|
الاسس البنيوية والازمة الراهنة للوضع الاقتصادي والاجتماعي الراهن
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 4460 - 2014 / 5 / 22 - 16:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بالرجوع الى مختلف الانتفاضات التي عرفها الشارع المغربي منذ ستينات القرن الماضي والى العشرية الثانية من الالفية الثالثة ، سنجد ان جميع الانتفاضات ( 1965 ، 1981 ، 1984 ، 1991 و 20 فبراير ) كانت حلقة من حلقات الصراع والنضال الجماهيري الذي قاده الشعب المغربي منذ 1956 ، اي ان كل انتفاضة شكلت محطة من محطات النضال ضد حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية والاستبلادية والاستحمارية . وحتى نفهم جيدا هذا السياق المسلسلي النضالي الجماهيري ، لا بد ان نضع هذه التحولات المجتمعية ضمن السياق التاريخي للصراع المرير بين الشعب المغربي من جهة ، و بين حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية والمافيوزية ، مع تحالف هذه الاقلية المكونة للزمرة العصبية القبلية مع الدوائر الرأسمالية الاجنبية ، في اطار تحالف النهب للثروات الوطنية ، والتحالف لإفقار مختلف الطبقات الاجتماعية المكونة للشعب المغربي . ان التحالف العضوي بين الاقلية الاقطاعية القبلية المكونة لحكومة الاقطاع السياسي الاستبدادي ، والقوى الاستعمارية الاجنبية ، هو تحالف عضوي منذ الخمسينات والى اليوم ، وإن كان يتم بإشكال مختلفة مع حصول تغيير شكلي في الميكانيزمات المستعملة ، بما يحافظ على مصالح حكومة الاقطاع التي سماها عبدالاله بنكيران بالحكومة العميقة ، او بحكومة الظل الفعلية . لكن ان رسم مسار هذا الصراع وإبراز معالم تطوره يقتضي تحليل ازمة الوضع الاقتصادي والاجتماعي ، من خلال محدداتها البنيوية ، وعلى ضوء هذه العوامل الظرفية المرتبطة بتلك المحددات . فاذا كانت الوضعية الاقتصادية الراهنة تتلخص في انحصار النشاط الاقتصادي ، وتراجع ، بل و توقف الاستثمارات ، وانسداد الاسواق الخارجية الاوربية امام الصادرات الفلاحية المغربية ، وإغراق البلاد بالديون ، مع اثقال كاهل الطبقات الشعبية بالزيادة في الاسعار والضرائب ، بموازاة مع حملات الطرد والتسريح من العمل ، وتهديد كل الطاقات الاجتماعية من تعليم وصحة وشغل وسكن ، وضرب المكتسبات التي حققتها الشغيلة بفضل العديد من التضحيات ، وإفراغ الصناديق مع تحميل المنخرطين نتائج السياسات المفلسة مثل صندوق التقاعد وصندوق الموازنة ، اضافة الى التمييز في الحقوق والواجبات بين الاقاليم الشمالية للمملكة والأقاليم الجنوبية ، حيث بلغت تكلفة الصحراء منذ انطلاقها في سنة 1974 والى اليوم اكثر من 200 مليار دولار ، مع الاستمرار في تسجيل الخسائر من اموال الشعب المغربي ، حيث بلغت عمليات شراء ذمم اللوبي الامريكي بدعوى الدفاع عن مغربية الصحراء اكثر من 23 مليون دولار .. لخ ، وكل هذه الجريمة المقترفة في حق الشعب المغربي تمر بتواطؤ مع جميع قيادات النقابات البورصية ( ا م ش – ك د ش – الفدرالية الديمقراطية للشغل – النقابة الوطنية للشغل – الاتحاد العام للشغالين بالمغرب ) وبمباركة احزاب المعارضة الحكومية اليمينية ( ا ش ق ش – حزب التقدم و الاشتراكية – حزب الاستقلال – جبهة القوى الديمقراطية .. ) وبماركة الاحزاب اليمينية المتواطئة مع قيادة ( ك د ش ) ( فدرالية اليسار الديمقراطي ) ... لخ ، فان هذا الانهيار الشامل للوضع الاقتصادي ، هو النتيجة الحتمية لسيطرة الطبقة الاقطاعية الرأسمالية المرتبطة بحكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية ببلادنا التي ترسخت تقاليدها الطفيلية وعمالتها للرأسمال الاجنبي طوال المسلسل الديمقراطي ، ومسلسل التحرير الذي ابتدأ منذ النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي ، ولا يزال هذا المسلسل يفعل فعلته رغم فشله الدريع في بناء الدولة الديمقراطية المدنية ، وفشله المريب في حسم مغربية الصحراء التي اضحت مهددة في كل وقت وحين بشبح الانفصال . الطبقة الاقطاعية الرأسمالية حليفة حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية : ان انتقال المغرب من وضعية الاستعمار القديم الى نظام الاستعمار الجديد الذي تمثله حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية ، كان هو المدخل الرئيسي لتبلور الطبقة الاقطاعية الرأسمالية ببلادنا . ان الاستقلال الذي منحه الاستعمار التقليدي بمقتضى اتفاقية اكيس ليبان ، قد توخى منه في النهاية تحقيق هدفين اساسيين : 1 ) قطع الطريق على تنامي المد التحرري الجماهيري للشعب المغربي ، وإمكانية تطور نضاله في اطار وحدوي على صعيد المغرب العربي والصعيد العربي عامة ، مع امكانية تجدير هذا النضال حتى يرتفع الى مستوى ثورة وطنية واجتماعية ضد الهياكل الاقطاعية الرأسمالية البالية والمتهرئة والمتجاوزة مدنيا وحضاريا . 2 ) وفي نفس الوقت ، ضمان استمرار المصالح الاجنبية في صيغة استعمار جديد ، اي تعويض السيطرة المباشرة العسكرية والسياسية والاقتصادية ، بسيطرة غير مباشرة تتنازل شكليا عن الحكم لصالح طبقة عميلة خائنة ، وتحتفظ بالجوهر ، اي بالمصالح الاقتصادية والسياسية . ان نجاح هذه السياسة كان يستلزم ايجاد ادوات تطبيقها وشروط انجاحها ، اي بالأساس : ا – ضمان تحكم الرأسمال الاجنبي في كل طاقات اقتصادنا الوطني الزراعية والصناعية والمالية والتجارية والبنكية .. لخ . ب – دعم وتطوير طبقة سائدة محليا على شاكلة معمرين جدد ، تتحكم كل فئة منها في قطاع اقتصادي معين ، وتربطه مباشرة بمصالح الاستعمار الجديد ، مع منح هذه الطبقة ادوات السيطرة على كل المجالات الاقتصادية منها والاجتماعية والسياسية . وبالنسبة للهدف الاول ، فلقد عمل الاستعمار الجديد على تفكيك وتجزئة الاقتصاد الوطني بهدف ربط كل قطاع منه بمصالح السوق الامبريالية ، بتحد كامل لحاجيات البلاد ، كما يتجلى ذلك في الطابع التصديري للفلاحة وفقا للحاجيات الاوربية بشكل خاص ، لا المغربية المتضررة من علاقة الاذعان التي تربط الاقتصاد الوطني بالاقتصاد الاستعماري والامبريالي ، كما يرتكز ذلك على استخراج المواد الاولية ونهبها ، ومقابل ذلك استيراد المواد المصنعة واستعمال بلادنا سوقا لترويجها . وفي نفس الوقت استيراد المنتوجات الفلاحية الاساسية وخاصة الحبوب ، رغم الطاقات والإمكانيات الفلاحية الهائلة التي تتوفر عليها بلادنا . لكن مظاهر التبعية لا تقتصر على الميدان الاقتصادي ، بل تشمل الميادين الادارية والتقنية عن طريق المساعدات " التقنية " ، وتمتد ايضا الى الميدان الثقافي ، حيث تشكل السياسة التعليمية المتبعة منذ الخمسينات والى اليوم ابشع مظاهر الطعن في الثقافة الوطنية ، والتوجه نحو استيراد افرازات الفكر الفرنكوفوني الاستعماري البرجوازي الرجعي الذي يمثله اليوم وبشكل جلي حزب فرنسا المسيطر على الدولة . اما بالنسبة للهدف الثاني ، فان سيطرة الاستعمار الجديد قد ساهمت بشكل اساسي في تكوين طبقة سائدة ، اعتمدت في جذورها على الاقطاعية المتحالفة مع الاستعمار المباشر سابقا ، ونمت وتجددت حسب متطلبات تلبية حاجياتها وخدمة المصالح الاجنبية المرتبطة بها عضويا وفكريا . ان تنازل معمرين اجانب لصالح معمرين مغاربة جدد ، على استثمار اخصب الاراضي الزراعية ، قد جعل قاعدة الاقطاع تحتك بشكل مباشر بالإنتاج الزراعي الحديث المعتمد على التقنيات العصرية والطرق الرأسمالية في الانتاج . وهذا عنصر اساسي في تطور الاقطاعية ، تجلى في بروز فئة برجوازية فلاحية تحت تأثير عوامل متعددة ، منها تمكن الاقطاعية من وسائل انتاج جديدة ، وترويجها للرساميل ، وتوظيفها في قطاع الصناعة التحويلية والعقار على الخصوص ، واحتكاكها بالأسواق الخارجية ... لخ ، اي تشكلت طبقة طفيلية تعيش غريبة عن المجتمع الذي تعيش بين ظهرانيه ، مع مواصلتها نهبه واستغلاله بطرق غاية في البشاعة . ان مجمل هذا التطور قد تم في اطار مراقبة مركزية من طرف الدولة الجديدة التي تلعب دورا اساسيا في التوجيه ، والتحكم في الوسائل الكفيلة بدعم نشوء طبقة قوية اقتصاديا تشكل اسس الحكم القائم . هكذا سيتم تأميم الجزء الاساسي من اراضي المعمرين ، وهي اخصب الاراضي المسقية . ومع بداية الستينات اعيد الاعتبار للإقطاعيين والخونة من القيّاد والباشوات الكبار الذين صودرت ممتلكاتهم بسبب خيانتهم وعمالتهم للاستعمار . كما اتخذت عدة اجراءات مكنت الاقطاعيين وممثليهم الذين يشغلون مناصب هامة داخل الدولة خاصة بوزارة الداخلية ، من الحصول على اراضي المعمرين بشروط جد مناسبة لهم . ان نشوء البرجوازية الفلاحية في ظل الدعم المتبادل مع جهاز الدولة ( يلاحظ ان وزارة الداخلية هي التي تولت المسؤولية المباشرة في التحولات والمشاريع الاساسية في البادية ) ، قد جعل هذه الفئة لا تقتصر على الاقطاعيين ، بل تضم ايضا فئات الموظفين ، والضباط الكبار ، وتجار المدن المتعاونين ، الى جانب العائلة الملكية ، الذين عملوا على الاستفادة من مراكزهم في الحصول على نصيب من الارث الاستعماري . واضافة الى دعم نشوء البرجوازية الفلاحية ، فان سياسة الاستعمار الجديد ، كانت تقضي ايجاد فئة برجوازية تستعمل للسمسرة في المجالات الصناعية والتجارية والمالية . ومن اجل ذلك تم الاعتماد اساسا على فئة التجار المستفيدين من نظام الحماية سابقا ، و’فتح امامها مجال السمسرة بشكل تصبح فيه امتدادا للرأسمالية الجديدة داخل بلادنا ، وتستمد من ذلك سلطتها الاقتصادية والاجتماعية . ان هذه البرجوازية الكمبرادورية لم تكن في يوم من الايام معارضة للإقطاعية ومصارعة لها ، بل انها عايشتها وآزرتها برعاية الاستعمار الذي يشكل الدعم والسند الاساسي للفئتين ، ومن ثم الطابع الطفيلي الذي يشكل القاسم المشترك بينهما . ان نشوء الفئتين وتطورهما ، البرجوازية الفلاحية والبرجوازية الكمبرادورية ، قد جاء إذن نتيجة صيرورة موحدة ، اطرها وقادها الاستعمار الجديد ، وأدت الى تداخل مصالح الفئتين وتماسكهما الى درجة يصعب معها التمييز بينهما . و هذا التداخل قد ادى الى بلورة طبقة موحدة ، هي الطبقة الاقطاعية الرأسمالية . ان هذه الطبقة المكونة من بقايا الاقطاعيين التقليديين والبرجوازيين الكلاسيكيين ذوي الاصول الاقطاعية ، وكبار موظفي وزارة الداخلية والإدارة الترابية وكبار ضباط الجيش والدرك ، يشكل الطابع الكمبرادوري الذي يخدم المصالح الاجنبية ، قاسمهم المشترك ، انهم ترعرعوا ونموا بدعم متبادل من جهاز الدولة الذي ’سخر لخدمة مصالحهم . وإذا كان النظام قد لعب دورا مركزيا في ضبط تطور هذه الطبقة والتحكم فيها ، فقد جعلها باستمرار خاضعة لتأثير الايديولوجية الاقطاعية التي ظلت وباستمرار ايديولوجيتها السائدة ، رغم التحولات الموضوعية التي حصلت في صفوف الاقطاعية التقليدية . وبما ان الميدان الفلاحي يشكل مجالا حيويا لنشاط هذه الطبقة ، فإنها قد عملت منذ البداية على تمتين مصالحها والدفع بالتطور المطلوب داخل هذا القطاع . وهكذا نمت المساحات الكبرى في يد الملاكين الكبار وعلى رأسهم العائلة الملكية ، وارتفعت انتاجيتها في ظل القوانين والخطة التي اقرتها الدولة بهذا الشأن : الاسبقية لسياسة السدود ، التسهيلات في الضرائب والقروض ، اعفاء الفلاحة والضيعات الكبرى من الضرائب ، قانون الاستثمار ، التسهيلات على مستوى الآلات الزراعية والسماد ، التشجيع المخصص لأنواع جديدة من الانتاج الفلاحي مثل الشمندر ، القطن ، النباتات الكيمياوية وغيرها . ان هذه الاجراءات التي لعبت فيها اموال الدولة دورا هاما ، مكنت الطبقة الاقطاعية الرأسمالية من توطيد مصالحها وتطويرها في الميدان الفلاحي بصورة رئيسية . ومقابل ذلك ، لم يكن هذا التطور لصالح الاقتصاد الوطني ككل ، بل فقط في اطار توزيع العمل الدولي الرامي الى تلبية حاجيات السوق الخارجية . فنمو المساحات الكبرى وارتفاع انتاجيتها ، قد اقترن بالتركيز على عدد قليل من المنتوجات التصديرية ، كالحوامض مثلا على حساب زراعة الحبوب الرئيسية الموجهة لتلبية الحاجيات الغذائية الوطنية ، مما يخدم ويدعم الارتباط البنيوي للاقتصاد المغربي بالسوق الخارجية . والى جانب تثبيت مصالح الطبقة الاقطاعية الرأسمالية في الميدان الفلاحي ، فان سياسة الاستعمار الجديد في المجالات الصناعية والتجارية والمالية ، كانت تقتضي تنشيط البرجوازية في القطاع البنكي وشبكات التوزيع والتسويق ، وخصوصا في التجارة الخارجية ، وكذلك تشجيع بعض الصناعات الخفيفة التي تسمح باستغلال اليد العاملة الرخيصة ، وبالتالي جلب ارباح اضافية تخفف من ازمة الرأسمال الاجنبي . هذا مع العلم ان التوجيه الاساسي يبقى هو استنزاف الخيرات الطبيعية والمواد الاولية ، المناجم و الفوسفاط بشكل رئيسي ، وتبعا لذلك السماح بصناعة خفيفة لاستخراج هذه المواد وتسويقها . ان تبلور مصالح الفئتين البرجوازية الفلاحية والبرجوازية الكمبرادورية في الميادين الصناعية والتجارية والمالية ، لم يتم بشكل منفصل ، بل انسجم وتماسك بفضل العوامل الآتية : ** ان التسهيلات والمكافئات التي تمنحها الدولة للمعمرين الجدد ، قد جعلت الاستثمار في الاراضي الفلاحية يعود بأرباح سريعة ، مما دفع بالبرجوازية التجارية وحتى الصناعية لتوظيف غالب اموالها في شراء الاراضي الزراعية ، والارتباط ، إن لم نقل الاندماج مع البرجوازية الفلاحية . ** ومقابل هذا ، فان احتكاك البرجوازية الفلاحية بشبكات التسويق الرأسمالية التابعة للإنتاج الفلاحي ، قد جعلها ترتبط عضويا بالبرجوازية الكمبرادورية . ** اما التدخل البيروقراطي للدولة ، والالتحام العضوي لرجالها -- الموظفين الكبار بوزارة الداخلية وضباط الجيش والدرك والأمن – بمصالح موضوعية في مختلف المجالات الفلاحية الصناعية والتجارية ... هذا التدخل هو الرابط الذي دفع الى اندماج الفئتين وتداخل مصالحهما في اطار طبقة واحدة . تدهور اوضاع الجماهير الشعبية : ان اغتناء الطبقة السائدة هو اغتناء طفيلي . فلم يكن إذن ليعود بفوائد ايجابية على صعيد الاقتصاد الوطني ، او يسمح باستثمار وترويج رساميل جديدة في ميادين حيوية كالصناعة مثلا ، بل ان هذه الطبقة قد عملت وفقا لإيديولوجيتها على التبذير والإغراق في مصاريف البذخ وتهريب الاموال الى الخارج . ان اغتنائها هذا قد تم مقابل افقار اوسع الجماهير الشعبية واستغلالها الى اقصى حد : استغلال الانسان للإنسان عن طريق الاستبداد والقمع بشتى اشكاله وأنواعه . ان هذه الجماهير التي لعبت الدور الاساسي والحاسم في النضال ضد الاستعمار الفرنسي من اجل الاستقلال قد وجدت نفسها ليس في نفس الاوضاع المزرية التي عرفتها ابّان الاستعمار المباشر ، بل ان هذه الاوضاع لم تزد إلاّ تدهورا واستفحالا مع الحكومة الصورية لعبدالاله بنكيران . ان اول ضحية لهذا التدهور هم صغار الفلاحين والفلاحون الفقراء الذين تعرضوا ويتعرضون لشتى انواع الاضطهاد الاقتصادي والاجتماعي . فاستيلاء الطبقة الاقطاعية الرأسمالية على اهم مرافق الانتاج الفلاحي وفصلها عن الحاجيات الوطنية الحقيقية ، المدعمة بالسياسة القمعية لحكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية الرامية الى افقار الفقراء وخدمة المحظوظين والمقربين القدامى والجدد ، قد جعلت افواجا كبيرة من صغار الفلاحين يفقدون ارضهم ، بل يفقدون حتى امكانية " تاخمّاست " ( الخمس من المحصول ) المتداولة في الطريقة التقليدية ، ويصبحون عرضة للبطالة بشكل واضح او مقنع . اما الفلاح الذي يستمر في وضعية المالك لقطعة ارض ، فانه يوفر في اقصى الحالات الحد الادنى الضروري للمعيشة او للعيش . فأصبحت بذلك فئة واسعة من الفلاحين الفقراء تعيش في نوع من العزلة ، محرومة من اي تطور او تحسن في اوضاعها ، بل على العكس من ذلك تزداد هذه الاوضاع تفاقما بازدياد الحجم البشري لهذه الفئة . واذا علمنا ان نسبة جد مهمة من الشعب المغربي تعيش في البوادي ، ويعانون من مثل هذه الظروف المعيشية ، ادركنا حينها خطورة الموقف وحجمه الحقيقي على المستوى الوطني ككل . ان تدهور اوضاع صغار الفلاحين ، والفلاحين الفقراء يؤدي حتما الى تكثيف الهجرة الى المدن كملجأ للبحث عن لقمة العيش ، والنتيجة المباشرة لذلك هي تكديس افواج العاطلين وأشباه العاطلين في مدن القصدير الى درجة اصبحت فيها البطالة ظاهرة هيكلية دائمة داخل المجتمع المغربي . ان تعاظم وتضخم البطالة التي مست حتى الاطر العليا من خريجي الجامعات والمدارس العليا ، ناهيك عن العنصر النسوي العاطل عن العمل ، لهو الدليل الواضح على تدمير قوى الانتاج ، والانعكاس المباشر للطابع الطفيلي اللاوطني في السياسة الاقتصادية التي تنهجها حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية ومعها الطبقة السائدة . ان الفلاحين الفقراء وجمهور العاطلين وأشباه العاطلين ، اي الاغلبية الساحقة من الشعب المغربي ، يشكلون الفئات الاكثر تضررا من السياسة الاقتصادية التبعية ، فهي بالتالي معادية موضوعيا للطبقة السائدة ، وتشكل خزانا ثوريا هائلا من شأنه ان يساهم بشكل حاسم وفعال في عملية تغيير الاوضاع القائمة ، كما ساهم سابقا بشكل اساسي في عملية طرد الاستعمار المباشر . اما اوضاع التجار الصغار والحرفيين وصغار الموظفين والأطر المهمشة ، فان نتائج السياسة الاقتصادية المتجلية في تجميد الاجور مقابل ارتفاع الاسعار بشكل صاروخي ومهول ومخيف ، وسياسة الضرائب ، والمزاحمة والاستغلال من طرف الوسطاء ... هذه النتائج تنعكس مباشرة على تدهور اوضاع هذه الفئات والدفع بها باستمرار الى مواقع الطبقات الشعبية الكادحة والفقيرة ، ومن ثم فدورها في التغيير يبقى هاما لما لمصالحها من تناقض مع مصالح الاقطاع السياسي والاقتصادي . اما الطبقة الشغيلة او العاملة التي اصبحت منذ الاستقلال والى اليوم عرضة للاستغلال من طرف الرأسمال الدولي والوطني في آن واحد ، فإنها ايضا تعاني من الانخفاض المستمر لقدراتها الشرائية الناتجة عن تدني الاجور مقارنة بالارتفاع المهول للأسعار . ان السياسة الاستعمارية المعادية للتصنيع تحول ، و عن قصد دون نمو الطبقة العاملة والشغيلة وتمتعها بوزن كمي ونوعي ، الذي من شأنه ان يهدد مصالح المستغلين والإقطاعيين . وان ظاهرة تصدير اليد العاملة الى بعض البلاد العربية لتعبير ملموس عن تفاقم البطالة الناتج عن تفكيك الاقتصاد الوطني ، وحرص الاستعمار الجديد وعملاءه على تحجيم الشغيلة المغربية وتشتيت قوّتها الاجتماعية . ورغم هذا ، فان الشغيلة المغربية اكدت ما من مرة قدرتها الكفاحية سواء في اطار النضال ضد الاستعمار المباشر ، او النضال في عهد الاستقلال .ويتخذ نضالها اشكالا متعددة ، نقابية وسياسية ، وهذا النضال لم يتوقف يوما ، وهو الدلالة على ان هذه الطبقة هي المؤهلة لخوض المعارك المتواصلة ضد الطبقة السائدة بحكم دورها في الانتاج وفي الاقتصاد ، ومن اجل تحقيق المكاسب وتغيير واقع الاستغلال الفاحش الراهن . هكذا فان انتقال بلادنا من طور سيطرة الاستعمار القديم الى مرحلة الاستعمار الجديد يبرز لنا علاقات التبعية واستمرار الهيمنة الاجنبية ’مقنّعة وراء الوسطاء والعملاء المحليين ، لكنه لا يخفي الصراع الداخلي والتناقضات القائمة داخل مجتمعنا ، لا سيّما وان الهيمنة تتم عن طريق طبقة تخدم مصالح الامبريالية وتستفيد منه بالمناسبة . وبناء على ما تقدم من معطيات حول الواقع الاقتصادي والاجتماعي في ظل الاستقلال ، يتبين بجلاء ان المجتمع المغربي يعيش تناقضا صارخا ، يضع وجها لوجه قوتين متناقضتي المصالح : من جهة الطبقة الاقطاعية الرأسمالية حليف حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية التي تعمل مع الاحتكارات والرأسمال الاجنبي على تركيز وتدعيم الهياكل الاستعمارية والاستغلالية . ومن جهة ثانية ، القوات الشعبية المؤلفة من اوسع الجماهير المحرومة والمستغلة ، اي الشعب ( العمال والفلاحون والطلبة والمثقفون والموظفون والصناع والحرفيون والنقابيون والسياسيون الثوريون ... لخ ) التي دأبت حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية المعبر السياسي عن التحالف الاقطاع ، الرأسمالي على اتخاذها واستعمالها مادة للاستغلال . واذا كانت هذه هي مميزات الوضع الاستعماري الجديد على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي ، فلا بد من الوقوف عند الوضعية الاقتصادية من بداية ما يسمى بمسلسل الديمقراطية والتحرير والى اليوم . حصيلة مسلسل " الديمقراطية والتحرير " على الصعيد الاقتصادي : منذ سبعينات القرن الماضي والى اليوم ونحن نسمع اسطوانة مسلسل التحرير والديمقراطية ، او مسلسل الديمقراطية والتحرير ، اي ربط كل منهما بالآخر لرسم معالم المغرب الجديد ، مغرب ما بعد الهزات الاجتماعية والهزات الداخلية ( داخل الاجهزة ) التي تجسدت في الانقلابين العسكريين الصخيرات والطائرة . كما لا يخفى الصراع الذي كان محتدما بين المعارضة البرجوازية الصغيرة والقصر حول اصول الحكم وليس حول ضفافه . في هذه الفترة الحرجة ، وللخروج من النفق الذي تعطلت فيه العملية السياسية ، ربط النظام بين مسلسلين مترابطين ، هما مسلسل الديمقراطية ( الانتخابات ) ومسلسل التحرير ( الصحراء المغربية ). لكن الى اي مدى نجح المسلسلان الديمقراطية والتحرير ؟ اذا عدنا للتدقيق في اصل العملية السياسية ، سنجد ان المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، رغم انه استجاب للمسلسل ( التحرير والديمقراطية ) بالقطع مع ماضي الاتحاد الراديكالي الذي طبع الصراع مع القصر منذ ستينات القرن الماضي وحتى ساعة انعقاد المؤتمر ، فانه افلس في تجسيد اطروحته الجديدة على ارض الواقع ، حين لم يستطع ان يكتسح البرلمان بفعل التزوير والتدليس ، فظل شعار الديمقراطية والنضال من داخل النظام وليس من خارجه ، حجة عليه ، وليس على النظام الذي استطاع تقزيم المعارضة من معارضة للحكم ، الى معارضة للممارسات واختصاصات الحكم ( الملكية البرلمانية ) ، الى معارضة ليس للحكم وليس لاختصاصاته ، بل معارضة للحكومة والتشبث بالمشاركة فيها . هكذا سنجد ان كل من راهن على الوعود التي تبخرت عند اول امتحان ، سيصاب بالذبحة الصدرية التي عجلت بتحويل الحزب ، من حزب الجماهير الى حزب المعاويل ، مما ساهم وسهل الانشقاقات والانسحابات التي اثرت على الحركة النقابية التي عرفت بدورها الانسحابات والانشقاقات . هكذا ستبرز القبضة الحديدية لوزارة الداخلية على الحقل السياسي بما كان يؤثث لمسرحيات لا علاقة لها بما يسمى ب ( المسلسل الديمقراطي ) . ان عنوان ديمقراطية السبعينات وحتى العشرية الثانية من الالفية الثالثة ، كان ديمقراطية حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية ، وليس ديمقراطية النخب ( الديمقراطية ) ، فأحرى ان تكون ديمقراطية الشعب المغيب عن العملية السياسية . اما مسلسل التحرير ، فهو بدوره دخل النفق المسدود ، بل نقول صراحة انه فشل فشلا دريعا ، سواء بتوسيع قاعدة المطالبين بالانفصال وهم الاكثرية ، وهؤلاء برفعهم لشعارات الانفصال و تشبثهم بالجمهورية الصحراوية ، يكونون مثل المهندس احمد بن الصديق الذي تعرض للظلم دون انصاف ، قد خلعوا بيعة الملك من عنقهم ، وإنهم لم يعودوا يعتبرون الملك اميرا للمؤمنين والمغرب دولة امير المؤمنين ، ، ، او بعدد الدول التي تعترف بالجمهورية الصحراوية ، او من خلال اعتراف الدول الاوربية وللولايات المتحدة الامريكية بالبوليساريو كحركة تحرير من خلال فتح مكاتب لها بعواصمها ، او من خلال فتح مكتب للبوليساريو بالأمم المتحدة ، او من خلال ادراج قضية الصحراء المغربية على جدول اعمال اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة ، او من خلال القرارات التي يصدرها مجلس الامن كل سنة ، حيث ’تديّل بالاستفتاء لتقرير المصير ( للشعب الصحراوي ) ولنا ان نتساءل اليوم : ألا يوجد هناك مخطط قيد الدرس وأكثر خطورة من توسيع صلاحيات المينورسو سينتهي بمنح الجمهورية الصحراوية صفة ملاحظ بالأمم المتحدة ؟ . واذا اردنا التعمق اكثر في التحولات التي رافقت حصيلة المسلسل الديمقراطي وأثرها على الصعيد الاقتصادي ، والتي هي اصل الفشل الذي اصاب المسلسلين ، سنجد ان معظم المحللين المرتبطين بالشأن العام يركزون على السنوات الاولى من سبعينات القرن الماضي التي سبقت مسلسل التحرير ومسلسل الديمقراطية . هنا ، فان اهم عملية كانت كمقدمة اقتصادية للانفتاح السياسي ، هي المغربة التي جاءت بعد المحاولتين الانقلابيتين العسكريتين 1971 و 1972 . لقد استهدف النظام من العملية ، اي المغربة ، توسيع املاك المعمرين الجدد من جهة ، وضم البرجوازية الوطنية الى احضان سياسة القصر من جهة اخرى . وكانت على عكس ادعاءها ، تعميقا لتبعية الاقتصاد المغربي ، حيث توالت النداءات الموجهة الى الرأسمال الاجنبي ، وتعاقبت قوانين الاستثمارات منذ 1973 ، في نفس الوقت الذي بدأ التوجه التبعي يعطي ثماره الخطيرة ممثلة في مأزق الصادرات المغربية الى اوربة من ناحية ، وفي العجز الفلاحي من ناحية اخرى ، وهما نتيجتان مرتبطتان في آخر التحليل ، بما ان السياسة الفلاحية بتوجهها نحو التصدير فهي تمنع من توظيف الخيرات الطبيعية والبشرية في انتاج المواد الاساسية الضرورية لعيش اوسع الجماهير ، بل تعمل بالعكس على تلبية حاجيات الاسواق الخارجية ، حيث تشكل الحوامض والبواكر والمصبرات و الخمور نسبة كبيرة من مجموع الصادرات الفلاحية التي تستفيد منها المجموعة الاوربية . وهذا مؤشر دال على ما يتهدد صادرات المغرب من تقلبات في الاسعار ، ومن سياسة الحماية الجمركية التي تسلكها اوربة التي خفضت مؤخرا طلباتها من المواد المغربية لصالح اسبانيا والبرتغال واليونان ، هذا اضافة الى مزاحمة الحوامض القادمة من اسرائيل . هكذا تراجعت مكانة المغرب بخصوص الحوامض التي ’تكوّن الجزء الاكبر من صادراته الفلاحية ، وبعد اجراءات الحماية الاوربية مؤخرا ، اصبح معروفا ان الاتجاه يسير نحو توقيف صادراتنا بالتدريج ، مما يؤدي حتما الى الاختناق والى الفوضى المطلقة في الانتاج . ان فشل سياسة تصدير المنتوجات الفلاحية ليست إلاّ الوجه الاول لإستراتيجية الارتباط العضوي بالسوق الخارجية . اما الوجه الثاني فيتمثل في ازمة الاكتفاء الذاتي على الصعيد الغدائي . ان مدخول الصادرات غير قادر على تغطية استيراد شراء حاجياتنا من المواد الغذائية والعلاجية والآلية والتقنية . وبتعبير آخر ، فان الفلاحة المغربية ( مجموع الاستهلاك المحلي والصادرات ) لا تؤمّن حاجيات البلاد على صعيد التغذية . لقد بلغ اليوم العجز التجاري في اربع اشهر الاخيرة الى 69 مليار درهم بدل 5،66 مليار درهم المسجلة خلال الفترة ذاتها من السنة الماضية . وبلغ معدل تغطية الصادرات للواردات 4،48 في المائة مقابل 2،42 في العام السابق . وسجلت الواردات في نهاية ابريل الماضي حسب ما اعلنه مكتب الصرف يوم الجمعية الماضية زيادة 4 في المائة ، اي بارتفاع يفوق 5 ملايير درهم . اما القمح فقد اثقل الفاتورة الغذائية ب 830 مليار درهم . اذن ، بعد ان كانت الصادرات الفلاحية تغطي ضعف الواردات سنة 1969 ، وبعد ان كان المغرب في اواخر الخمسينات يصدر في المعدل خمسة مليون قنطار من الحبوب ، فان العكس نراه اليوم في العشرية الثانية من الالفية الثالثة حيث تدنى مستوى الاكتفاء الذاتي بشكل خطير ، ولم تعد واردات المغرب الغذائية الاساسية تقتصر على الزيوت والحليب واللحوم والسكر والشاي والقهوة ، بل ان الحبوب اصبحت تحتل الصدارة في هذه الواردات وعلى رأسها القمح الذي اثقل الفاتورة الغذائية ب 830 مليار درهم . ولا تخفى على احد الاهمية الاستراتيجية للمواد الغذائية ، وخاصة الحبوب ، إذ ان استعمالها كسلاح اقتصادي وسياسي ضد البلدان المتخلفة المنتجة للمواد الاولية يضاهي سلاح النفط . ان هذا المأزق المزدوج يرهن مصير الاكتفاء الذاتي للمغرب في الميدان الفلاحي ، ما دامت سياسة التصدير هي النقيض المباشر للاكتفاء الذاتي ، في ظل الهياكل الزراعية القائمة . إذا كانت التقاليد الطفيلية وغير الانتاجية هي السمة الرئيسية للطبقة الاقطاعية وممثلها ، حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية والاستغبائية ، فان هذه التقاليد الشاذة قد ترسخت اكثر اليوم ، حيث تم فتح باب اوسع للنهب ، والاختلاسات ، والاستغلال ، والرشوة ، والمضاربات العقارية ، والتجارية ، وتهريب الاموال الى الخارج ... لخ ، حيث اصبحت هي المصادر الرئيسية لثراء الطبقة المسيطرة بشكل فاحش ، مقابل توسع الفئات المشردة وانتشار الاوضاع شبه البروليتارية ، واستفحال البطالة ، وتفاقم اوضاع الفلاحين الفقراء الذي بلغ ذروته مع قلة الامطار مرة ، والجفاف مرة اخرى ، و الذي بادر الملاكون الكبار الى استغلالها وتجريد الفلاحين الصغار من اراضيهم ، والدفع بعشرات الآلاف الى ابواب المدن . هكذا ، فان تضخم صفوف الطبقات المسحوقة ، كان هو الظاهرة الطبقية البارزة لسنوات مسلسل التحرير والديمقراطية والى اليوم ، حيث زاد الفقير فقرا وزاد الغني غنى . اما الظاهرة الاخرى ، فهي تذويب البرجوازية المتوسطة ، او على الاقل الفئة العليا منها ، في اطار الطبقة الحاكمة ، وتجريدها من اي صفة من صفات الوطنية ، اي حرمانها من امكانية الاستقلال الاقتصادي كرأسمال وطني ، هذا في الوقت الذي انحدرت الفئات السفلى منها الى اسفل درك ، وكانت النتيجة هي تفكيك البرجوازية الوطنية كطبقة ، وسقوط مشروعها السياسي الذي لوحت به منذ خمسينات القرن الماضي . وقد جاءت قرارات عبدالاله بنكيران معول حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية بالزيادة المهولة التي شملت كل المواد الاساسية والشعبية التي يستهلكها الشعب المفقر ، اعلانا رسميا بتصعيد الحرب الطبقية التي تشنها الزمرة العصبية القبلية المافيوزية المكونة لحكومة الاقطاع والاستبداد ، وتقنينا لنهج الاستنزاف والتفقير والتجويع . كما تجلت بشكل واضح وصارخ مظاهر الارتباط بين تعميق التبعية والإفلاس الاقتصادي ، والتدهور السريع والمتواصل لأوضاع الطبقات الشعبية منذ بداية العشرية الثانية من الالفية الثالثة بشكل خاص . وكان ذلك هو القاعدة الموضوعية التي انطلقت على اساسها حركة 20 فبراير التي كشفت الطبيعة الحقيقية للإجماع اللاّوطني ، وأظهرت من جديد قدرة الشعب المغربي على خوض الكفاح الجماهيري القاعدي والدفاع عن لقمة عيشه وكرامته . مظاهر الافلاس الاقتصادي على الابواب : 1 ) امام الازمة المالية الخانقة والعجز الهيكلي الدائم للميزان التجاري الذي قفز في اربعة اشهر الى 69 مليار درهم بدل 5،66 مليار درهم المسجلة خلال الفترة نفسها من السنة الماضية ، وارتفاع كلفة فاتورة استيراد القمح ب 830 مليار درهم ، وزيادة معدل تغطية الصادرات للواردات ب 4،48 في المائة مقابل 2،42 في العام الفائت .. لخ ، لم يعد " النشاط " الاقتصادي قادرا على تمويل الحد الادنى من مشاريع التجهيز والتسيير المسطرة في القوانين المالية . فلأن مجموع الاقتصاد موجه للطلبات الخارجية لا للحاجيات الداخلية ، فإن العوامل الظرفية من جهة ، وسياسة السوق الاوربية من جهة ثانية ، قد قادا سريعا الى انهيار مالي خطير ، حيث مست تناقضات النهج التصديري التبعي كل الصادرات الرئيسية التي تلقت ضربات قوية انتهت ببعض المنتوجات الى الافلاس . وهنا نسجل التقهقر المهول في الصادرات المغربية الى اوربة سواء من الحوامض او الطماطم او الخمور بسبب رفع التكلفة الجمركية .. لخ امام المنافسة القوية لاسبانيا والبرتغال وإسرائيل واليونان . واذا اضفنا الى هذا الوضع الخطير ، الازمة التي صاحبت تصدير النسيج منذ سنوات ، وانخفاض تصدير وسعر الفوسفاط ، وانخفاض تصدير المصبرات ، وان استيراد البترول وحده تمثل اكثر من 90 في المائة من قيمة الصادرات المغربية ، وان المغرب يستورد جزءا هاما من المواد الغذائية والحبوب ، زيادة على استيراد القسم الاكبر من التجهيزات والمواد المستخدمة في الصناعة ... . لخ ، فإن افلاس السياسة التبعية المنتهجة عن سابق سبق وإصرار ، قد سار هو القاعدة الثابتة التي تقوم عليها كل الاجراءات الاقتصادية لحكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية ، والتي لا تخرج عن دائرة التبعية ، بل تعمقها وتواصلها بشكل اكثر عنفا وبشاعة ، في ظل اختيار الهروب الى الامام مثلما هو الامر على الصعيد السياسي ايضا . 2 ) كما يتمثل الخضوع لمراكز القرار الاجنبية في تنفيذ كل تعليمات صندوق النقد الدولي ، هذه التعليمات التي توجه ضربات قاسية في صميم العيش اليومي للجماهير الكادحة ، تحت غطاء ما يسمى بسياسة التقشف التي يمليها هذا الصندوق كشرط لمنح القروض التي وصلت حدا لا يطاق مع عبدالاله بنكيران ، او اعادة جدولة الديون القديمة . ان ما قامت به زمرة بنكيران من مراجعة الميزانية وإلغاء مناصب الشغل المبرمجة ، وتقليص مصاريف التجهيز والتسيير ، وتوقيف كل برامج الاستثمار في جميع القطاعات الاجتماعية ، رغم ما وصلت اليه من ترد وتخلف خطير عن الحاجيات الوطنية ، لهو اعلان عن حرب تجويع وتفقير للشعب الذي لم يعد له ما يخسره غير فك اغلاله والانتفاض ضد حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية . لقد بات نشاط الحكومة البارز هو البحث عن القروض ، واستجداء المعونات والمساعدات من البنوك الدولية والبلدان الخليجية التي اصبحت تمول قسطا كبيرا من مصاريف مؤسسات الدولة . ان مديونية الدولة الخارجية ربطت مصير اجيال قادمة بديون غير مسئولة عنها . 3 ) في ظل هذه الظروف ، يكتسي مسلسل الزيادة في الاسعار ، والإجهاز على صناديق التقاعد بعد افراغها ، وتصفية صندوق الموازنة وفرض الرسوم على التعليم الجامعي ، طابعا خطيرا ، تجاوزت عواقبه كل تقديرات حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية وحساباتها . والمعروف ان المضاربات والزيادات في اثمان المواد الاساسية ، وخاصة منها الغذائية ، لم تتوقف يوما واحدا منذ عبدالرحمان اليوسفي والى عبدالاله بنكيران . فهي شملت السكر ، الزيت ، الحليب ومشتقاته ، الزبدة ، الدقيق ، الخبز ، البنزين ، الغاز ، الخضر .. لخ . اما الاجور والمداخيل فقد ظلت في ركود دائم ، مع العلم ان معدل الدخل في المغرب بالنسبة للفرد الواحد كارثي بامتياز . خلاصات : ان هذه اللوحة الاجمالية القاتمة عن الواقع الاقتصادي الراهن تسمح بتسجيل خلاصات جوهرية ترتبط مباشرة بمميزات الوضع السياسي واحتمالات تطوره : ا – ان الحلول الظرفية والحقنات الخارجية ، مهما كانت ، ستكون عاجزة عن حصر انتشار الفوضى الاقتصادية وتبديد الطاقات الانتاجية ، المادية والبشرية ، لأن ’مركّبات الازمة مرتبطة بشكل عضوي ، وكلها بلغت مستويات عالية من الخطورة : ركود الانتاج ، مأزق الصادرات ، مصاريف حرب الصحراء المهددة بالانفصال . ب – ان هذا الافلاس الاقتصادي الشامل يفتح الباب على مصراعيه امام مضاعفة الامبريالية لتحكمها في مصير بلادنا السياسي ، وتحديد مصير قضيتنا الوطنية ، لأن تعميق التبعية يقترن في ظل حكومة اقطاع سياسي لا وطنية ، بتقوية التحالف مع الاجنبي ، وهذه ممارسة تاريخية لهذه الحكومة التي سرقت الدولة في واضحة النهار وأفقرت الشعب . ج --- ان توسع صفوف المشردين والعاطلين ، وضحايا سياسة حكومة الاقطاع السياسي الاقتصادية ، وعجزها في تلبية الحد الادنى من مطالب الشعب في العيش الكريم ، يشكلان الاساس الموضوعي لتطور نضالية الجماهير الشعبية ، ومواجهتها للحرب الطبقية الشرسة ، وارتفاع وعيها بضرورة مواصلة الكفاح الجماهيري ، حتى تحقيق اهداف التحرر الاقتصادي والاجتماعي والسياسي . فاذا كانت مسافة الالف ميل تبدأ بخطوة ، فقد قطع المغرب منذ العشرية الثانية من الالفية الثالثة والى اليوم مسافة 999 ميلا ، ولم يعد يفصله عن الالف ميل سوى خطوة واحدة . ان انشاء الدستور الديمقراطي وبناء الدول الديمقراطية لم يعودا من الامور المستحيلة او المستعصية ، بل اضحيا اليوم من ابسط الاشياء بفعل التحول الداخلي والخارجي الذي يستعمل ورقة الديمقراطية وحقوق الانسان في التأثير في مسار الشأن الداخلي للدول . ومرة اخرى ، ان ما حصل للسيد عبداللطيف الحموشي في فرنسا ، وما حصل من بهدلة مقصودة لمزوار وزير الخارجية ، وما تصدره جمعيات ومنظمات حقوق الانسان الاممية والدولية ، وما يتضمنه التقرير الامريكي عن اوضاع الديمقراطية وحقوق الانسان ، وما يمثله ملف المهدي بن بركة ، ومتابعة القضاء الاسباني لمسئولين مغاربة بسبب اختفاءات في سبعينات وثمانينات القرن الماضي ... يجعل من المستحيل تكرار مجازر 1965 و 1981 و 1984 و 1991 ، كما يجعل من المستحيل اعدام ضباط كبار دون محاكمات او اعادة فتح تازمامارت جديد او كمبليكس جديد ، او معتقلات سرية جديدة . ان اطلاق الرصاص على المواطنين السلميين المطالبين بالديمقراطية ، وبالدولة المدنية ، وبعدم الافلات من الحساب ، وبالمساواة بين المواطنين وطرح سؤال من اين لم هذا ؟ ، سيكون رصاصة الرحمة التي ستطلقها حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية على القضية الوطنية ، كما ستكون رصاصة الحتمية النهائية للطغاة المستبدين ناهبي المال العام . فهل يرضى احفاد احمد الهيبة ماء العينين الثوار الوحدويين بالصحراء ، وأحفاد موح اوحمو الزياني ثوار الاطلس المتوسط ، وأحفاد المجاهد عبدالكريم الخطابي ثوار الريف ، وأحفاد المختار السوسي ثوار سوس العالمة ، وأحفاد محمد الزرقطوني وعلال بنعبدالله ، ان تستمر حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية في تخريب البلاد والعباد ، وتدمير الحجر والشجر ، وممارسة الاستبداد والطغيان والاعتداء على الناس وحقوقهم ؟
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بانكيمون يعين الكندية كيم بولدوك على رأس المينورسو
-
تطور اساليب القمع بين الاستمرارية والتجديد
-
العنف الثوري
-
قراءة لقرار مجلس الامن رقم 2152
-
فاتح ماي : اسئلة واجوبة
-
النهج الديمقراطي ورقصة الحنش ( الثعبان ) المقطوع الرأس
-
الفقر كفر والكفر فقر
-
الامير ( المنبوذ ) بين الصبيانية والتيه السياسي
-
قراءة في قضية عبداللطيف الحموشي مع تعيين فالس وزيرا اولا بفر
...
-
الله هو صاحب السيادة العليا والامة مصدر السلطات والديمقراطية
-
خارطة الطريق - ستة منطلقات لبناء الدولة الديمقراطية وقلب حكو
...
-
النص الديني والنظام الراسمالي من المرأة وجهان لعملة واحدة
-
هل تراجعت الحكومات الاسلاموية ؟
-
اي سر وراء مصرع الجنرال احمد الدليمي ؟
-
الحزب الشيوعي
-
حركة الجمهوريين المغاربة
-
الاخطاء الكبرى المرتكبة في حق القضية الوطنية
-
اين الحقيقة في تصفية عبدالرزاق لمروري وزجته ؟
-
حق التظاهر في الشارع العام مصر -- المغرب
-
شهور اكتوبر نوفمبر ديسمبر ويناير على الابواب
المزيد.....
-
البحرين.. جملة قالها الشيخ ناصر أمام بوتين وردة فعل الأخير ت
...
-
مردخاي فعنونو: كيف عرف العالِم سر الترسانة النووية الإسرائيل
...
-
وزير الخارجية الإسرائيلي: أخرنا إمكانية امتلاك إيران لسلاح ن
...
-
إسرائيل تضرب وسط إيران.. قصف مبنى في قم وانفجارات في أصفهان
...
-
-تمويل بغباء-.. ترامب يكشف سرا عن سد النهضة
-
سفن وصواريخ.. كيف تساعد أميركا إسرائيل في صد هجمات إيران؟
-
-شالداغ-.. خطة إسرائيل البديلة للتعامل مع منشأة -فوردو-
-
إسرائيل تعلن اغتيال قائد لواء المسيّرات الثاني بالحرس الثوري
...
-
عراقجي لشبكة إن بي سي: خيار التفاوض أو الحرب متروك للأميركيي
...
-
الجامعة العربية تدين الهجوم الإسرائيلي على إيران وتدعو للتهد
...
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|