الشعب العدمي ، نؤمن يا جلالة الملك ، ان الاسلام جاء كعقيدة لا تتعرض للتفاصيل الجزئية ، مثل التوصيف البوليسي مغربي وطني و عدمي غير وطني ، وإنما للقضايا الكلية التي نستهدي بها ، وهي انه ليس من حق احد ، ملك ، او شيخ ، او امير ، او ارئيس جمهورية ، او حاكم ، ان يعيش مترفا والناس لم تصل الى حد الكفاف دون الكفاية ، بل وصلت الى الاكل من الحاويات ، وتفريش التربة ، والسكن في المغارات والكهوف ودور الصفيح ، بل الناس وصلت الى حد الموت حين لا يجد مريض فقير من يأخذ به للتخفيف من آلامه . نحن الشعب العدمي ، نؤمن يا جلالة الملك ، اضافة الى الجانب الفلسفي الذي حدده الدين كحقائق مطلقة . انه لا يصح لأحد في دار الاسلام ان يمتلك شيئا دون حاجة ضرورية . يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز " خذ العف وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين " . ومعنى خذ العف ، اي خذ ما يسد حاجة الانسان الضرورية ، وقد اختلف الفقهاء في المدى الزمني للحاجة الضرورية ، هل هو يوم او ثلاثة ايام او سنة كاملة ؟ انما حتى وفق اضيق التفسيرات توسعا ، لا يصح لأحد ان يمسك لديه من مال خاص ، ما يزيد عن حاجته الضرورية ، بل حتى الحاجة الضرورية يستطيع الحاكم ان يأخذ منها ليرد الى انسان لم يصل الى حد الكفاف او الى حد الكفاية ( ما فعله مؤخرا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ) . نحن الشعب العدمي ، يا جلالة الملك ، نؤمن ان الدين الاسلامي لا يصادم ما ينبغي ان نتخذه من انظمة سياسية وتفصيلية في حياتنا ، وتقرير مصيرنا ، لأننا يا جلالة الملك لسنا قاصرين ، بل اننا راشدين ، و نحن اعرف من غيرنا بأمور قضايانا ومشاكلنا . انه مطلوب شرعا وفرضا يا جلالة الملك ، ان نضع النظام الذي يستطيع في مكان معين ، وفي فترة زمنية معينة ومحددة ، مواجهة مشكلات معينة ، على رأسها الظلم البوليسي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي الصارخ ، والفقر والجهل والمرض والتسلط والاستبداد والتخلف .. لخ ، وان نضع من الانظمة والنظريات ، ومن المناهج والأسس ، ما نستطيع به ان نعيش كرماء ، اعزاء ، احرارا ، لأن الله خلق الناس اعزة احرارا ، وخلق ابن آدم خليفته في الارض . فاذا كان الله سبحانه وتعالى قد قال في كتابه الكريم " ولقد كرّمنا بني آدم " ، فأين نحن من هذا التكريم لابن آدم وهو جائع ، حافي القدمين ، لا مأوى له ، ولا لباس يستر به عورته ، ومعرض للظلم والقهر وسلب حقوقه ويتغذى من الحاويات ؟ . ان الله سبحانه وتعالى لم يخلقنا ليقدر لنا الجوع ، والعري ، والتشرد ، وهضم الحقوق والظلم ، وإنما الانسان هو الذي فعل ذلك كله ، هي جرائمه ، وعليه ، لا بد من مواجهته ومقاومته ، وبكل السبل والوسائل الممكنة وغير الممكنة اذا اقتضى الامر ذلك ، لإحقاق كلمة الله ، بان يكون الانسان مكرما معززا . اذن ، ان على الشعب العدمي ان يصرخ ويصرخ ويستمر في الصراخ ، ومن حقه ان ’يضرِب ، وان يعتصم وان ينظم المسيرات للمطالبة بالحقوق ، وحين يزداد الظلم ظلمات ، من حقه ان يثور ضد الظلم والفساد والاستبداد ، لان هذا قانون طبيعي / وسنة كونية متوارثة ، منذ ان خلق الله الدنيا وما عليها . اننا لا نطلب من الملك ان يرتدي ويمشي بجلابة او سلهام فيه مائة رقعة ، وان ينام تحت شجرة ، وان يركب حمارا او بغلة ، وان يتغذى بثمرة ، لكن ما نطلبه هو العدل والمساواة بإقرار الحقوق والواجبات المواطنية وليس الرعوية . نحن امة اقرأ التي نزلت بصيغة الجبر ، اي ان الله يأمر امة اقرأ بان تقرأ ، فاقرأ يا جلالة الملك التاريخ لتقرأ الحاضر وتستشرف المستقبل ، وليتبن لك الخيط الرفيع من الخيط الدميم ، وحتى لا تتكرر اقصوصة السلطان عبدالله الصغير ، وحتى لا تكرر يوما ما ، ما ردده والدكم رحمه الله حين سأله صحافي من " الملاحظ الجديد " الفرنسية يومين قبل وفاته ، عن الشيء الذي يكون قد ندم عليه في حيات . فأجاب " ان الشيء الذي ندمت عليه اني كنت اثق كثيرا " . اذن الآن يا جلالة الملك ، وبعد ان فصّل المربع البوليسي الخطير الذي يقف وراء تحرير الخطاب ، الشعب المغربي الى عدميين ومغاربة مواطنين ، فاذا لم يكن بد من الاختيار ، فاني اختار الانتماء الى الشعب العدمي الذي يطالب بكل حقوق المواطنة ، وبالدولة المدنية الديمقراطية ، دولة المؤسسات وفصل السلط ، دولة العدل والمساواة ، دولة ربط المسؤولية بالمحاسبة . هذه حقيقة ، وليست تملقا او نفاقا ، ايمانا وقناعة ، وليست تزلفا او ديماغوجية . والآن وبعد هذه الصراحة يمكن للمربع البوليسي الذي حرر الخطاب الملكي ، ان يستغل اسم الملك ، ويأمر بمحاكمتي كما يمكن ان يأمر باغتيالي . لكن اي حكم مهما كان فهو ليس بأبدي او ازلي ، والاغتيال او القتل لا يوقف قطار الحياة . القمع لا يرهبنا والقتل لا يفنينا ، وقافلة الطريق تشق طريقها بإصرار .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين خطاب الملك في 10 اكتوبر 2013 وخطاب 10 اكتوبر 2014 المنتظ
...
-
فاشية -- مخزن
-
تأثير استفتاء اسكتلندة واستفتاء كاطالونيا المرتقب على الاستف
...
-
حكومة صاحب الجلالة ، معارضة صاحب الجلالة
-
ولّى زمن الخوف ، فإذا جنّ الليل ، سدّد طلقاتك بلا تردد
-
حين تخلى المخزن عن مسؤولياته
-
القمع بالمغرب
-
الشعب الصحراوي - الصحراء الغربية -- الاستفتاء لتقرير المصير
...
-
بدأ العد العكسي لنزاع الصحراء ( الغربية )
-
مخزن = اقطاع -- فاشية -- اعدام -- ارض محروقة
-
ظهور المذاهب السياسية والصراع الطبقي في الاسلام
-
الى ... ك الخليفة ... ميتا
-
تقرير قانوني -- فبركة الملفات الكبرى -- محنة قادة الكنفدرالي
...
-
هل لا زال لمثيْقِف ( المثقف ) اليوم وعي طبقي
-
سبعة واربعون سنة مرت على النكسة - هزيمة 5 جوان 1967 -
-
- الائتلاف من اجل التنديد بالدكتاتورية بالمغرب -
-
الاسس البنيوية والازمة الراهنة للوضع الاقتصادي والاجتماعي ال
...
-
بانكيمون يعين الكندية كيم بولدوك على رأس المينورسو
-
تطور اساليب القمع بين الاستمرارية والتجديد
-
العنف الثوري
المزيد.....
-
انقسام باختيار خليفة البابا فرنسيس.. ماذا يقف على المحك؟
-
لأول مرة.. سقوط صاروخ أطلق من اليمن قرب مطار بن غوريون في إس
...
-
الصحف الإيطالية تكشف كيف يلعب ماكرون بورقة البابا!
-
شجرة تاريخية زرعت في لندن عام 1762 تدخل عصر الفن الرقمي
-
شاب سوداني يتطوع لدفن قتلى الحرب في السودان
-
هل شرب القهوة خلال تناول الطعام مُضر؟
-
ترامب يتعرض لانتقادات بعد نشره صورة بالذكاء الاصطناعي باعتبا
...
-
الكرملين: الرئيس الصيني سيزور روسيا في 7-10 مايو
-
السيسي يتسلم دعوة رسمية من العراق لحضور القمة العربية
-
-محملة بذخائر-.. الجيش السوداني يعلن استهدافه طائرة أجنبية ب
...
المزيد.....
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
المزيد.....
|