أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - سبعة واربعون سنة مرت على النكسة - هزيمة 5 جوان 1967 -















المزيد.....


سبعة واربعون سنة مرت على النكسة - هزيمة 5 جوان 1967 -


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 4473 - 2014 / 6 / 5 - 15:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بحلول ستة يونيو 2014 ، تكون قد مرت على النكسة ، هزيمة 1967 سبعة وأربعين سن خلت ، وما تزال تفاعلاتها تفعل فعلتها في الوجدان العربي ، خاصة الاجيال التي عاصرت النكسة والهزيمة ، و لا تزال تتطلع الى البحث عن مسبباتها والدروس المستخلصة منها . واذا كانت الانظمة العربية المعنية بطريق مباشر او غير مباشر بفواجع النكسة قد حاولت محو آثارها حين حضّرت لحرب اكتوبر 1973 ، فان ما زاد الجرح غورا ، هو ان حرب الغفران كما سماها اليهود ، لم تكن حرب تحرير ، بل كانت في وجدان الانظمة حرب تحريك للمفاوضات الجامدة ، وكانت في وجدان الشعوب المستغفلة حرب ازالة آثار الهزيمة . اذا كانت الدولة الصهيونية في حرب 1967 الخاطفة ، قد استطاعت في ظرف ستة ايام من احتلال اكثر من ثمانين الف كيلومتر مربع من الاراضي العربية ، سيناء ، الجولان وبحيرة طبرية ، يهودا والسامرا التي اضحت بعد الحرب تسمى بالضفة والقطاع ، فان مصيبة العرب ان حرب اكتوبر التي حركت المفاوضات باتجاه المصالح الصهيونية ، لم تمحي آثار الهزيمة ، بل عمقتها حين اصبحت اسرائيل على بعد خمسة عشر كيلومتر من دمشق ، وتمكنت من محاصرة الجيش الثالث المصري ، وبدأت تتوغل باتجاه اعادة احتلال سيناء وإلحاق هزيمة نكراء اكثر من هزيمة 1967 بجيوش الانظمة العربية الداخلة في الحرب . وكلنا يتذكر هنا ، انه لو لا التهديد السوفيتي بالتدخل المباشر والتهديد باستعمال الاسلحة الاستراتيجية الروسية في الحرب ، لكانت اسرائيل قد دمرت الجيوش العربية النظامية ، و لكانت هزيمة 1973 ستشكل آخر حرب مفصلية في الصراع العربي الاسرائيلي الذي اختزلته الانظمة العربية العميلة في الصراع الفلسطيني الفلسطيني .
لم تقف الانظمة العربية التي خسرت حرب 1967 و 1973 عند حدود الهزيمة العسكرية ، بل استطاعت الحرب ان تولد ردة فعل انهزامية خيانية ، حين تمكنت اسرائيل من الاستفراد بتأثيث وتفصيل خريطة المنطقة ، وذلك حين نجحت في بث شرخ عميق بين الانظمة العميلة وليس بين الشعوب التي ظلت تجهل اسباب الهزيمة وظلت تتطلع الى حنين صلاح الدين الايوبي للثأر من اسرائيل ، وظلت تعطي الهزيمة ابعادا حضارية ودينية وليس تقنية او طبقية . هكذا سيزور السادات اسرائيل وتنتهي المفاوضات بتوقيع اتفاقية كامبدايفد المذلة للسيادة المصرية ، كما انهى الاردن المحمية الامريكية الاسرائيلية التوتر مع تل ابيب بتوقيع اتفاقية وادي عربة المخزية .
اما قيادة منظمة ( التحرير ) الفلسطينية فقد دخلت في مراتون اسلو ومدريد الذي انتهى بالتنازل عن الاراضي العربية ، وبالتنسيق الامني والمخبراتي مع الكيان الاسرائيلي .
ان الاجيال التي عاصرت النكسة لا تزال تتذكر مرارة تلك الهزيمة التي خذل فيها الفعل العسكري الوجدان الجماهيري ، وكشف ان الحماس المشحون بالولاء للفكر القومي العروبي لم يكن ابدا مجس العصر الذي تعيشه الامة . فبقدر ما اوجد الحماس ردة فعل ضد زمن الموت السياسي ، لم يهيئ الظروف الموضوعية التي تكتشف فيها الجماهير العربية قدرتها على مواجهة المؤامرة الاستعمارية الصهيونية ، الى ان حدث الانكسار العسكري المرير ، فاكتشفت الجماهير العربية التي وضعت ثقتها في انظمتها السياسية ، كم هو الفارق بين الخطب الرسمية عن امكانية دحر العدو الهمجي البربري ، وبين ما حدث في ميادين القتال ، وكشف عن نقط الضعف القاتلة في البناء السياسي والاقتصادي والاستعداد العسكري .
لقد جاءت النكسة لترتد بآثارها العسكرية والنفسية على كامل جماهير الشعب العربي ، وعلى الحركة القومية العربية التي فقدت بريقها النضالي الحماسي في دحر العدوان وهزيمة اسرائيل . وبات لا بد ، والحال هذه ، من مراجعة علمية وموضوعية لتطور الحركة القومية العربية ، سواء اكان هذا التطور سلبا او ايجابا ، ومن خلال رؤى جديدة غير التي دونتها اقلام مثقفيها الاوائل .
بعد الهزيمة سادت الساحة الثقافية والسياسية العربية عدة خطابات ايديولوجية تفسر اسباب النكسة ، فكان الخطاب الديني الذي اعتبر ان السبب فيما حصل هو تخلي العرب عن الدين كعامل متناقض مع المشروع الصهيو – مسيحي ، والمتجسد في عالمنا العربي في التغريب والعلمانية المضرة بالأصول وبالمعتقدات الدينية والدين الاسلامي الذي كان محور الصراع بين الخير والشر ، الظلم والعدل .
الى جانب هذا الخطاب الذي مثله رجال الدين ، كان هناك الخطاب الماركسي الذي عبر عن نفسه من خلال اليسار الجديد الماركسي اللينيني الذي خرج من جب الحركة القومية العربية ، ومن الاحزاب الشيوعية التقليدية المرتبطة آنذاك بموسكو . لقد اعتبر هذا اليسار ان الهزيمة العربية في سنة 1967 هي افلاس مدو للطبقة البرجوازية العربية التي خاضت الحرب ، وان هذه الطبقة التي استنفدت دورها النضالي اثناء النضال ضد الاحتلال الكلونيالي ، لم يعد بمقدورها مواصلة النضال الجدري لهزيمة الامبريالية والاستعمار ، موعزا الهزيمة الى طبيعة المؤسسة العسكرية العربية ، والى نمط الحرب النظامية التي اختارتها الانظمة العربية . ويرى هذا اليسار الماركسي ان الاقتداء بالحرب في الهند الصينية ( الفيتنام والصين ) ، هو المخرج الوحيد لبلورة اشكال الحرب الجديدة التي لخصوها في " الحرب الشعبية الطويلة الامد " وهم هنا يريدون الوصول الى خلاصة تفسر الاسباب الحقيقية للهزيمة ، هي عزلة الانظمة البرجوازية عن الشعب وتهميشها له ، بسبب عدم الثقة وبسبب التناقض الحاصل بين الانظمة البرجوازية وبين جماهير الشعب العربي بكل فئاته الثورية والتحررية . لقد ربحت الفيتنام الحرب ضد الامبريالية الامريكية لان الشعب هو الذي كان يقاتل ، وخسر العرب الحرب لان جيوش الانظمة المنضبطة هي التي ( كانت تقاتل ) لم تكن تقاتل . لقد مثل هذا اليسار الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، وفي المغرب مثلته الحركة الماركسية اللينينية المغربية التي اعتبرت القضية الفلسطينية قضية وطنية ( "منظمة الى الامام " ، " منظمة 23 مارس " و "حركة لنخدم الشعب الماوية " ) .
الى جانب هذين الخطابية الاسلامي والماركسي ، كان هناك الخطاب القومي العربي الذي ارجع اسباب الهزيمة الى اختلال التوازن العسكري بين الدول العربية والدولة العبرية بسبب الدعم اللوجيستيكي الذي وفرته واشنطن ولندن وبرلين وباريس للدولة الصهيونية ، كما ارجع اسباب الهزيمة الى جانب العامل الخارجي ، في عامل داخلي جسده في ضعف الاستعداد العسكري وفي الاخطاء المرتكبة .
ولنا ان نتساءل بعد مرور سبعة وأربعين سنة عن الهزيمة التي سببت نكسة للوجدان والشعور العربي . هل تَمّت اسباب عسكرية هي التي تسببت في الهزيمة ، ام ان هناك اسباب اكثر من الاسباب العسكرية هي التي تسببت في المصيبة المدوية ؟
بالرغم من وجود قوات سياسية مختلفة بالدول التي لم تخض الحرب وانهزمت كتحصيل حاصل للضربة الخاطفة لمطارات القاهرة المكشوفة ، فان الحركة القومية العربية ممثلة بالنظام الناصري والبعثي هي التي ( خاضت الحرب ) ، وهي التي خسرتها ومكنت اسرائيل في ظرف ستة ايام ان تسيطر على اكثر من ثمانين كيلومتر مربع من الاراضي العربية ( سيناء ، الجولان وبحيرة طبيرة ، الضفة والقطاع ) . إذن ما هي العوامل التي جعلت الحركة القومية العربية تتسبب في هذه الخسارة التي ظلت راسخة في الوجدان الانهزامي للمواطن العربي العادي ؟
1 ) دكتاتورية الانظمة البرجوازية الصغيرة التي قادت الحرب :
لا يمكن لأي جيش ان يحقق نصرا في المعارك التي يخوضها على الحدود او في الخارج ، إذا لم يكن مسنودا بحركة جماهيرية تدعمه من الظهر وتقف سدا منيعا لجميع الاختراقات التي يمكن ان تحصل بسبب التناقض بين الحاكمين والمحكومين . ان اي حركة تاريخية كيفما كانت شعاراتها ، وإيديولوجيتها ومستوى اندفاعها ، لا يمكنها ان تنجح بدو ن الاستناد الى الجماهير ، لان الانعزالية السياسية والطبقية عن الجماهير هي سبب جميع الهزائم وسبب جميع المصائب التي المت ولا تزال تلم بالوطن العربي ، ورغم حصول ( الربيع العربي ) فلا تزال حليمة على عادتها القديمة ، الخوف والتوجس من الجماهير . وفي دراسة التاريخ في ضوء المعنى السياسي والاجتماعي للحركات التاريخية الكبرى في العالم ، نجد ان هذه الحركات نجحت في تحقيق مراميها ، بالجماهير الشعبية التي تصنع التاريخ . وان احد المبادئ الرئيسية للماركسية ، هو اعتبار الطبقات الاجتماعية الاكثر التصاقا بالقوى الانتاجية ، هي الطبقات التي تؤول اليها مقاليد الامور في ادارة الدولة وصنع التاريخ .
في الغرب اللائيكي لم يختلف الامر عما هو عليه الحال في ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي المنحل ، فالمواثيق الكبرى للحركات والهزات الاجتماعية ، وضعت خاتمة للصراع بين الجماهير والحكم ، لمصلحة الجماهير التي غدت تحكم نفسها بنفسها في ما يعرف بالديمقراطية الانتخابية التي تحسمها صناديق الاقتراع . ففي تجارب الحركات التاريخية الكبرى في العالم ، صنعت الجماهير تاريخها ، فاستقرت الاوضاع سواء في الديمقراطيات الغربية او فيما كان يعرف بالمعسكر الاشتراكي في شكل ضمير اجتماعي وصياغات قانونية لا تثير حماسا او تلهب خيالا .
اما الحركة القومية العربية ، فقد شيدت في تجاربها انظمة اجتماعية مطلقة واستبدادية تتطابق فيها كل القيم والنظم في المجتمع مع الغاية التي تريدها السلطة ، ولو ’أكره الناس على ذلك اكراها . لذلك تكرّست بشكل مخز عبادة الشخصية ، وتبدّى الاستبداد الذي يتخفى وراء صورة مزيفة للديمقراطية ، فقد ’فرض على الناس ان يفكروا وان يتصرفوا لا على نحو ما يريدون ، بل طبقا لتعليمات مفروضة عليهم من فوق . ولم تتغير الحال في تجارب الحركة القومية العربية منذ الخمسينات والى اليوم تصورا من ان هذه البنى الاجتماعية المطلقة هي النماذج النهائية الى يطرحها الفكر القومي .
بيد ان الرصد العياني يكشف التفافا جماهيريا حول زعامة جمال عبد الناصر في الخمسينات والستينات ، وهذا الالتفاف ليس مرده رضاء الجماهير بالأنظمة المطلقة ، ولكنه بسبب ضمير نفسي واجتماعي وثقافي في مرحلة المواجهة مع الاستعمار والصهيونية ، وإعادة التشييد الوطني .
في زمننا الراهن الموبوء والرديء فان الجماهير الشعبية انفضّت عن قيادات الحركة القومية العربية بسبب التناقض الصارخ بين الشعارات والواقع . ان ما حصل لصدام حسين ويحصل اليوم لبشار الاسد وحصل للقدافي ، وما يجري باليمن بين الشمال والجنوب ، لهو دليل ساطع عن فك الارتباط بين الجماهير العربية وبين الانظمة القومية التي تجردت من الشعارات التحررية وانغماسها في المشاريع الغربية التي بلغت التنسيق المخابراتي والأمني بما يقدم خدمات هامة للدولة الصهيونية .
ان التبدل الذي حصل في الوطن العربي باتجاه اقطاره نحو التعددية السياسية له مغزى كبير ، إذ لم تعد الجماهير تستسيغ الانظمة الاجتماعية المطلقة ، التي يختار فيها الناخبون الدكتاتورية اختيارا حرا في انتخابات تبدو حرة ، لكنها في حقيقتها غير ذلك ، انتخابات مصطنعة لتكريس الاستبداد والشمولية .
ومما لا يستطيع احد المماراة فيه ان الحركة القومية العربية ، و إن حملت بشعارات التحرير والوحدة والحرية والاشتراكية ، إلاّ انها شيدت انظمة اجتماعية مطلقة ، فان دساتيرها ومؤسساتها الدستورية ، لم تعكس اسهاما جماهيريا وشعبيا ( احزاب ، نقابات عمالية ومهنية ، اتحادات وجمعيات ) ، لأن هذه الدساتير والمؤسسات لم تكن من صنع الجماهير اساسا ، وإنما من سلطة الحاكم نفسه .
هكذا غدت الانظمة الاجتماعية التي شيدتها الحركة القومية العربية ، نظما تعتمد على سبات الوعي وتزييفه ولا توافق الروح التي انشأتها . ان الوحدة العربية اصبحت شعارا ’يرفع في مراحل النضال السياسي والفكري ، ولا يهم ان يتحقق اولا يتحقق . وحينما يراد تحقيقه فان ’عبّاد الوحدة لا تقودهم معبودتهم الوحدة ، وإنما هم الذين يجرونها من خطام انفها لتظهر على الصورة التي يريدون ان تظهر بها .
وما ينطبق على الوحدة العربية ينطبق على الاشتراكية التي تبلورت في شكل تمايز اجتماعي صارخ بصعود طبقات اجتماعية الى مركز صنع القرار في المؤسسات الانتاجية ، فأخذت دون ان تعطي ، و أثرت دون ان تضحي ، وانتهت الامور بعد ان حققت لنفسها كل هذه الامتيازات الى اصابتها بالتحلل والفساد والوقوف في وجه كل محاولة لدفع المجتمع نحو التقدم .
2 ) وحدة فوقية و لا تغيير او اصلاحات :
بالرجوع الى تاريخ الحركة القومية العربية وبالضبط في جناحها الناصري والبعثي ، نجد انها راهنت كثيرا ، بل وضعت كل بيضها لإنجاز الوحدة العربية ، لكنها لم تكن وحدة قاعدية شعبية حيث كان الشعب خارج معادلات الانظمة ، بل كانت وحدة بين الانظمة القومية ، مع اغفال التغيير والإصلاح الذي وحده يعطي الجماهير فرص التعلق بالأنظمة القومية . وما دام الاصلاح لم يحصل والمطالب الشعبية التي تاجرت بها الانظمة ظلت فقط كشعارات ولم تطبق في الواقع ، فان الجماهير ظلت في واد والأنظمة في آخر ، كما ان حال الجماهير التي عولت على التغيير بتغيير الانظمة التي اصبحت بيد القومين ، زاد سوءا عما كان عليه في الانظمة السابقة .
لقد ابدعت الانظمة القومية العربية في محاولات تحقيق الوحدة العربية الفوقية ، لكنها فشلت في تحقيق الوحدة الشعبية التحتية ، وفشلت في تحقيق التغيير المنشود ببناء الديمقراطية والإصلاحات الاقتصادية . لقد كان اول وحدة فوقية هي تلك التي شيدها جمال عبدالناصر مع سورية في سنة 1958 ، اي بعد سبع سنوات على قيام الانقلاب العسكري ، ولأسباب تتعلق بالهيمنة والسيطرة تشتت تلك الوحدة التي ابهرت القوى التي كانت تعتبرها رد فعلي على اغتصاب فلسطين والعودة الى زمن صلاح الدين الايوبي والنهوض بالأمة كأمة عريقة التاريخ والأمجاد من بين الامم الاخرى . ثم جرت محاولات وحدوية عديدة حينما حاول البعثيون عام 1963 اقامة وحدة بين مصر وسوريا والعراق ، وحينما حاولت ليبيا اقامة سلسلة من الاتحادات عام 1969 مع السودان وسوريا ، وعام 1971 مع مصر وسوريا ، وعام 1972 مع مصر ، وعام 1974 مع تونس ، وعام 1980 مع سوريا ، وعام 1984 مع المغرب .
ان من الاخطاء الجسيمة للحركة القومية العربية ، انها اضطلعت بمهام صعبة حينما رفضت الواقع العربي ، فشرّعت من طرائق النضال وإعادة البناء بما كان يصطدم بشدة بهذا الواقع . مثلا اشترطت الحركة القومية العربية في تشييد الوحدة العربية قيام انظمة سياسية عربية تنتسب الى الفكر القومي العروبي الوحدوي ، فجاء نضالها السياسي انقلابا عسكريا باسم الثورة الموءودة رفضته الانظمة العربية المحافظة ، ورفضته اساسا القوى الامبريالية الحاضنة .
وفي اعادة البناء ، رسمت الحركة القومية العربية منهجا يستند الى اعادة بناء العلائق الاجتماعية والاقتصادية على اساس الاشتراكية الانسانية ووجوب تحقيق العدالة الاجتماعية ، فاتجهت دون ابطاء في تجاربها – متأثرة بتجربة المعسكر الاشتراكي المنحل -- الى تأميم ملكية المؤسسات الاجتماعية ذات النفع العام وحاصرت المشروع الفردي والمبادرة الحرة وان لم تلغهما في معادلتها الجديدة .
وفي مجال اعادة التشييد الوطني والقومي التي استندت على الاشتراكية وتحقيق العدالة الاجتماعية ، لم تؤت هذه الخطوة ثمارها بعد ان استخدمت طبقات اجتماعية الاشتراكية لخدمة مصالحها الخاصة المتميزة ، فأخذت دون ان تعطي وأثرت دون ان تضحي . لقد استحوذت هذه الطبقة على مركز صنع القرار السياسي والاقتصادي في الدولة والمؤسسات . هكذا بدا المبدأ الاشتراكي امام الجماهير آفة دفعت بقطاعات واسعة منها الى ان تعيش تحت خط الفقر ، في حين تعيش طبقات متميزة في بحبوحة من الترف . لقد مضى عقد الخمسينات والستينات دون ان تحقق حركة القومية العربية نموذجا وحدويا يمكن اعتباره بؤرة اشعاع ومرتكزا من مرتكزات الانطلاق نحو تشييد الوحدة العربية الكبرى والنهضة العربية عامة . وما ان حل عقد السبعينات حتى بدت جملة عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية تحدث اثرها المعاكس تماما لمنطلقات حركة القومية العربية ، فالرمز التاريخي لها مات في بداية السبعينات ، وحاولت بعض قواها في الاقطار العربية ان توقظ الوعي القومي او ان تسد فراغا ، ولكن دون جدوى ، لأن آليات التجزئة والتبعية الاقتصادية للرأسمالية العالمية كانت اقوى من هذه الارهاصات . وبدخول مصر وسوريا الحرب ضد اسرائيل في اكتوبر 1973 ، وبانقضاء هذه الحرب بمكاسبها التعبوية المحدودة ، ومكاسبها المعنوية غير المحدودة ، حلت فترة جديدة في الوطن العربي يمكن ان نطلق عليها فترة انتصار الثروة على الثورة ، بل انها الفترة التي اسرعت بالموت البطيء لحركة القومية العربية . لقد كانت اتفاقية كامب دايفد المذلة للسيادة المصرية ضربة موجعة للفكر القومي ولحركة القومية العربية ، وبحلول فترة ( الربيع العربي ) تكون هذه الفترة بمثابة رصاصة الرحمة التي اطلقت على المشروع الوحدوي للحركة القومية العربية . لقد اعدم صدام حسين وابعد حزب البعث عن السلطة ، وقتل معمر القدافي وتم وضع نهاية لتجربة دكتاتورية حكمت باسم القومية العربية ، وتم تدمير سورية وأصبحت سلطة البعث وبشار في دمشق العاصمة ، كما ابعد علي صالح وظهرت قوات سياسية عقائدية مثل الحوتيين ومثل الجنوب الذي يناضل من اجل الانفصال بدل الوحدة . والكل يتذكر كيف انفرط عقد جبهة الصمود والتصدي ، التي ما صمدت امام احد ولا تصدت لآخر . فبدا ان بعض القوى التي لا تزال ترفع شعارات القومية ، قد تخلت امام هذا الواقع المر ، عن المطلب المتطرف للوحدة العربية ( الانقلابات ) وعادت تتلمس طريق الوحدة بأسلوب التطور التاريخي الذي يفرضه منطق العصر ، عصر تجمع القوى الانتاجية وفعاليتها ، وانعكاسات هذا التجمع على الجماهير الفقيرة ، ومن ثم القدرة على استمالتها والتقرب اليها نحو الهدف الوحدوي .
هل لا يزال هناك امل لتحرير فلسطين ؟ :
من بين الاسس التي ارتكزت عليها حركة القومية العربية في سبيل الوحدة ، كان تحرير فلسطين . والكل لا يجهل ان رواد الفكر القومي العربي كانوا مسيحيين وليس مسلمين ( ميشيل عفلق ، جورج حبش ، ربما حواتمة .. لخ ) . و بالرجوع الى مختلف المحطات التي مرت بها حركة القوميين العرب في صراعها مع الغرب وإسرائيل ، نسجل ان محطاتها كانت كلها هزائم مدوية وانتكاسات مؤلمة . لقد احتل اليهود فلسطين وانشئوا الدولة اليهودية . وحين اصدر مجلس الامن قرار التقسيم في سنة 1947 رفضه القوميون العرب رغم ان الاتحاد السوفيتي كان اول دولة تعترف بإسرائيل وبالتقسيم ، وفي خضع حرب الدعاية التي قادتها حركة القوميين العرب لمجابهة دول اسرائيل وتحرير فلسطين ، كانت النتيجة نكسة 1967 باحتلال اسرائيل في ظرف ستة ايام لما مجموعه 84 الف كيلومتر مربع من الاراضي العربية ، وكلها اراضي ترجع ملكيتها لدول على رأسها انظمة قومية ( مصر ، سورية ) . وفي خضم الاستعداد لرد الاعتبار ، سادت صراعات حادة بين انظمة تدعي الانتساب الى القومية وتحكم من قبل نفس الحزب القومي البعثي ( دمشق وبغداد ) كما تعمقت الاختلافات بخصوص تفسير اسباب الهزيمة بين القاهرة وبين دمشق وبين بغداد . وهنا لا بد من الاشارة الى ان تفسير اسباب الهزيمة في الخطاب الاسلامي والماركسي لم يكن جادا . بل كان طوباويا . فاذا كان الخطاب الاسلامي يرد سبب الهزيمة الى تخلينا عن الدين ، فان اسرائيل التي حققت الانتصارات خاضت الحرب كدولة علمانية وليس يهودية . اما الخطاب الماركسي الذي رد اسباب الهزيمة الى فشل الانظمة البرجوازية العربية وانتهاءها كطبقة ، والى نظامية الجيوش العربية التي خاضت الحرب ، رافعا شعار " حرب الشعب الطويلة الامد " ، فانه رده كان طوباويا ولا يرتكز على تحليل دقيق للوضعية ، بل كان مسترشدا بتجربة حرب الهند الصينية التي مرغ فيها الشعب الفيتنامي انف الاستعمار الفرنسي وبعده الاستعمار الامريكي . لكن الذي يجهله الخطاب الماركسي ، ان الطبقة البرجوازية في اسرائيل وليس الطبقة العمالية هي التي خاضت الحروب وحققت الانتصارات . كما ان اسرائيل التي خاضت الحروب خاضتها بجيوش اكثر نظامية من الجيوش العربية التي انهزمت في جميع حروبها بالمنطقة .
اذن ما العمل لتحرير فلسطين ؟ :
1 ) يجب الغاء الفكر القومي العروبي الذي استحال اليوم الى ارخبيل من النسيان بسبب الخسارات المتتالية التي اصيب بها خاصة بعد موجة ( الربيع العربي ) التي شطبت الانظمة المحسوبة عليه ( علي صالح ، القدافي ، بشار ، ومن قبل صدام ) . ان تركيز الصراع بين العرب وإسرائيل فيه اختزال للصراع الذي يجب ان يتحول الى صراع امة ضد امة ، اي الاسلام في مواجهة اليهودية والمسيحية . ان هذا الشكل من الصراع هو وحده الكفيل بتوسيع قاعدة المجابهة بين الشعوب الاسلامية ، بما فيها القوميين والماركسيين والليبراليين ، اي ان تكون المواجهة شاملة تنتصر لفلسطين وليس للاثنية او العرقية .
2 ) ان اشكال المواجهة التي كانت تعتمدها الانظمة القومية قد ادت الى الهزائم المتوالية والى الانتكاسات المتعاقبة . واذا كان الماركسيون يبنون استراتيجيتهم التحررية على اسلوب حرب الشعب " حرب الشعب الطويلة الامد " ، فان هذا الشكل من الحرب وان كان هاما ودو مردود عالي ، بخلاف الحرب النظامية التي تخوضها الجيوش ، فان ادخال جميع فنون الحرب المؤثرة مثل العمليات الاستشهادية و السيارات والشاحنات المفخخة ، وتفخيخ المسارب والطرقات ... يعطي لحرب الشعب زخما اقوى في عملية التحرير . يمكن للعدو ان يحقق نصرا سريعا على الجيوش النظامية بسبب التفوق التقني العسكري ، لن يستحيل ان يحقق النصر السريع ضد الجنود الاشباح من مقاومة واستشهاديين التي تباغته دون ان يدري مكان وساعة الضربة .
3 ) على الجماهير العربية ان تتحرك للضغط على حكامها من اجل تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك ، ليس بهدف خوض الحرب النظامية التي ستخسرها الانظمة ، بل تقديم الدعم للمقاومين والاستشهاديين في حربهم التي يجب ان تكون متواصلة ، وعند اشتداد ظروف المعركة .
4 ) لا بد من انخراط الجميع انظمة وشعوبا في حرب التحرير . هنا يجب على الانظمة خاصة البترولية الخليجية ان تستخدم في المعركة سلاح النفط والغاز ، كما تستعمل اموالها المودعة في الابناك الامريكية والأوربية بسحبها وإيداعها في مصاريف الدول التي تدعم وتساند القضايا العربية مثل روسيا الاتحادية ، الصين ، البرازيل ، اندونيسيا ، ماليزيا ، الهند .. لخ .
5 ) لا بد لجميع الدول العربية والإسلامية المتضامنة مع القضايا العربية ان تدشن مقاطعة للموارد الغربية وموارد جميع الدول التي تناصر اسرائيل كدولة احتلال على حساب القضايا العربية العادلة .
6 ) اذا كان العرب قد خسروا جميع حروبهم مع اسرائيل ، فان اعتماد هذا الشكل من المقاومة وحده كفيل بإزالة عار هزيمة 5 جوان 1967 ، وإزالة عار 1948 وعار 1973 . لقد انهزمت الجيوش العربية مجتمعة في ظرف ستة ايام حيث احتل الصهاينة الجولان وبحيرة طبرية وسيناء والضفة والقطاع ، لكن استطاع حزب الله اللبناني لوحده ان يصمد امام الآلة العسكرية الصهيونية لأكثر من شهر . ان اسلوب المقاومة يبقى الاسلوب الانجع لاسترداد ما ضاع بمباركة الغرب الامبريالي والأمم المتحدة .




#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - الائتلاف من اجل التنديد بالدكتاتورية بالمغرب -
- الاسس البنيوية والازمة الراهنة للوضع الاقتصادي والاجتماعي ال ...
- بانكيمون يعين الكندية كيم بولدوك على رأس المينورسو
- تطور اساليب القمع بين الاستمرارية والتجديد
- العنف الثوري
- قراءة لقرار مجلس الامن رقم 2152
- فاتح ماي : اسئلة واجوبة
- النهج الديمقراطي ورقصة الحنش ( الثعبان ) المقطوع الرأس
- الفقر كفر والكفر فقر
- الامير ( المنبوذ ) بين الصبيانية والتيه السياسي
- قراءة في قضية عبداللطيف الحموشي مع تعيين فالس وزيرا اولا بفر ...
- الله هو صاحب السيادة العليا والامة مصدر السلطات والديمقراطية
- خارطة الطريق - ستة منطلقات لبناء الدولة الديمقراطية وقلب حكو ...
- النص الديني والنظام الراسمالي من المرأة وجهان لعملة واحدة
- هل تراجعت الحكومات الاسلاموية ؟
- اي سر وراء مصرع الجنرال احمد الدليمي ؟
- الحزب الشيوعي
- حركة الجمهوريين المغاربة
- الاخطاء الكبرى المرتكبة في حق القضية الوطنية
- اين الحقيقة في تصفية عبدالرزاق لمروري وزجته ؟


المزيد.....




- بالأرقام.. حصة كل دولة بحزمة المساعدات الأمريكية لإسرائيل وأ ...
- مصر تستعيد رأس تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني
- شابة تصادف -وحيد قرن البحر- شديد الندرة في المالديف
- -عقبة أمام حل الدولتين-.. بيلوسي تدعو نتنياهو للاستقالة
- من يقف وراء الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في الجامعات الأمريك ...
- فلسطينيون يستهدفون قوات إسرائيلية في نابلس وقلقيلية ومستوطنو ...
- نتيجة صواريخ -حزب الله-.. انقطاع التيار الكهربائي عن مستوطنت ...
- ماهي منظومة -إس – 500- التي أعلن وزير الدفاع الروسي عن دخوله ...
- مستشار أمريكي سابق: المساعدة الجديدة من واشنطن ستطيل أمد إرا ...
- حزب الله: -استهدفنا مستوطنة -شوميرا- بعشرات صواريخ ‌‏الكاتيو ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - سبعة واربعون سنة مرت على النكسة - هزيمة 5 جوان 1967 -